صربيا تجني «منافع» من دون قيود

بعد زيارة الرئيس الصيني لسراييفو

نقل بعض مواد الصلب في أحد موانئ صربيا (نيويورك تايمز)
نقل بعض مواد الصلب في أحد موانئ صربيا (نيويورك تايمز)
TT

صربيا تجني «منافع» من دون قيود

نقل بعض مواد الصلب في أحد موانئ صربيا (نيويورك تايمز)
نقل بعض مواد الصلب في أحد موانئ صربيا (نيويورك تايمز)

حين اختار الرئيس الصيني، شي جين بينغ، مدينة صناعية على نهر الدانوب للإعلان عن وضع صربيا في قلب مبادرة البنية التحتية «حزام واحد، طريق واحد»، التي تبلغ قيمتها 900 مليار دولار، كان ذلك بمثابة تصريح جريء بأن بلاده قد أنشأت لها متجرا في جنوب شرقي أوروبا.
ووعد شي جين بينغ خلال العام الماضي وهو يقف على أرض منشأة لصناعة الصلب تعود إلى الحقبة الشيوعية في مدينة سميديريفو، التي تقع على بعد نحو 28 ميلا من العاصمة بلغراد، بضخّ الأموال في مشروعات إنشاء طرق وخطوط سكك حديد لإتاحة نقل البضائع الصينية إلى الأسواق الأوروبية. ويمر هذا الطريق، الذي يطلق عليه «طريق الحرير الجديد» ويمتد من الصين إلى ألمانيا، عبر ميناء بيرايوس في اليونان والبلقان.
وكان قرار الرئيس الصيني بوضع بصمته السياسية على صربيا، التي تعد واحدة من أكثر الدول فقراً في أوروبا، بمثابة حركة ماكرة لوضع المبادرة في صدام مع مشروعات الاتحاد الأوروبي في المنطقة. وقد اعتمد في استراتيجيته على استغلال اضطراب العلاقات الاتحاد الأوروبي مع دول غرب البلقان، التي تسعى للانضمام إلى الاتحاد. وأشار إلى أن الصين تستهدف مدّ نفوذها إلى قلب أوروبا في وقت تنسحب فيه الولايات المتحدة الأميركية من الساحة العالمية.

ما الذي سيتم منحه لصربيا؟
قال شي جين بينغ خلال زيارته للبلاد: إن الصين سوف توفر المزيد من فرص العمل، وتحسن مستوى المعيشة، وتساهم في زيادة النمو الاقتصادي. الأهم من ذلك هو حصول صربيا، بانفتاحها اقتصاديا على الصين، على دعم بكين في مواجهة ضغط الاتحاد الأوروبي عليها للاعتراف باستقلال كوسوفو. وصرحت زورانا ميهايلوفيتش، وزيرة البناء والنقل والبنية التحتية الصربية بشأن مبادرة شي جين: «سيكون من المناسب القول إن صربيا هي شريك الصين الرئيسي في أوروبا».
وتساءل البعض في الصين عن مدى الجدوى الاقتصادية لحمى استثمارات بكين، في حين يخشى البعض خارج الصين من أن تساعد طموحات الصين في بقاء الحكام المستبدين لدول مثل صربيا في سدة الحكم، وتؤدي إلى عدم تحرر تلك الدول من ربقة الديون، واستمرار مشروعات لها أضرار على البيئة. مع ذلك أنقذت كلمات شي جين 5.200 وظيفة في سميديريفو، المدينة التي يقيم بها مائة ألف نسمة، وتعتمد على صناعة الصلب منذ عقود. وقد اشترت مجموعة «إتش بي آي إس»، المملوكة للحكومة الصينية، مصنع صلب، وهو الوحيد الموجود في صربيا، مقابل 46 مليون يورو، أو ما يعادل نحو 55 مليون دولار أميركي. وقد باع المالك السابق المصنع إلى حكومة صربيا عام 2012 بمبلغ رمزي هو واحد دولار. وقال شي بعد شراء المصنع: «نريد أن نصل إلى وضع مفيد لكافة الأطراف».
وقد مثلت طموحات الصين في منطقة البلقان صداماً مع خطط الاتحاد الأوروبي مع وجود دول مثل صربيا عقبة في وسط الطريق.

وعود لم يتم الوفاء بها
ميليتا غوجيانيتشي، عامل صلب ورئيس اتحاد العمال، واحد من الذين كانوا يأملون أن تحقق الصين رؤيتها الخاصة بمصنع سميديريفو. ويعمل ميليتا في المصنع منذ أربعين عاماً، ويقول إنه قد اعتاد على طريقة الأميركيين الذي يقول عنهم إنهم «أرستقراطيو العالم الصناعي».
وأوضح غوجيانيتشي البالغ من العمر 63 عام قائلا: «يقال لي طوال حياتي إن الرأسمالية وبخاصة النسخة الأميركية منها سيئة، لكنه لم يتم تقديرنا واحترامنا ومنحنا أجرا مناسبا نحن العمال إلا حين تولى الأميركيون إدارة هذا المكان».
وأشار إلى أن النهج الصيني في إدارة المصنع مختلف تماماً، فحتى هذه اللحظة يعدنا أصحاب المصنع الجدد بالاحتفاظ بكل العمال، لكن لم يتم الوفاء أو الالتزام بأي من الوعود التي قطعها الرئيس الصيني أثناء زيارته.
وأضاف، أن السرية تحيط بعقود العمال، ومستوى إجراءات السلامة قد تراجع، وأن أعمال الصيانة تتم في أضيق الحدود، وأنه لا يوجد أي تواصل بين أصحاب المصنع والعمال. وأضاف، أن تراجع حقوق العمال، واستهتار أصحاب العمل بالقوانين أمر يثير القلق والاضطراب.
وتبنى ألكسندر فوشي، رئيس صربيا الطموح، آراء ورؤى الرئيس الصيني، رغم أنه قد تم انتخابه في مايو (أيار) على أساس تعهده بتقريب الدولة السلافية ذات السبعة مليون نسمة نحو الغرب. وقد تعهد أيضاً بتحويل البلاد من دولة كانت ذات يوم جزءا من يوغسلافيا ذات النظام الشيوعي إلى وجهة جاذبة للاستثمار الأجنبي بعد سنوات من العقوبات الدولية بسبب مشاركة صربيا في حروب البلقان خلال التسعينات.

مسارات القوة
ورغم تركيز الصين على المنطقة، لا يزال الاتحاد الأوروبي هو القوة الأكبر هناك، حيث تشهد مشروعات الاتحاد تقدماً. هناك اختلاف كبير وواضح بين أسلوب عمل كل من القوتين. على سبيل المثال، للحيلولة دون تجدد الصراع في منطقة البلقان، وضع الأوروبيون خطة عام 2014 من أجل الربط بين الأعداء القدامى مثل صربيا وألبانيا من خلال إنشاء طرق سريعة، وخطوط سكك حديد جديدة لتسهيل الانتقال، والسفر، ونقل السلع.
وتعد المبادرة، التي تعرف باسم «عملية برلين» تحت قيادة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، جزءا من خطة أوروبية متكاملة خاصة بدول البلقان. وتستهدف تلك الخطة التوفيق بين قوانين تلك الدول وبين قوانين الاتحاد الأوروبي، وتعزيز التعاون عبر حدود البلقان.
خلال آخر اجتماع قمة إقليمي في يوليو (تموز) الماضي في مدينة تريستي في إيطاليا اتفقت الدول المشاركة، وهي ألبانيا، والبوسنة، والهرسك، وكوسوفو، ومقدونيا، ومونتينيغرو (الجبل الأسود)، وصربيا، التي تسعى جميعاً إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي، على إقامة منطقة اقتصادية إقليمية في إطار محاولات إنشاء سوق تضم 20 مليون نسمة. مع ذلك، يشكو مسؤولون في منطقة البلقان منذ فترة طويلة من طول مدة العملية البيروقراطية التي استغرقت عام للحصول على تمويل من بروكسل من أجل بدء العمل.
وفي الوقت الذي تبنى فيه الرئيس صربي المبادرة، كان لدى ألبانيا وكوسوفو تحفظات سياسية أساسها الخوف من أن يصبح مشروع البنية التحتية، والسوق الإقليمية المشتركة، بديلا للحصول على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي.
في حالة صربيا، طلبت الدول التقليدية الراعية لها الأكثر كرماً، وهما روسيا، وأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا، من بلغراد تغيير طريقة إدارتها للأمور مقابل الحصول على الأموال. كذلك، اشترطت بروكسل مجموعة من التغيرات القضائية والسياسية والاقتصادية لتنضم صربيا إلى الاتحاد الأوروبي المكون من 28 دولة. على الجانب الآخر، وعدت روسيا، التي تسعى لإبعاد صربيا قدر الإمكان عن الغرب، بتقديم أسلحة وطاقة بأسعار مخفضة كرادع يمنع نشر قوات حلف شمال الأطلسي في كوسوفو ومونتينيغرو، اللتين انضمتا إلى الحلف في مايو.
جدير بالذكر، أن روسيا تتحكم في جزء كبير من قطاع الطاقة في صربيا، ولها تأثير كبير على حكام البلاد المتعاقبين في بلغراد منذ سقوط الرجل القوي سلوبودان ميلوسيفيتش عام 2000.

طرف جديد في البلقان
والآن تظهر الصين لتكون طرفا حديثا نسبياً في منطقة البلقان المضطربة، وتحمل معها نقودا إلى جانب بعض القيود البسيطة والمهمة في الوقت ذاته. يتجلى انجذاب الصين إلى صربيا في المساعدات التي تقدمها الدولة، والتنازل عن بعض المعايير المتعلقة بالبيئة، وعدم الحرص على الشفافية في صفقات العمل. مع ذلك على صربيا أن تتبنى نموذج بكين للتطوير الذي يتم بقيادة الدولة.
من المرجح أن تقيد الديون الضخمة صربيا؛ فأكثر الاستثمارات تأتي على شكل قروض من مصارف صينية، مدتها تراوح بين 20 و30 عاما، بسعر فائدة يتراوح بين 2 و2.5 في المائة. حتى هذه اللحظة أقرضت الصين صربيا 5.5 مليار يورو من أجل إنشاء كباري، وطرق سريعة، وخطوط سكك حديد. كذلك تمنح الصين أموالا إلى دول جوار صربيا؛ مما يثير مخاوف من أن تكون عطايا بكين الكريمة في منطقة البلقان لا تتعلق بالعمل، بل بالسياسة والجغرافيا. وقد تحدثت وزيرة البنية التحتية الصربية بوضوح عن الأمر حين قالت: إن هذا مؤشر يوضح للمسؤولين في بروكسل أن ألم الرأس الذي تسببه منطقة البلقان قد أضحى الآن صداعاً نصفياً. وأضافت، أن بكين تدافع عن مصالح صربيا في العالم، وأثنت على الصين لعدم الاعتراف بما أسمته «استقلال كوسوفو المعلن بشكل غير قانوني». ويعد الاعتراف بسيادة الإقليم ذي الأغلبية الألبانية، الذي كان تابعاً لصربيا، من الشروط الأساسية للموافقة على انضمام بلغراد إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي منطقة أخرى في شبه جزيرة البلقان، أقرضت الصين مونتينيغرو مئات الملايين من الدولارات، وآلاف العمال من أجل بناء طريق سريع استراتيجي لكن مكلف يربط بين بلغراد وميناء مونتينيغرو على البحر الأدرياتيكي. وقد اختبرت الصين في البداية نموذج البناء الخاص بها في صربيا عام 2010 حين جلبت مئات العمال من شركة الطرق والكباري الصينية المملوكة للدولة لبناء كوبري طوله ميل أعلى نهر الدانوب. وفي عام 2014 افتتح رئيس الوزراء الصيني، لي كيكيانغ، كوبري تكلفته 170 مليون يورو تم بناؤه بقرض من مصرف الاستيراد والتصدير الصيني، ويحمل اسم العالم الصربي ميهاجلو بوبين.
هناك اتفاق آخر خاص بالبنية التحتية، وهو إنشاء خط سكة حديد فائق السرعة يربط بلغراد ببودابست. سوف يشمل هذا الخط، الذي يبلغ طوله 217 ميلا، خطا لشحن البضائع، إلى جانب خط قديم للركاب كانت تتحرك عليه في الماضي قطارات خلدتها رواية «جريمة قتل على خطوط أورينت إسكبريس» لأغاثا كريستي. مع ذلك تنظر بعض الدول الأوروبية بريبة إلى دور الصين القيادي في الاندماج الاقتصادي في باحتهم الخلفية، ويخشون أن تكون القواعد الجديدة لمبادرة «حزام واحد، طريق واحد»، إلى جانب القيم القديمة الحاكمة لمنطقة البلقان، في مواجهة قيم الاتحاد الأوروبي بحسب مايكل ماكوكي، الخبير في العلاقات الأوروبية - الصينية. وكتب ماكوكي في ورقة سياسية للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «توضح الممرات الاقتصادية الصينية، ومشروعات البنية التحتية تفضيل الصين لقرارات توجهها الدولة لا السوق من خلال فرض الطابع السياسي على الاستثمارات، والدعم، والقرارات الخاصة بالتعاقدات؛ وترفض نموذج إجراءات العطاءات الشفافة المنفتحة الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي».
على الجانب الآخر، يقول غوجيانيتشي، رئيس اتحاد العمال، إن القيادة الصربية قد ضربت بقوانين العمل عرض الحائط مقابل الحصول على التمويل الأجنبي. وأضاف قائلا: «لا يمكنني القول إني أفهم الشيوعية الصينية، لكن ما يقومون به هنا هو تدميرنا». كذلك، قال مشيراً إلى قادة صربيا: «إنهم يجمعون النقاط للانتخابات القادمة باستخدام أموال آخرين. كل ما يهتمون به هو البقاء في السلطة على حساب عملنا الجاد الدؤوب».
* خدمة «نيويورك تايمز»



إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)
إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)
TT

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)
إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، اليوم (الخميس)، إن «منظمة ترمب» تخطط لبناء برج ترمب في العاصمة السعودية الرياض في إطار توسع عقاري في المنطقة، بما في ذلك العاصمة الإماراتية أبوظبي.

وفي معرض حديثه عن مشروعين جديدين في الرياض بالشراكة مع شركة «دار غلوبال» للتطوير العقاري الفاخر، ومقرها دبي، رفض نائب الرئيس التنفيذي لـ«منظمة ترمب» إعطاء تفاصيل، مكتفياً بالقول في مقابلة: «ما سأخبركم به هو أن أحدهما سيكون بالتأكيد برجاً»، مضيفاً أن شركته تخطط لتوسيع شراكتها مع «دار غلوبال» في جميع أنحاء منطقة الخليج، بما في ذلك مشروع جديد في أبوظبي.

وقال ترمب: «سنكون على الأرجح في أبوظبي خلال العام المقبل أو نحو ذلك»، وذلك بعد يوم من كشف الشركتين عن خططهما لبناء برج ترمب الذهبي المتلألئ في مدينة جدة الساحلية السعودية.

وقال زياد الشعار، الرئيس التنفيذي لشركة «دار غلوبال» المدرجة في لندن، إن المشروع المشترك الجديد الآخر المخطط له في الرياض هو مشروع «ترمب غولف» على غرار مشروع ترمب الذي تم إطلاقه في عُمان عام 2022، وأضاف في مقابلة مع «رويترز»: «نأمل في إنشاء برج واحد ومجتمع غولف واحد».

اتفقت شركة «دار غلوبال»، الذراع الدولية لشركة «دار الأركان» السعودية للتطوير العقاري، على عدد من الصفقات مع «منظمة ترمب»، بما في ذلك خطط لأبراج ترمب في جدة ودبي، إلى جانب مشروع عمان.

لم تشر المؤسستان إلى قيمة المشاريع، لكن الشعار قارن بين قيمة برج ترمب في جدة بقيمة 530 مليون دولار ومجمع ترمب للغولف في عُمان الذي قال إن تكلفته تبلغ نحو 2.66 مليار دولار.