كاتالونيا منطقة استراتيجية لإسبانيا

TT

كاتالونيا منطقة استراتيجية لإسبانيا

كاتالونيا التي تعتبر مهد الفكر الفوضوي في إسبانيا، ارتبطت في معظم الأحيان بعلاقات صعبة مع الحكم المركزي في مدريد. وسحب منها الديكتاتور فرنسيسكو فرنكو سلطاتها ومارس عليها قمعا شديدا إثر سقوط برشلونة معقل الجمهوريين وحظر الاستخدام الرسمي للغة الكاتالونية. لكنها تملك اليوم سلطات واسعة جدا باعتبارها «مجتمعا ذاتي الحكم تاريخيا» على غرار الباسك (شمال) وغاليسيا (شمال غرب) والأندلس (جنوب).
وبموجب نظام اللامركزية الواسع المعتمد في إسبانيا، على كاتالونيا احترام الدستور لكنها تتولى بشكل مباشر إدارة قطاعات الصحة والتعليم إلى حد أن بعض المحافظين يتهمونها أحيانا بالتقليل من استخدام اللغة الكاتالونية والتلاعب بمناهج التاريخ.
يمثل إقليم كاتالونيا الذي يملك لغة وثقافة خاصتين به ويحاذي البحر المتوسط وجبال البيرينيه، 6.3 في المائة من مساحة إسبانيا و16 في المائة من سكانها وخمس إجمالي ناتجه الداخلي. وكاتالونيا موطن الرسامين سالفادور دالي وخوان ميرو والمهندس المعماري أنطوني غاودي وتعرف فيها رقصة ساردانا الشعبية (حلقات رقص جماعي) كما تعرف بعادة تشكيل أبراج بشرية أشبه بالهرم (كاستيل).
يعتبر الإقليم الواقع في شمال شرقي إسبانيا، إحدى المناطق الأكثر استراتيجية لإسبانيا، ورابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، ويحوز على 22.5 في المائة من السياحة الإسبانية.
وكاتالونيا هي مقر الصناعة المتطورة ومراكز الأبحاث المهمة وخصوصا في المجالين النووي والطبي. وهي أيضا مصدر ربع صادرات إسبانيا وتبلغ نسبة البطالة فيها 13.2 في المائة أي أربع نقاط أقل من باقي البلاد.
ويملك إقليم كاتالونيا شرطته الخاصة «موسوس ديسكوادرا» التي عليها أيضا اتباع تعليمات الحكم المركزي. كما يطالب الإقليم باستقلالية مالية أكبر. أدار كاتالونيا لفترة طويلة ائتلاف قوميين ومحافظين بزعامة جوردي بوغول رئيس الإقليم بين 1980 و2003. وكان هذا الأخير سيد المشهد في كاتالونيا ومدريد حيث كان يقايض دعمه مع اليمين ومع اليسار. وتلطخت صورته إثر اتهامه في قضايا تهرب ضريبي وفساد في العقد الأول من الألفية.
ومنذ 2003 يحكم كاتالونيا تحالف من اليسار حصل على تعزيز للسلطات. لكن ذلك «الوضع» ألغي جزئيا من قبل المحكمة الدستورية في 2010 ما حرك مشاعر الاستقلال وأعاد القوميين إلى السلطة مع أرتور ماس رئيس الإقليم بين 2010 و2015. كما غذت الأزمة الاقتصادية مشاعر الرغبة في الانفصال بالإقليم.
وماس وهو محافظ على غرار بوغول وقومي، تبنى شيئا فشيئا قضية الاستقلال ونظم في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 «استشارة» أولى حول الاستقلال حظرها القضاء. وانفض الائتلاف الحاكم منذ ذلك التاريخ بسبب الانقسام بين محافظين معتدلين وأنصار الاستقلال. ثم شكل دعاة الاستقلال من اليسار واليمين ائتلاف «معاً من أجل نعم» وفاز في سبتمبر (أيلول) 2015 بالانتخابات المحلية التي اتخذت شكل منافسة بين رافضي الاستقلال ومؤيديه مع نسبة مشاركة قياسية بلغت 77.4 في المائة. وحصلت الأحزاب الداعية لاستقلال كاتالونيا على 47.6 في المائة من الأصوات ما أتاح لها تأمين الأغلبية في البرلمان (72 مقعدا من أصل 135). وفي 10 يناير (كانون الثاني) 2016 خلف كارلس بوتغيمونت أرتور ماس على رأس الإقليم مع مشروع يقوم على الدفع باتجاه استقلال كاتالونيا في 2017 على أبعد تقدير.
في حال أعلنت كاتالونيا «الاستقلال» سيتم استبعادها بشكل تلقائي من الاتحاد الأوروبي ولن تستطيع دخوله إلا بعد عملية انضمام جديدة. لكن يتعين أيضا على هذا المسار أن يحترم بعض الشروط حتى توافق عليه الدول الـ28 الأعضاء في التكتل. وسارع جان - كلود بيريس، المحامي المتخصص بالقانون الأوروبي إلى القول إن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي «لن تعترف بكاتالونيا دولة، إذا نشأت خلافا للقانون وخصوصا دستور إسبانيا».
أجري الاستفتاء حول استقلال كاتالونيا رغم قرار المحكمة الدستورية الإسبانية إبطاله. واستخدمت الحكومة الإسبانية قرارات هذه المحكمة قاعدة لمحاولة منع التصويت، حتى لو لجأت أحيانا إلى القوة.
من جهة أخرى، لم تتوافر للتصويت الضمانات المطلوبة عادة (لجنة انتخابية ومستشارون ولوائح انتخابية عامة وتصويت سري...)، ما يجعل من غير المحتمل أن تعترف الدول الـ28 باستقلال كاتالونيا إذا أعلن على هذا الأساس.
في حال وافقت مدريد بعد وساطة على تنظيم استفتاء جديد «شرعي» يحترم في نظرها الدستور الإسباني، فإن النتيجة يمكن أن تفتح الطريق لإعلان استقلال تعترف به المجموعة الدولية، بدءا بالاتحاد الأوروبي. لكن هذا السيناريو يبدو في هذه المرحلة مستبعدا إلى حد كبير.
لا تتضمن المعاهدات التأسيسية للاتحاد الأوروبي المسار الذي يتعين سلوكه في حال انفصال جزء من أراضي دولة عضو، لكن المفوضية الأوروبية تستند منذ 13 عاما إلى «عقيدة برودي» تيمنا باسم رومانو برودي الرئيس الأسبق للمفوضية الأوروبية. وأرسى هذا «الموقف القانوني» مبدأ أن أي دولة تنشأ نتيجة انفصال داخل الاتحاد الأوروبي، لن يتم الاعتراف بها تلقائيا بأنها جزء من الاتحاد.
وقال القاضي الفرنسي إيف غونان في مقالة نشرتها مجلة «السياسة الخارجية» إنه «بعد اجتياز مرحلة الاستقلال، فإن أوروبا ستجازف بخسارة كل شيء في حال استبعدت هذه الدول نهائيا؛ إذ لن يعود بإمكان أصحاب المشاريع الاستثمار أو الشباب الدراسة أو العمال التنقل والصيادين الإبحار فيها...».
واعتبر غونان الذي دعا عبر وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن تتغلب «الواقعية» على «العقيدة»، أن «أكثر حل معقول سيكون التفاوض في آن واحد على الاستقلال والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي».
في انتظار ذلك، من المفترض أن يظل بإمكان كاتالونيا الاستمرار في استخدام اليورو. فهذه العملة المرجعية على الصعيد الدولي استخدمت حتى الآن عملة وطنية خارج الاتحاد الأوروبي، وأحيانا باتفاق مشترك مع المفوضية، كما هو الحال في موناكو، وأحيانا من دون موافقتها كما هو الحال في كوسوفو التي أعلنت استقلالها في 2008.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».