«الطربوش» الذي لطالما شكّل رمزاً من رموز التراث اللبناني لارتباطه بأزياء رجالاته في حقبات قديمة، عاد اليوم ليطفو على ساحة الموضة في لبنان بتوقيع من اللبناني إلياس الحداد.
فحكاية هذا الإكسسوار منذ بداية انتشاره حتى زمن أفوله شكّلت باب موضة جديداً فتحه إلياس الحداد على مصراعيه لاستحداث نزعة في عالم الأزياء لا تشبه غيرها. فبعد أن غمرها النسيان في بلاد الشرق والغرب وصارت بمثابة معزوفة قديمة لا تتلاءم مع إيقاع عصر اليوم، قرر الشاب اللبناني المتخصص في علم الاقتصاد والمال إعادتها إلى الحياة في معرض حمل عنوان «رجع الطربوش» أقامه في أحد مراكز بيروت الفنية (آركا) الواقع في شارع مار مخايل في العاصمة اللبنانية.«طرابيش» حمراء ورمادية وبيج وزيتية مصنوعة من قماش الـ«فوتر» ومطعمة بشريط من الجوخ الأسود لتحل مكان «الشراشيب» التي كانت تتدلى من هذه القبعة التراثية في الماضي، تفحصها زوّار المعرض بدقة واعتمروها مرات واشتروها مرات أخرى بعد أن وجدوا فيها إكسسوارا مميزا سيرافقهم في مناسبات عدة يرتادونها إن في السهرات ودعوات الغداء وحتى في الزيارات كونها تطبعهم بإطلالة أنيقة لا تشبه غيرها.
فإلياس الحداد الذي درس في باريس وتنقل ما بين سويسرا ولندن أجرى دراسة مطوّلة حول تاريخ هذا الإكسسوار وراح يفتش عن السبب الذي أدّى إلى اندثاره والابتعاد عن ارتدائه في العالم أجمع، هو الذي وضعته شخصيات سياسية تركية وإيطالية ومغربية ويونانية ومصرية ولبنانية، فشكّل أداة تزيين تحمل فحوى الرجولة والأبهة والمركز الاجتماعي الرفيع في طيّاتها.
«لقد أجريت بعض التعديلات على هذا الإكسسوار الجميل فربّعته بعدما كان أكثر ارتفاعا ومصنوعا بالطول، ليغطي الرأس بسهولة واستحدثت مستويين غير متناسقين له (تأتي قياساته أقصر من الأمام) كي يبدو عصريا، وألغيت «الشراشيب» السوداء المتدلية منه لتصبح شريطا قليل العرض يضفي الأناقة على هذه القطعة». يشرح الحداد في حديث لـ«الشرق الأوسط». ويوضح: «طالما جذبني تاريخ لبنان في مجالات عدة ولا سيما في إطار الأزياء والفن، كما أنني فخور بلبنانيتي وهويتي الشرقية التي باتت زخرفتها وبعض رموزها مصدر إيحاء لعدد من المصممين العالميين. وعندما تعمّقت في دراسة مدى تأثير الإكسسوارات على شباب اليوم قررت إعادة إحياء ارتداء «الطربوش» الذي اندثرت موضة ارتدائه كغيره من أنواع القبعات منذ حقبتي الستينات والسبعينات». وتساءل إلياس مضيفا: «لماذا نخجل من ارتداء الطربوش في عصرنا الحالي بينما نقوم في المقابل بوشم أجسادنا ووضع أقراط في آذاننا ونرتدي العباءات في سهراتنا؟ فالـ(طربوش) يستأهل منا فرصة لإعادته إلى الحياة هو الذي يشكل إكسسوارا أنيقا بحد ذاته».
لم يدخل إلياس الحداد الطابع الحرفي على تصاميمه في معرض «رجع الطربوش» إذ أراده ذا شكل حديث نابع من الماضي ولكنه يتماشى مع الحاضر ويليق بالجنسين (الذكور والإناث)، كما يضفي الشخصية القوية على صاحبه كما يقول ويزوده بنفحة تاريخية يهواها شباب اليوم في ظلّ انتشار نزعة «الفنتداج» الرائجة في أيامنا. لم تقتصر مجموعة «طرابيش» إلياس الحداد على تلك المصنوعة من قماش «الفوتر» (جوخ اللباد) بل طوّرها لتشمل قبعات الصوف التي يمكنها أن تزودنا، إضافة إلى موديلاتها الخارجة عن المألوف بالدفء في موسم الشتاء. «هي تمثّل ذروة عصرنة الطربوش وقد ألحقتها بشلحة من الصوف تتناسق مع ألوانه لتشكّل إطلالة متكاملة لصاحبها».
حسب إلياس الحداد الذي يتمتع بحيوية وديناميكية وأفكار جديدة زوده بها علم الاقتصاد والمال كما ذكر لنا. فإن «الطربوش» هو إكسسوار عالمي بحد ذاته ارتداه السلاطين الأتراك والملوك المغاربة والمصريون والأمراء اللبنانيون وغيرهم من رجالات التاريخ في إيطاليا وأوروبا، ولذلك كان ينقصنا أن نفكر به وأن نضعه على خارطة الموضة من جديد حتى نحييه ونعطيه حقّه.وإلى جانب «الطربوش» الذي يعمل حاليا على جمع تبرعات لتأسيس مركز تجاري خاص به (crowed foundation)، فإن الشاب اللبناني أطلق مجموعة قمصان قطنية تحمل كلمات «بيروت» و«حب» بالعربية والأجنبية، مطبوعة بالمخمل لتؤلّف مع الطربوش خط أزياء خاصاً به، ينوي إطلاقه في العالمين العربي والغربي قريبا «لما يحمل في طياته من عطر لبنان»، كما يقول.
لبناني يحيي زمن ارتداء «الطربوش» ويقدمه في حلة جديدة
أعاده إلى عالم الموضة بتعديلات عصرية وأنيقة تلائم الجنسين
لبناني يحيي زمن ارتداء «الطربوش» ويقدمه في حلة جديدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة