قبل أشهر من الأوسكار... الجميع على خط المواجهة

إيستوود وسبيلبرغ وآخرون يسنّون أسنانهم

كريستوفر نولان خلال تصوير «دنكيرك»
كريستوفر نولان خلال تصوير «دنكيرك»
TT

قبل أشهر من الأوسكار... الجميع على خط المواجهة

كريستوفر نولان خلال تصوير «دنكيرك»
كريستوفر نولان خلال تصوير «دنكيرك»

في الحادي والعشرين من أغسطس (آب) سنة 2015 هاجم العربي أيوب الخزاني ركاب القطار السريع الآتي من أمستردام إلى باريس وذلك بعد دقائق يسيرة على دخوله الأراضي الفرنسية. الخزاني أطلق النار وطعن، لكنه لم يقتل أحداً. مجندون أميركيون، حدث أنهم كانوا في المقطورة ذاتها، هاجموا الشاب العربي وتغلبوا عليه ولاحقاً ما تم منحهم أعلى وسام فرنسي (لجانب آخرين).
اثنان من هؤلاء المجندين هما أنطوني سادلر وأليك سكارلاتوس انصرفا بعد ذلك لكتابة ما حدث في شكل قصـة. دوروثي بليسكال، التي شاركت في كتابة فيلم «لوغان» أشرفت على سيناريو وضعه كل من جفري إ. ستين وسبنسر ستون (أحد المجندين) اللذان لم يكتبا السيناريو من قبل. هذا تم في أواخر العام الماضي. في مطلع العام الحالي تمت الموافقة على إنتاجه وفي الخامس عشر من شهر يوليو (تموز) الماضي بوشر بتصويره تحت عنوان «15‪:‬17 إلى باريس».
المنتج والمخرج كلينت إيستوود انطلق من دون تأخير.
كالعادة، يفهم ما يريد وينفذه جيداً وبسرعة. وهو يعمل من خلال شركته «مالباسو» بينما تقوم شركة وورنر بتمويله وتوزيع الفيلم. ابن السابعة والثمانين يأمل في أن ينجز التصوير خلال أسبوع من اليوم. واحد من أهم أسباب نجاحه هو أنه لا يغير طاقمه الفني كثيراً ما يجنبه الدخول في تفاصيل كثيرة. وراء الكاميرا توم ستيرن الذي بدأ عاملاً في فريق التصوير على أفلام إيستوود في الثمانينات ثم تسلم مهام الكاميرا كاملاً لأول مرة سنة 2002 عندما صوّر لإيستوود Blood Work. من حينها لصق بالعمل مع المخرج وصوّر له كل أفلامه حتى اليوم.
ما أن ينتهي التصوير في غضون عشرة أيام حتى يسارع إيستوود بتسليم الفيلم لمونتيره المفضل بل موراي، الذي بدوره انتقل من مساعد مونتاج صوتي إلى مساعد مونتير ثم مونتير لأول مرة في فيلم إيستوود الأخير «صولي».
«صولي»، بطولة توم هانكس، كان دخل سباق الأوسكار في العام الماضي في ترشيحين وخرج صفر اليدين. لكن إيستوود لا يمانع في أن يرى نفسه مرشحاً في سباق أفضل مخرج، وفي أي سباق آخر للأوسكار بما فيها أوسكار أفضل فيلم كما حدث سنة 2005 عندما نال فيلم إيستوود «مليون دولار بايبي» أوسكار أفضل فيلم، وخطف إيستوود ذاته أوسكار أفضل مخرج.
- ريدلي وستيفن
لكن إيستوود ليس وحيداً بالطبع. الأشهر التي تفصله عن نهاية هذا العام هي ذاتها التي تفصل مخرجين آخرين عازمين على اقتحام المباراة الفنية الأكبر بدورهم. الشرط الوحيد هو أن عليهم جميعاً، أن ينجزوا الأفلام في أقرب فرصة حتى يتسنى للشركات الموزعة عرضها تجارياً قبل اليوم الأول من العام المقبل كما تنص شروط الأكاديمية.
- ومن يكون هؤلاء؟
لدينا ستيفن سبيلبرغ، ما غيره، الذي يواصل الليل والنهار ليلحق بموعد الثاني والعشرين من ديسمبر (كانون الأول)، وهو الموعد المحدد لعرض فيلمه الجديد «الأوراق» (The Papers): دراما تدور رحاها بين صحيفة «واشنطن بوست» والبنتاغون. قصـة واقعية مطرزة بخطوط خيالية مع بطولة موزعة ما بين ميريل ستريب وتوم هانكس ومايكل ستولبارغ.
تاريخ سبيلبرغ والأوسكار يتلخص في أربع جوائز و13 ترشيحاً لم يفز بها. رشح للمرة الأولى كأفضل مخرج عن فيلمه «لقاءات قريبة من النوع الثالث» (اقرأ «سنوات السينما» أدناه) سنة 1978، ثم جرب حظه كأفضل مخرج في العام 1982 عن «تابوت العهد المفقود» وفي «إي تي: خارج الأرض» (1983) ومرة ثالثة سنة 2006 عن «ميونيخ».
باقي الترشيحات كانت في سباق أفضل فيلم، ومنها «إنقاذ المجند رايان» (1999) و«اللون الأرجواني» (1986)، وعن «لينكولن» سنة 2013 نافس على جائزة أفضل مخرج وعلى جائزة أفضل فيلم ولم ينلهما.
لكنه ربح الأوسكار ثلاث مرات: مرتان متجانستان في سنة 1994 عن «قائمة شيندلر» حيث فاز بأوسكار أفضل مخرج وأفضل فيلم، ثم نال أوسكار أفضل مخرج عن «إنقاذ المجند رايان» (1999) وفي سنة 1987 منح جائزة أوسكار شرفية.
ريدلي سكوت يتمنى لو تمتع بالحظ ذاته الذي يتمتع به إيستوود وسبيلبرغ، وهو بالتأكيد يسعى لإنجاز فيلمه الحالي «كل مال العالم» (All the Money in the World) عن حادثة (أخرى) حقيقية هي حادثة خطف تمت سنة 1973 ضحيتها شاب من عائلة ثرية اسمه جين بول غيتي الثالث. ميشيل ويليامز في دور الأم ومارك وولبرغ في دور الأب وكيفن سبايسي في دور جين بول غيتي بعد سنوات من الحادثة.
- الأعلى حظاً
تاريخ سكوت مع الأوسكار بعيد أيضاً. سنة 1992 رشح عن واحد من أفضل أفلامه لليوم هو «ثلما ولويس». وبعد عشر سنوات تم ترشيحه كأفضل مخرج عن «بلاك هوك داون»، وفي العام الماضي رشح فيلمه «المريخي»، لكنها ذهبت إلى «مونلايت» كما هو معروف.
مثل سبيلبرغ وإيستوود فان ريدلي سكوت عازم على عرض فيلمه في الوقت المناسب قبل نهاية العام وشركة صوني الموزعة حجزت له - مبدئيا - تاريخ الثامن من شهر ديسمبر (كانون الأول)، أي قبل أسبوعين من الموعد المحدد لفيلم «الأوراق» لسبيلبرغ.
على حماسة وجدية هذه المساعي، فإن المخرج الذي يبدو أنه سيكون الأعلى حظاَ في الترشيحات، إن لم نقل في الفوز، هو كريستوفر نولان عن فيلمه المبدع «دنكيرك».
نولان، ربح ما مجموعة 139 جائزة كبيرة وصغيرة في تاريخه ورشح مرتين للأوسكار ولم يفز بعد به. مرة سنة 2002 عن كتابته سيناريو «ممينتو» (Memento) ومرة سنة 2011 عن كتابته سيناريو «تمهيد» (Inception). لكن نولان ما زال شاباً (بالمقارنة مع الثلاثة المذكورين هنا على الأقل)؛ إذ هو في سن السابعة والأربعين.
ما يجعله اليوم يبدو كما لو أنه مستحوذ بقوة على الفرصة السانحة هذا العام حقيقة أن «دنكيرك» ليس فيلماً عاديا، بل عمل غير مألوف لا كفيلم عن تاريخ حرب (معركة دنكيرك الخاسرة سنة 1944) ولا كفيلم فني.
«دنكيرك» دراما شاسعة الأطراف حول كيفية إنقاذ 400 ألف جندي بريطاني عن سواحل دنكيرك الفرنسية وإعادتهم إلى الوطن، بينما تقوم الطائرات الألمانية بقصف هذا الجمع المحتشد وبواخر الإغاثة. يصل الفيلم إلى درجة نافذة من رسم تراجيديا الحروب جميعاً ويبقى وسيطاً فنياً ممتعاً في الوقت ذاته.
هناك أفلام أخرى تشهد لمخرجيها بحظوظ المشاركة في السباق المقبل، بينها «بليد رَنر 2049» لدنيس ڤلنييڤ (كانت له جولاته مع الجائزة الكبرى أيضاً) و«قتل غزال» لليوناني يورغوس لانثيموس (صوّره بالإنجليزية مع كولين فارل ونيكول كدمان وإليسيا سيلفرستون) و«الساعة الأكثر ظلمة» (The Darkest Hour) وهو جديد المخرج البريطاني جو رايت (مع غاري أولدمان في دور ونستون تشيرشل) و«ماري ماغدولين» لغارث ديفيز مع روني مارا وواكين فينكس.
كثير من هذه الأفلام وسواها سيعرض على شاشتي مهرجاني فنيسيا وتورونتو، حيث الخبر اليقين حول مستوياتها.


مقالات ذات صلة

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.