حالة من الغضب والذهول تسود الأوساط الثقافية المصرية والعربية عقب المفاجأة المدوية التي أطلقتها ابنه نجيب محفوظ «أم كلثوم»، في برنامج «معكم» مع الإعلامية منى الشاذلي الخميس الماضي على قناة «سي بي سي»، بأن «قلادة النيل» أعلى وسام تمنحه الدولة المصرية لوالدها كان «مزيفاً».
وكانت أم كلثوم قد كشفت أنّ القلادة التي تسلمها والدها قبل 29 سنة، من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، كانت من الفضة المطلية بالذهب، وليست من الذهب الخالص، وأن والدتها اكتشفت الأمر فور عودته لمنزله بها، وأنّ لونها مغاير للون الذهب، وأنّها تأكدت حينما عرضتها على أحد الصاغة الذي أكد لوالدتها أنها ليست ذهباً خالصاً.
ومن المعروف أنّ «قلادة النيل» وسام رفيع المستوى يمنح للأشخاص الذين قدموا مساهمة مميزة تؤثر في حياة المصريين، وتمنح لرؤساء الدول والمصريين فائقي التميز، فمثلاً منحت للمصريين الحاصلين على جائزة نوبل، مثل أحمد زويل، ونجيب محفوظ، ومنحت عام 1980 لاسم الراحل محمد طلعت حرب رائد الاقتصاد المصري، كما منحت لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب. ولها معايير محدّدة حيث تصنع من الذهب عيار 18 وتزن 488 غراماً، ولها رقم مسلسل تُختم به، وتزيَّن بأحجار من الياقوت الأحمر والفيروز الأزرق، وهي على شكل سلسلة وحدات متشابكة من النقوش الفرعونية التي ترمز إلى الخير الذي يمثله نهر النيل، ويسلمها رئيس الجمهورية بنفسه.
ولم تتوقف التعليقات والتصريحات التي يطلقها المثقفون عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي معبرين فيها عن سخطهم الشديد على نظام مبارك الذي استهان بالمثقفين. فقد كتب الأديب إبراهيم عبد المجيد على صفحته على «فيسبوك»: «قلادة النيل الفالصو اللي خدها نجيب محفوظ فيه مسؤول عن تجهيزها في الرئاسة. من هو؟ هذا هو السؤال. وكمان يا ريت حد يسأل البرادعي عن قلادته». بينما كتب الأديب ناصر عراق: «قلادة النيل... مغشوشة! عصر مبارك... عنوان الفساد». كما طالب عدد من المثقفين بضرورة تدخل رئاسة الجمهورية وفتح تحقيق موسع في هذه القضية التي تمس صورة الدولة المصرية.
من جانبه، آثر الكاتب الكبير محمد سلماوي، الذي كان مقرباً من نجيب محفوظ وأسرته الصمت، معتذراً عن الدخول في حالة الجدل الصاخبة التي أثارتها، قائلاً في مكالمة هاتفية مع «الشرق الأوسط»: «أنا آسف... آسف». بينما أغلق الأديب يوسف القعيد المقرب منه أيضاً هاتفه الجوال، فيما بدا تحاشياً للتصريحات الصحافية. كما لم تخرج أي بيانات عن رئاسة الجمهورية بهذا الشأن، في حين صرح أحمد عواض، رئيس صندوق التنمية الثقافية بأنّ القلادة ستُعرض في متحف نجيب محفوظ المزمع افتتاحه الشهر المقبل، «بغض النظر عن المادة المصنوعة منها»، وهو التصريح الذي استثار عدداً كبيراً من المثقفين المصريين، مطالبين الدولة بالكف عن «الاستهانة بالمثقفين والمبدعين».
من جانبه، نفى عبد الرؤوف ثروت، رئيس مصلحة سك العملة بالدولة المصرية، ما أعلنته ابنة الكاتب الكبير نجيب محفوظ، حول قلادة النيل التي تسلمها والدها بعد إعلان فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1988، مرجحاً أنّه «من الممكن جداً أن يكون تم استبدالها».
وأكد ثروت أن «قلادة النيل» تصنع في مصلحة سك العملة من الذهب عيار 18 ووزنها 488 غراماً، وهناك معامل متخصصة تحت إشراف ورقابة تقوم بمعايرة الذهب وتتأكد من مطابقة الوسام للمواصفات.
وعلق الكاتب الصحافي المخضرم مصطفى عبد الله الذي كان مقرباً من نجيب محفوظ وكان شاهداً على حفل تسليم القلادة لنجيب محفوظ بقصر الاتحادية، متحدثاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذه كارثة حقيقة... وبكل المقاييس... أن تصل الأمور إلى أن نعلم عبر الفضائيات أنّ قلادة النيل التي منحتها مصر لأهم روائي عربي بعد حصوله على نوبل مغشوشة، فهي مصيبة كبرى».
ويروي عبد الله الذي كان يشغل وقتها رئيس القسم الأدبي بجريدة «أخبار اليوم» متذكراً ذلك اليوم: «كنت أحد شهود هذه اللحظة عندما تلقيت دعوة من رئاسة الجمهورية لحضور هذه الاحتفالية الاستثنائية ولا تزال ذكرياتها تدور في ذهني لحظة بلحظة، وقد كانت رد فعل من الدولة ومحاولة لتقديره بعد حصوله على نوبل وزيارة عدد كبير من الشخصيات العالمية لمنزله لتهنئته». ويضيف: «الغريب أنّ محفوظ لم يتحدث عن هذا الأمر طيلة حياته ولم يسر به إلى أقرب المقربين منه سواء في ندواته أو جلساته الشهرية، وبكل تأكيد لو أن محفوظ اكتشف أنّها مزيفة فلم يكن يعني له ذلك شيئاً، لأنه كان يترفع عن كل الجوائز، لكن قد يكون الأمر يتعلق بأن أحد الورثة أقنع الأسرة بأن يتم تقييم القلادة وتثمينها، وأخذ القلادة للصائغ المثمن وعاد بها ليخبرهم الحقيقة أو قد يكون تم استبدالها، أو أن يكون شخص ما من المسؤولين عن المواصفات القياسية للقلادة قد تلاعب بها واستبدل بالذهب فضة، هناك حلول كثيرة لهذا اللغز، لكن للأسف هذه الفضيحة المدوية ستؤثر بشكل كبير على مصداقية الدولة المصرية وأوسمتها، خصوصاً أنّها ممنوحة لرؤساء وشخصيات مرموقة».
كما استنكر عبد الله تصريحات منسوبي وزارة الثقافة المصرية بأنّ الجائزة ليست في المادة المصنوعة منها، قائلاً: «هذا دفاع عن اللصوص». وعلى الرغم من حالة الجدل التي أثارها تصريح ابنة نجيب محفوظ، فإنّ البعض يتساءل عن سبب صمتها حتى هذه اللحظة وتوقيت الكشف عن «القلادة المغشوشة» على الرغم من رحيل نظام مبارك عام 2011، حيث كان من الممكن كشف الأمر وقتها.
صدمة تعتري المثقفين المصريين بسبب قلادة نجيب محفوظ «المزيفة»
يطالبون «الرئاسة» بتحقيق موسع لكشف غموض «الفضيحة»
صدمة تعتري المثقفين المصريين بسبب قلادة نجيب محفوظ «المزيفة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة