تفتح الدراسات الجينية آفاقا واسعة للعلماء لرصد علاقة الجينات بنمو الإنسان وتطوره، وأمراضه، إضافة إلى تأثيرات الجينات أو قلة تأثيراتها، على طباعه وسلوكه.
وفي أول دراسة من 3 دراسات منفصلة نشرت نتائجها حديثا، وجد علماء بريطانيون «برنامجا جينيا زمنيا» لنمو الدماغ، بينما وجد باحثون أميركيون في دراسة ثانية حللت الطفرات الجينية، مؤشرات تنذر بحدوث بعض الأمراض النادرة، وأخيرا؛ وجد باحثون في علوم الاجتماع والجينات أن قابلية الإنسان للتعلم، وكذلك بدايات الحمل لدى المرأة، لا ترتبط بجينات محددة تشترك فيها مختلف الشعوب.
- نشاط جيني في الدماغ
واكتشفت الدراسة الأولى التي أجراها باحثون في جامعة أدنبره في اسكوتلندا ونشرت في مجلة «إي لايف»، برنامجا جينيا يتحكم في عملية تغير المخ خلال حياة الإنسان.
وقال العلماء إن هذا البرنامج يتحكم بتنشيط أو وقف عمل الجينات داخل الدماغ في مختلف أطوار حياة الإنسان، بهدف تمكين الدماغ من أداء مهامه ووظائفه. وأضافوا أن مواقيت عمل هذا النظام دقيقة بشكل كبير بحيث يمكن للباحثين تحديد عمر الإنسان عند النظر إلى نوع الجينات النشطة داخل عينات من أنسجة الدماغ.
وعكف العلماء على تحليل البيانات المتوافرة عن قياسات نشاط الجينات داخل عينات من أنسجة الدماغ على مدى كل حياة الإنسان؛ ابتداء من الأجنة وحتى عمر 78 عاما. ووجدوا أن هناك جدولا زمنيا صارما لنشاط الجينات على مدى الحياة، وأن التغيرات الحاصلة فيه تصل إلى قمتها عند بلوغ الإنسان منتصف العمر.
وأضافوا أن هذا البرنامج الزمني يتأخر قليلا لدى النساء، وهو الأمر الذي يعني أن عقل المرأة ينمو بعد الرجل. وتحدث أكبر عملية لإعادة تنظيم الجينات داخل الدماغ أثناء مرحلة الشباب؛ حيث تصل إلى أقصاها بحلول عمر 26 عاما.
ووجد الباحثون أيضا أن هذا البرنامج الجيني الزمني يوجد أيضا لدى الفئران، إلا أنه يتغير بسرعة أكبر خلال فترة حياتها القصيرة. وقال البروفسور سيث غرانت رئيس «مختبر الجينات والإدراك» في الجامعة، الذي أشرف على الدراسة، إن «هذا الاكتشاف لبرنامج جيني في الدماغ يفتح طريقا جديدة جدا لفهم السلوك وكذلك أمراض الدماغ خلال كل فترة الحياة».
- طفرات الأمراض النادرة
وطور باحثون في جامعة هارفارد الأميركية في الدراسة الثانية طريقة للتعرف على مؤشرات جينية ترتبط بحدوث أمراض نادرة، بعد تحليلهم بيانات عن جينات عدد من الأشخاص ظهرت لديهم أعراض غامضة مشتركة.
وقال الباحثون الذين نشروا نتائجهم في مجلة «سيلز سيستمز» لأبحاث الخلية، إنهم أجروا تحليلات جينية واسعة النطاق للتعرف على التشوهات أو الطفرات الجينية لدى عدد من الأشخاص وقارنوها بتحليلات جينية لأشخاص سالمين من هذه الأعراض.
ورغم قلة عدد الأشخاص المدروسين؛ إذ تصنف الأمراض النادرة في الولايات المتحدة بأنها أمراض تصيب أقل من شخص واحد من بين مائتي ألف بالمرض، فإن الباحثين تمكنوا من التحقق من فرضيتهم القائلة بأن أحد الجينات الذي يبدو نشطا في عضو من أعضاء الجسم، قد يخضع لطفرة جينية تؤدي إلى حدوث مرض في أنسجة ذلك العضو.
وعلى سبيل المثال، فإن تشوها جينيا في جين ينشط في القلب سيؤدي على الأكثر إلى إصابة القلب بالمرض. وتحققت فرضية العلماء في بعض أعضاء الجسم، مثل القلب والدماغ والجلد والعضلات، إلا أنها لم تتحقق في أعضاء أخرى، مثل أنسجة الصدر والغدة الدرقية والمعدة.
وقال إسحاق كوهين، رئيس قسم علوم المعلومات الطبية البيولوجية في كلية الطب بالجامعة، الذي أشرف على الدراسة، إن «نتائجنا تؤكد أهمية توظيف البيانات واسعة النطاق عن الجينات بهدف العثور على أنساق أو مخططات حول نشاط الجينات في كل عضو لكي نتمكن من فهم الطفرات الجينية ودورها».
- التعلم والجينات
ووجدت الدراسة الثالثة التي أجراها علماء من جامعة أكسفورد البريطانية أن الجينات المرتبطة بقابلية التعلم والنجاح في منظومة التعليم، وكذلك الجينات المرتبطة بازدياد خصوبة النساء، لا تكون واحدة موحدة لكل الشعوب في كل أرجاء العالم؛ بل إن قابلية التعلم والخصوبة ترتبط بمواقع عيش الإنسان وفي العصور التي عاش فيها.
وخلاصة القول؛ إن قابلية التعلم والخصوبة لدى الشعوب ترتبط بالبيئة المكانية والزمانية.
ويلجأ العلماء عادة في ممارسات الأبحاث المتبعة في الدراسات الجينية الحالية إلى وضع دراسات تربط بين جوانب الحياة البشرية البيولوجية مع الجينات، ولذا، فإنهم يعزلون أحد الجينات ويربطونه مع نتائجه أو نتاجاته. ومثلا؛ ولدراسة الخصائص البدنية، فإن الرابطة تكون واضحة بين الجينات وبين طول الإنسان، أو بينها وبين مؤشر كتلة الجسم الذي يشير إلى النحافة أو البدانة.
إلا إن تحديد العلاقة بين الجينات وبين السلوك البشري، تبدو أصعب كثيرا مقارنة بتأثيرات العوامل الخارجية على ذلك السلوك. ولذا، فقد توجه باحثون من قسم علوم الاجتماع بجامعة أكسفورد مع باحثين من معاهد أخرى في الجامعة إلى جمع توليفة من البيانات الجينية لـ35062 رجلا وامرأة من مختلف العصور، من 6 دول؛ هي: أستراليا وإستونيا وهولندا والسويد وبريطانيا والولايات المتحدة.
ووجد الباحثون في الدراسة المنشورة في «نتشر هيومان بيهيفيار» المعنية بالسلوك البشري، أن الجينات المرتبطة مع نتائج مختلفة مثل التعلم والخصوبة تختلف مع مرور الزمن ومن موقع جغرافي لآخر.
وقال الباحثون إن هذا الاختلاف يرجع ربما إلى الأوضاع الاجتماعية المرتبطة بالتعلم، والحمل لدى النساء، لكل دولة، في كل زمن، ووفقا للعادات السائدة فيها.
ووجد الباحثون أن 40 في المائة من التأثيرات الجينية على التعلم، وعلى وقت حدوث الخصوبة (أي الحمل لأول مرة)، لم تكن واضحة، أي إنها كانت مخفية عند دراسة البيانات الجينية لتلك الشعوب.
وقالت ميليندا ميلز، الأستاذة في علوم الاجتماع المشرفة على الدراسة، إن «الدراسة تؤكد على أهمية طرح أسئلة جديدة انطلاقا من الواقع الاجتماعي والبيئي. وهي تظهر أنه، عندما يتعلق الأمر بدراسة خصائص السلوك، فإن التأثيرات الجينية تعتمد إلى حد كبير على الوسط الاجتماعي المحيط».
العثور على «برنامج جيني زمني لنشاط الدماغ» يعمل مدى الحياة
قابلية التعلّم ترتبط بالتأثيرات الاجتماعية والبيئية أكثر من الجينات
العثور على «برنامج جيني زمني لنشاط الدماغ» يعمل مدى الحياة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة