دموع وفرح ودمار في الرقة المحررة من «داعش»

مدنيون تحدثوا عن احتجازهم رهائن لدى التنظيم

جيهان شيخ احمد المتحدثة باسم {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة أمس ({الشرق الأوسط})
جيهان شيخ احمد المتحدثة باسم {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة أمس ({الشرق الأوسط})
TT

دموع وفرح ودمار في الرقة المحررة من «داعش»

جيهان شيخ احمد المتحدثة باسم {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة أمس ({الشرق الأوسط})
جيهان شيخ احمد المتحدثة باسم {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة أمس ({الشرق الأوسط})

منذ 4 أشهر تحولت الرقة إلى ساحة معركة، ولدى التجول بين المناطق المحررة، تبدو مظاهر الدمار الذي حل بها واضحة جراء شدة المعارك، حيث يمكن رؤية حطام المنازل التي أصبحت أثراً بعد عين ولم يبقَ منها سوى الأطلال. أما الأحياء التي نجت من القصف، فلم تسلم أبوابها ونوافذها من ضغط الانفجارات في المناطق المحيطة بها. ومع ذلك، لم تختفِ مظاهر الفرح؛ سواء بين من تبقى من الأهالي، أو مقاتلي «سوريا الديمقراطية»؛ إذ نصبت حلقات الدبكة في «ساحة النعيم» وسط مدينة الرقة، وحمل المقاتلون أعلام «قوات سوريا الديمقراطية» وهم يرددون الهتافات. وشهد أغلب مدن وبلدات محافظة الرقة مسيرات بالسيارات فرحاً بالسيطرة على المدينة.
«دوار النعيم» كان آخر الجيوب التي قاتل فيها العشرات من المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم المتطرف، ورفع مقاتلو «قسد» أعلامهم فيها، في إشارة لقرب انتهاء العمليات العسكرية.
وفي لقائها مع صحيفة «الشرق الأوسط»، قالت روجدا فلات، قائدة حملة «غضب الفرات»: «نقف اليوم في (دوار النعيم) الذي سمي في زمن مرتزقة (داعش) (ساحة الجحيم) نظراً إلى الإعدامات التي نفذها بحق كل مناهض ومعارض لفكرهم وإمارتهم المزعومة». وأضافت أن الساحة تحررت بالكامل، إلى جانب تحرير المستشفى الوطني أمس، مضيفة: «لم يتبق أمامنا إلا بعض النقاط، وعمليات التمشيط جارية للقضاء على الخلايا النائمة وتطهير المدينة من الألغام».
وبقي عدد قليل من المقاتلين الأجانب يقاتل حتى اللحظات الأخيرة. وأكدت جيهان شيخ أحمد، المتحدثة الرسمية باسم «قوات سوريا الديمقراطية»، مقتل نحو 30 عنصراً من تنظيم داعش في المعارك الأخيرة، مؤكدة «استسلام 22 عنصرا (داعشيا) لقواتنا، ونقلوا إلى مراكز الاحتجاز للتحقيق معهم وإحالتهم إلى المحاكم المختصة».
ومنذ شهر يونيو (حزيران) الماضي، تم إطباق الحصار على الرقة بالكامل، وأصبح سكان الرقة رهائن في قبضة عناصر التنظيم، وبعد تحرير مزيد من الأراضي، اتُخذ المدنيون المتبقون دروعاً بشرياً، وكانوا عالقين بين هجوم «قوات سوريا الديمقراطية» براً، وطائرات التحالف الدولي جواً، وقناصة التنظيم الذين كانوا يملأون الشوارع ويمنعون الأهالي من مغادرة المناطق التي بقيت تحت سيطرته، قبل أن يطردوا منها لاحقاً قبل يومين.
هيثم الظاهر (48 سنة)، كان آخر المدنيين الذي لاذوا بالفرار من قبضة عناصر تنظيم داعش، وينحدر من مدينة دير الزور (شرق سوريا)، وكان يعمل في «شركة الفرات للنفط» لمدة 15 سنة، وبعد تعرض مدينة دير الزور للحصار قبل عامين، قرر الانتقال للرقة.
هيثم تمكن من الهرب برفقة زوجته وبناته الثلاث، أمس، وبعد تحرير «دوار النعيم» توجه إلى قوات «قسد» رافعاً العلم الأبيض، وعبر عن مشاعره المختلطة بالقول: «كنت أسكن بجانب الحديقة المرورية بمدينة الرقة. لم نتمكن من الهرب حتى وصلت الاشتباكات إلى مقربة منا. قررنا أنا وزوجتي و7 عوائل أخرى، الاختباء في قبو مهجور، بقينا 3 أيام مختبئين، كان الطعام ينفد تدريجياً، والماء كاد ينتهي. خطتنا كانت ستكشف لو تأخرت المعركة يوما واحدا فقط. عشنا أصعب اللحظات؛ حيث كنا نسمع أصوات الاشتباكات والقصف العنيف، لكن قررنا البقاء، والحمد لله فرجت علينا وتمكنا من الهرب».
وتروي زوجة هيثم، وتدعى ملكة (38 سنة)، أنهم تنقلوا خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي 14 مرة، وتزيد: «عندما كانت المعارك تتقدم، كان عناصر التنظيم يأمروننا بتغير المكان، متخذين منا دروعاً بشرية، لدرجة أننا لم نعد نملك أي شيء. يشهد الله حتى لبسنا هذا ليس ملكنا. كنا نلبس من البيت الذي كنا نهرب إليه ونبقى فيه يوما أو يومين».
وعن الحياة داخل مدينة الرقة آخر شهر، تضيف ملكة: «كنا نصطف في طابور طويل للحصول على 20 لتر ماء للشرب، ومثلها ماء مالح للغسيل. أحيانا كنا ننتظر لأكثر من 5 ساعات». وتنهي كلامها بالقول: «بقيت سنتين في الرقة. كل الصور التي سأستذكرها لاحقاً قاسية ومؤلمة ولن أنساها طوال عمري».
وغلب آخرون الفرحة على الذكريات الأليمة؛ إذ يقول محمد موسى، عامل في شركة حكومية سورية ويقيم في مدينة تل أبيض، لوكالة الأنباء الألمانية: «نحن فرحون جداً. أبناؤنا هم من حرر المدينة بدمائهم من تنظيم داعش الذي أرهب البشر والحجر على مدى أكثر من 3 سنوات ونصف. نريد العودة إلى بيوتنا حتى وإن كانت مدمرة. نريد الخلاص من النزوح».
ويطالب الشارع في الرقة اليوم، بحسب استطلاع لوكالة الأنباء الألمانية، بإجراء تحقيق مباشر من أجل الكشف عن مصير معتقلي الرأي لدى «داعش»، وتسليم المدينة لأهلها، وليس لمجلس من طرف {سوريا الديمقراطية} فقط.



«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
TT

«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)

تثير تحركات تشكيل «حكومة موازية» في السودان، مخاوف مصرية من تفكك البلاد، التي تعاني من حرب داخلية اندلعت قبل نحو عام ونصف العام، وشردت الملايين. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن «بلاده مع استقرار السودان ومع بسط سيادته على كل الأراضي السودانية»، مشيراً إلى أن «هذا أمر ثابت في السياسة الخارجية المصرية ولا يمكن أن تتزحزح عنه».

واعتبر وزير الخارجية، في مؤتمر صحافي مشترك، مع المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط دوبرافكا سويتشا، «تشكيل أي أطر موازية قد تؤدي إلى تفكك الدولة السودانية خطاً أحمر بالنسبة لمصر ومرفوضاً تماماً»، مضيفاً: «ندعم الشرعية. ندعم مؤسسات الدولة السودانية، وندعم الدولة، لا ندعم أشخاصاً بأعينهم».

ويرى خبراء ومراقبون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن الموقف السياسي المصري الداعم بقوة لمؤسسات الدولة، والرافض لتشكيل أي أطر موازية، هدفه حماية السودان من التمزق، لكنه يظل رهن تباينات إقليمية تعقد حل الأزمة.

ويمهد توقيع «قوات الدعم السريع» وحركات مسلحة وقوى سياسية ومدنية متحالفة معها بنيروبي، الأسبوع الماضي، على «الميثاق التأسيسي»، الطريق لإعلان حكومة أخرى موازية في السودان، في مواجهة الحكومة التي يقودها رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من القاهرة، قبل أيام، عدَّ وزير الخارجية السوداني، علي يوسف الشريف، أن تحرك تشكيل «حكومة موازية» في مناطق سيطرة قوات «الدعم السريع» لا يحظى باعتراف دولي، مشيراً إلى أن «دولاً إقليمية ودولية تدعم موقف بلاده في هذه القضية».

وجددت مصر، الأحد، رفضها مساعي تشكيل «حكومة موازية» بالسودان، ووصفت الخارجية المصرية، في بيان رسمي، الأحد، ذلك، بأنه «محاولة تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان».

وأضاف البيان أن تشكيل حكومة سودانية موازية «يُعقد المشهد في السودان، ويعوق الجهود الجارية لتوحيد الرؤى بين القوى السودانية، ويفاقم الأوضاع الإنسانية»، فيما طالبت كافة القوى السودانية بتغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد والانخراط في إطلاق عملية سياسية شاملة دون إقصاء أو تدخلات خارجية.

وحسب الوزير المصري عبد العاطي، فإن «مصر على تواصل مع كل الأطراف المعنية لنقل وجهه نظرها وموقفها الواضح والثابت»، وأضاف: «بالتأكيد نحن مع السودان كدولة، ومع السودان كمؤسسات، ومع السودان بطبيعة الحال لفرض سيادته وسيطرته على كل الأراضي السودانية».

وتستهدف مصر من رفض مسار الحكومة الموازية «دعم المؤسسات الوطنية في السودان، حفاظاً على وحدته واستقراره، وسلامته الإقليمية»، وفق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تعمل على حشد الدعم الدولي والإقليمي لوقف الحرب ونفاذ المساعدات الإنسانية، ووضع خطط لإعادة الإعمار».

وتنظر القاهرة لحكومة بورتسودان باعتبارها الممثل الشرعي للسودان، والمعترف بها دولياً، وفق حليمة، ودلل على ذلك بـ«دعوة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، للأمم المتحدة، وزيارة دول مختلفة، كممثل شرعي عن بلاده».

وترأس البرهان وفد السودان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويعتقد حليمة أن إجهاض مساعي «الحكومة الموازية» لن يتحقق سوى بـ«التوافق على مسار سياسي، من خلال حوار سوداني - سوداني، تشارك فيه كل الأطراف، ويفضي لتشكيل حكومة مدنية مستقلة لفترة انتقالية»، وطالب بالبناء على مبادرة مصر باستضافة مؤتمر للقوى السياسية السودانية العام الماضي.

وجمعت القاهرة، في شهر يوليو (تموز) الماضي، لأول مرة، الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية السودانية، في مؤتمر عُقد تحت شعار «معاً لوقف الحرب»، وناقش ثلاث ملفات لإنهاء الأزمة السودانية، تضمنت «وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية ما بعد الحرب».

في المقابل، يرى المحلل السياسي السوداني، عبد المنعم أبو إدريس، أن «التحركات المصرية تواجه تحديات معقدة، بسبب دعم دول إقليمية مؤثرة للقوى الساعية لتشكيل حكومة موازية، في مقدمتها (الدعم السريع)»، مشيراً إلى أن «الموقف المصري مرهون بقدرتها على تجاوز الرفض الدبلوماسي، وقيادة تحركات مع الفرقاء السودانيين وحلفائها في الإقليم».

ويعتقد أبو إدريس، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن اختراق القاهرة لأزمة «الحكومة الموازية»، «لن يكون سهلاً، في ضوء تأثير الجهات الدولية والأطراف الداعمة للقوى السودانية التي تقف خلف هذه الحكومة»، وقال إن «مصر تخشى أن تقود تلك التحركات إلى انفصال جديد في السودان، ما يمثل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية».

ورغم هذه الصعوبات، يرى القيادي بالكتلة الديمقراطية السودانية، مبارك أردول، أن الموقف المصري مهم في مواجهة الأطراف الإقليمية الداعمة لمسار الحكومة الموازية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رفض القاهرة يؤكد أن السودان لا يقف وحده في هذه الأزمة»، وأن «هناك أطرافاً إقليمية داعمة لوحدة واستقرار السودان».

وتعتقد مديرة وحدة أفريقيا في «مركز الأهرام للدراسات السياسية»، أماني الطويل، أن «المواقف الرافضة لهذه الحكومة، التي صدرت من مصر والأمم المتحدة ودول أخرى، يمكن أن تُضعف من الاعتراف الدولي والإقليمي للحكومة الموازية، دون أن تلغيها».

وباعتقاد الطويل، «سيستمر مسار الحكومة الموازية بسبب رغبة شركات عالمية في الاستفادة من موارد السودان، ولن يتحقق لها ذلك إلا في وجود سلطة هشّة في السودان»، وقالت: «الإجهاض الحقيقي لتلك التحركات يعتمد على التفاعلات الداخلية بالسودان، أكثر من الموقف الدولي، خصوصاً قدرة الجيش السوداني على استعادة كامل الأراضي التي تسيطر عليها (الدعم السريع) وخصوصاً دارفور».