المحكمة العليا في كينيا تلغي الانتخابات الرئاسية بقرار «تاريخي»

اعتبرت فوز كينياتا «باطلاً» وأوصت بتنظيم اقتراع خلال 60 يوماً

زعيم المعارضة رايلا أودينغا يتوسط مؤيديه أمام المحكمة العليا (أ.ب)
زعيم المعارضة رايلا أودينغا يتوسط مؤيديه أمام المحكمة العليا (أ.ب)
TT

المحكمة العليا في كينيا تلغي الانتخابات الرئاسية بقرار «تاريخي»

زعيم المعارضة رايلا أودينغا يتوسط مؤيديه أمام المحكمة العليا (أ.ب)
زعيم المعارضة رايلا أودينغا يتوسط مؤيديه أمام المحكمة العليا (أ.ب)

أصبح في شبه المؤكد إعادة الانتخابات الرئاسية في كينيا خلال ستين يوما، بعدما ألغت المحكمة العليا في نيروبي، في سابقة غير معهودة، فوز الرئيس الحالي أوهورو كينياتا في الانتخابات التي أجريت يوم 8 أغسطس (آب) الماضي، وقالت أمس الجمعة إن تجاوزات ارتكبت.
قرار المحكمة رحبت به المعارضة، التي لم تقبل بالنتيجة التي أعلنتها اللجنة الوطنية للانتخابات يوم 11 أغسطس، ووصفت الإلغاء بالتاريخي. كما قال محامي الرئيس كينياتا إنه سيحترم القرار. وقال رئيس المحكمة العليا القاضي ديفيد ماراغا، إن اللجنة الانتخابية «أخفقت وأهملت ورفضت إجراء الانتخابات وفق الدستور».
وقال زعيم المعارضة رايلا أودينغا بعد قرار المحكمة: «هذا حقا يوم تاريخي جدا لشعب كينيا. للمرة الأولى في تاريخ الديمقراطية الأفريقية تصدر محكمة حكما بإبطال انتخابات رئاسية مخالفة للقواعد». وقال أحمد ناصر عبد الله، محامي كينياتا، إن القرار «مسيس للغاية»، وإن لجنة الانتخابات «لم ترتكب أي مخالفة» لكنه أكد ضرورة احترام القرار.
ويأتي هذا القرار بعد أن منحت المحكمة زعيم المعارضة أودينغا و«التحالف الوطني العظيم» الذي ينتمي إليه، حق الدخول على جهاز الخادم الإلكتروني الخاص باللجنة الانتخابية، بغرض التحقق من النتائج. وأجريت عملية المراجعة تحت إشراف خبراء تكنولوجيا مستقلين.
وكان أودينغا و«التحالف الوطني العظيم» قد رفضا نتائج الانتخابات التي أسفرت عن فوز كينياتا بولاية ثانية، بعد فوزه بـ54 في المائة من الأصوات. وفي الأمس أعلنت المحكمة بطلان فوز كينياتا، وأوصت بإعادة إجراء الانتخابات الرئاسية في مهلة ستين يوما، مبطلة بذلك نتائج اقتراع الثامن من أغسطس. وصدر هذا الحكم فيما كانت قوات كبيرة من الشرطة تنتشر في محيط المحكمة، وفور الإعلان عنه علت هتافات أنصار أودينغا. وسبق أن تقدّم أودينغا مرات عدة بطعن في نتائج انتخابات سابقة، لكنها المرة الأولى التي يلغي فيها القضاء النتائج.
ورأى القاضي ديفيد ماراغا أن الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز الرئيس المنتهية ولايته أوهورو كينياتا «لم تجر بما يتوافق مع الدستور». وقال: «جوابا على ما إن كانت المخالفات قد أثرت على مصداقية الانتخابات، فإن رأي المحكمة هو كذلك فعلا». وأضاف القاضي إن كينياتا الذي تنافس مع رايلا أودينغا «لم يُنتخب ولم يعلن رئيسا بطريقة صالحة». واتفق أربعة من ستة قضاة مع رئيس المحكمة في أن الانتخابات شابتها تجاوزات.
وأضاف القاضي ماراغا وهو ينطق بالحكم، إن «إعلان فوز كينياتا باطل ولاغ». وسمح القضاة بعد ذلك للقاضيين المعارضين بقراءة آرائهما قبل إصدار الحكم، بشأن إن كانت المخالفات من الخطورة بما يكفي لإبطال نتيجة الانتخابات.
وكانت المعارضة قد تقدمت قبل أسبوع بطعن أمام المحكمة العليا في نتائج الانتخابات، مشيرة إلى أن «العملية بأكملها، بدءا من التصويت والتسجيل والنقل والتحقق وتأكيد النتائج، كانت عرضة للتزوير بشكل لا يمكنك فيه الحديث عن نتائج ذات معنى».
ورفضت المعارضة العملية الانتخابية، معتبرة أنها «جرت بشكل سيّئ، وشابتها مخالفات بحيث لم يعد من المهم معرفة من فاز أو من تم إعلانه فائزا».
وعقب الإعلان عن فوز كينياتا في 11 أغسطس، شهدت كينيا يومين من أعمال العنف المتفرقة. وقتل 21 شخصا، من بينهم طفل وفتاة في التاسعة، أثناء المظاهرات وأعمال الشغب التي قمعتها الشرطة بعنف في بعض معاقل المعارضة.
القرار بإلغاء النتائج هو الأول من نوعه في تاريخ كينيا، ويطلق سباقا جديدا نحو الرئاسة بين كينياتا وزعيم المعارضة المخضرم رايلا أودينغا.
وللدولة صاحبة أكبر اقتصاد في شرق أفريقيا تاريخ طويل مع الانتخابات المتنازع عليها. وتسبب خلاف بشأن انتخابات عام 2007 التي شكك فيها أودينغا بعد إعلان هزيمته، في أسابيع من العنف العرقي قتل فيها أكثر من 1200 شخص.
وقال مراقبون دوليون، إنهم لم يرصدوا أي علامات على التلاعب في التصويت أو عمليات الفرز في مراكز الاقتراع. وذكر عدة مراقبين أن المعارضة لم تجر فرزا موازيا للأصوات، ولم تطعن في النتائج بناء على بيانات كاملة قامت بجمعها. وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي بعد إعلان النتائج الشهر الماضي، إنها لم تلحظ أي دلائل على تلاعب، رغم شكاوى المعارضين واحتجاجات في أماكن متفرقة.
وبعد إعلان النتائج، أطلقت الشرطة قنابل مسيلة للدموع في حي كونديلي، وقال أحد المحتجين: «إذا لم يصبح رايلا رئيسا، فلن ننعم بالسلام». وهتف المحتجون: «لا رايلا، لا سلام» وهو شعارهم خلال انتخابات 2007 و2013، التي قال مرشح المعارضة إنها سرقت منه.
وشهدت سنة 2007 أعمال عنف دامية بعد الانتخابات، أسفرت عن مقتل أكثر من 1200 شخص، وتشريد 600 ألف.



إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا حول اتفاق الأخيرة مع إقليم أرض الصومال على استخدام ساحلها على البحر الأحمر.

وقال إردوغان، في اتصال هاتفي، الجمعة، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن «بإمكان تركيا التوسط لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة». وبحسب بيان للرئاسة التركية، تناول إردوغان مع البرهان، خلال الاتصال الهاتفي، العلاقات بين تركيا والسودان، وقضايا إقليمية وعالمية، وأكد أن تحقيق السلام والاستقرار في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته ومنع تحوله إلى ساحة للتدخلات الخارجية، من المبادئ الأساسية لتركيا.

ولفت إردوغان، بحسب البيان، إلى أن تركيا توسطت لحل الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، وأن الاتفاق بين البلدين سيساهم في السلام بالمنطقة.

اتهامات متبادلة

ودأب قادة الجيش السوداني على اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم قوات «الدعم السريع» وتزويدها بالأسلحة والمعدات. وتقدم مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، بشكوى رسمية ضدها، واتهمها بالتخطيط لإشعال الحرب ودعم «قوات الدعم السريع» بمساعدة من تشاد، طالباً إدانتها، بيد أن أبوظبي فندت تلك الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر للأدلة الموثوقة.

وفي المقابل وجهت دولة الإمارات رسالة إلى مجلس الأمن في 21 أبريل (نيسان)، شددت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بعد عام من الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وأكدت أنها «ستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، ودعم أي عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية».

الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح البرهان في أبو ظبي 14 فبراير (أ.ف.ب)

وفي يوليو (تموز) الماضي، بحث رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في اتصال هاتفي، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، «سبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها»، وأكد حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان.

تعهدات تركية للبرهان

ووفقاً لنشرة صحافية صادرة عن مجلس السيادة السوداني، فإن الرئيس إردوغان تعهد للبرهان باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية التركية للسودان، وباستئناف عمل الخطوط الجوية التركية قريباً، وباستعداد بلاده لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتعاون في الزراعة والتعدين.

وذكر السيادي أن البرهان أشاد بمواقف تركيا «الداعمة للسودان»، وجهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ودورها في معالجة الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، ودورها في الملف السوري، مبدياً ترحيبه بأي دور تركي لوقف الحرب «التي تسببت فيها ميليشيا الدعم السريع المتمردة». ودعا البرهان لتعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، مؤكداً ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.

ويرى مراقبون أن الاتصال الهاتفي بين إردوغان والبرهان في هذا التوقيت يأتي في ظل متغيرات وترتيبات جديدة في المنطقة تشمل السودان، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

حضور تركي في القرن الأفريقي

وقطعت تركيا، الأربعاء الماضي، خطوة كبيرة على طريق حل النزاع بين الصومال وإثيوبيا، بعد جولات من المباحثات بين الطرفين في إطار ما عرف بـ«عملية أنقرة»، يراها مراقبون ترسيخاً للحضور التركي القوي في منطقة القرن الأفريقي.

إردوغان يتوسط الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال مؤتمر صحافي في أنقرة مساء الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)

وأعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الصومالي، آبي أحمد، في مؤتمر صحافي مع إردوغان مساء الأربعاء، أعقب 8 ساعات من المفاوضات الماراثونية سبقتها جولتان من المفاوضات في أنقرة في الأشهر الماضية، أنهما قررا بدء المفاوضات الفنية بحسن نية بحلول نهاية فبراير (شباط) 2025 على أبعد تقدير، والتوصل إلى نتيجة منها والتوقيع على اتفاق في غضون 4 أشهر، بحسب ما ورد في «إعلان أنقرة». وقبل الطرفان العمل معاً على حل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي تسببت في زيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وقال إردوغان إن البلدين الجارين توصلا، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة، إلى اتفاق «تاريخي» ينهي التوترات بينهما.

وبحسب نص إعلان أنقرة، الذي نشرته تركيا، اتفق البلدان على «التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك، والعمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولاً إلى البحر «موثوقاً به وآمناً ومستداماً تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية».

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر، قائلاً: «أعتقد أنه من خلال الاجتماع الذي عقدناه سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر لإثيوبيا».

إردوغان مع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي عقب توقيع إعلان أنقرة (الرئاسة التركية)

وتدخلت تركيا في النزاع بطلب من إثيوبيا، التي وقعت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقية مع منطقة «أرض الصومال»، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، وتشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، واستغلال 20 كيلومتراً من ساحل أرض الصومال لمدة 50 عاماً مقابل الاعتراف باستقلالها عن الصومال، مع منحها حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.

ترحيب دولي

ورحب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال لقائه إردوغان في أنقرة، ليل الخميس – الجمعة، بنجاح تركيا في التوصل إلى اتفاق بين الصومال وإثيوبيا. كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وأشاد بدور الوساطة الذي لعبته تركيا بهذا الخصوص.

وترتبط تركيا بعلاقات قوية بإثيوبيا، كما أصبحت حليفاً وثيقاً للحكومة الصومالية في السنوات القليلة الماضية. وافتتحت عام 2017 أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في مقديشو، وتقدم تدريباً للجيش والشرطة الصوماليين.

وبدأت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة في الصومال تمثل كل منها مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، بموجب مذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في مارس (آذار) الماضي، لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي.

وجاء توقيع المذكرة بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تقدم تركيا بمقتضاها دعماً أمنياً بحرياً للصومال، لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية لمدة 10 سنوات.