ليس كل من يحلم بالمشاركة في أسبوع عالمي يتمكن من ذلك. فالعملية تحتاج إلى ترتيبات وتخضع لعدة شروط، لا سيما إذا كانت النية المشاركة ضمن البرنامج الرسمي. لكن المسألة تختلف تماماً عندما يتعلق الأمر بالقفطان المغربي. فمفعول سحره قوي إلى جد جعل منظمة أسبوع الموضة البريطانية تُرحب به وتستقبله بالأحضان ليضفي على أسبوعها سحراً شرقياً يفيض بالألوان والجمال.
فأسبوع لندن المعروف بفنونه وجنونه استقطب هذا الموسم مصممين كباراً من ميلانو ونيويورك، متمثلين في كل من جيورجيو أرماني، الذي شارك فيه من خلال خطه «أمبوريو أرماني» ودوناتيلا فيرساتي بخطها «فيرسيس» وتومي هيلفغر احتفالاً بثالث تشكيله له مع العارضة جيجي حديد. كان الطبق غنياً لكنه افتقد بهارات دافئة من الشرق تزيد من طاقته وتقوي مكانته كحاضن لكل الثقافات.
من منظور جليلة المستوكي، منظمة فعالية «قصص من المغرب» التي استضافت فيها 10 من أهم المصممين المغاربة المتخصصين في هذه القطعة إلى لندن، فإن العالم سمع عن القفطان، وشاهدوه على نجمات عالميات في فعاليات مختلفة، من الراحلة إليزابيث تايلور إلى سوزان ساراندون وغيرهما. كما ربطه بمصممين طوروه واستوحوا منه الشيء الكثير، من أمثال الراحل إيف سان لوران وجون بول غوتييه وتوري بيرش في تشكيلتها لخريف وشتاء 2017، فقد استقت منها الكثير من تطريزاته وخطوطه. لكن لا أحد يفهمه مثل المصممين المغاربة. شبوا عليها وتشبعوا بجمالياته، وبالتالي «لمَ لا نعرف الغرب بالأصل؟» حسب قول جليلة المستوكي.
كانت المبادرة جريئة وطموحة لكن جليلة، التي تعشق القفطان، تعرف مدى سحره وتأثيره، لهذا جندت نخبة من المصممين المغاربة ليضيئوا سماء لندن على مدى يومين استعرضوا فيها إبداعاتهم أمام جمهور عالمي.
لمَ تقول إنه لا أحد ممن اقترحت عليهم الفكرة تردد في قبول الدعوة؟! كل واحد منهم مسكون بحب هذه القطعة العريقة ويحلم أن يلعب دورا في التعريف بها، كما بحرفية الصانع المغربي، عبر منبر عالمي بحجم أسبوع لندن للموضة. الكل تفنن في تطريزه بكل ما غلا ثمنه وانبثق عنه خياله من المصمم روميو وغزلان الفضي وهدى حلوي، وبُشرى فيلالي إلى نادية بوطالب، ومريم بوسيكوكي ومريم بلخياط والعارضة والمصممة ليلى الحديوي.
باستثناء مريم بلخياط التي قدمته شبابيّاً في بعض الإطلالات بحيث يمكن ارتداؤه في النهار على شكل فستان قصير مع جينز، وليلى حديوي التي قدمت مجموعة كاملة من الـ«كابات»، تميزت بتصاميم عصرية وصنعة تقليدية، كان القاسم المشترك بين كل المصممين المشاركين أنهم احترموا شخصية القفطان من ناحية عراقة تنفيذه مثل «السفيفة» و«الصم» وما شابه من أمور لا يتقنها إلا صانع مغربي محترف.
الجديد أنهم لم ينسوا إضافة لمسات عصرية من شأنها أن تروق لامرأة شابة ترغب في التميز وفي الوقت ذاته ترغب في أن يكون مريحاً لا يقيد حركتها.
وكانت النتيجة أنهم أعطوا كل قطعة حقَّها. أفسحوا المجال للألوان والتطريزات لكي تعبر عن روح العصر. فالورود المتفتحة التي تسود عالم الموضة حاليا تناثرت على جوانب كثير من القفاطين المقترحة. أحياناً تم زرعها حول الصدر وأحياناً على الذيل في صورة تحاكي لوحات «مونيه» من ناحية دقتها.
المصمم روميو، الذي قدم تشكيلة ذكية كونها تفيض بالعصرية وفي الوقت ذاته تحترم الأساسيات، شرح هذه النقطة قائلا إن «هناك أموراً لا يمكن تجاهلها أو الاستغناء عنها، لأنها بمثابة خط تعريفي للقفطان، مثل الحزام والتطريزات اليدوية وطريقة لف الخيوط على بعضها وما شابه من أمور تُضفي عليه خصوصيته وفخامته». بيد أنه برهن أنه متابع جيد للموضة العالمية، إذ إنه استمد مجموعة من قفاطينه من فساتين الـ«هوت كوتير» التي نتابعها عادة على منصات باريس، خصوصاً تلك التي أرفقها بذيل إضافي طويل. فإلى جانب أنها تضفي على القفطان فخامة تجمع العراقة بالحداثة، فإنها تجعله أيضاً يقوم بوظيفة فستان عروس على أحسن وجه.
في الوقت الذي أبقى فيه الكل على خطوطه بسيطةً وتصاميمه رشيقةً، فإنهم جادوا عليه بالتطريزات الغنية والأقمشة المترفة، التي تدرجت من شفافية الموسلين إلى نعومة الحرير والأورغنزا والمخمل في القطعة الواحدة أحياناً.
أما من ناحية الألوان، فحدث بلا حرج، لأنها جزء من جيناته ورموزه. فعلى مدى تاريخه كان القفطان يستمد جُرأته من هذه الألوان الساطعة أو المتناقضة بشكل صارخ، لكن المصمم يطوِّعها ليضفي عليها التناغم المطلوب.
ويربط بعض المأخوذين بالتاريخ هذه الظاهرة بالموسيقي زرياب. يذكرون له عنايته بمظهره واهتمامه بأناقته ويربطونها بالفردوس الأندلسي، بشمسه الساطعة ورغد حياته.
وهو ما لا نستغربه أو نستنكره إذا عرفنا أن القفطان كان أصلاً رجالياً قبل أن تستحوذ عليه المرأة وتجعله ملكاً لها. أضافت إليه طبقات من الموسلين والحرير لتزيد من فخامته ولتُرسخ حقها فيه. كذلك «الكاب» الذي طرحته المصممة ليلى الحديوي. فهو أصلا مأخوذ من «السلهام» المغربي، الذي كان قطعة تقليدية يلبسها الرجل والمرأة على حد سواء. المهم أن هذه المرأة لا تزال حارسة لكل القطع التي استحوذت عليها. تواكب تطوراتها وترفض المساس بأصالتها، الأمر الذي جعل أي محاولات لتطوير القفطان تحديداً، وبشكل مبالغ فيه، تُقابل بالرفض والاستهجان لينعكس ذلك سلباً على المبيعات.
فعملية تطويره كانت ولا تزال تقتصر على «المعلمين» رغم تلك الرغبة الملحة في إرضاء ذائقة شابة وعالمية. لحسن الحظ أن المصممين الموهوبين توصلوا إلى المعادلة الصعبة بالحفاظ شخصيته مع إخضاعه لعمليات تجميل بسيطة جدا.
أضفوا عليه رشاقة من ناحية التصاميم وخفة من حيث نوعية الأقمشة، وفي كل الحالات استغلوا ألوانه وتطريزاته الغنية ليُطلقوا العنان لخيالهم. وهذا ما أكدته قصص من المغرب خلال أسبوع لندن لربيع وصيف 2018.
القفطان المغربي ... سحره يطغى على أسبوع لندن للأزياء
في عرس أضفى عليه جمالاً وإبهاراً
القفطان المغربي ... سحره يطغى على أسبوع لندن للأزياء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة