أسرار «بيست باي» للازدهار في عصر «أمازون»

كثيرون افترضوا سقوط قطاع التجزئة

أسرار «بيست باي» للازدهار في عصر «أمازون»
TT

أسرار «بيست باي» للازدهار في عصر «أمازون»

أسرار «بيست باي» للازدهار في عصر «أمازون»

عندما كنت أقوم ببعض المشاوير في ذلك اليوم، مررت بأحد فروع «بيست باي» لشراء سماعات أذن، وكان ما رأيته في الداخل صادماً. كان هناك أشخاص تبدو على محياهم أمارات السعادة؛ يجلسون حول طاولات عليها أحدث أجهزة من «مايكروسوفت» و«آبل». كذلك كان ممر ألعاب الفيديو صاخباً، وكان العاملون، الذين يرتدون قمصاناً زرقاء، يساعدون عميلاً في الاختيار من عدة شاشات تلفزيون مسطحة؛ وكان هناك صف أمام منصة الدفع.
افترض كثيرون، ومنهم أنا، أن قطاع متاجر التجزئة سوف يسقط في النهاية تحت عجلات شركة «أمازون». كنت أعرف أن «بيست باي» قضت الأعوام الماضية في اتخاذ موقع الدفاع في مواجهة «أمازون»، وحققت بعض النجاح الأولي من خلال خفض التكاليف، وخفض الأسعار لتكون نداً لمنافسيها النشطين على الإنترنت.
مع ذلك، استمر ازدهار وضع «بيست باي» على نحو غير متوقع. وفاقت العائدات توقعات «وول ستريت» خلال الأرباع الستة من آخر سبعة أرباع. وارتفع سعر سهم الشركة بمقدار يزيد على 50 في المائة خلال العام الماضي. ويشعر العاملون بالرضا، وبناء على عدة زيارات أخرى قمت بها لمتاجر «بيست باي»، يبدو أن السلسلة قد نجت من المصير القاتم لمتاجر التجزئة الأخرى.
كيف فعلوها؟
لاكتشاف ذلك، اتصلت بهيوبرت جولي، الرئيس التنفيذي لـ«بيست باي». أوضح جولي، الفرنسي المتفائل الذي عمل لأكثر من عقد في شركة الاستشارات «ماكينزي آند كامبني»، والبالغ من العمر 58 عاماً، أن التحول الذي حدث لـ«بيست باي» بدأ منذ سنوات، وقد تضمن إعادة تشكيل كل جزء من نموذج عملها. إنه كتاب قواعد مذهل للشركات التي تأمل في البقاء والاستمرار في عصر «أمازون». وفيما يلي بعض النقاط الأساسية لعملية تحول «بيست باي» بحسب جولي:
السعر... ثم السعر... ثم السعر:
عندما بدأ جولي العمل في 2012 كانت شركة «بيست باي» تنزف، حيث استقال الرئيس السابق بعد اعترافه بوجود علاقة بينه وبين إحدى العاملات في الشركة. كذلك كانت أنظمة الشركة قديمة، وكان كثير من المتاجر التابعة للشركة يخسر المال؛ وكان الزمن قد تجاوز كثيرا من المنتجات، التي كانت تجذب العملاء إلى المتاجر، مثل الإصدارات الحديثة من الأسطوانات المدمجة، والـ«دي في دي».
كان التوجه، الذي يثير القلق حقاً في عالم متاجر التجزئة، هو «تجربة المنتجات»، حيث كان العملاء يختبرون المنتجات الجديدة في المتجر قبل شرائها بسعر أقل على الإنترنت من متجر تجزئة آخر. للتصدي لهذه الظاهرة، وإقناع العملاء بإتمام عملية الشراء في «بيست باي»، أعلن جولي عن ضمان البيع بالسعر المعروض على الإنترنت. وأوضح قائلا: «إلى أن أتمكن من الوصول إلى أسعار (أمازون)، فسوف نخسر العملاء». كلفت هذه الطريقة «بيست باي» أموالا حقيقية، لكنها منحت العملاء سببا للبقاء في المتجر، وساعدت الشركة على تجنب الاستسلام للمنافسين.

التركيز على الإنسان
أدرك جولي أيضاً أنه إذا أرادت شركة «بيست باي» منافسة «أمازون»، التي تنفق المليارات على وضع أنظمة تسليم سريعة، وتخطط لاستخدام الطائرات التي تعمل من دون طيار حتى تصبح أكثر كفاءة، فعلى الشركة التطور والتفوق في الأشياء التي لا يستطيع الإنسان الآلي القيام بها وتحديداً خدمة العملاء.
زار جولي خلال الأشهر الأولى من عمله في الشركة متاجر «بيست باي»، التي تقع بالقرب من مينيسوتا، لسؤال العاملين العاديين عما يواجهونه من صعوبات. ومن تلك الصعوبات إظهار محرك بحث داخلي بيانات خاطئة عن السلع المتوفرة في المتجر. أصلحت «بيست باي» محرك البحث، وعادت لعمل خصومات للعاملين كان قد تم إلغاؤها من قبل، وشرعت في تنفيذ برنامج طموح لإعادة تدريب العاملين بحيث يتمكنوا من الإجابة عن الأسئلة الخاصة بالأنواع الجديدة من الأجهزة الإلكترونية مثل سماعات الواقع الافتراضي، والأجهزة المنزلية الذكية. وقال جولي: «أصبح المساعدون في متاجرنا اليوم أكثر وعياً بالمجال، وأكثر كفاءة».
لطالما كان العملاء يحبون «فريق الخبراء» في «بيست باي»، وهم مجموعة من خبراء الدعم الفني المدربين بشكل خاص، والذين يمكن الاستعانة بهم من أجل تركيب أجهزة تلفزيون وغيرها من الأجهزة في منازل العملاء. مع ذلك، كان الناس أحياناً بحاجة إلى المساعدة قبل شراء الأجهزة الضخمة وباهظة الثمن. لذا دشنت الشركة برنامجا استشاريا يسمح للعملاء بتلقي استشارات مجانية في المنزل بشأن المنتجات التي ينبغي شراؤها، وكيفية تركيبها. بدأت الخدمة بوصفها برنامجا تجريبيا العام الماضي، وانتشرت حالياً على مستوى البلد. وقال بيتر كيث، محلل تجزئة لدى مؤسسة «بايبر جافري»: «لقد حققت شركة (بيست باي) نجاحاً من خلال القيام باستثمارات تعتمد على تجربة وخبرة العميل».

تحويل الجانب المادي إلى واجهة عرض وشحن
عندما بدأ جولي العمل لدى «بيست باي»، كان نظام طلب المنتجات عبر الإنترنت من الشركة منفصلاً تماماً عن متاجر الشركة؛ فإذا أراد عميل طلب منتج من خلال الموقع الإلكتروني، يتم شحنه من أحد المخازن المركزية. إذا لم يكن هذا المنتج موجودا في المخزن، فسيكون حظ العميل سيئاً. أدرك جولي أنه من خلال إجراء بعض التغييرات الطفيفة، يمكن لكل متجر من متاجر «بيست باي»، التي يزيد عددها على الألف، أن يشحن المنتجات إلى العملاء، ويعمل مخزنا صغيرا في المنطقة المحيطة به. عندما يطلب عميل منتجا من خلال الموقع الإلكتروني لـ«بيست باي»، يتم إرساله من الموقع الأقرب إلى العميل، فأيهما أفضل؛ متجر في آخر الشارع، أم مخزن يقع على بعد 5 ولايات؟
كان ذلك التغيير بسيطاً، لكنه أتاح لـ«بيست باي» تحسين عملية الشحن، وتوصيل الطلبات بشكل أسرع، مما ساعد في الفوز برضا العملاء. ويتم حالياً شحن نحو 40 في المائة من المنتجات، التي يتم طلبها عن طريق الإنترنت، أو اختيارها من المتجر.
كذلك أبرمت «بيست باي» صفقات مع كبرى شركات الإلكترونيات مثل «سامسونغ»، و«آبل»، و«مايكروسوفت»، من أجل عرض منتجات كل منها في مساحة مخصصة لها داخل المتاجر. بدلا من وضع المنتجات بعضها إلى جانب بعض دون تصنيف على الأرفف، تتيح الطريقة الأخرى التي اتبعتها «بيست باي»، لها، إنشاء منصات خاصة بكل منها داخل المتاجر. على سبيل المثال، يوجد في المساحة المخصصة لمنتجات «آبل» في متجر «بيست باي»، الطاولات الخشبية والتصميم البسيط الخاص بمتجر تابع لـ«آبل». إنه مفهوم مقتبس من المتاجر ذات الأقسام المتعددة، وقد ساعد ذلك في عمل خط جديد لتحقيق العائدات الكبيرة، وحتى «أمازون» أنشأت منصات في «بيست باي» لعرض أجهزة «أليكسا» الخاصة بها والتي يتم تفعيلها بالصوت.
يبدو أن «بيست باي» تتمتع في اتفاقات الشراكة تلك بميزة أنها المؤسسة الوحيدة الباقية، فقد أفلس كثير من شركات البيع بالتجزئة المنافسة لها، مثل «سيركيت سيتي»، و«راديو شاك»، و«إتش إتش غريغ»، أو أغلقت أبوابها تماماً. ويعني هذا أنه إذا أرادت شركة «سامسونغ» عرض خطها الجديد من الأجهزة اللوحية في متجر إلكترونيات للبيع بالتجزئة، فلن يكون أمامها سوى خيار واحد.

خفض التكاليف بهدوء
تشمل كل خطة للتحول في الأعمال تقريباً خفض التكاليف. تحت إدارة جولي، استخدم «بيست باي» المشرط الجراحي بأكبر قدر ممكن من الهدوء، فقد انتظر حتى تنقضي فترة إيجار المتاجر التي لا تحقق أرباحاً تدريجياً، ودعم الأفرع الموجودة في الخارج. كذلك تخلص من طبقة من الصف الوسيط من المديرين عام 2014. وعاد للاستعانة بـ400 عامل من فريق الخبراء داخل الشركة. مع ذلك، لم يعلن أبدا عن عملية تسريح ضخمة للعاملين، لما لذلك من تأثير سلبي على معنويات العاملين، ولأنه ينشر الشعور بأن الشركة تغرق. وقال جولي عام 2015: «كان رفت العاملين هو الملجأ والخيار الأخير، فأنت بحاجة إلى أسر قلوب وعقول العاملين». كذلك اكتشفت شركة «بيست باي» وسائل أكثر ابتكارا لتوفير النفقات. لاحظت الشركة انخفاض عدد ما لديها من شاشات التلفزيون المسطحة؛ وراجعت طريقة التعامل، حيث خفضت عدد مرات نقل شاشات التلفزيون باستخدام الرافعة، وأدخلت عربات جديدة لمنع سقوط صناديق الشاشات. أدت التغيرات إلى انخفاض عدد الشاشات المكسورة في المخازن مما زاد من الأرباح.

مع الحظ... كن متواضعاً ولا تتحدى القدر
لم يخبرني جولي بصراحة بهذا الأمر، لكنه بديهي وواضح، فقد استفادت «بيست باي» من بعض الحظ الجيد. كان من حسن حظ الشركة أن المنتجات، التي تخصصت في بيعها، مثل شاشات التلفزيون الكبيرة والمعدات الصوتية المتطورة، ما زالت من الأشياء التي يشعر كثير من العملاء بعدم الارتياح تجاه شرائها من خلال موقع إلكتروني دون رؤيتها رأي العين. كان من حسن طالع الشركة أيضاً خروج كثير من الشركات المنافسة الكبرى من السوق، مما قلّص عدد المنافسين. كذلك كان من حسن حظ الشركة استمرار الشركات التي تبيع المنتجات نفسها مثل «آبل» و«سامسونغ»، في بيع الأجهزة المتطورة باهظة الثمن.
وقال ستيفن بيكر، محلل في المجال الفني لدى مجموعة «إن بي دي»: «إنهم تحت رحمة دورات المنتج. إذا امتنع الناس عن شراء أجهزة الكومبيوتر الشخصي، أو فقدوا اهتمامهم بشاشات التلفزيون الضخمة، فسيكون أمامهم تحدٍّ».
يعلم جولي أنه رغم الزخم الأخير الذي شهدته شركة «بيست باي»، فإنها لم تتجاوز الأزمة بعد. على الشركة خفض التكاليف، والوصول بأسعارها إلى مستوى الأسعار المنافسة من أجل تحقيق النجاح على المدى الطويل. تستثمر شركة «وول مارت»، وهي شركة كبرى تعمل في مجال بيع التجزئة، مليارات الدولارات في التوسع الرقمي من خلال الاستحواذ على شركات تجارة إلكترونية مثل «جيت» و«بونوبوس»، وقد تكون شركة منافسة قوية. كذلك تقوم شركة «أمازون» بالتوسع في مجال البيع بالتجزئة من خلال الاستحواذ على «هول فودز»، وتتجه نحو سوق الخدمات والتركيب التي تتميز فيها شركة «بيست باي».
مع ذلك، جولي متفائل تجاه فرص «بيست باي» في مواجهة تلك الشركات العملاقة، لكنه غير مستعد للاحتفال بعد. يقول: «بمجرد مرورك بتجربة الاقتراب من الموت، يختفي الغرور من داخلك حتى إذا كان متغلغلاً داخل نفسك حتى النخاع».
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال جولته في الأمازون (أ.ف.ب)

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

يزور جو بايدن الأمازون ليكون أول رئيس أميركي في منصبه يتوجه إلى هذه المنطقة، في وقت تلوح فيه مخاوف بشأن سياسة الولايات المتحدة البيئية مع عودة دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (أمازوناس)
أميركا اللاتينية أطفال يمشون على شريط رملي في طريقهم إلى المدرسة في مجتمع سانتو أنطونيو في نوفو أيراو، ولاية أمازوناس، شمال البرازيل، 1 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

الجفاف في منطقة الأمازون يعرّض نحو نصف مليون طفل للخطر

قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يوم الخميس، إن ندرة المياه والجفاف يؤثران على أكثر من 420 ألف طفل في 3 دول بمنطقة الأمازون.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الولايات المتحدة​ جيف بيزوس مؤسس شركة «أمازون» (رويترز)

جيف بيزوس يهنئ ترمب على «العودة غير العادية... والنصر الحاسم»

هنأ جيف بيزوس، مؤسس شركة «أمازون»، دونالد ترمب على «العودة السياسية غير العادية والنصر الحاسم» بعد فوز المرشح الجمهوري بالإنتخابات الرئاسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص خلال مشاركة «أمازون» في مؤتمر «ليب 24» وإعلانها عن استثمارات ضخمة في السعودية (الشرق الأوسط)

خاص «أمازون»: السعودية والإمارات الأسرع نمواً في التجارة الإلكترونية

كشف مسؤول في شركة «أمازون» أن المنطقة تشهد تطورات مهمة فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية، مؤكداً أن السعودية والإمارات هما أسرع الأسواق نمواً.

عبير حمدي (الرياض)
خاص كاميرا «بان تيلت» أول كاميرا داخلية من «أمازون» تدور بزاوية 360 درجة وتميل بزاوية 169 درجة (أمازون)

خاص الكاميرات الذكية أمْ «سي سي تي في»... كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي معايير الأمان المنزلي؟

لا تُعد الكاميرات الذكية مجرد موضة عابرة، بل ضرورة في المنازل الحديثة.

نسيم رمضان (دبي)

الصين تتعهد بتحفيز الاقتصاد عبر زيادة الديون وتخفيض الفائدة

الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
TT

الصين تتعهد بتحفيز الاقتصاد عبر زيادة الديون وتخفيض الفائدة

الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)

تعهدت الصين، يوم الخميس، بزيادة العجز في الموازنة، وإصدار مزيد من الديون، وتخفيف السياسة النقدية، للحفاظ على استقرار معدل النمو الاقتصادي، وذلك في ظل استعدادها لمزيد من التوترات التجارية مع الولايات المتحدة مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

جاءت هذه التصريحات في بيان إعلامي رسمي صادر عن اجتماع سنوي لتحديد جدول أعمال كبار قادة البلاد، المعروف بمؤتمر العمل الاقتصادي المركزي (CEWC)، الذي عُقد في 11 و12 ديسمبر (كانون الثاني)، وفق «رويترز».

وقالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية بعد الاجتماع المغلق للجنة الاقتصادية المركزية: «لقد تعمق الأثر السلبي الناجم عن التغيرات في البيئة الخارجية». ويُعقد هذا الاجتماع في وقت يعاني فيه ثاني أكبر اقتصاد في العالم من صعوبات شديدة، نتيجة أزمة سوق العقارات الحادة، وارتفاع ديون الحكومات المحلية، وضعف الطلب المحلي. وتواجه صادراتها، التي تعد من بين النقاط المضيئة القليلة في الاقتصاد، تهديداً متزايداً بزيادة الرسوم الجمركية الأميركية.

وتتوافق تعهدات اللجنة الاقتصادية المركزية مع اللهجة التي تبناها أكثر تصريحات قادة الحزب الشيوعي تشاؤماً منذ أكثر من عقد، التي صدرت يوم الاثنين بعد اجتماع للمكتب السياسي، الهيئة العليا لصنع القرار.

وقال تشيوي تشانغ، كبير الاقتصاديين في «بين بوينت أسيت مانجمنت»: «كانت الرسالة بشأن رفع العجز المالي وخفض أسعار الفائدة متوقعة». وأضاف: «الاتجاه واضح، لكنَّ حجم التحفيز هو ما يهم، وربما لن نكتشف ذلك إلا بعد إعلان الولايات المتحدة عن الرسوم الجمركية».

وأشار المكتب السياسي إلى أن بكين مستعدة لتنفيذ التحفيز اللازم لمواجهة تأثير أي زيادات في الرسوم الجمركية، مع تبني سياسة نقدية «مرنة بشكل مناسب» واستخدام أدوات مالية «أكثر استباقية»، بالإضافة إلى تكثيف «التعديلات غير التقليدية المضادة للدورة الاقتصادية».

وجاء في ملخص اللجنة الاقتصادية المركزية: «من الضروري تنفيذ سياسة مالية أكثر نشاطاً، وزيادة نسبة العجز المالي»، مع رفع إصدار الديون على المستوى المركزي والمحلي.

كما تعهد القادة بخفض متطلبات الاحتياطي المصرفي وبتخفيض أسعار الفائدة «في الوقت المناسب».

وأشار المحللون إلى أن هذا التحول في الرسائل يعكس استعداد الصين للدخول في مزيد من الديون، مع إعطاء الأولوية للنمو على المخاطر المالية، على الأقل في الأمد القريب.

وفي مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، تحدد بكين أهداف النمو الاقتصادي، والعجز المالي، وإصدار الديون والمتغيرات الأخرى للعام المقبل. ورغم أن الأهداف يجري الاتفاق عليها في الاجتماع، فإنها لن تُنشر رسمياً إلا في الاجتماع السنوي للبرلمان في مارس (آذار).

وأفادت «رويترز» الشهر الماضي بأن المستشارين الحكوميين أوصوا بأن تحافظ بكين على هدف النمو عند نحو 5 في المائة دون تغيير في العام المقبل.

وقال تقرير اللجنة الاقتصادية المركزية: «من الضروري الحفاظ على نموٍّ اقتصادي مستقر»، لكنه لم يحدد رقماً معيناً.

التهديدات الجمركية

وأثارت تهديدات ترمب بزيادة الرسوم الجمركية حالة من القلق في المجمع الصناعي الصيني، الذي يبيع سلعاً تزيد قيمتها على 400 مليار دولار سنوياً للولايات المتحدة. وقد بدأ كثير من المصنِّعين في نقل إنتاجهم إلى الخارج للتهرب من الرسوم الجمركية.

ويقول المصدِّرون إن زيادة الرسوم الجمركية ستؤدي إلى تآكل الأرباح بشكل أكبر، مما سيضر بالوظائف، والاستثمار، والنمو. وقال المحللون إنها ستفاقم أيضاً فائض القدرة الإنتاجية في الصين والضغوط الانكماشية التي تولدها.

وتوقع استطلاع أجرته «رويترز» الشهر الماضي أن الصين ستنمو بنسبة 4.5 في المائة في العام المقبل، لكنَّ الاستطلاع أشار أيضاً إلى أن الرسوم الجمركية قد تؤثر في النمو بما يصل إلى نقطة مئوية واحدة.

وفي وقت لاحق من هذا العام، نفَّذت بكين دفعة تحفيزية محدودة، حيث كشف البنك المركزي الصيني في سبتمبر (أيلول) عن إجراءات تيسيرية نقدية غير مسبوقة منذ الجائحة. كما أعلنت بكين في نوفمبر (تشرين الثاني) حزمة ديون بقيمة 10 تريليونات يوان (1.4 تريليون دولار) لتخفيف ضغوط تمويل الحكومات المحلية.

وتواجه الصين ضغوطاً انكماشية قوية، حيث يشعر المستهلكون بتراجع ثرواتهم بسبب انخفاض أسعار العقارات وضعف الرعاية الاجتماعية. ويشكل ضعف الطلب الأسري تهديداً رئيسياً للنمو.

ورغم التصريحات القوية من بكين طوال العام بشأن تعزيز الاستهلاك، فقد اقتصرت السياسات المعتمدة على خطة دعم لشراء السيارات والأجهزة المنزلية وبعض السلع الأخرى.

وذكر ملخص اللجنة الاقتصادية المركزية أن هذه الخطة سيتم توسيعها، مع بذل الجهود لزيادة دخول الأسر. وقال التقرير: «يجب تعزيز الاستهلاك بقوة».