رحيل جيزيل خوري عاشقة بيروت والحرية

أوصت بإكمال مسيرة «مؤسسة سمير قصير»

لم تشأ يوماً أن ينتشر خبر مرضها في وسائل الإعلام (أ.ف.ب)
لم تشأ يوماً أن ينتشر خبر مرضها في وسائل الإعلام (أ.ف.ب)
TT

رحيل جيزيل خوري عاشقة بيروت والحرية

لم تشأ يوماً أن ينتشر خبر مرضها في وسائل الإعلام (أ.ف.ب)
لم تشأ يوماً أن ينتشر خبر مرضها في وسائل الإعلام (أ.ف.ب)

أغمضت عينيها بسلام، ومن حولها عائلتها الصغيرة؛ ابنها مروان، وابنتها رنا، فهما لم يتركاها لحظة واحدة، بقيا معها؛ لإدراكهما أنها تعيش لحظاتها الأخيرة.

فخبر رحيل الإعلامية اللبنانية جيزيل خوري عن عمر ناهز 62 عاماً، جاء وقعُه قاسياً على الجسم الإعلامي ككل، وعلى محبّيها تحديداً، فشخصيتها المحبَّبة إلى قلوب الناس والمفعمة بالإنسانية والتواضع كانت محور تعلّق المقرّبين بها.

على أثر تدهور حالتها الصحية بقيت في بيروت منذ أكثر من شهر

يودّعها اللبنانيون، اليوم، بغُصة كبيرة، هي التي حملت عشقها لبيروت أينما حلّت. وفي أحدث إطلالة لها في «بودكاست» مع الإعلامي ريكاردو كرم، بكت وهي تروي له قصة حبها الكبير لمدينتها، كانت مشتاقة لرائحتها وناسها ونبض الحياة فيها، وبَدَت حزينة لبعدها عنها، فقد تركتها إلى أبوظبي ملتحقة بفرصة عمل جديدة فيها عبر محطة «سكاي نيوز العربية»، بعد الانهيار الاقتصادي.

ولكن بقيت جيزيل محافظة على حبها لبيروت طيلة الوقت، إذ كان لا يمر الشهر إلا وتحطّ فيها. وفي الفترة الأخيرة، وعلى أثر إصابتها بمرض السرطان عزّزت زياراتها لبيروت بشكل أكبر. وعندما شعرت بأن حالتها الصحية تتراجع، قررت البقاء. فأمضت في منزلها العائلي بمسقط رأسها العقيبة أيامها الأخيرة، وطلبت من أولادها نقلها من المستشفى إلى البيت قبل رحيلها بيومين.

«كانت من أنبل الناس وأصدقهم، لا تحب المراوغة والمصالح الشخصية. شغفها بالمهنة بقي شغلها الشاغل، حتى بعد إصابتها بالمرض»

المسرحية رندة الأسمر

وتقول رندة الأسمر؛ وهي صديقتها منذ 33 عاماً، وتشغل إدارة «مهرجان الربيع» في «مؤسسة سمير قصير» منذ 16 عاماً، إنها بوفاة جيزيل تخسر صديقة العمر، وتروي، لـ«الشرق الأوسط»، أن جيزيل بقيت حتى اللحظات الأخيرة صاحبة ذهن حاضر، ولم تشأ يوماً أن ينتشر خبر مرضها في وسائل الإعلام. وتوضح: «لطالما تحملت مشكلاتها وحدها، فكانت تخبّئها لنفسها فقط، فلا تشاطر همومها ولا أوجاعها أحداً. لم تكن ترغب بأن يعرف الناس بمرضها، حتى إنها لم تكن ترغب في التحدث عنه. إعلامية مميزة، ورحيلها خسارة للساحة الإعلامية وللبنان».

اشتهرت جيزيل خوري بحواراتها الإعلامية الجريئة والمتزنة في آن. كانت ترفض القيود إذا ما فُرضت عليها في عملها. ومنذ بداياتها في برنامج «حوار العمر» على شاشة «إل بي سي آي» وحتى محطتها المهنية الأخيرة في «مع جيزيل» على «سكاي نيوز عربية»، كانت الصحافية الشغوفة بعملها.

قابلتْ جيزيل خوري أهم الشخصيات العربية والأجنبية. وخلال الفترة التي عملت فيها في البرنامج السياسي بـ«العربي» في قناة «العربية الإخبارية»، استضافت صانعي القرار السياسي من رؤساء دول وحكومات. حاصلة على وسام «فارس» من جوقة الشرف الفرنسية، بقيت تعدّ نفسها وكأنها لا تزال في بداياتها الصحافية.

ومن أشهر برامجها التلفزيونية «المشهد» على قناة «بي بي سي العربية»، الذي سلّط الضوء على روايات شهود عيان أكثر إقناعاً في التاريخ الحديث بالشرق الأوسط، ومن خلاله سافرت خوري إلى بلدان مختلفة للقاء شخصيات عربية ودولية مشهورة، فكانت تستمع إلى رواياتهم عن الأحداث التي طبعت التاريخ الحديث.

وُلدت جيزيل قزي في بلدة العقيبة الكسروانية عام 1961. درست التاريخ في جامعة «روح القدس» في الكسليك، كما درست الإعلام بالجامعة اللبنانية.

تزوجت جيزيل في سن العشرين من الطبيب إيلي خوري، واحتفظت باسمه إعلامياً، على الرغم من زواجها الأخير بالإعلامي الراحل سمير قصير.

تصفها صديقتها المسرحية الرائدة رندة الأسمر بـ«السيدة الحرة»، التي لم تكن تسمح لأي أحد بمنعها من قول كلمتها أو إبداء رأيها. «كانت من أنبل الناس وأصدقهم، لا تحب المراوغة والمصالح الشخصية. شغفها بالمهنة بقي شغلها الشاغل، حتى بعد إصابتها بالمرض».

وتذكر الأسمر أن جيزيل أوصتها والمدير التنفيذي لـ«مؤسسة سمير قصير» أيمن مهنا، بإكمال المسيرة، حتى بعد وفاتها: «هذه المؤسسة غير الربحية التي أطلقتها على أثر استشهاد زوجها سمير قصير، كانت مهمة جداً بالنسبة لها، فهي أرادتها دلالة على بيروت منارة الشرق ثقافياً وفنياً. وعندما عادت مؤخراً إلى بيروت، وعلمت أن كتاب (تاريخ بيروت) لسمير قصير سيصدر بطبعة جديدة، قدّمت له بكلمات من القلب». وتعلِّق الأسمر: «طلبت منها الجهة الناشرة القيام بهذه المهمة، فلم تتأخر عنها. وهذه المقدمة الجديدة موجودة اليوم في الكتاب المذكور».

وعن جيزيل خوري الصديقة تروي الأسمر: «كانت تهتم كثيراً بأصدقائها، وتطّلع على همومهم وأخبارهم، وتواكبهم في حلوها ومُرّها. وكانت كل يوم أحدٍ تقصد منزلاً لحالة إنسانية معينة. كنا نلومها ونقول لها (شو إلك جلادة). أما هي فكانت تشعر بالفرح وتقوم بزياراتها هذه بكل طيب خاطر؛ لأنها امرأة في غاية اللياقة واللطافة والإنسانية».

وتختم الأسمر بعبارة «هي كل الحب»، مختصرة شخصية إعلامية لبنانية لا تشبه غيرها.

ومن المقرر أن تقام جنازة جيزيل خوري في الثالثة من بعد ظهر الاثنين 16 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، في كاتدرائية مار جرجس، وسط بيروت. ومن ثَمّ توارى الثرى في مدافن العائلة ببلدتها العقيبة. وتُقبَل التعازي الاثنين من الواحدة ظهراً حتى الثالثة بعد الظهر. والثلاثاء من الثانية ظهراً حتى الثامنة مساء في كاتدرائية مار جرجس.

وكانت «مؤسسة سمير قصير» قد نعتها، صباح اليوم الأحد، مُوردة: «بقلوب دامعة وعيون خاشعة، تنعى مؤسَّسة سمير قصير إلى الأصدقاء والأوفياء وعشّاق الحرّية، مؤسِّستها الحالمة ورئيستها الدائمة، الإعلامية جيزيل خوري، بعد حياة من النضال والالتزام والإنجازات».


مقالات ذات صلة

«الأبحاث والإعلام» تنال حقوق تسويق برنامج «تحدي المشي للمدارس»

يوميات الشرق شعار المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تنال حقوق تسويق برنامج «تحدي المشي للمدارس»

أعلنت «المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام» عن شراكة استراتيجية تحصل من خلالها على حقوق حصرية لتسويق برامج تهدف لتحسين جودة الحياة للطلبة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا من تظاهرة سابقة نظمها إعلاميون احتجاجاً على ما عدوه «تضييقاً على الحريات» (أ.ف.ب)

تونس: نقابة الصحافيين تندد بمحاكمة 3 إعلاميين في يوم واحد

نددت نقابة الصحافيين التونسيين، الجمعة، بمحاكمة 3 صحافيين في يوم واحد، بحادثة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

«الشرق الأوسط» (تونس)
إعلام الدليل يحدد متطلبات ومسؤوليات ومهام جميع المهن الإعلامية (واس)

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

أطلقت «هيئة تنظيم الإعلام» السعودية «دليل المهن الإعلامية» الذي تهدف من خلاله إلى تطوير حوكمة القطاع، والارتقاء به لمستويات جديدة من الجودة والمهنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
TT

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

يحتفل الأمازيغ حول العالم وخاصة في المغرب العربي بعيد رأس السنة الأمازيغية في 12 أو 13 من يناير (كانون الثاني)، التي توافق عام 2975 بالتقويم الأمازيغي. ويطلق على العيد اسم «يناير»، وتحمل الاحتفالات به معاني متوارثة للتأكيد على التمسك بالأرض والاعتزاز بخيراتها.

وتتميز الاحتفالات بطقوس وتقاليد متنوعة توارثها شعب الأمازيغ لأجيال عديدة، في أجواء عائلية ومليئة بالفعاليات الثقافية والفنية.

وينتشر الاحتفال ﺑ«يناير» بشكل خاص في دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا والنيجر ومالي وسيوة بمصر.

أمازيغ يحتفلون بالعام الجديد من التقويم الأمازيغي في الرباط بالمغرب 13 يناير 2023 (رويترز)

جذور الاحتفال

يعود تاريخ الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى العصور القديمة، وهو متجذر في الحكايات الشعبية والأساطير في شمال أفريقيا، ويمثل الرابطة بين الأمازيغ والأرض التي يعيشون عليها، فضلاً عن ثروة الأرض وكرمها. ومن ثمّ فإن يناير هو احتفال بالطبيعة والحياة الزراعية والبعث والوفرة.

ويرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة بأصل تقويمي نشأ قبل التاريخ، يعكس تنظيم الحياة وفق دورات الفصول.

وفي الآونة الأخيرة، اكتسب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أهمية إضافية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية حية.

ومصطلح «يناير» هو أيضاً الاسم الذي يُطلق على الشهر الأول من التقويم الأمازيغي.

خلال احتفال لأمازيغ جزائريين برأس السنة الأمازيغية الجديدة «يناير» في ولاية تيزي وزو شرق العاصمة الجزائر (رويترز)

متى رأس السنة الأمازيغية؟

إن المساء الذي يسبق يناير (رأس السنة الأمازيغية) هو مناسبة تعرف باسم «باب السَنَة» عند القبائل في الجزائر أو «عيد سوغاس» عند الجماعات الأمازيغية في المغرب. ويصادف هذا الحدث يوم 12 يناير ويمثل بداية الاحتفالات في الجزائر، كما تبدأ جماعات أمازيغية في المغرب وأماكن أخرى احتفالاتها في 13 يناير.

يبدأ التقويم الزراعي للأمازيغ في 13 يناير وهو مستوحى من التقويم اليولياني الذي كان مهيمناً في شمال أفريقيا خلال أيام الحكم الروماني.

يمثل يناير أيضاً بداية فترة مدتها 20 يوماً تُعرف باسم «الليالي السود»، التي تمثل واحدة من أبرد أوقات السنة.

أمازيغ جزائريون يحتفلون بعيد رأس السنة الأمازيغية 2975 في قرية الساحل جنوب تيزي وزو شرقي العاصمة الجزائر 12 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ما التقويم الأمازيغي؟

بدأ التقويم الأمازيغي في اتخاذ شكل رسمي في الستينات عندما قررت الأكاديمية البربرية، وهي جمعية ثقافية أمازيغية مقرها باريس، البدء في حساب السنوات الأمازيغية من عام 950 قبل الميلاد. تم اختيار التاريخ ليتوافق مع صعود الفرعون شيشنق الأول إلى عرش مصر.

وشيشنق كان أمازيغياً، وهو أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية في تاريخ شمال أفريقيا القديم. بالنسبة للأمازيغ، يرمز هذا التاريخ إلى القوة والسلطة.

رجال أمازيغ يرتدون ملابس تقليدية يقدمون الطعام خلال احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

كيف تستعد لرأس السنة الأمازيغية؟

تتركز احتفالات يناير على التجمعات العائلية والاستمتاع بالموسيقى المبهجة. تستعد معظم العائلات لهذا اليوم من خلال إعداد وليمة من الأطعمة التقليدية مع قيام الأمهات بتحضير الترتيبات الخاصة بالوجبة.

كما أصبح من المعتاد ارتداء الملابس التقليدية الأمازيغية والمجوهرات خصيصاً لهذه المناسبة.

وتماشياً مع معاني العيد المرتبطة بالتجديد والثروة والحياة، أصبح يناير مناسبة لأحداث مهمة لدى السكان مثل حفلات الزفاف والختان وقص شعر الطفل لأول مرة.

يحتفل الأمازيغ في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي وكذلك أجزاء من مصر بعيد «يناير» أو رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

ما الذي ترمز إليه الاحتفالات؟

يتعلق الاحتفال بيوم يناير بالعيش في وئام مع الطبيعة على الرغم من قدرتها على خلق ظروف تهدد الحياة، مثل الأمطار الغزيرة والبرد والتهديد الدائم بالمجاعة. وفي مواجهة هذه المصاعب، كان الأمازيغ القدماء يقدسون الطبيعة.

تغيرت المعتقدات الدينية مع وصول اليهودية والمسيحية والإسلام لاحقاً إلى شمال أفريقيا، لكن الاحتفال ظل قائماً.

تقول الأسطورة إن من يحتفل بيوم يناير سيقضي بقية العام دون أن يقلق بشأن المجاعة أو الفقر.

نساء يحضّرن طعاماً تقليدياً لعيد رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

يتم التعبير عن وفرة الثروة من خلال طهي الكسكس مع سبعة خضراوات وسبعة توابل مختلفة.

في الماضي، كان على كل فرد من أفراد الأسرة أن يأكل دجاجة بمفرده للتأكد من شبعه في يوم يناير. وترمز البطن الممتلئة في يناير إلى الامتلاء والرخاء لمدة عام كامل.

ومن التقاليد أيضاً أن تأخذ النساء بعض الفتات وتتركه بالخارج للحشرات والطيور، وهي لفتة رمزية للتأكد من عدم جوع أي كائن حي في العيد.