«المقاتلون الأجانب» ما بين مطرقة «داعش» وسندان أوطانهم

المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب: عودة ألفي مقاتل ستؤدي إلى خلق خلايا قادرة على ارتكاب هجمات عشوائية

مقاتلون أجانب في الرقة يرفعون أعلام التنظيم («الشرق الأوسط})
مقاتلون أجانب في الرقة يرفعون أعلام التنظيم («الشرق الأوسط})
TT

«المقاتلون الأجانب» ما بين مطرقة «داعش» وسندان أوطانهم

مقاتلون أجانب في الرقة يرفعون أعلام التنظيم («الشرق الأوسط})
مقاتلون أجانب في الرقة يرفعون أعلام التنظيم («الشرق الأوسط})

إن انتقال ثقافة الكراهية والتطرف الداعشي من مناطق النزاع إلى بقاع العالم الأخرى، وتكثيف الأنشطة الإرهابية في الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة، أدى إلى ظهور منتجات ثقافية ودرامية تتطرق إلى قضايا الإرهاب. ذلك التوجه مغاير للتصور القديم بأن على الإعلام أن يمارس تعتيمًا إعلاميًا يتجاهل رسائل المتطرفين، بهدف تثقيف المشاهد بالتفاصيل الوحشية للتنظيمات المتطرفة وتعميق وعيه بحيثيات التنظيم.

بثت القناة البريطانية الرابعة في 20 أغسطس (آب) 2017 عملاً دراميًا بريطانيًا بمسمى «ذا ستايت» بمعنى «تنظيم الدولة»، عبر أربعة أجزاء على التوالي، وهو من إخراج بيتر كوسمينسكي، وقد اعتمد في كتابته للسيناريو على جمع المعلومات الواقعية والاستناد إلى المواد الإعلامية لتنظيم داعش، ونقل من خلاله التجربة الداعشية للمقاتلين البريطانيين، وقد حرص على إيجاد طاقم تمثيل متنوع الجنسيات ناطق بعدد من اللغات المختلفة على رأسها الإنجليزية والعربية، وتظهر المقاطع المختلفة من العمل الدرامي لكنات عربية مختلفة تعكس بواقعية التنوع الجغرافي للمقاتلين الأجانب في سوريا. وقد تصدرت البطولة الممثلة البريطانية أوني أوهيارا عن دورها طبيبة سمراء تدعى شاكيرا بوث، تتسلل إلى سوريا مع طفلها محمّلة بأفكار مثالية عن التنظيم تتبدد تدريجيًا. ليتم رصد الأحداث داخل المقر الداعشي بنقل قصص مستوحاة من شخصيات وتجارب واقعية، وإن كان بعيون بريطانية تتطرق إلى الأزمات الوجودية والخيبات لشخصيات تصطدم بالتصورات المغلوطة للتنظيم وعمليات القتل والسبي والتوحش وانتهاك الحريات وحقوق الإنسان. وقد تعرض العمل الدرامي لانتقادات جراء بثه خمسة أيام عقب حادثة دهس شاحنة 14 شخص وإصابة مائة آخرين في منطقة لاس رامبلاس السياحية ببرشلونة والتي تبناها تنظيم داعش. وإن كان استعراض هذا النوع من الدراما عن وعي بوجود أزمة للمقاتلين الأجانب في مناطق النزاع.
تتسم مرحلة ما بعد فشل مزاعم خلافة «داعش» في كل من سوريا والعراق، وتشرذم التنظيم وتناثره إلى مجموعات صغيرة، تجلت نتائجه الأولية بتصاعد أزمة عودة المقاتلين الأجانب، بالأخص كون التنظيم تمكن عبر تقنياته المتطورة من استقطاب وتجنيد عدد كبير من القادمين من بقاع مختلفة، وقد بدأت معالم ذلك تظهر في أوروبا لتمتد إلى أفغانستان والفلبين. وقد قدر المنسق المكلف بمكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كيرشوف عدد المقاتلين الأوروبيين الموجودين حاليا في الشرق الأوسط بما يتفاوت ما بين 2000 و2500 مقاتل، يتوقع عودتهم إلى أوروبا ليتعاظم احتمال خلق خلايا نائمة قادرة على ارتكاب هجمات إرهابية عشوائية واللجوء لعمليات خفية تحت الأرض يصعب تحديدها. وقد وصل إجمالي عدد المقاتلين البريطانيين في مناطق النزاع نحو 850، حسب المفوض البريطاني لدى الاتحاد الأوروبي للأمن ومكافحة الإرهاب جوليان كينج. في حين أكد وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب عودة ما يصل إلى 271 متطرفًا من مناطق النزاع، وضع عدد منهم رهن الاحتجاز. وتتصدر كل من فرنسا وبلجيكا إجمالي عدد المقاتلين الأوروبيين. وتتفاقم أزمة المقاتلين الأجانب مع تدفق المهاجرين إلى أوروبا عبر سواحل إيطاليا، إذ حذر رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاياني من إمكانية تسلل المقاتلين الأجانب عبر تلك السواحل. وفي الوقت الذي تسعى فيه دول أوروبية لسن قوانين وتشريعات لطرق مواجهة هذه العودة الكارثية، اتجهت إدارة دونالد ترمب إلى طرق أكثر ضراوة تتمثل بتطويق مواقع الداعشيين من أجل إبادة المقاتلين ووضع حد لتدفقهم وعودتهم إلى أوطانهم أو إيجاد ملاذ آخر. والحد من الهجمات الإرهابية التي بدأت بالتصاعد تحديدًا في أوروبا لتتناثر ما بين برشلونة وبروكسل وباريس وهامبورغ، لتتسم بالعشوائية وبتخبط مرتكبيها ممن يظهر بمظهر المختل عقليًا، ويسهل قتلهم من قبل السلطات. إذ إن الهدف يتمركز حول إعمال الرعب وقتل المدنيين ممن تتم شيطنتهم والحث على إبادتهم بأي وسيلة سانحة. الأمر الذي يتسبب من جهته في تصاعد الإسلاموفوبيا؛ مما قد يؤدي إلى غضب الأوروبيين وتأجيج الممارسات العنصرية، سواء فردية أو ما قد يتفاقم فيما بعد أن يتم ربط العنف ومفاهيمه بالمسلمين؛ الأمر الذي يزيد من شعور الأقليات بالإقصاء والشعور بالاختلافات الثقافية، ويزيد من احتمال تعاطف أفراد مع تنظيم داعش أو تنظيمات أخرى قد تبزغ مستقبلاً.
حرص تنظيم داعش على الاستثمار في المقاتلين الأجانب منذ البدء، وإن كانت أهدافه في أول فترته مغايرة عن الأهداف الحالية، ففي البدء كانت الحاجة إلى مقاتلين أجانب بهدف خلق شخصيات جذابة تظهر التنوع العرقي، وتزيد من فرص تجنيد المزيد من المقاتلين الأجانب، سواء عبر العالم الافتراضي أو من خلال التغلغل في مكامن المتعاطفين مع التطرف. أما عقب تضييق الحصار الأرضي والإلكتروني على التنظيم، فإن الأوامر الداعشية حثت أنصار التنظيم على التوقف عن المشاركة في القتال في مناطق النزاع، ونقل المعارك إلى أوطانهم ليستحيلوا إلى قنابل قد تتفجر في أي وقت ودون أدنى ملاحظة. ولا سيما أن انتقالهم الجغرافي سيتسبب في تصدير الآيديولوجية المتطرفة والخبرة العملية التي حصل عليها هؤلاء المقاتلون بعد حصولهم على التدريب العسكري والعقائدي في المخيمات المخصصة لذلك، والتي بات من الصعب توفيرها، بعد أن استعاض التنظيم عنها بدورات قصيرة سريعة والاكتفاء بإجبار قسري تحت التهديد للأهالي للانضمام إلى التنظيم. ولا سيما بعد أن أصبح من الصعب انضمام المزيد من المقاتلين الأجانب في مناطق النزاع بعد استهدافها من قبل القوات، وبعد الاختراق الأمني الدولي للعالم الإلكتروني الداعشي. الأمر الذي قد يسهل من تقليص أعداد المقاتلين الأجانب، وإن استمرت «داعش» في إيجاد طرق جديدة لتلافي تعقبهم في الفضاء الإلكتروني، والتجنيد وجهًا لوجه إن أمكن.
عودة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم تشكل خطورة وتحيلهم إلى خلايا نائمة ما هي إلا قنابل موقوتة، ولا سيما بعد أن تمت أدلجتهم وزادت اضطراباتهم النفسية نتيجة الممارسات غير السوية في مناطق النزاع، تلك التي أمدتهم بمهارات قتالية حرفية وعززت من شأنهم كمقاتلين الأجانب ليمتازوا عن غيرهم من المتطرفين بخوضهم تجربة فريدة في معقل تنظيم داعش قبل أن يتلاشى. الأمر الذي يمدهم بفرصة الحصول على التمجيد من المتطرفين الآخرين وتقديم الولاء لهم مستقبلاً.
تداعيات الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها دول أوروبية، تشي بتضخم القلق الأمني وميل تلك الدول إلى تشديد الاحترازات الأمنية، والتعامل مع مقاتليهم بحزم سواء عبر توجيه ضربات عسكرية بالتحالف مع الولايات المتحدة وتصويبها نحو معاقل «داعش»؛ مما يقضي على عدد من المقاتلين الأجانب ويخفف من عبئهم.
ومن جهة أخرى عبر دراسة وسن تشريعات وقوانين لا تجرّم الإرهاب فحسب، وإنما تشمل رفضًا لعودتهم في أوطانهم وسحب للجنسية في بعض الحالات. في حين يتم استقبال أعداد أخرى من المقاتلين الأجانب ليتم إما الاعتقال الفوري أو إجراء التحقيق معهم من أجل معرفة الحيثيات وطرق التعامل معهم ومراقبة من تظهر عليه بوادر التطرف أو ممن يصعب تأهيله، بالأخص وأن قرار العودة إلى الأوطان جاء بالتحديد بعد التقهقر الداعشي، وقد أصبح البقاء في مناطق النزاع يهدد حياة المقاتلين، وبعد تغير استراتيجية التنظيم وتوصية مناصريه بنقل المعارك إلى أوطانهم. كل ذلك يعزز من أهمية معرفة أسباب انضمام هؤلاء المقاتلين إلى التنظيم لمعرفة إن كان سيتم تجريمهم أم إعادة تأهيلهم فكريًا وعقائديًا ودمجهم مع المجتمع الأوروبي. إذ يصعب إعادة تأهيل المقاتل المؤدلج، ممن يؤمن بالقضية الداعشية، مع وجود استعداد للموت في سبيل القضية. في حين يظهر منضمون إلى التنظيم من معتنقي الإسلام حديثًا ممن لديه فهم مغلوط للتعاليم الإسلامية نتيجة ضعف الخلفية الشرعية واستعداد لتقبل أي تعاليم. ويتفاقم ذلك في حال وجود شعور بأزمة الهوية في المجتمعات التي يعدون فيها أقليات. في حين تسهل معالجة إعادة تأهيل المنضمين إلى التنظيم جراء أسباب اقتصادية كالعوز والفقر بعيدًا عن الأسباب الآيديولوجية، أو نتيجة اضطرابات النفسية وشعور بالعزلة الاجتماعية، أو بحث عن إثارة أو الحصول على مركز ذي أهمية في التنظيم، نتيجة الحملات الدعائية المغلوطة التي شنها الأعضاء الداعشيون، ممن يظهر عليهم فيما بعد تندم على الانضمام بالتنظيم بعد اكتشافه عدم التقاء توقعاته بالواقع الداعشي. في حين يظهر وجود مقاتلين ممن لديهم سوابق إجرامية وقابلية على ارتكاب أعمال عنف وتطرف.
قد تحدد الفترة المقبلة مصير المستقبل الأوروبي واحتمال وقوعه في هوة صدام الحضارات عن عدم ذلك. ويتم درء ذلك عبر الحرص على وضع سياسات تتضمن احتواء الأقليات وتقبل للمهاجرين بشكل عام، والمقاتلين العائدين إلى أوطانهم ممن لديهم قابلية على التغيير بشكل خاص، من أجل دمجهم في المجتمع وإعادة تأهيلهم وإعادة غرس القيم المدنية التي لطخها العنف والتطرف في المعاقل الداعشية، وتوفير الرعاية النفسية اللازمة من أجل منع هؤلاء الأفراد من ارتكاب الجرائم الإرهابية. وحتى لا تتكرر أزمة الطبيبة البريطانية شاكيرا بوث في مسلسل «تنظيم الدولة»؛ إذ قررت العودة إلى وطنها رافضة للممارسات الداعشية. لتتعرض للاستجواب من قبل السلطات البريطانية. تختصر الطبيبة الداعشية التائبة في المسلسل الدرامي أزمة المقاتلين الأجانب، وتسخر من وضعها الراهن بقولها إنها تعتبر الآن خائنة بالنسبة لـ«داعش»، وإرهابية بالنسبة للسلطات البريطانية. الأمر الذي يشي بهرب عدد من المقاتلين الأجانب بعد أن لفظهم التنظيم نتيجة رفضهم ممارساتهم العنيفة، في حين يقابلون بتشكيك من سلطات بلدانهم لحقيقة نواياهم ونبذهم للتطرف.


مقالات ذات صلة

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

المشرق العربي حديث جانبي بين وزيري الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر وزراء خارجية دول مجموعة الاتصال العربية حول سوريا في العاصمة الأردنية عمان السبت (رويترز)

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

أكدت تركيا أن «وحدات حماية الشعب الكردية» لن يكون لها مكان في سوريا في ظل إدارتها الجديدة... وتحولت التطورات في سوريا إلى مادة للسجال بين إردوغان والمعارضة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.