«في أحدث دراسة متميزة ومثيرة للجدل حول تناول الدهون، قدمت أمام المؤتمر السنوي للجمعية الأوروبية لأمراض القلب (ESC) المنعقد في برشلونة، بين 26 و30 أغسطس (آب) الحالي، عرض باحثون من جامعة «ماكماستر» في هاميلتون بأونتاريو في كندا، نتائج دراستهم الموسعة حول علاقة تناول كل من الدهون والسكريات بمعدلات الوفيات الناجمة عن أمراض القلب. وهي الدراسة التي تُختصر باسم «دراسة بيور» PURE Study، والتي شملت أكثر من 135 ألف شخص من 18 بلداً في العالم. ونشرت ضمن العدد الجديد لمجلة «لانست» Lancet الطبية.
وقال الباحثون في مقدمة عرض الدراسة، إن «العلاقة بين العناصر الغذائية الكبيرة، أي الدهون وسكريات الكربوهيدرات والبروتينات، وبين أمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات، لا تزال مثيرة للجدل والمناقشات العلمية». ودعوا في عرضهم لنتائج الدراسة بالمؤتمر إلى إعادة النظر في إرشادات التغذية الصحية على ضوء المعلومات الجديدة التي طرحتها نتائجهم حول علاقة تناول الدهون، وتناول سكريات الكربوهيدرات، بمخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وعلى معدلات الوفيات بسببهما.
وأشارت نتائج الدراسة إلى أمر مثير للجدل، وهو أن تتبع نمط التغذية ومعدلات الإصابة بأمراض القلب ومعدلات الوفيات خلال نحو 8 سنوات لشريحة ضمت أكثر من 135 ألف شخص، تتراوح أعمارهم بين 35 إلى 70 عاما، من 18 دولة من دول ذات دخل مرتفع ودخل متوسط ودخل منخفض، من بلدان في أميركا الشمالية وأوروبا وأميركا الجنوبية والشرق الأوسط وجنوب آسيا والصين وجنوب شرقي آسيا وأفريقيا، ولأشخاص من المدن والأرياف، يدل على أن الإكثار من تناول سكريات الكربوهيدرات مرتبط بارتفاع معدلات عموم الوفيات وارتفاع الوفيات لأسباب غير الأمراض القلبية، في حين أن الإكثار من تناول الدهون مرتبط بانخفاض مخاطر الوفيات تلك. وأشاروا أيضا إلى أن ارتفاع تناول الدهون المشبعة مرتبط بانخفاض خطورة الإصابات بالسكتة الدماغية. ولم يكن ثمة ارتباط كبير فيما بين مجموع الدهون والدهون المشبعة وغير المشبعة المتناولة، وبين خطر الإصابة بنوبة الجلطة القلبية أو وفيات أمراض القلب والأوعية الدموية.
وعلقت الدكتورة ماهشيد ديغان، الباحثة الرئيسية في الدراسة من معهد بحوث الصحة السكانية بجامعة «ماكماستر»، بالقول: «إن نتائجنا لا تدعم توصيات إرشادات التغذية الحالية للحد من إجمالي كمية الدهون Total Fat المتناولة، لتكون بنسبة أقل من 30 في المائة من إجمالي طاقة الغذاء اليومي، وأن تشكل الدهون المشبعة Saturated Fat نسبة أقل من 10 في المائة من إجمالي طاقة الغذاء اليومي». وأضافت قائلة: «إن الحد من إجمالي استهلاك الدهون من غير المرجح أن يحسن الصحة في السكان، ورفع إجمالي كمية الدهون المتناولة إلى نحو 35 في المائة من مجمل طاقة الغذاء اليومي مع مصاحبة ذلك بخفض استهلاك الكربوهيدرات، قد يقلل من إجمالي خطر الوفيات. وفي الواقع، فإن الأفراد الذين يتناولون الكربوهيدرات بكميات عالية، أي حينما تشكل أكثر من 60 في المائة من طاقة الغذاء اليومي، قد يستفيدون من خفضهم لتناول كربوهيدرات السكريات وزيادتهم تناول الدهون».
كما تتبع الباحثون في دراستهم تأثيرات تناول أنواع الدهون وتناول سكريات الكربوهيدرات على نسبة الكولسترول في تحليل الدم، ووجدوا أن الإكثار من تناول الدهون المشبعة، وهي التي مصدرها غالباً الشحوم الحيوانية، مرتبط بارتفاع نسبة الكولسترول الخفيف LDL، وهو الكولسترول الضار ارتفاع نسبته بالدم، وأيضاً مرتبط بارتفاع نسبة الكولسترول الثقيل HDL، وهو الكولسترول المفيد ارتفاع نسبته بالدم، ما يعني أن قياس الكولسترول الخفيف فقط لا يُعطي معلومات مفيدة حول احتمالات التأثيرات السلبية لتناول الشحوم الحيوانية على خطورة الإصابة بالأمراض القلبية.
وقالت الدكتورة ديغان: «التركيز على مؤشر واحد، أي الكولسترول الخفيف، لا يُعبّر عن التأثير الإكلينيكي النهائي للمواد الغذائية في تقييم خطورة أمراض القلب والأوعية الدموية. وعلى مدى عقود مضت، ركزت إرشادات التغذية على ضرورة تقليل تناول الدهون، والدهون المشبعة منها على وجه الخصوص، على افتراض أن إحلال سكريات الكربوهيدرات والدهون غير المشبعة محل الدهون المشبعة في الغذاء سيقلل من نسبة الكولسترول الخفيف، وبالتالي سيقلل من نسبة الانتكاسات في حالة الأمراض القلبية، ولكن هذا كان مبنياً على نتائج دراسات في المجتمعات الغربية، حيث ثمة فائض في التغذية اليومية المتناولة، ودراستنا توفر فرصة فريدة لدراسة تأثيرات النظام الغذائي على إجمالي الوفيات، وعلى الإصابة بالأمراض القلبية في بيئات مختلفة، ومنها البيئات التي تشكو من تدني التغذية فيها».
والواقع أن نتائج هذه الدراسة تتوافق مع نتائج عدد آخر من الدراسات التي تعيد التذكير بأن غالبية الكولسترول الخفيف الذي في الدم، والذي يؤدي ارتفاعه إلى أضرار بالقلب والأوعية الدموية، لا يأتي من الطعام الذي نتناوله، وتحديدا فإن 80 في المائة من الكولسترول الخفيف في الدم يأتي من الكبد الذي يصنعه وفق تأثير عوامل جينية بالدرجة الأولى. هذا بخلاف سكريات الكربوهيدرات التي مصدرها الطعام. كما تتوافق هذه الدراسة مع دراسات أخرى تتبعت علاقة الإفراط في تناول الأطعمة بالعموم وحالات نقص وسوء التغذية، وبين تأثيرات الدهون المتناولة في الطعام اليومي، والتي دلت على وجود فرق بين دهون يتناولها المرء مع إفراط في تناول الطعام بالأصل، وبين تناول الدهون ضمن وجبات طعام قليلة، كما في كثير من المجتمعات الفقيرة.
ويدل طرح نتائج هذه الدراسة الحديثة على أن هناك مراجعات علمية لبعض من المعلومات الطبية التي تُصنف بأنها من أساسيات فهمنا لأسباب نشوء أمراض القلب، وكيفية التعامل معها في وسائل الوقاية.
ومثل هذا المؤتمر، مثله مثل غيره من المؤتمرات الطبية العالمية، فرصة للمتخصصين الطبيين للاستماع إلى عرض المعلومات الطبية الحديثة من قبل أشهر الأطباء والمتخصصين في المجالات الطبية، كما مثل في الوقت نفسه فرصة للباحثين الطبيين لعرض نتائج أحدث الدراسات المثيرة للجدل، والتي تحتاج إلى مزيد من النقاش حولها. ولذا فإنه منح فرصة لإعطاء دفعة قوية في تحسين الممارسات الإكلينيكية اليومية للعاملين على خدمة المرضى في مجالات شتى، وفرصة لإعطاء عجلة البحث العلمي الطبي دفعة نحو الجوانب التي تتطلب مزيداً من البحث والدراسة، كي يُمكن استثمار نتائجها في خدمة معالجة المرضى ووقاية الأصحاء.
دراسة كندية مثيرة تدعو إلى إعادة النظر في إرشادات تناول الدهون الغذائية
«الشرق الأوسط» في مؤتمر أمراض القلب في برشلونة
دراسة كندية مثيرة تدعو إلى إعادة النظر في إرشادات تناول الدهون الغذائية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة