فرض التجنيد الإجباري على شباب دير الزور يدفع بهم إلى النزوح

يعيش في مخيم العريشة أكثر من 7 آلاف شخص ولا تتوفر فيه سوى 400 خيمة

سوريون من دير الزور في مخيم العريشة هربا من معارك النظام مع «داعش» (أ.ف.ب)
سوريون من دير الزور في مخيم العريشة هربا من معارك النظام مع «داعش» (أ.ف.ب)
TT

فرض التجنيد الإجباري على شباب دير الزور يدفع بهم إلى النزوح

سوريون من دير الزور في مخيم العريشة هربا من معارك النظام مع «داعش» (أ.ف.ب)
سوريون من دير الزور في مخيم العريشة هربا من معارك النظام مع «داعش» (أ.ف.ب)

فور سماعه بقرار تنظيم داعش فرض التجنيد الإجباري في دير الزور حزم محمود العلي أمتعته وفرّ مسرعا مع عائلته على غرار شبان كثر من أبناء تلك المحافظة التي يسيطر عليها المتطرفون في شرق سوريا. وأعلن تنظيم داعش مؤخرا، فرض «التجنيد الإجباري» على شباب دير الزور، آخر المحافظات السورية التي لا تزال تحت سيطرته. ودفع هذا الإعلان بموجات نزوح جديدة من المحافظة ليلجأ المئات إلى مخيم للنازحين يبعد سبعة كيلومترات عن منطقة العريشة في محافظة الحسكة (شمال شرق) المحاذية لدير الزور.
ويقول العلي (26 عاما): «أبلغنا التنظيم بأن القتال بات فرضا علينا، وعلى كل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاما الالتحاق بصفوفه للقتال في كل سوريا».
ويضيف الشاب الذي فرّ مع عائلته من بلدة العشارة في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي: «رفض غالبية الشباب القرار وتركوا مناطق سيطرة التنظيم بالآلاف». ويعكس ذلك على حد قوله «المزاج العام برغبة الأهالي التخلص من التنظيم».
ولجأ التنظيم إلى الخطابات الدينية خلال الصلاة في المساجد فضلا عن المناشير والمكبرات الصوتية في الشوارع لدعوة شباب دير الزور إلى التجنيد الإرهابي، وفق ما أفاد سكان والمرصد السوري لحقوق الإنسان. ومنح التنظيم المتطرف الشباب أسبوعا واحدا فقط للالتحاق بمكاتب «الاستنفار». وسرعان ما ساء الوضع مع رفض الكثير من الشباب الأوامر الجديدة.
فرّ صلاح المحمد (28 عاما) مؤخرا من الميادين التي تعد ثاني أهم مدن محافظة دير الزور، ولجأ إلى المخيم الذي يعاني فيه النازحون من ظروف معيشية صعبة. ويتذكر صلاح «الوضع في الميادين بات مأساويا بعد قرار التنظيم الأخير فرض التجنيد الإجباري»، مشيرا إلى أن مقاتلي التنظيم «يداهمون يومياً المنازل بحثاً عن شباب لسوقهم للقتال». وأفاد مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن عن «اعتقالات يومية في محافظة دير الزور على خلفية التجنيد الإجباري».
وفي المخيم الذي تتصاعد على بعد كيلومترات منه أعمدة دخان أسود ناتجة عن تكرير النفط بطرق تقليدية في منطقة قريبة، يقول أحمد العبد (23 عاما) إن المجند من قبل التنظيم المتطرف «يخضع لدورة (تدريبية) لمدة شهر، قبل أن يبقى معهم أربعة أشهر للقتال».
وطغى الشبان على النازحين في مخيم العريشة الذي تنتشر فيه مخيمات بيضاء اللون كتب عليها شعار مفوضية الأمم المتحدة للاجئين. وإن كان الكثير من الشبان تمكنوا من الفرار من أيدي التنظيم، لم يحالف الحظ آخرين. ويضيف العبد الشاب الأسمر ذو اللحية السوداء الكثيفة: «الكثيرون لا يزالون عالقين ولا يستطيعون الخروج»، موضحا: «دفعنا نحن مليوني ليرة سورية (نحو أربعة آلاف دولار) عن خمسة عشر شخصاً من أفراد العائلة». ويخوض (داعش) حاليا معارك عنيفة ضد قوات سوريا الديمقراطية (تحالف فصائل كردية وعربية) التي طردته من أكثر من نصف مدينة الرقة، معقله الأبرز في سوريا. كما يتقدم النظام السوري على محاور عدة تمهيدا لعملية عسكرية واسعة بدعم سوري ضد الجهاديين في محافظة دير الزور. واعتبر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الأحد، أن دير الزور «تعكس بشكل كبير، كي لا نقول بشكل كامل، نهاية القتال ضد تنظيم داعش».
وفي ظل هذا الضغط الميداني الكبير، يبدو أن التنظيم المتطرف بات يبحث عن حلول إضافية تمكنه الدفاع عن معاقله في سوريا.
برغم فرارهم من قرارات وقواعد (داعش) الصارمة، وجد الفارون من دير الزور أنفسهم في ظروف معيشية صعبة في مخيمات تقل فيه الخيم ذاتها وتشهد نقصا حادا في المياه النظيفة والمواد الغذائية وحتى الأدوية الأساسية. وأقيمت عشرات المخيمات في مناطق صحراوية نائية في محافظتي الحسكة والرقة المجاورة. وتقول المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنجي صدقي لوكالة الصحافة الفرنسية: «تلك الخيم موجودة في قلب الصحراء حيث تشكل الأفاعي والعقارب تهديدا يوميا للناس». وتضيف: «ترى أطفالا يلعبون بالنفايات السامة ويشربون مياها ملوثة ويستحمون بها». ويعيش في مخيم العريشة سبعة آلاف ومائة شخص فيما لا تتوفر فيه سوى 400 خيمة، وفق ما يقول أحد مسؤولي المخيم. واضطرت بعض العائلات إلى البقاء في العراء بانتظار الحصول على خيمة، وعمدت أخرى إلى تعليق بطانيات بين الشاحنات والسيارات لتقيها حرارة الشمس.
وتحت بطانية صغيرة علقت بين شاحنة ودراجة نارية، جلس سبعة أطفال بدا عليهم الإنهاك يحتمون من حرارة الشمس الحارقة.
ورغم الوضع الصعب في المخيم، يعتبر كثيرون أنهم وأخيرا نجوا بأرواحهم بعيدا عن تنظيم داعش الذي يتشدد في منع السكان من المغادرة. وبانفعال شديد، يقول الشاب إبراهيم خالد (28 عاما): «نحن استطعنا الفرار والنجاة بأرواحنا، وأنا متأكد أن من تبقى أصبح خروجه شبه مستحيل».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».