احتفل المصمم كارل لاغرفيلد بميلاده الـ84 مؤخرا. ورغم الوهن الذي أصاب جسده، فإن لا أحد يُمكن أن يتجرأ وينعته بالعجز عن مواكبة عصره. فكلما تقدم به العمر اتقدت نظرته الإبداعية وزادت شبابا وحيوية، بما في ذلك مظهره الخاص. في عدة تصريحات أعرب أن الحياة لا تتوقف عند مرحلة معينة وبأنها يجب أن تُسابق الزمن وتسبقه، وهذا ما يترجمه في تصاميم تضج بالحداثة والعصرية، إضافة إلى شراكات مع عارضات صغيرات في السن من مثيلات جيجي حديد وكيندل جينر وكارا ديليفين قبلهما، في إشارة واضحة أن الجيل الجديد يُمثل الاستمرارية في عالم الترف. وهو على حق، فكثير من الدراسات تُفيد بأن الجيل الصاعد سيصبح بحلول 2020، أكبر قوة استهلاكية وشرائية عرفها التاريخ.
إذا كان الأمر هكذا بالنسبة لكارل لاغرفيلد، فما البال بإيلي صعب الذي يصغره بنحو ثلاثة عقود؟. هو الآخر يسير على نفس الخطى، مؤكداً أنه منصت جيد لنبض الشارع. لم يتجاهل الجيل الجديد بالنظر إلى أن معظم زبوناته ناضجات، بل احتضنه. قدم له في عروضه الأخيرة تصاميم ديناميكية ترقص على نغمات الروك أند رول من خلال جاكيتات من الجلد وبنطلونات مفصلة وغيرها من التصاميم التي تُذكرنا بأن حس إيلي صعب التجاري يضاهي حسه الفني. يعرف جيدا أن المرأة الناضجة لا تزال تمتلك قدرات شرائية هائلة لا يمكنه الاستهانة بها أو الاستغناء عنها، لكنه يعرف أيضا أن المستقبل بيد بنات هذه الزبونة وحفيداتها. قد لا تتعدى أعمارهن في الغالب الـ14 أو 16 عاما، ومع ذلك تتملكهن رغبات متعطشة للموضة وتذوق الترف. وهذا وحده يجعل الاستثمار فيهن فكرة جيدة يجب أن يبدأ زرع بذرتها من الآن على أمل اقتطاف ثمارها في الغد.
إضافة إلى كل هذا، فإن التجارب أكدت لنا أن الذكي هو من يقرأ ثقافة عصره جيدا ويُتقن مراوغة موجاته وركوبها عوض أن يقف في وجهها. لم تعد النجمات الهوليووديات من يحددن ثقافة هذا العصر، بل فتيات مجتمع وعارضات أزياء من مثيلات جيجي وبيلا حديد وكايلي جينر. فتيات في عمر الزهور، جميلات وأنيقات. والأهم من هذا نجحن في حياتهن الشخصية والمهنية بغض النظر عن الوسيلة، وهو ما كفل لهن الشُهرة والحُظوة بين بنات جيلهن المتابعات لهن على وسائل التواصل الاجتماعي.
لم يقتصر إيلي صعب على إظهار نظرته الشبابية في أزيائه فحسب، بل ذهب إلى أبعد من هذا وخصص عطره الأخير «غيرل أوف ناو» Girl of Now لهذه الشريحة من الصغيرات. كل شيء في العطر، من شكل القارورة إلى السعر، يتكلم لغة عصرية تحمل بصماته الإبداعية وذوقه الراقي. وبما أن إمبراطوريته، التي بدأت نخبوية بخط أزياء راقٍ منذ نحو ثلاثة عقود، توسعت إلى أزياء جاهزة وتصميم يخوت وإكسسوارات وأخيرا وليس آخرا إلى عطور، فإن هذا يعني أن الأسعار تتباين من أقل من مائة إلى مئات الآلاف من الدولارات، وبأن أي عاشقة لأسلوبه يمكنها أن تدخل ناديه النخبوي برشة عطر.
ما يُحسب لصعب كالعادة أنه يتعامل مع أدق التفاصيل وأبسط الأمور بمهنية وجدية. لم يستهن بزبونته الصغيرة من باب أنها عديمة الخبرة وستقبل منه أي شيء، بل العكس تماما، سخر لابتكاره اثنين من أهم العطارين حاليا هما صوفي لابيه ودومينيك روبيون، حتى يكون أهلا بها وباسمه على حد سواء.
في الشرح الذي تم تقديمه عن العطر، كانت الصورة التي تخيلها المصمم وسوقها لنا، تتصدرها فتاة مُفعمة بأنوثة طبيعية وعفوية من شأنها أن تشد أية امرأة، بغض النظر عن عمرها. صورة تتهادى فيها العارضات على منصة براقة «كل الأنظار مصوبة نحوهن بانبهار... يخرجن من الكواليس بابتسامات مشرقة وأزياء راقية وحولهن هالة من التألق...ثم تتوارين عن الأنظار مُخلفات شعورا آسرا بالجمال. بعد العرض يتسابق المصورون إلى الكواليس لالتقاط صورهن. لا يمانعن أو يتمنعن بل العكس، يتجاوبن ولسان حالهن يقول بأنهن تتوقعن كل هذا الاهتمام وتسعين إليه. فجزء كبير من كينونتهن ونجاحهن يعتمد على لفت الانتباه».
هذه الصورة جسدتها حملته الترويجية. كان بإمكانه أن يختار لها أية نجمة، لكنه في المقابل، فضل ثلاث عارضات في عمر الزهور، قد لا يكن معروفات لجيل الأمهات، إلا أنهن وجوها معروفة لدى بناتهن، هن أولريكا هوير، ولينسي مونتيرو، وغابي ويستبروك. القاسم المشترك بينهن، إلى جانب جمالهن، عدد متابعيهن على مواقع التواصل الاجتماعي. الأمر الذي يجعلهن أداة قوية للتأثير على بنات جيلهن. فهن تعشقن الترف وتحلمن به، كما يعشن «حياة لذيذة» ويتعمدن استعراضها على صفحات التواصل الاجتماعي، بحجة إشراك متابعيهن ومتابعاتهن في هذه التجارب الممتعة، سواء كانت عروض أزياء أو ارتداء تصاميم مبتكرة، أو استعراض مكان ساحر تقضين فيه عطلاتهن أو افتتاح محل أو فندق فخم وما شابه. أمور يمكن القول إنها إعلانات تتستر تحت غطاء التفاعل وإشراك الآخر في هذه التجارب، لكن تأثيرها قوي على السوق.
أيرينا داكيفا، الشابة التي أخرجت الحملة الإعلانية، تشير إلى هذه النقطة بقولها إن «فتاة اليوم، التي تمثل عطر (غيرل أوف ناو) تتميز بطاقة إيجابية وروح مستقلة وعفوية، مما يجعلها محبوبة وقريبة من القلب». أما الانتقادات الموجهة لهن، فإنها تكون مجحفة في كثير من الأحيان وتتجاهل بأنهن يتمتعن بقوة شخصية ورؤية واضحة جعلت منهن سيدات أعمال ناجحات تدين لهم الموضة وعالم الترف بتحريك الأسواق العالمية وإنعاشها.
تجدر الإشارة إلى أن إيلي صعب ليس الوحيد في هذا التوجه، لأن معظم الماركات العالمية، إن لم نقل كلها، باتت تتودد لبنات هذا الجيل، لما يملكنه من أسلحة مؤثرة لا يستهان به. الذكي من يتقبل هذه الحقيقة، لأنها وحسبة بسيطة تؤكد أنهم باتوا يحتاجون إلى لغة شبابية للوصول إلى الأسواق الجديدة، وهو ما تتقنه هؤلاء العارضات أو المؤثرات بإيقاظها بعض الأحلام النائمة. في عالم الموضة والترف بالذات تحتاج إلى الحلم وما يُشعله. فهذه الفتاة الصغيرة ستشتري اليوم عطرا من إيلي صعب مثلا، لكنها ستظل تحلم بأن يكون فستان زفافها من تصميمه. إلى ذلك الحين ستتدرج من العطر إلى وشاح ثم حقيبة يد وربما قميص أو فستان من خط الأزياء الجاهزة، وفي آخر المطاف ستكبر وتُصبح سيدة أعمال ناجحة وزبونة مخلصة لا تتأخر عن عروضه. فلم لا يكسب ولاءها من الصغر بعدم إهمال طموحاتها الصغيرة ولو من خلال عطر ليس ككل العطور؟
من أهم خصائصه أنه يتراقص على نغمات اللوز وخلاصات زهر البرتقال والباتشولي، ونفحات من الكمثرى واليوسفي لإضفاء «تألق أشبه بالتطريزات التي تزين فساتين السهرة» حسب شرح الدار. أما رائحة الفستق الحلبي المحمص الطازج المستوحاة من لبنان فتُعزز عبير اللوز المر الفواح.
ومع ذلك يتجسد الابتكار الأبرز في العطر، وهو ما يمنحه شخصيته المميزة، زهرة الأورموند التي تم استخلاصها خصيصا لفتاة اليوم لتُضاف إلى الباقة المُكونة من الباتشولي والياسمين الأبيض وزهر الماغنوليا.
إيلي صعب يحتفل بفتاة اليوم
باقة ورد معبأة في عطر جديد موجه لجيل في عمر الزهور
إيلي صعب يحتفل بفتاة اليوم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة