قال مسؤول أميركي إن الرئيس، جو بايدن، سيعلن عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا، بقيمة 375 مليون دولار، خلال قمة مجموعة الدول السبع في اليابان، بحضور الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي. وستشمل الحزمة مدفعية وصواريخ وراجمات «هيمارس»، مع ذخائرها. ويتوقع أن يطلب زيلينسكي، من دول المجموعة، إمكانات عسكرية جديدة، بما في ذلك طائرات «إف-16»، التي أبدى بايدن في وقت سابق موافقته على السماح لدول أخرى، بتزويد أوكرانيا بها، في قرار وصفه الرئيس الأوكراني بأنه «تاريخي».
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تخطط في الوقت الحالي على الأقل، لتسليم أوكرانيا طائرات «إف-16» مباشرة من مخزوناتها، غير أن موافقتها على قيام «طرف ثالث» بهذه الخطوة، تشير إلى حسابات سياسية أبعد، وعلى علاقة بمستقبل أوكرانيا. وهو ما أشار إليه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، السبت من اليابان، قائلاً: «وصلنا إلى لحظة حان الوقت فيها للنظر إلى الأمام... ما الذي ستحتاجه أوكرانيا كجزء من قوة مستقبلية، لتكون قادرة على ردع العدوان الروسي والدفاع ضده... ونحن نمضي قدماً؟».
حتى اللحظة لا يعد سماح البيت الأبيض لدولة ثالثة بتسليم تلك الطائرات، أمراً قابلاً للتنفيذ الفوري؛ إذ يتوجب عليه إخطار الكونغرس رسمياً، وإعطاؤه فرصة للاعتراض، وهي خطوة لم تتخذها إدارة بايدن بعد. ويجري عادة تقصير المهلة الزمنية لاستجابة الكونغرس لهذا الإخطار، من 30 إلى 15 يوماً، إذا كانت «الدولة الثالثة» التي تطلب الموافقة، عضواً في «الناتو» أو من الحلفاء المقربين للولايات المتحدة.
ورغم اعتراض بعض المشرعين الأميركيين في الآونة الأخيرة على كمية الأموال المنفقة على الحرب في أوكرانيا، غير أن دعمها لا يزال واسعاً وعميقاً، خصوصاً أن الكونغرس قد لعب أخيراً، دوراً كبيراً في حث الرئيس بايدن على اتخاذ خطوة السماح بنقل طائرات «إف - 16» لطرف ثالث. ويرى الكثير من المراقبين أن توفير تلك الطائرات جزء من التفكير في كيفية الدفاع عن أوكرانيا على المدى الطويل، بعد انتهاء المرحلة الحالية من الحرب.
هجوم الربيع لن ينهي الصراع
ويضيف هؤلاء أن قرار إدارة بايدن تسليم الطائرة، يشير إلى أن واشنطن وحلفاءها يعتقدون الآن أنه، حتى لو كانت هناك نهاية تفاوضية للقتال، وربما هدنة شبيهة بالحرب الكورية، فإن أوكرانيا ستحتاج إلى قدرة طويلة الأجل، لردع روسيا الغاضبة والخاضعة للعقوبات. وفي هذه الحالة، قد يكون قرار تسليم «إف - 16»، أفضل دليل حتى الآن على أن الإدارة تعتقد أنه بينما ستبقى أوكرانيا على قيد الحياة، يمكن أن يستمر الصراع لسنوات، إن لم يكن لعقود. ووفقاً لمسؤولين أميركيين وأوروبيين وأوكرانيين، فإن التحول هو نتيجة الضغط المستمر من الحلفاء والكونغرس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
كما تأتي موافقة بايدن على تزويد كييف بطائرات مقاتلة، وسط مخاوف من أن الهجوم المضاد الأوكراني قد لا يتمكن من توجيه ضربة قاضية كان يأمل الكثيرون في حدوثها؛ إذ رغم المقاومة الأوكرانية الجريئة خلال الأشهر الماضية، خصوصاً في باخموت، غير أن الكثير من المسؤولين في واشنطن والعواصم الغربية، يشعرون بالقلق من أن الحرب ستستمر هذا العام، وربما بعد ذلك. وقالت أوساط عدة، إن وزير الخارجية أنطوني بلينكن، لعب دوراً رئيسياً داخل إدارة بايدن، للضغط والسماح للحلفاء بنقل الطائرات، بتنسيق واسع مع دول مختلفة داخل «الناتو». وهو الدور نفسه الذي لعبه بلينكن، خلال مناقشات تسليم الدبابات لأوكرانيا، ما أدى إلى الإعلان عن تسليم دبابات «أبرامز» الأميركية و«ليوبارد» الألمانية، وقبلها دبابات «تشالينجر» البريطانية.
كان قادة البنتاغون يعتقدون أن تسليم الطائرات المقاتلة لن يسهم في أية عملية عسكرية تستعد أوكرانيا لتنفيذها، فيما يعرف بهجوم الربيع؛ فالقوات الأوكرانية التي تلقت تدريبات على تشغيل مدفعيتها ودباباتها وقوات المشاة، مع دفاعاتها الجوية، لا تحتاج إلى تلك الطائرات. ويضيف هؤلاء أنه بعدما خسرت روسيا تفوقها الجوي، وبالكاد تطير طائراتها فوق الأجواء الأوكرانية، وتعاني بشكل كبير من فقدان المعدات التكنولوجية للحفاظ على طائراتها في الجو، مع ازدياد حوادث سقوط مقاتلاتها في الآونة الأخيرة، فإن طائرات كييف من الحقبة السوفيتية كافية للقيام بمهامها الدفاعية.
أوكرانيا تتموضع أميركياً
غير أن أوكرانيا أعلنت أنها لا تسعى للحصول على طائرات مقاتلة متطورة من أجل الاشتباك مع الطائرات الروسية، التي نادراً ما تحلق فوق أراضها، بل لتتمكن من إطلاق صواريخ من خلف خطوطها الأمامية، عبر الدفاعات الروسية لضرب مواقع القيادة وخطوط الإمداد ومستودعات الذخيرة. كما أن إصرارها على الحصول على طائرة «إف - 16» تحديداً، يشير إلى خططها المستقبلية في كيفية بناء قواتها المسلحة وتموضعها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين أميركيين، قولهم إن الأوكرانيين أبلغوهم بأن معظم الصواريخ الروسية التي تستهدف المدن الأوكرانية والبنية التحتية المدنية، تطلق من داخل روسيا أو فوق البحر الأسود.
وقال وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، في مقابلة أخيرة، إن الرادار الموجود على الطائرات الأوكرانية من الحقبة السوفيتية «يمكنه رؤية 60 كيلومتراً فقط وضرب أهداف باستخدام صواريخ يبلغ مداها 30 كيلومتراً فقط». «في حين أن المقاتلات الروسية الحديثة، مثل «سو-35»، «يمكنها رؤية مدى أطول، يصل إلى 200 كيلومتر، وضرب أهداف بمدى يزيد على 150 كيلومتراً». «إنه فرق كبير». ومن بين جميع المقاتلات الغربية من الجيل الرابع، بما في ذلك طائرات «تورنادو» البريطانية، و«ميراج» الفرنسية، فإن «إف - 16» مرغوبة للغاية، بسبب قدراتها المتنوعة من حمولاتها إلى أنواع الصواريخ التي تطلقها ومداها أو راداراتها. وتطلب أوكرانيا سربين على الأقل، كل واحد من 12 طائرة، وترغب في الحصول على تجهيز ثلاثة أو أربعة أسراب، أي ما قد يصل إلى 48 طائرة.
وكرر مستشار الامن القومي سوليفان تأكيدات بايدن بأن الولايات المتحدة، ستواصل «دعم أوكرانيا ودفاعها وسيادتها وسلامة أراضيها»، «بطريقة تتجنب الحرب العالمية الثالثة»، في إشارة للتهديدات الروسية. وهي إشارة غالباً ما استخدمتها إدارة بايدن منذ بداية الصراع، خلال تدرجها في تسليم الأسلحة لأوكرانيا، للحفاظ على عدم التصعيد مع روسيا، واختبارها في الوقت نفسه. وفي الآونة الأخيرة، كان هناك استنتاج أميركي بأن الجيش الروسي سيحتاج إلى أكثر من عقد لإعادة بناء قدراته التقليدية. وكان الخوف، هو من لجوء الرئيس فلاديمير بوتين إلى استخدام، إما قدرات أسلحته الإلكترونية الكبيرة لمهاجمة البنى التحتية لدى الغرب، وإما التهديد باستخدام ترسانته النووية، لوقف المساعدات لكييف. لكن الحرب الإلكترونية كانت ستؤدي إلى حرب مفتوحة مع الغرب في حالة استخدامها، في حين أن موقف الصين الحاسم من استخدام السلاح النووي، كان رادعاً فعلياً لبوتين، وهو ما جعل واشنطن تصل إلى اقتناع بأن تسليم الطائرات المقاتلة، لن يكون سوى خطوة إضافية على طريق إزالة الخطوط الحمراء.