البابا فرنسيس... النجم السينمائي غير المتوقع

6 أفلام تظهر جاذبيته السينمائية

جوناثان برايس في لقطة من «البابوان» (آي إم دي بي)
جوناثان برايس في لقطة من «البابوان» (آي إم دي بي)
TT

البابا فرنسيس... النجم السينمائي غير المتوقع

جوناثان برايس في لقطة من «البابوان» (آي إم دي بي)
جوناثان برايس في لقطة من «البابوان» (آي إم دي بي)

نيويورك: أليسا ويلكنسون*

عند مشاهدتي فيلم «كونكليف» أو «المَجْمَع» المثير للجدل، والذي أخرجه إدوارد بيرغر عن الفاتيكان، العام الماضي، وجدت صعوبة في عدم التفكير في البابا فرنسيس. الفيلم قصة خيالية تستند إلى رواية روبرت هاريس الصادرة عام 2016، والتي نشرت بعد ثلاث سنوات من تولي البابا فرنسيس البابوية. لكن إحدى الشخصيات الرئيسية في الفيلم هي شخصية رئيس أساقفة مكسيكي يعمل في كابُل، عاصمة أفغانستان، وهو مُصلح يدعو الكنيسة إلى التركيز على المهمشين والمستبعدين تاريخياً من قبل المؤسسة. ميّز الكثير من التفاصيل بين شخصية فيلم «كونكليف» والبابا الجالس الذي وافته المنية، الاثنين، في اليوم التالي لعيد الفصح. لكن مثل هذا الناشط البسيط والبليغ على الشاشة لا يمكن أن يذكّرنا إلا بالبابا فرنسيس، أول رجل دين من أميركا اللاتينية يتولى البابوية. لقد أثار الإعجاب والجدل على حد سواء، استناداً - إلى حد كبير – إلى اهتمامه بالفقراء والمهاجرين واللاجئين، ودعواته إلى رعاية البيئة.

وقد أثار هذا العمل الأجنحة الأكثر تحفظاً في الكنيسة، بينما كان محبوباً لدى الكثيرين، سواء كانوا كاثوليكيين من عدمه، الذين رأوا في حياته وتعاليمه طريقاً جديداً للمضي قدماً. وهذا أيضاً جعل البابا نجماً سينمائياً غير متوقع. ربما كان البابا فرنسيس أكثر الباباوات من حيث التصوير السينمائي، حيث انتشرت الأفلام الخيالية والوثائقية التي تمثله خلال فترة بابويته التي استمرت 12 عاماً. تم إنتاج بعض هذه الأفلام من قبل الكاثوليك ومن أجلهم، بما في ذلك الفيلم الوثائقي «فرنسيس: البابا من العالم الجديد» إنتاج عام 2013، الذي أنتجه كولومبوس نايتس، وفيلم «فرنسيس: صلِّ من أجلي» للمخرج «بيدا دوكامبو فيخو»، إنتاج عام 2015: «وهو فيلم درامي عن سيرته الذاتية حول أيامه قبل توليه منصب البابوية»؛ وفيلم «شياماتيمي فرانشيسكو» أو «نادني فرنسيس» للمخرج دانييل لوشيتي إنتاج عام 2015، والذي ركز على عمله بوصفه «بابا الشعب».

لكن العديد من هذه الأفلام لم تكن موجهة حقاً إلى جمهور المتدينين. بدلاً من ذلك، فإنها تظهر مصدر جاذبية فرنسيس الأوسع نطاقاً. لقد أتاح اهتمامه بالقضايا الاجتماعية والثقافية المهمة لصانعي الأفلام فرصة لتناوله كشخصية سينمائية على الشاشة، وليس فقط زعيماً دينياً. فيما يلي ستة أفلام من هذا القبيل، والتي تساعد في تأطير إرث فرنسيس وتلقي الضوء على سبب جاذبيته.

ملصق فيلم «البابا فرنسيس: رجل يفي بكلمته»

«البابا فرنسيس: رجل يفي بكلمته» لعام 2018

الفيلم الوثائقي «البابا فرنسيس: رجل يفي بكلمته»، الذي عُرض لأول مرة في مهرجان «كان» السينمائي في عام 2018، هو لمحة حميمة وملهمة بشكل ملحوظ عن تفكير البابا، مباشرة من شفتيه. لا يقضي المخرج فيم فيندرز وقتاً طويلاً في سرد تفاصيل السيرة الذاتية. بدلاً من ذلك، يتحدث البابا فرنسيس بإسهاب - بشكل مباشر ورائع على حد سواء - عن الأمور التي تشغله ولماذا. ويتحدث عن أسفاره، وطريقة تعامله مع قادة العالم، والأسس الفلسفية واللاهوتية لعمله. أصبح من المبتذل القول بأن الفيلم الوثائقي هو «بورتريه» لموضوعه، لكن فيلم فيندرز هو كذلك بالفعل: غالباً ما يظهر فرنسيس في لقطة متوسطة، وحيداً في الكادر، يتحدث بصراحة إلى الجمهور. من الواضح أن الهدف من ذلك هو منح الإحساس بأن البابا يتمتع بالنزاهة واللمسة الإنسانية الرقيقة.

«البابوان» فيلم «نتفليكس» الذي تناول مقابلة خيالية بين البابا فرنسيس والبابا بنديكتوس السادس عشر

«الباباوان» لعام 2019

تلقى فيلم «الباباوان»، الذي أخرجه فرناندو ميريليس، ترشيحات لجوائز الأوسكار عن سيناريو أنتوني ماكارتن (المستمد من مسرحيته الخاصة)؛ والممثل المساعد أنتوني هوبكنز، الذي يجسد دور البابا بنديكتوس السادس عشر، وجوناثان برايس، الذي يجسد دور البابا فرنسيس. الفيلم هو لقاء متخيل بين بينديكت، الذي يفكر في التنحي عن البابوية، وفرنسيس، الذي كان وقتئذ لا يزال يُدعى باسمه «خورخي ماريو بيرغوليو»، والذي يقضي يوماً في الحديث مع بينديكت حول مسائل الإيمان والعقيدة والتاريخ. غالباً ما يكون الفيلم مبهجاً وإنسانياً بشكل رائع، مع مقطع يستكشف مخاوف «بيرغوليو» الخاصة حول أمر من ماضيه. ولكن القوة التي يتمتع بها فيلم «الباباوان» تكمن في الكيفية التي يسلط بها الضوء، من خلال التصور، على الانقسامات في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بين جناح تقليدي وجناح أكثر تقدمية. فالأمر يشبه مشاهدة حقبتين تتصادمين، ثم يصليان من أجل بعضهما البعض. (ثم يشاهدان مباراة كرة القدم).

أنتوني هوبكنز وجوناثان برايس في لقطة من «البابوان» (آي إم دي بي)

«فرانشيسكو» لعام 2021

«فرانشيسكو» كان من إخراج المخرج الوثائقي يفغيني أفينيفسكي، الذي غالباً ما يستكشف بأعماله آثار الصراعات على الناس في بلدان مثل سوريا وأوكرانيا. بالنسبة إلى «فرانشيسكو»، نظر أفينيفسكي إلى ردود فعل البابا فرنسيس لقاء القضايا الاجتماعية المعاصرة، وخاصة اهتمامه وزياراته للنازحين والمضطهدين.

في الفيلم، يلتقي البابا فرنسيس مع مسلمي الروهينغا النازحين من ميانمار. ويزور مخيماً للاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية، وينقل لاجئين مسلمين رفقته إلى إيطاليا. في عام 2018، أثار البابا فرنسيس غضب ضحايا اعتداءات رجال الدين من خلال التقليل من شأن مخاوفهم، أما في الفيلم فإنه يلتقي مع عدد قليل من الناجين ويطلب منهم الصفح. ويشير الفيلم إلى أن انخراط البابا الظاهر مع المظالم العالمية يستفز الكنيسة الأوسع نطاقاً؛ كي تمعن النظر في دورها في العالم أيضاً.

«الرسالة: رسالة من أجل أرضنا» لعام 2022

تشير أغلب الأفلام التي تتناول موضوعات عن البابا فرنسيس إلى اهتمامه بالقضايا البيئية، ولكن فيلم «الرسالة: رسالة من أجل أرضنا» يركز عليها بصورة مباشرة.

وفي الرسالة البابوية التي صدرت في عام 2015 تحت عنوان «الحمد لك»، دعا البابا العالم إلى التحرك، وانتقد أولئك الذين يفضلون الأرباح فوق الناس، وأشار إلى أن تغير المناخ ينطوي على نطاق واسع من «الآثار الخطيرة: البيئية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عن تأثيره على توزيع السلع».

وفي فيلم «الرسالة» عمل المخرج نيكولاس براون مع نشطاء من مناطق لا تشملها غالباً المحادثات البيئية - مثل الأمازون والهند والسنغال وهاواي – في أثناء استعدادهم للقاء البابا. إنها نظرة أخرى إلى زعيم ديني رأى أن عقيدته وإيمانه يمتدان إلى ما هو أبعد من حدود التقاليد، واستنهض الآخرين أن يفعلوا ذلك أيضاً.

لقطة من فيلم «الرسالة: رسالة من أجل أرضنا» تناول اهتمام البابا فرنسيس بالقضايا البيئية (آي إم دي بي)

«في فياجيو: رحلات البابا فرنسيس» لعام 2023

كثيراً ما سافر البابا فرنسيس خلال فترة توليه البابوية، وغالباً ما كان يستخدم وسائل نقل بسيطة عمداً حتى يكون أقرب إلى الناس. يتابع فيلم «في فياجيو: رحلات البابا فرنسيس» رحلاته المكثفة خلال السنوات التسع الأولى من فترة ولايته البابوية - 37 زيارة إلى 53 بلداً. تم إدراج بعض لقطات الأفلام الوثائقية للمخرج جيانفرانكو الروسي حول النازحين في الفيلم، جنباً إلى جنب مع خطابات البابا فرنسيس، والتي غالباً ما تتضمن نصائح لرعاية المهاجرين، وكذلك الفقراء والمحرومون من الحقوق.

من فيلم «كونكليف» (المجمع) (آي إم دي بي)

«كونكليف» لعام 2024

كان فيلم «كونكليف»، الذي يتساوى في مزيجه بين الإثارة والتأمل، مفضلاً لدى الجمهور والمصوتين الذين يمنحون الجوائز. وبما أن خليفة البابا فرنسيس سوف يجري اختياره خلال الأشهر المقبلة، فمن المرجح أن يحظى الفيلم بشعبية كبيرة مرة أخرى؛ فهو عبارة عن دراما تشويقية من بطولة ريف فاينز في دور كاردينال يحاول القيام بما هو صحيح في خضم صراع على السلطة من أجل البابوية. وفي نهاية المطاف، أصبح أحد الكاردينالات، وهو بنيتيز (كارلوس دييز) - الذي اتخذ جزئياً على الأقل صورة البابا فرنسيس - لاعباً رئيسياً.

وعلى الرغم من أن هذا الفيلم، مثل فيلم «الباباوان»، يشير إلى انقسامات في قيادة الكنيسة، وديناميكيات السلطة، وفحوى الإيمان، فإنه أيضاً مجرد فيلم إثارة مباشرة مع خاتمة مذهلة. إنه فيلم مؤثر وتذكير بما هو على المحك بالنسبة للكنيسة في المستقبل.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

نجل المخرج روب راينر أثار الفوضى في حفل قبل ساعات من مقتل والديه

الولايات المتحدة​ نيك راينر خلال العرض الأول لفيلم «سباينال تاب 2: النهاية مستمرة» في 9 سبتمبر 2025 بمسرح إيجيبشن في هوليوود (أ.ب) play-circle

نجل المخرج روب راينر أثار الفوضى في حفل قبل ساعات من مقتل والديه

أُلقي القبض على نجل المخرج روب راينر، المتهم بقتل والده وزوجته، بعد أن أثار ضجة في حفل استضافه الممثل الكوميدي كونان أوبراين ليلة وقوع الجريمة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق النجم الأميركي جورج كلوني (أ.ب)

جورج كلوني يُقدم تحديثاً مفاجئاً حول مسيرته المهنية

كشف النجم الأميركي جورج كلوني أن دوره في الإخراج تراجع أمام دور الأبوة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق البابا ليو مصافحاً الممثلة كيت بلانشيت خلال زيارتها الفاتيكان مع وفد فني (رويترز)

الفاتيكان محجّة الفنانين... والبابا ليو ذوّاقة سينما وثقافة

البابا ليو يفتح أبواب الفاتيكان أمام فنّاني هوليوود ويشاركهم قائمة بأفلامه المفضّلة، محذّراً من أن مستقبل السينما في خطر.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الممثل الأميركي كيفن سبيسي يحمل جائزة بعد تكريمه في إيطاليا (أرشيفية - رويترز)

بعد 7 سنوات من اتهامه بالتحرش... كيفن سبيسي «بلا مأوى»

بعد سبع سنوات من فضيحة اعتداء جنسي هزت مسيرته المهنية، كشف كيفن سبيسي أنه بلا مأوى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الممثل الأسترالي هيو جاكمان يحضر حفل توزيع جوائز في لوس أنجليس بكاليفورنيا (إ.ب.أ)

هيو جاكمان: الموسيقى «شافية» وساعدتني في تجاوز الأوقات العصيبة

احتفل نجم هوليوود هيو جاكمان جاكمان مساء أمس الأربعاء في العاصمة الألمانية برلين بالعرض الأوروبي الأول لفيلمه الموسيقي «سونغ سانغ بلو».

«الشرق الأوسط» (برلين)

وَصْف الخبز المكسيكي بـ«القبيح» يُفجّر جدلاً على وسائل التواصل

الخبز أكثر من طعام... لغة انتماء (أ.ب)
الخبز أكثر من طعام... لغة انتماء (أ.ب)
TT

وَصْف الخبز المكسيكي بـ«القبيح» يُفجّر جدلاً على وسائل التواصل

الخبز أكثر من طعام... لغة انتماء (أ.ب)
الخبز أكثر من طعام... لغة انتماء (أ.ب)

أثار انتقاد صريح وجَّهه خباز بريطاني إلى الخبز المكسيكي موجة واسعة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، انتهت باعتذار علني.

ففي مقابلة ضمن بودكاست عن الطعام أُعيد تداولها عبر الإنترنت، قال الشريك المؤسِّس لمخبز «غرين راينو» في مكسيكو سيتي، وأحد الأسماء المعروفة في عالم صناعة الخبز الدولية، ريتشارد هارت، إن المكسيكيين «لا يملكون في الحقيقة ثقافة خبز تُذكر»، مضيفاً: «إنهم يصنعون السندويتشات باستخدام لفائف بيضاء قبيحة، رخيصة الثمن ومصنَّعة على نحو صناعي».

وسرعان ما انتشرت تصريحاته عبر منصات «إنستغرام»، و«تيك توك»، و«إكس»، واتهمه كثير من المكسيكيين بالاستخفاف بتراث بلادهم من الخبز التقليدي وإهانته.

وذكرت «أسوشييتد برس» أنّ ما بدأ خلافاً حول الخبز سرعان ما تحوَّل إلى نقاش وطني أوسع حول هوية الطعام، ليس فقط بشأن مَن يُعرّف التقاليد المطبخية المكسيكية، بل أيضاً حول النفوذ المتزايد للأجانب في عاصمة تشهد توتراً متصاعداً بفعل تدفُّق المغتربين الأميركيين والسياح.

وقالت دانييلا ديلغادو، وهي طالبة جامعية في مكسيكو سيتي: «لقد أساء إلى مجتمع الخبازين في المكسيك، وإلى كلّ الناس هنا الذين يحبّون الخبز، وهم تقريباً الجميع».

جدل يتجاوز الخبز إلى سؤال الهوية والذاكرة (أ.ب)

«لا تعبثوا بالبوليو»

امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بالميمات ومقاطع الفيديو الساخرة، والدفاعات الحماسية عن الخبز المكسيكي. وسارع المستخدمون إلى الإشادة بالأنواع اليومية الشائعة، من خبز «البوليو» القاسي المُستَخدم في شطائر «التورتا»، إلى خبز «الكونتشا» الشهير في المخابز الشعبية في الأحياء. وفي كثير من الأحيان، تُمثّل هذه الأطعمة البسيطة عنصراً جامعاً بين مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية، وتمسّ جوهر الهوية الثقافية للبلاد.

ورغم أنّ خبز القمح أُدخل إلى المكسيك خلال الحقبة الاستعمارية، فإن هذا الغذاء الأساسي تطوَّر ليصبح تقليداً وطنياً مميّزاً، يمزج بين التقنيات الأوروبية والأذواق والمكوّنات المحلّية. ولا تزال المخابز الصغيرة في الأحياء تُشكّل اليوم جزءاً محورياً من الحياة اليومية في المدن والبلدات، بوصفها مراكز اجتماعية بقدر ما هي مصادر للغذاء.

وأثار الحادث تساؤلات واسعة حول سبب إقدام رائد أعمال أجنبي على انتقاد علني لعنصر غذائي مُتجذّر بعمق في الحياة المكسيكية. وبالنسبة إلى كثيرين، عكست تصريحات هارت إحباطات قديمة تتعلَّق بحصول الطهاة وأصحاب المطاعم الأجانب على مكانة واهتمام يفوقان نظراءهم المحلّيين، فضلاً عن المخاوف المُرتبطة بتسارع وتيرة «التحسين الحضري» في العاصمة.

وجاء في منشور لاقى انتشاراً واسعاً عبر «إكس»: «لا تعبثوا بالبوليو».

«فرصة للتعلّم»

ومع تصاعُد الانتقادات، أصدر هارت اعتذاراً علنياً عبر «إنستغرام»، قال فيه إنّ تعليقاته صيغت بشكل سيئ، ولم تُظهر الاحترام اللائق للمكسيك وشعبها. وأقرَّ بردّ الفعل العاطفي الذي أثارته، مُعترفاً بأنه لم يتصرّف بصفته «ضيفاً».

وقال في بيانه: «ارتكبت خطأً، وأندم عليه بشدّة».

وسبق لهارت أن عمل في مخابز فاخرة في الولايات المتحدة وأوروبا، وكان جزءاً من مشهد الخبز الحِرفي المتنامي في مكسيكو سيتي، وهو سوق تستهدف في الغالب زبائن من الطبقتَين الوسطى والعليا، وكثيراً ما يكونون من الأجانب الباحثين عن خبز العجين المُخمّر والمعجنات الأوروبية بأسعار تفوق بكثير أسعار مخابز الأحياء الشعبية.

ولم يُسهم الاعتذار في تهدئة الجدل فوراً. ففي حين قبله بعض المستخدمين، رأى آخرون أنه لم يتطرَّق إلى القضايا الأعمق المُتعلّقة بالسلطة الثقافية، ومَن يملك حق انتقاد التقاليد المكسيكية.


حتى الدلافين تشيخ ببطء مع الأصدقاء!

الصداقة تحمي الجسد من الشيخوخة (شاترستوك)
الصداقة تحمي الجسد من الشيخوخة (شاترستوك)
TT

حتى الدلافين تشيخ ببطء مع الأصدقاء!

الصداقة تحمي الجسد من الشيخوخة (شاترستوك)
الصداقة تحمي الجسد من الشيخوخة (شاترستوك)

بيَّنت دراسة علمية جديدة أنّ ذكور الدلافين قارورية الأنف التي تنسج صداقات قوية وطويلة الأمد تتقدَّم في العمر بوتيرة أبطأ، مقارنة بأقرانها الأكثر عزلة، ممّا يسلّط الضوء على الدور المحوري للروابط الاجتماعية في تحقيق شيخوخة صحية لدى الثدييات.

وتُعرف الدلافين قارورية الأنف بقدرتها على تكوين صداقات تمتد لعقود، على غرار علاقات الرفقة التي يشهدها البشر. وقد أظهرت دراسات سابقة أنّ ذكور هذا النوع تقضي وقتها معاً في اللعب، وركوب الأمواج للمتعة، والراحة جنباً إلى جنب، وتشكيل روابط اجتماعية عميقة وطويلة الأمد.

ويقتصر هذا النمط من الترابط الاجتماعي على الذكور، إذ يُعرف أنّ صداقات إناث الدلافين تتأثّر بوجود صغار متقاربين في العمر.

وقالت عالمة الأحياء البرية، ليفيا غيربر، من منظمة الكومنولث للبحوث العلمية والصناعية في أستراليا: «يُذكّرني ذلك بصديقَيْن في روضة الأطفال يلازمان بعضهما بعضاً طوال سنوات الدراسة، ثم في مسيرتهما المهنية وحتى التقاعد، ويتقاسمان أفراح الحياة وتحدّياتها».

وفي الدراسة الجديدة، حلَّل الباحثون 50 عيّنة من أنسجة الجلد مأخوذة من 38 دلفيناً قاروري الأنف في «شارك باي»، أو «خليج القرش». كما قيَّم العلماء بيانات الروابط الاجتماعية بين الدلافين في الخليج، استناداً إلى سنوات طويلة من الملاحظات الميدانية.

وخلصوا إلى أّن ذكور الدلافين التي تمتلك علاقات اجتماعية قوية تتقدَّم في العمر بوتيرة أبطأ مقارنة بأقرانها التي تعيش حياة أكثر وحدة.

وقالت غيربر، المؤلّفة الرئيسية للدراسة المنشورة في مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز بيولوجي» التي نقلتها «الإندبندنت»: «كنا نعلم بأنّ الروابط الاجتماعية تساعد الحيوانات على العيش مدّة أطول، لكن هذه هي المرة الأولى التي نُظهر فيها أنها تؤثّر في عملية الشيخوخة نفسها». وأضافت: «الروابط الاجتماعية مهمّة إلى حدّ أنها تُبطئ الشيخوخة على المستوى الخليوي».

وأوضح الباحثون أنّ الدلافين الأكثر عزلة قد تضطرّ إلى الصيد بمفردها، والتنافُس على التزاوج من دون دعم، ومواجهة أسماك القرش وغيرها من المفترسات، وهي عوامل قد تُسهم في حياة مليئة بالتوتّر، على نحو يشبه ما يحدث لدى البشر.

وقالت غيربر: «وجود الأصدقاء يعني أنكم تصطادون معاً، وتحرسون ظهور بعضكم بعضاً، وتتقاسمون الأعباء».

وحتى الآن، ركّزت معظم البحوث المتعلّقة بتأثير الصداقات في الشيخوخة على العمر الزمني للحيوان منذ ولادته، أو على متوسّط عمره. وإنما الدراسة الأخيرة قدَّرت العمر البيولوجي الحقيقي للدلافين استناداً إلى مؤشرات فردية في الحمض النووي.

وأظهرت الدراسات أن ما يُعرف بـ«الساعة فوق الجينية» (Epigenetic clock) يوفّر مؤشراً أدقّ على الصحة العامة وحالة الشيخوخة لدى الحيوان. وفي دراسات سابقة، ساعدت هذه الساعات فوق الجينية في كشف كيفية تأثير عوامل مثل التلوّث، والاكتئاب، والروابط الاجتماعية الإيجابية أو السلبية في العمر البيولوجي.

وتخلُص النتائج، حسب العلماء، إلى إبراز أهمية الاستثمار في علاقات إنسانية ذات معنى، إلى جانب التغذية الصحية وممارسة الرياضة، من أجل حياة أطول وأكثر صحة.


«كويبُوكا»… يذكّر بحروب الإبادة في رواندا

نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)
نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)
TT

«كويبُوكا»… يذكّر بحروب الإبادة في رواندا

نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)
نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)

في فيلمه «كويبُوكا، تذكَّر»، الذي شارك في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، يعود المخرج البلجيكي–الرواندي جوناس داديِسكي إلى موطنه رواندا لا بوصفها مسرحاً لمأساة تاريخية فحسب، بل إنه فضاء حيّ يعيد طرح أسئلة الذاكرة، والهوية، والانتماء من منظور جيلٍ عاش الإبادة الجماعية من بعيد، لكنه ظل يحمل آثارها في داخله.

تدور أحداث الفيلم حول «ليا»، لاعبة كرة سلّة بلجيكية–رواندية، تواجه نهاية مسيرتها الاحترافية في أوروبا، قبل أن تتلقى دعوة غير متوقعة للانضمام إلى منتخب رواندا الوطني، والمشاركة في بطولة تُقام في كيغالي. الرحلة التي تبدو في ظاهرها رياضية بحتة، تتحول تدريجياً إلى مواجهة داخلية مع الذاكرة، والمنفى، وصمت العائلة، وهوية ممزقة بين مكانين وزمنين.

يقول داديِسكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الدافع الأساسي لصناعة الفيلم كان رغبتي الشخصية في إعادة الاتصال برواندا، البلد الذي أنتمي إليه عبر والدي، رغم أنه وُلد ونشأ في بلجيكا»، مشيراً إلى أنه لم يُرِد العودة بصفة أنه سائح، بل من خلال مشروع يتيح له خوض تجربة إنسانية حقيقية مع الناس هناك، وهو ما تحقق عبر الفيلم، الذي أعاده مراراً إلى رواندا، وفتح أمامه علاقات، واكتشافات غيّرت نظرته إلى البلد، وإلى نفسه.

صور الفيلم بالعديد من المواقع الحقيقية داخل رواندا (الشركة المنتجة)

ويوضح أن شخصية «ليا»، بطلة الفيلم، جاءت انعكاساً جزئياً لتجربته الذاتية، فهي تنتمي إلى الجيل نفسه، وتحمل الهوية المختلطة ذاتها، وتعود إلى رواندا ليس بدافع الحنين، بل عبر مهمة محددة، وهي الانضمام إلى منتخب كرة السلة الوطني. ومع ذلك، فإن هذه العودة تفتح أسئلة مؤجلة حول العائلة، والماضي، والإبادة الجماعية.

وأكد أن الفيلم انطلق من الشخصية أولاً، لكن استحالة فصل العودة إلى رواندا عن تاريخها جعلت ذاكرة ما بعد الإبادة حاضرة بوصفها سياقاً لا يمكن تجاهله، مشيراً إلى أنه تعامل مع كرة السلة باعتبارها فقاعة تحتمي داخلها «ليا»، فالحياة الاحترافية القاسية سمحت لها بالتركيز على الحاضر، وتجنب مواجهة ماضيها. غير أن دعوة المنتخب الرواندي شكّلت أول شرخ في هذه الفقاعة، إذ سمحت لها بالعودة إلى البلد من دون أن تكون مطالبة فوراً بمواجهة أسئلتها العائلية.

ولفت إلى أن الفيلم يتعمد كسر صورة «الفيلم الرياضي الكلاسيكي»، إذ تبدأ «ليا» باعتبارها نجمة منتظرة، وقائدة للفريق، لكنها تنتهي بالتنازل عن موقعها، وإقناع المدرب بأن الفريق قادر على الفوز من دونها، في موازاة رمزية مع رواندا التي أعادت بناء نفسها بعد الإبادة.

عاد المخرج إلى رواندا عدة مرات للتحضير للفيلم (الشركة المنتجة)

وعن تجنب الميلودراما يقول داديِسكي إن «قوة الشخصية المهنية كانت عنصراً أساسياً في موازنة هشاشتها الداخلية. فالفيلم يقدّمها أولاً كلاعبة ناجحة، قبل أن يكشف تدريجياً تعقيدات ماضيها»، مؤكداً أن وعي البطلة بأنها لم تعش الإبادة بنفسها منح الشخصية تواضعاً أخلاقياً، منعها من إصدار الأحكام، وهو ما انعكس على نبرة الفيلم العامة، القائمة على الصمت، والكلمات القليلة، والانفعالات المكبوتة.

وفي تناوله للإبادة الجماعية، يوضح المخرج أنه اختار الابتعاد عن الصور المباشرة، أو الأرشيف، مفضّلاً تثبيت الفيلم في الحاضر، مشيراً إلى أن «الصمت والغياب كانا عنصرين أساسيين في السرد، قبل أن تأتي فكرة استخدام الرسوم المتحركة بوصفها وسيلة عضوية لاستعادة الذاكرة، فالبطلة لا تملك صوراً واضحة عن الماضي، بينما يحمل والدها ذكريات مؤلمة عبّر عنها عبر رسومات، وعندما تكتشف الابنة هذه الرسومات، تبدأ في إسقاط ذاكرتها المتخيلة عليها، في عملية إعادة بناء غير مكتملة، تعكس هشاشة الذاكرة، وتشوهها»، على حد تعبيره.

ويؤكد داديِسكي أن الرسوم المتحركة كانت خياراً أخلاقياً، وجمالياً، لأنها تبتعد عن إعادة تمثيل العنف، وتسمح بتجسيد الإحساس بدل الحدث، كما أنها شكّلت جسراً عاطفياً بين الأب، والابنة، وهي العلاقة التي يراها جوهر الفيلم.

وحول فكرة «العودة» إلى الوطن، يشدد على أن الفيلم لا يتعامل معها بوصفها حنيناً، لأن «ليا» لا تمتلك ذاكرة واضحة عن رواندا، فهي لا تتقن اللغة، والبلد تغيّر جذرياً، حتى ملاعب كرة السلة أصبحت أكثر تطوراً مما عرفته في أوروبا، لافتاً إلى أن وجودها في رواندا لاعبة، لا سائحة، منح السرد ديناميكية، وحوّل العودة إلى رحلة اكتشاف وبحث، لا استرجاع للماضي.

قدم الفيلم صورة عن واقع رواندا اليوم بنظرة جيل عاش خارجها (الشركة المنتجة)

ويرى المخرج أن البطلة تمثل جيلاً كاملاً من أبناء الشتات الرواندي، الذين غادروا البلاد خلال الإبادة، ونظروا إلى وطنهم لسنوات طويلة من خلال مأساة واحدة، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن الشخصية تتجاوز خصوصيتها، لتعبّر عن تجربة إنسانية أوسع، تشمل كل من عاش انكسار الهوية بسبب الحرب، أو المنفى، أو التبني القسري.

وعن التناقض بين ماضي رواندا الجريح وحاضرها النابض، يقول داديِسكي إن هذه المفارقة كانت من أقوى الصدمات التي عاشها شخصياً عند زيارته الأولى للبلد، بعدما اكتشف عاصمة حديثة، وطبيعة خلابة، وحياة يومية مليئة بالطاقة، لافتاً إلى أنه أراد نقل هذه الصورة إلى الفيلم، من دون إنكار الماضي، عبر لغة بصرية ملوّنة، وحيوية، تقابلها معالجة متقشفة وصامتة لأماكن الذاكرة، وقال إن «الفيلم يعكس قناعتي بأن الجيل الذي كان طفلاً وقت الإبادة يمتلك اليوم مسافة كافية تسمح له بمساعدة جيل الآباء على تفكيك صدماتهم».

وفي ختام حديثه، يشير داديِسكي إلى أن اسم الفيلم لا يعني التذكّر بوصفه عودة جامدة إلى الماضي، بل باعتبار أنه تفاعل حيّ بين الماضي والحاضر، معرباً عن أمله في أن يخرج المشاهد من الفيلم برغبة في مواجهة عقده الخاصة قبل فوات الأوان، وبإيمان حقيقي بإمكانية إعادة البناء، سواء على المستوى الفردي، أو الجماعي، حتى بعد أكثر التجارب الإنسانية قسوة.