منذ 4 أشهر تحولت الرقة إلى ساحة معركة، ولدى التجول بين المناطق المحررة، تبدو مظاهر الدمار الذي حل بها واضحة جراء شدة المعارك، حيث يمكن رؤية حطام المنازل التي أصبحت أثراً بعد عين ولم يبقَ منها سوى الأطلال. أما الأحياء التي نجت من القصف، فلم تسلم أبوابها ونوافذها من ضغط الانفجارات في المناطق المحيطة بها. ومع ذلك، لم تختفِ مظاهر الفرح؛ سواء بين من تبقى من الأهالي، أو مقاتلي «سوريا الديمقراطية»؛ إذ نصبت حلقات الدبكة في «ساحة النعيم» وسط مدينة الرقة، وحمل المقاتلون أعلام «قوات سوريا الديمقراطية» وهم يرددون الهتافات. وشهد أغلب مدن وبلدات محافظة الرقة مسيرات بالسيارات فرحاً بالسيطرة على المدينة.
«دوار النعيم» كان آخر الجيوب التي قاتل فيها العشرات من المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم المتطرف، ورفع مقاتلو «قسد» أعلامهم فيها، في إشارة لقرب انتهاء العمليات العسكرية.
وفي لقائها مع صحيفة «الشرق الأوسط»، قالت روجدا فلات، قائدة حملة «غضب الفرات»: «نقف اليوم في (دوار النعيم) الذي سمي في زمن مرتزقة (داعش) (ساحة الجحيم) نظراً إلى الإعدامات التي نفذها بحق كل مناهض ومعارض لفكرهم وإمارتهم المزعومة». وأضافت أن الساحة تحررت بالكامل، إلى جانب تحرير المستشفى الوطني أمس، مضيفة: «لم يتبق أمامنا إلا بعض النقاط، وعمليات التمشيط جارية للقضاء على الخلايا النائمة وتطهير المدينة من الألغام».
وبقي عدد قليل من المقاتلين الأجانب يقاتل حتى اللحظات الأخيرة. وأكدت جيهان شيخ أحمد، المتحدثة الرسمية باسم «قوات سوريا الديمقراطية»، مقتل نحو 30 عنصراً من تنظيم داعش في المعارك الأخيرة، مؤكدة «استسلام 22 عنصرا (داعشيا) لقواتنا، ونقلوا إلى مراكز الاحتجاز للتحقيق معهم وإحالتهم إلى المحاكم المختصة».
ومنذ شهر يونيو (حزيران) الماضي، تم إطباق الحصار على الرقة بالكامل، وأصبح سكان الرقة رهائن في قبضة عناصر التنظيم، وبعد تحرير مزيد من الأراضي، اتُخذ المدنيون المتبقون دروعاً بشرياً، وكانوا عالقين بين هجوم «قوات سوريا الديمقراطية» براً، وطائرات التحالف الدولي جواً، وقناصة التنظيم الذين كانوا يملأون الشوارع ويمنعون الأهالي من مغادرة المناطق التي بقيت تحت سيطرته، قبل أن يطردوا منها لاحقاً قبل يومين.
هيثم الظاهر (48 سنة)، كان آخر المدنيين الذي لاذوا بالفرار من قبضة عناصر تنظيم داعش، وينحدر من مدينة دير الزور (شرق سوريا)، وكان يعمل في «شركة الفرات للنفط» لمدة 15 سنة، وبعد تعرض مدينة دير الزور للحصار قبل عامين، قرر الانتقال للرقة.
هيثم تمكن من الهرب برفقة زوجته وبناته الثلاث، أمس، وبعد تحرير «دوار النعيم» توجه إلى قوات «قسد» رافعاً العلم الأبيض، وعبر عن مشاعره المختلطة بالقول: «كنت أسكن بجانب الحديقة المرورية بمدينة الرقة. لم نتمكن من الهرب حتى وصلت الاشتباكات إلى مقربة منا. قررنا أنا وزوجتي و7 عوائل أخرى، الاختباء في قبو مهجور، بقينا 3 أيام مختبئين، كان الطعام ينفد تدريجياً، والماء كاد ينتهي. خطتنا كانت ستكشف لو تأخرت المعركة يوما واحدا فقط. عشنا أصعب اللحظات؛ حيث كنا نسمع أصوات الاشتباكات والقصف العنيف، لكن قررنا البقاء، والحمد لله فرجت علينا وتمكنا من الهرب».
وتروي زوجة هيثم، وتدعى ملكة (38 سنة)، أنهم تنقلوا خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي 14 مرة، وتزيد: «عندما كانت المعارك تتقدم، كان عناصر التنظيم يأمروننا بتغير المكان، متخذين منا دروعاً بشرية، لدرجة أننا لم نعد نملك أي شيء. يشهد الله حتى لبسنا هذا ليس ملكنا. كنا نلبس من البيت الذي كنا نهرب إليه ونبقى فيه يوما أو يومين».
وعن الحياة داخل مدينة الرقة آخر شهر، تضيف ملكة: «كنا نصطف في طابور طويل للحصول على 20 لتر ماء للشرب، ومثلها ماء مالح للغسيل. أحيانا كنا ننتظر لأكثر من 5 ساعات». وتنهي كلامها بالقول: «بقيت سنتين في الرقة. كل الصور التي سأستذكرها لاحقاً قاسية ومؤلمة ولن أنساها طوال عمري».
وغلب آخرون الفرحة على الذكريات الأليمة؛ إذ يقول محمد موسى، عامل في شركة حكومية سورية ويقيم في مدينة تل أبيض، لوكالة الأنباء الألمانية: «نحن فرحون جداً. أبناؤنا هم من حرر المدينة بدمائهم من تنظيم داعش الذي أرهب البشر والحجر على مدى أكثر من 3 سنوات ونصف. نريد العودة إلى بيوتنا حتى وإن كانت مدمرة. نريد الخلاص من النزوح».
ويطالب الشارع في الرقة اليوم، بحسب استطلاع لوكالة الأنباء الألمانية، بإجراء تحقيق مباشر من أجل الكشف عن مصير معتقلي الرأي لدى «داعش»، وتسليم المدينة لأهلها، وليس لمجلس من طرف {سوريا الديمقراطية} فقط.
دموع وفرح ودمار في الرقة المحررة من «داعش»
مدنيون تحدثوا عن احتجازهم رهائن لدى التنظيم

جيهان شيخ احمد المتحدثة باسم {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة أمس ({الشرق الأوسط})
دموع وفرح ودمار في الرقة المحررة من «داعش»

جيهان شيخ احمد المتحدثة باسم {قوات سوريا الديمقراطية} في الرقة أمس ({الشرق الأوسط})
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة