في شهر مارس (آذار) الماضي، صدر العدد الأول من مجلة «الأخبار برايل» التي تخاطب المكفوفين وتوفر لهم فرص عمل بالمجال الصحافي.
وفي حديث لوكالة «رويترز»، تحدث أحمد المراغي رئيس تحرير المجلة الصادرة عن مؤسسة «أخبار اليوم» حول إصدار المجلة قائلاً: «الطريق لم تكن مفروشة بالورود، لكننا تغلبنا على الصعاب والمعوقات التي واجهتنا بحكم أن الفكرة جديدة وغير مسبوقة في سوق الصحافة بمصر حتى صدر العدد الأول في مارس الماضي».
ويضيف: «الجهة الرسمية المسؤولة عن إصدار الترخيص الصحافي وقفت مندهشة أمام أول عدد تجريبي أرسلناه لها، لأنه ببساطة جميع أوراق المجلة كانت بيضاء ناصعة ليس بها سوى نقاط بارزة، فتعين علينا إرسال أحد المحررين لقراءة المحتوى ثم إرسال نسخة مطبوعة تقليدية».
ويمضي في حديثه لـ«رويترز» قائلاً: «توفير تمويل أيضاً لم يكن سهلاً، فأقمنا شراكة مع أحد البنوك العاملة في مصر ونجحنا في جذب بعض الإعلانات. وكلما تخطينا عقبة زاد إيماننا بما نفعل، وتحمسنا أكثر لمواصلة المشروع الذي لا يلبي حاجة ثقافية ومعرفية للمكفوفين فحسب، بل يوفر فرص عمل وتدريب لمن تخرج منهم في كليات وأقسام الإعلام».
ومجلة «الأخبار برايل» شاملة عامة تضم مختلف الأقسام الرياضية والفنية والسياسية وبها مختلف فنون الصحافة من تحقيق وحوار وأخبار.
ويتكون فريق عملها من نحو 10 محررين جميعهم من المكفوفين، يملك بعضهم خبرات سابقة بالعمل الصحافي، فيما وجد البعض الآخر فرصته الأولى في المجلة.
وقال مينا أسعد الذي تخرج في كلية الإعلام بجامعة القاهرة والمحرر الرياضي بالمجلة: «كانت لي تجارب سابقة قبل الانضمام إلى الأخبار برايل، لكن صدور مجلة بلغة برايل في مصر يمثل نقلة جديدة. حتى المصادر التي نلتقي بها ونجري معها حوارات تتحمس جداً لفكرة المجلة وترحب بنا بشكل خاص».
وأضاف: «المجلة ولدت كبيرة منذ عددها الأول الذي ضم حوارات مع وزراء وفنانين كبار. ونحن نعمل في كل عدد على تلبية احتياجات المكفوفين».
وتابع: «الكفيف مثله مثل أي قارئ عادي له اهتماماته وتفضيلاته الخاصة. ونحن بدورنا كفريق تحرير نحاول أن نقدم له احتياجاته ونضع في المجلة انفرادات وأخباراً خاصة تجعل المطبوعة لا تقل بأي حال عن المطبوعات الأخرى».
وتعمل المجلة على توسيع قاعدة المشاركة في محتواها بضم متدربين مكفوفين من طلاب كليات وأقسام الإعلام في مصر، والذي واجه بعضهم صعوبات في التدريب بالمؤسسات الصحافية.
وقال أحمد مراد الطالب بالفرقة النهائية في قسم إعلام بجامعة حلوان: «جميع أقسام الإعلام بها مكفوفون وكثير منهم متفوقون... أن أجد كطالب فرصة تدريب هنا في وقت ترفض فيه كثير من المؤسسات تدريبي، فهذا تطور كبير».
وأضاف: «صدور هذه المطبوعة عن مؤسسة قومية يفتح الباب أيضاً أمام الصحافيين المكفوفين في المستقبل للانضمام إلى نقابة الصحافيين».
توزيع المجلة ورد الفعل
تصدر «الأخبار برايل» شهرياً وتوزع مجاناً بالمكتبات العامة ومكتبات الجامعات والمدارس ومراكز تجمع ذوي الإعاقة البصرية مثل الجمعيات والمؤسسات المعنية برعايتهم. ويتراوح عدد النسخ المطبوعة شهرياً بين ألف وألفي نسخة.
وقال كريم عاطف رئيس اللجنة المشرفة على المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين لـ«رويترز»: «المجلة تلقى إقبالاً كبيراً لدى المكفوفين الذين يترددون على المركز. هناك أكثر من 3 ملايين كفيف في مصر ومن يتردد منهم على المركز يحرص على السؤال عن المجلة».
وأضاف: «الأعداد المطبوعة لن تغطي جميع المكفوفين بالتأكيد، لذلك نتمنى إذا كانت المجلة تطبع ألفاً أو ألفين أن يصبح هذا العدد 10 آلاف، وأن تصبح المجلة أسبوعية وليست شهرية».
ويتفاعل فريق عمل المجلة مع القراء ويعمل على تطوير أدائه بالاسترشاد بالتعليقات التي ترد من مراكز وجمعيات المكفوفين، كما يرحب بمشاركاتهم الأدبية والفنية.
وقال عاطف: «أبدى عدد كبير من المترددين على المركز رغبتهم في المشاركة بالمجلة والإسهام في محتواها، لذلك أبرمنا بروتوكول تعاون مع مؤسسة (أخبار اليوم) لإنشاء مكتب خاص بـ(الأخبار برايل) داخل المركز النموذجي لتدريب وتأهيل أصحاب الميول الصحافية من المكفوفين».
وللمركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين عدة وحدات موزعة على أحياء ذات كثافة سكانية عالية بالقاهرة مثل الزيتون والسيدة زينب وشبرا وبولاق والخليفة.
المرحلة الثانية
يصادف صدور عدد أغسطس (آب) انتهاء المرحلة الأولى من خطة عمل «الأخبار برايل» التي أطلق عليها رئيس التحرير «مرحلة تثبيت الأقدام» ليستعد فريق العمل للانتقال إلى المرحلة التالية.
وقال المراغي: «أصبح القارئ ينتظر الآن المجلة، ولدينا قراء في أسوان والإسكندرية والقاهرة ومدن القناة. حققنا الانتشار وبات علينا الآن التطلع لأفق جديد».
وأضاف: «نعمل على إطلاق الموقع الإلكتروني للمجلة الذي سيتيح لجميع المكفوفين الاطلاع على المجلة، سواء الذين يقرأون بطريقة برايل أو الذين يستخدمون برنامج التصفح الناطق».
وتابع قائلاً: «الموقع الإلكتروني سيحدث نقلة نوعية وسيوسع عدد المستفيدين من هذا المنتج الثقافي الموجه لفئة عانت طويلاً من عدم توفر الخدمات الخاصة بها. كذلك ستصبح لدينا مساحة أرحب للنشر».
وعلى مستوى النسخة الورقية، يتطلع فريق «الأخبار برايل» إلى تخطي المجلة للحدود الجغرافية والانتشار إقليمياً.
وقال المراغي: «لا توجد مجلة مصرية أو عربية تصدر بانتظام بطريقة برايل. هناك بعض الدوريات التي صدرت بهذه الطريقة وربما أصدرت صحف تقليدية أعداداً خاصة أو احتفالية بهذا الشكل، لكن كإصدار منتظم عن مؤسسة قومية كبيرة لا يوجد بالمنطقة».
وأضاف: «الأخبار برايل تحمل في طياتها عوامل النجاح والاستمرارية ونتمنى تجاوز الحدود لنصبح موجودين في السعودية والكويت وغيرهما من الدول العربية. لكن يبقى التمويل هو شاغلنا الأكبر».
وتابع قائلاً: «ربما نحتاج إلى تعاون وشراكات مع مؤسسات إقليمية ودولية معنية بذوي الإعاقة البصرية تسهم في تطوير هذا المنتج الثقافي المتخصص».