منذ انطلاق السينما المصرية فعليا عام 1927 بفيلمي «ليلى» و«قبلة في الصحراء»، أول الأفلام الناطقة، لعبت المرأة دورا مهما في مراحلها كافة، حتى أصبحت صناعة متكاملة، بداية من الإنتاج وحتى الأداء والتمثيل. وقفت وراء السينما المصرية أسماء سيدات من أمثال بهيجة حافظ، وفاطمة رشدي، وعزيزة أمير، وآسيا، وماري كويني، اللاتي لم يكتفين بالظهور السينمائي بل خضن مضمار الإنتاج السينمائي والتأليف الموسيقي والمونتاج والإخراج، واستطعن رغم الظروف المجتمعية آنذاك أن يجعلن مصر «هوليوود الشرق».
وقد أعلنت وزارة الثقافة المصرية تنظيم «ملتقى رائدات السينما المصرية»، الذي ينظمه قطاع صندوق التنمية الثقافية برئاسة الدكتور أحمد عواض، بالتعاون مع جمعية أبناء فناني مصر، في الفترة من الأحد 10 إلى 15 سبتمبر (أيلول) الحالي على مسرح وسينما الهناجر، بدار الأوبرا المصرية. يعقب عروض الأفلام ندوة يديرها عدد من رموز السينما المصرية، هم: الفنان سمير صبري، المخرج عمر عبد العزيز، المخرج أحمد نادر جلال. وتختتم فعالياته يوم الجمعة بتكريم أهم الرموز النسائية في السينما المصرية، وهن: الفنانة الكبيرة مديحة يسري، وماجدة الصباحي، ونادية لطفي، شادية، بعد أن حجبهن المرض أو الاعتزال عن جمهور السينما العربية؛ وذلك تقديرا لما قدمنه من فن راق والبصمة الكبيرة التي تركنها في الفن السابع.
تتضمن فعاليات الملتقى عرض مجموعة من أهم وأندر أفلام رائدات السينما المصرية، والتي يعود تاريخ إنتاجها لبدايات القرن العشرين، وهي تمثل فرصة رائعة لعشاق كلاسيكيات السينما، حيث يمكنهم التعرف على أولى خطوات السينما المصرية. وتبدأ العروض الاثنين 11 سبتمبر، بعرض فيلم «بنت الباشا المدير» من إنتاج عام 1938، وبطولة آسيا وماري كويني ومن إخراج وتأليف وسيناريو وحوار المخرج الراحل أحمد جلال.
تدور أحداث قصة فيلم «بنت الباشا المدير» حول ظروف صعبة تمر بها البطلة «حكمت»، لكن تتخللها الرومانسية، تجبرها ظروفها على التنكر في شخصية رجل عندما تعرّض شقيقها لحادث أليم أثناء توجهه إلى تسلم عمله. فكرت حكمت في هذه الخدعة والتنكر في زي رجل للحصول على وظيفة مدرس لأولاد الباشا بدلاً من أخيها، تتعرف حكمت إلى ابنَي الباشا (بدرية، توفيق) اللذين تقوم بالتدريس لهما على أنها حكمت أفندي، يُعجب كل من بدرية وتوفيق في الوقت نفسه بحكمت لجمالها وطبيعتها الجاذبة للانتباه، تُعجب بدرية بهيئة المدرس حكمت أفندي في حين يُعجب توفيق بالفتاة حكمت.
ولبطلتي الفيلم آسيا وماري كويني دور كبير في ترسيخ صناعة السينما المصرية؛ فقد كانت ماري كويني (1913 - 2003) وهي ممثلة ومونتيرة ومنتجة من أصول لبنانية، من رائدات السينما، حيث بدأت العمل الفني في عام 1929 من خلال مشاركتها في بطولة «غادة الصحراء»، وواصلت العمل في التمثيل حتى منتصف حقبة الخمسينات، من أفلامها: «فتش عن المرأة»: «ماجدة»: «الزوجة السابعة»: «نساء بلا رجال». وبجانب التمثيل عملت ماري كويني في المونتاج خلال حقبتي الثلاثينات والأربعينات، كما أنتجت عددا كبيرا من الأفلام من خلال شركة الإنتاج الخاصة وبزوجها أحمد جلال، منها: «ابن النيل»: «فجر يوم جديد» «بدور»: «غداً يعود الحب».
أما آسيا الملقبة بعميدة المنتجين السينمائيين، وهي خالة ماري كويني، فقد انتقلت للعيش في مصر في عام 1923 مع ابنة أختها، وفي عام 1927 أسست آسيا شركة الإنتاج الخاصة بها، وهي شركة «لوتس فيلم» التي صارت واحدة من شركات الإنتاج الرائدة في تاريخ السينما المصرية. أنتجت آسيا أول أفلامها من خلال شركتها في عام 1929 وهو «غادة الصحراء» الذي شاركت كذلك في بطولته مع عبد السلام النابلسي وماري كويني ووداد عرفي. توالت منذ ذلك الحين الأفلام التي شاركت فيها كممثلة ومنتجة، ومنها: «عندما تحب المرأة»: «بنت الباشا المدير»: «فتش عن المرأة»: «المتهمة». في أواخر حقبة الأربعينات قررت آسيا بشكل مفاجئ التوقف تماماً عن التمثيل والتفرغ للإنتاج دون أن تفصح عن أسباب اتخاذها لهذا القرار، وبعدها أنتجت مجموعة من الأعمال المهمة، يأتي على رأسها: «أمير الانتقام»، و«رد قلبي»، و«الناصر صلاح الدين»، وهذا الأخير تكلف إنتاجه 200 ألف جنيه، وهو ما كان يعد وقتها (في عام 1963) أضخم ميزانية وضعت لفيلم مصري على الإطلاق. توفيت آسيا داغر في عام 1986 عن عمر يناهز 78 عاماً.
ومن بين العروض، فيلم «الطائشة» من إنتاج عام 1946 وبطولة فاطمة رشدي، وحسين رياض ويحيي شاهين ومحمود المليجي وماري منيب، ومن إخراج إبراهيم عمارة، وتدور قصته حول ميراث مصنع يغير حياة أبطال الفيلم الذين يتصارعون من أجل وضع يديهم عليه. ويدين الفن المصري سواء السينما أو المسرح للفنانة فاطمة رشدي بالكثير، فهي الممثلة والكاتبة والمخرجة. ولدت في مدينة الإسكندرية في عام 1908، وبدأت العمل الفني منذ حداثة سنها عندما أسند لها الفنان أمين عطا الله دوراً في إحدى المسرحيات التي تقدمها فرقته، كما تعاونت مع عبد الرحمن رشدي وسيد درويش وعزيز عيد ويوسف وهبي. ومنذ منتصف حقبة العشرينات، أتيح لفاطمة رشدي أن تصير بطلة لعدد كبير من المسرحيات، منها: «الصحراء»: «القناع الأزرق»: «النسر الصغير»: «الحرية». وبعد انفصال فاطمة رشدي عن عزيز عيد، كونت فرقتها المسرحية الخاصة، والتي صارت من أكثر الفرق المسرحية شهرة. اتجهت فاطمة رشدي للسينما في أواخر العشرينات، وكان أول أفلامها هو «فاجعة فوق الهرم» في عام 1928، وقامت بعده ببطولة الكثير من الأفلام حتى أواسط الخمسينات، منها: «ثمن السعادة»: «العامل»: «الطريق المستقيم»: «مدينة الغجر»: «العزيمة»: «الجسد». وقد اعتزلت الفن في أواخر الستينات، وتوفيت في عام 1996 عن عمر يناهز 87 عاماً.
ويعرض الملتقى فيلم «بائعة التفاح» من إنتاج عام 1939، وبطولة عزيزة أمير ومن إخراج حسين فوزي، وهو فيلم مقتبس عن مسرحية «بيجماليون» لجورج برنارد شو. وتعتبر عزيزة أمير صاحبة دور كبير في النهوض بالسينما المصرية، ونذكر هنا أن عزيزة أمير، كانت بطلة باكورة الأفلام الناطقة في مصر وهو فيلم «ليلى» الذي أنتج وعرض عام 1927 بدار سينما «متروبول» بالقاهرة، إخراج إستيفان روستي، وقد حضره أمير الشعراء أحمد شوقي الذي حيّا المنتجة عزيزة أمير على ما تقدمه للفن.
أيضاً، عزيزة أمير نجمة بزغت في مدينة الإسكندرية، التي شهدت أول عرض سينمائي في الشرق الأوسط والثاني على مستوى العالم، وهي ممثلة ومنتجة ومخرجة ومونتيرة مصرية، واسمها الحقيقي (مفيدة محمد غنيم)، ولدت في عام 1901. ثم انتقلت إلى القاهرة بعد سنوات عدة؛ لتعيش في شارع خيرت بالقرب من حي السيدة زينب، والتحقت بالمدرسة، لكنها لم تكمل دراستها، وكانت بدايتها الفنية عام 1925 ممثلة مسرحية من خلال فرقة يوسف وهبي، وكان أول دور تقوم به في مسرحية «الجاه المزيف» بعد أن أصرت أن يمنحها يوسف وهبي دور بطولة لكنها لم تستمر معه سوى موسم مسرحي واحد، وفي عام 1926 التحقت بفرقة عكاشة وأسند إليها بطولة مسرحيات عدة، ثم انتقلت إلى فرقة الريحاني، ومنها إلى فرقة رمسيس، وعند افتتاح الفرقة القومية المصرية عام 1935، لعبت دور البطولة في مسرحية الافتتاح «أهل الكهف» لتوفيق الحكيم. وأنتجت أفلاما عدة مهمة، منها: «بنت الليل» و«كفّري عن خطيئتك» الذي كبدها خسائر فادحة بسبب ظهور مع بداية عصر الصوت في السينما، لكنها عادت بعدها مرة أخرى من خلال فيلم «بياعة التفاح» وواصلت إنتاج الأفلام والتمثيل من خلال شركة إيزيس فيلم حتى مطلع الخمسينات، وكان آخر أفلامها هو «آمنت بالله» في عام 1952.
وتختتم العروض بفيلم «القاهرة 30» من بطولة سعاد حسني، وظهرت فيه الفنانة بهيجة حافظ، وإخراج صلاح أبو سيف. الفيلم المأخوذ عن قصة نجيب محفوظ، وهو الفيلم الذي اعترضت عليه الرقابة 7 مرات، حيث يكشف زيف مجتمع الصفوة واستغلالهم للفقراء، ويكشف الأسباب التي أدت للثورة على النظام الملكي في مصر. لعبت فيه بهيجة حافظ دور الأميرة شويكار. بهيجة حافظ (1908 - 1983)، ممثلة ومخرجة وكاتبة مصرية هي أول امرأة قامت بتأليف الموسيقى التصويرية للأفلام في السينما المصرية. ولدت بحي محرم بك بالإسكندرية، ثم سافرت إلى فرنسا عندما كان عمرها 15 عاما، وحصلت على شهادة جامعية من الكونسرفتوار في الموسيقى عام 1930، ولم يقتصر عملها في الإخراج والتمثيل وتأليف الموسيقى فقط، لكنها عملت أيضا في مجال المونتاج وتصميم الأزياء السينمائية والكتابة.
وكان أول أفلامها السينمائية فيلم «زينب» أول فيلم مأخوذ عن رواية أدبية، وساهمت بهيجة في مسيرة السينما المصرية، حينما خاضت مضمار الإنتاج السينمائي تحت اسم «فنار فيلم»، وأنتجت فيلم «ليلى بنت الصحراء» و«الضحايا»، كما أخرجت أفلام «ليلى البدوية»، و«الضحايا» و«ليلى بنت الصحراء» الذي كان أول فيلم مصري ناطق يعرض في مهرجان برلين السينمائي الدولي وينال جائزة ذهبية.
القاهرة تحتفي برائدات السينما المصرية
تكريم مديحة يسري وماجدة الصباحي ونادية لطفي وشادية
القاهرة تحتفي برائدات السينما المصرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة