إردوغان يطلق معركة إدلب... وفصائل معارضة تستعد لقتال «النصرة»

وحدات خاصة تركية بغطاء روسي... وإرتباك في «الجيش الحر»

مخيم للاجئين السوريين قرب معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب أمس (أ.ف.ب)
مخيم للاجئين السوريين قرب معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب أمس (أ.ف.ب)
TT

إردوغان يطلق معركة إدلب... وفصائل معارضة تستعد لقتال «النصرة»

مخيم للاجئين السوريين قرب معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب أمس (أ.ف.ب)
مخيم للاجئين السوريين قرب معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب أمس (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بدء «عملية عسكرية كبيرة» في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، بواسطة فصائل من «الجيش السوري الحر» مع دعم من القوات التركية من داخل الحدود ودعم جوي من روسيا لقتال فصائل «هيئة التحرير الشام»، بينها «جبهة النصرة».
وقال إردوغان، في كلمة أمام تجمع لأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم بمدينة أفيون كارهيصار (وسط)، أمس: «هناك عملية كبيرة في إدلب السورية اليوم وستستمر لأننا يجب أن نمد يد العون لأشقائنا في إدلب ولأشقائنا الذين وصلوا إلى إدلب». وأضاف: «الآن اتخذت هذه الخطوة وهي جارية. القوات التركية لم تدخل إدلب بعدُ، وهي عملية للجيش السوري الحر حتى الآن».
ولفت في تصريحات للصحافيين عقب انتهاء اللقاء إلى أن روسيا تدعم العملية من الجو في حين يدعمها الجنود الأتراك من داخل الحدود التركية.
وشدد الرئيس التركي على أن تركيا لن تسمح قط بممر إرهابي على طول حدودها مع سوريا، قائلاً: «سنستمر في اتخاذ مبادرات أخرى بعد عملية إدلب» فيما يشير إلى احتمال القيام بعملية في عفرين تستهدف وحدات حماية الشعب الكردية، أشار إليها إردوغان ومسؤولون أتراك آخرون خلال الأيام القليلة الماضية.
وقال إردوغان إن بلاده تتخذ حالياً خطوة جديدة لتحقيق الأمن في محافظة إدلب السورية، في إطار مساعيها الرامية إلى توسيع نطاق عملية «درع الفرات»، مشيراً إلى وجود تحركات جدية حالياً في إدلب لتحقيق الأمن، وأن هذه التحركات سوف تستمر خلال المرحلة المقبلة. وأضاف: «مهما كانت الظروف، لا يمكننا أن نترك إخواننا الهاربين من حلب إلى إدلب بمفردهم، بل علينا أن نمد أيدينا إليهم، وقد اتخذنا الخطوات اللازمة لذلك، ونحن مستمرون فيها».
في السياق ذاته، نشر الجيش التركي عدداً كبيراً من قوات الوحدات الخاصة والمركبات العسكرية المدرعة، التي أرسلت على مدى الأسبوع الماضي إلى بلدة ريحانلي وبوابة جيلفاجوز (باب الجانب السوري) في ريحانلي، وانطلقت منذ صباح أمس مكبرات الصوت بالنشيد الوطني التركي والأغاني الحماسية.
وذكرت صحيفة «صباح» التركية القريبة من الحكومة أن عدداً من قادة الجيش التركي يتوافدون على الوحدات العاملة على الحدود مع سوريا لتفقد القوات، وأن المنطقة الحدودية المحاذية لإدلب أصبحت مزدحمة بقوات الكوماندوز والآليات العسكرية ومعدات البناء وسيارات الإسعاف التي تم نقلها من البلاد إلى منطقة الحدود في ريحانلي.
وأظهرت لقطات للقنوات التلفزيونية التركية من نقاط التماس على الحدود التركية السورية تصاعُدَ الأدخنة من داخل إدلب جراء عمليات القصف الجوي والمدفعي.
في الوقت نفسه، أشاد السفير الروسي في تركي أليكسي يرهوف بالتعاون بين بلاده وتركيا، مؤكداً أن موسكو وأنقرة تناقشان جميع القضايا والتطورات في المنطقة وبشأن العلاقات الثنائية بطريقة ودية، لأنه ليس هناك قضايا «محظور» تناولها بينهما.
وقال يرهوف في مقابلة مع وكالة الأناضول التركية الرسمية إن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأنقرة في 28 سبتمبر (أيلول) الماضي، ولقاءه مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان حملت أهمية كبيرة، لافتاً إلى أنهما بحثا قضايا دولية وإقليمية متعددة على درجة عالية من الأهمية.

المعارضة
أثار إعلان إردوغان عن بدء عملية عسكرية في إدلب ضد «هيئة تحرير الشام» إرباكا في أوساط الفصائل والمعارضة شمال سوريا حيث ارتفعت أصوات رافضة للتعاون مع موسكو رداً على ما نُقِل عن لسان إردوغان، في موازاة استنفار واضح لـ«الهيئة» في المنطقة، حيث أُعلن عن عقد اجتماع طارئ لشخصيات محسوبة عليها وانتخابهم محمد الشيخ رئيساً لما سمتها «حكومة الإنقاذ الوطني».
وفي حين رفض مصطفى سيجري المتحدث باسم «لواء المعتصم» إعطاء تفاصيل حول الفصائل المشاركة أو العدد والتوقيت، اكتفى بالقول لـ«الشرق الأوسط»: «ما يمكننا التأكيد عليه الآن هو أن العملية ستبدأ خلال ساعات قليلة، وسيكون الجيش الحر رأس الحربة فيها، على أن تكون القوات التركية قوة إسناد له»، نافياً بشكل قاطع المعلومات التي أشارت إلى أن سلاح الجو الروسي سيكون له دور في العملية»، مضيفاً: «الطائرات الروسية لن تدعم مقاتلي المعارضة عسكرياً، ولن يكون لموسكو أي دور في مناطق سيطرتنا على الإطلاق وسيكون مقتصراً على مناطق النظام».
ومع تصاعد التوتر في إدلب والتخوف من مواجهات بين الفصائل و«تحرير الشام» على غرار ما حصل في وقت سابق، قال مصدران في «الجيش الحر» أحدهما في إدلب لـ«الشرق الأوسط» إن مهمة فصائل المعارضة المشاركة في العملية ستقتصر في المرحلة الأولى، على البقاء في مواقعها في إدلب وحمايتها، وهي، بشكل أساسي، «أحرار الشام» و«فيلق الشام» و«نور الدين الزنكي» لتتسلم فيما بعد مواقع «الهيئة»، على أن تقوم الفصائل المنضوية في «درع الفرات» بتأمين الحدود عند معبر باب الهوى، وبعد ذلك سيتم تحديد خطة المرحلة الثانية بناء على رد فعل «تحرير الشام»، أي محاولة تفادي المواجهة المباشرة في المرحلة الأولى.
وقال العميد فاتح حسون الذي كان مشاركاً في مفاوضات آستانة الإعلان عن العملية اليوم هو استكمالا لاتفاق آستانة والأهم أن القوات التي ستنتشر لن تشمل قوات إيرانية بل ستقتصر على الروسية والتركية. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «سبق لموسكو أن عرضت علينا في آستانة المشاركة في عملية دير الزور على أن تقوم هي بمهمة الغطاء الجوي، وهذا ما رفضناه ونكرره اليوم في العملية على إدلب حيث كان للطيران الروسي اليد الطولى في قتل المدنيين». موضحاً: «إذا كان هناك اتفاق بين تركيا وروسيا حول هذا الأمر فهذا شأنهما ومرتبط بما ستقوم به القوات التركية وليس (الجيش الحر)». وكانت الغارات الجوية المستمرة على إدلب منذ نحو أسبوعين قد أدت يوم أمس إلى مقتل 13 مدنياً على الأقل في بلدة خان شيخون، بحسب المرصد.
وبثت أمس «كتائب الحمزة» وهي أيضاً جزء من حملة درع الفرات، تسجيل فيديو لما قالت إنها قافلة لقواته تتجه صوب إدلب، وأرسل سكان قرب معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في سوريا صوراً لـ«وكالة رويترز» لما قالوا إنه قطاع من الجدار الحدودي تزيله السلطات التركية.
وبعد ساعات على إعلان إردوغان عن العملية، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن اجتماع عقد في معبر باب الهوى الحدودي بين إدلب ولواء إسكندرون، نتج عنه تشكيل «حكومة إنقاذ وطني» وانتخاب محمد الشيخ من إدلب، رئيساً لها، وضمَّ الاجتماع معارضين مقربين من «هيئة تحرير الشام»، بحسب ما قالت مصادر في المعارضة ومدير المرصد رامي عبد الرحمن، لافتاً إلى أن عملها سيكون في الداخل السوري، وذلك استكمالاً للخطة التي كانت قد بدأتها عبر تشكيل مجالس مدنية في إدلب.
وكانت روسيا وإيران حليفتا النظام السوري وتركيا الداعمة للمعارضة اتفقت في مايو (أيار)، في إطار محادثات «آستانة» على إقامة أربع مناطق خفض توتر من بينها محافظة إدلب والغوطة الشرقية، بهدف إفساح المجال أمام وقف دائم لإطلاق النار في سوريا، على أن يُستثنى «جبهة النصرة» و«تنظيم داعش». واتفقت روسيا وإيران وتركيا، في 15 سبتمبر، على نشر قوة مراقبين من الدول الثلاث لضمان الأمن على حدود هذه المنطقة، ومنع الاشتباكات بين قوات النظام وقوات المعارضة، دون أن تعلن عن التوقيت.
وبعد هدوء نسبي خلال الأشهر الماضية، شن النظام السوري وحليفه الروسي عدة غارات جوية في الأسابيع الماضية على مناطق في محافظة إدلب، بعد هجوم شنته «تحرير الشام» على مواقع تابعة للنظام في ريف حماة، ما أسفر عن مقتل العشرات، بحسب المرصد.
وزاد عدد سكان إدلب إلى مليونين على الأقل، مع مغادرة آلاف المدنيين والمقاتلين مناطق واقعة تحت سيطرة الجيش السوري في أجزاء أخرى من البلاد بمساعدة طائرات روسية وفصائل مدعومة من إيران.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.