ما إن انتهت العملية العسكرية التي أفضت إلى تنظيف حدود لبنان الشرقية من التنظيمات الإرهابية، حتى بدأت عملية أمنية استخباراتية واسعة، تهدف إلى ملاحقة الخلايا الأمنية النائمة، ورصد مخططاتها بالداخل، في سياق خطة الأمن الاستباقي، التي لا تقلّ أهمية عن المهمة العسكرية التي أنجزها الجيش اللبناني بكفاءة عالية، وبسرعة كبيرة وخسائر محدودة جداً.
وغداة إعلان وقف معركة «فجر الجرود» عسكرياً، انصرف الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، إلى استثمار المعلومات المتوفرة، والعمل على استئصال ذيول الجماعات المسلّحة، حيث انكبت الأجهزة على تعقب بعض الأشخاص الذين توفرت معلومات عن علاقات لهم بتلك التنظيمات، ودأبت وحدات الجيش اللبناني على تنفيذ مداهمات دورية، تشمل مخيمات النازحين السوريين في عرسال وأطرافها، وبعض المنازل داخل المدينة، وتوقيف المشتبه بهم وسوقهم إلى التحقيق.
وتوالت في الأيام الماضية عمليات التوقيف التي طالت عدداً من الأشخاص، بعضهم بناء على شبهات تحوم حولهم، والبعض الآخر تنفيذاً لمذكرات قضائية، كما هي حال رئيس بلدية عرسال السابق علي الحجيري، الذي حضر شخصياً إلى فرع التحقيق في مديرية المخابرات، وبوشر التحقيق معه بإشراف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، لجلاء ما حكي عن دور له، خلال مقتل الرائد في الجيش بيار بشعلاني والمعاون إبراهيم زهرمان أثناء تنفيذ عملية أمنية داخل عرسال في عام 2013.
وتأتي مهام الجيش ضمن استراتيجية واضحة لقطع الطريق على أي اختراق جديد للساحة الداخلية، حيث أكد مصدر عسكري لـ«الشرق الأوسط»، أن المداهمات «ما هي إلا حلقات من ضمن خطة أمنية بدأت منذ أشهر؛ من انطلاق معركة تحرير جرود القاع ورأس بعلبك وجرود عرسال، وبعد سلسلة مداهمات سابقة وتوقيفات، أفضت إلى جمع معلومات قيمة». ووضع المصدر هذه الإجراءات «في إطار العمليات الاستباقية». وقال: «صحيح أن المعركة العسكرية انتهت، لكن المعركة الأمنية لا تزال مستمرة».
وأشار المصدر إلى أنه «منذ أن انتهت معركة (فجر الجرود)، بدأت عملية أمنية استخباراتية، نتج عنها جمع معلومات وتوقيفات في عرسال وكل المناطق اللبنانية»، مؤكداً أن «المداهمات تحصل بناء على معلومات ومعطيات، خصوصا أن الوعي عند الناس بات أكبر من المرحلة السابقة». وقال: «المدنيون كانوا يترددون في تزويد الجيش والأجهزة الأمنية بالمعلومات عن خلايا نائمة، خوفاً من عمليات انتقامية كان ينفذها الإرهابيون ضدهم، أما الآن فالناس يتمنون الانتهاء من كل البؤر والخلايا النائمة، التي قد تستأنف نشاطها في ظلّ الاسترخاء الأمني». وشدد المصدر العسكري على أن «الجيش غير معني بكل السجالات والتجاذبات السياسية، وكلّ همه حماية الحدود والأمن الداخلي».
وكانت قيادة الجيش اللبناني، قالت في بيان لها أول من أمس الأربعاء: «بحثا عن المطلوب مصطفى الحجيري الملقب بـ(أبو طاقية) لتوقيفه بناء على إشارة القضاء المختص، دهمت قوة من مديرية المخابرات، مجمعاً تجارياً وصناعياً في محلة وادي الحصن - عرسال، عائداً إلى المطلوب المذكور، من دون العثور عليه». وأشارت إلى أن القوّة المداهمة «ضبطت في داخل المجمع كمية من الأسلحة المتوسطة والخفيفة والذخائر، بالإضافة إلى كمية من الأقنعة والأمتعة العسكرية المختلفة، وتم تسليم المضبوطات إلى المرجع المختص لإجراء اللازم».
مصدر قضائي أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المداهمات التي تستهدف توقيف أبو طاقية (الشيخ مصطفى الحجيري)، تأتي تنفيذاً لمذكرات قضائية صادرة بحقه، بأكثر من ملف عالق أمام المحكمة العسكرية»، مؤكداً أن «(أبو طاقية) ملاحق غيابياً بملف أحداث عرسال وخطف عسكريين، وصلاته بتنظيم إرهابي (جبهة النصرة)، وبناء على معلومات جديدة حصل عليها القضاء، تتحدث عن دور له في أعمال أمنية أخرى». أما عن الدور التفاوضي الذي لعبه «أبو طاقية»، أكثر من مرة، بتكليف من قيادات سياسية وأمنية، فشدد المصدر القضائي على «وجوب التحقيق معه انطلاقاً من الشبهات التي تحوم حوله، وخلال خضوعه للتحقيق، يحق له أن يدلي بدلوه ويقول ما يشاء، وعندها يتثبت المرجع القضائي المختص من صحة هذا الدور من عدمها، ويتخذ الإجراء المناسب».
نائب رئيس بلدية عرسال ريما كرنبي، عدّت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع الأمني داخل المدينة، بات أفضل بعد دحر الإرهابيين من الجرود، وإخراج المجموعات الموالية لهم داخل المدينة». وأكدت أن «وجود الجيش بشكل دائم ومستمر يشكل عامل اطمئنان للمدنيين اللبنانيين والسوريين المقيمين فيها»، مشيرة إلى أن المواطنين «باتت لديهم الجرأة على إبلاغ الدولة بالمخلين بالأمن، دون أن يخشوا من عمليات انتقامية تطالهم». وشددت على أن «المداهمات التي ينفذها الجيش بحثاً عن مطلوبين، حتى من أبناء عرسال لا تستفزّ أحداً، بل هي مطلوبة، والأهالي متعاونون مع الجيش إلى أقصى الحدود».
الجيش اللبناني ينتقل في عرسال من المعركة العسكرية إلى الأمنية
الجيش اللبناني ينتقل في عرسال من المعركة العسكرية إلى الأمنية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة