مصر تحقق في استهدافات متكررة لأراضيها… وتحتفظ بـ«حق الرد»

بعد سقوط «مُسيرة» بطابا و«مقذوف» بنويبع

جنود من الجيش المصري يقفون للحراسة عند معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (وكالة الأنباء الألمانية)
جنود من الجيش المصري يقفون للحراسة عند معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (وكالة الأنباء الألمانية)
TT

مصر تحقق في استهدافات متكررة لأراضيها… وتحتفظ بـ«حق الرد»

جنود من الجيش المصري يقفون للحراسة عند معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (وكالة الأنباء الألمانية)
جنود من الجيش المصري يقفون للحراسة عند معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (وكالة الأنباء الألمانية)

في أقل من 12 ساعة، واجهت مصر حادثين استهدفا مناطق بجنوب سيناء، أعلن المتحدث العسكري المصري، أن أولهما استهدف مدينة طابا ونجم عن «سقوط إحدى الطائرات الموجهة من دون طيار مجهولة الهوية»، فيما لا يزال الحادث الثاني الذي وقع بمدينة نويبع «محل تحقيق».

وبينما التزمت السلطات المصرية بإجراءات وصفت بـ«الهادئة والمنضبطة» للتعامل مع الحادثين، قال مصدر سيادي مصري الجمعة، إنه «بمجرد تحديد جهة إطلاق صاروخ طابا، فإن كل الخيارات متاحة للتعامل معها، ومصر تحتفظ لنفسها بـ(حق الرد) في التوقيت المناسب».

و«صباح الجمعة» سقط مقذوف في مدينة نويبع، على البحر الأحمر جنوب سيناء، ونشرت وسائل إعلام مصرية مشاهد لسقوط المقذوف في مدينة نويبع بمحافظة جنوب سيناء. وأفادت مصادر أمنية مصرية لوكالة «رويترز» للأنباء، بسقوط مقذوف على مدينة نويبع، في منطقة صحراوية بالقرب من محطة كهرباء نويبع، مما أدى إلى حدوث انفجار من دون تسجيل خسائر بشرية، مشيرة إلى أنه «يجرى حالياً البحث وجمع المعلومات عن مصدر المقذوف».

صورة بثتها «القاهرة الإخبارية» المصرية لاستهداف مدينة طابا (قناة القاهرة الإخبارية)

الحادث جاء في أعقاب إعلان المتحدث العسكري المصري «سقوط إحدى الطائرات الموجهة من دون طيار مجهولة الهوية» في وقت مبكر من «صباح الجمعة»، بجوار أحد المباني بجانب مستشفى طابا. وأشار المتحدث في بيان نشره عبر صفحته الرسمية على «فيسبوك»، إلى أن الحادث «أسفر عن إصابات طفيفة لستة أفراد، خرجوا جميعاً من المستشفى بعد تلقي الإسعافات اللازمة»، منوهاً بأن «الحادث قيد التحقيق بواسطة لجنة مختصة من الجهات المعنية».

من جهته، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، في تدوينة على صفحته بمنصة «إكس» (تويتر سابقاً): «في الساعات الأخيرة تم رصد تهديد جوي في منطقة البحر الأحمر، حيث تم استدعاء طائرات حربية للتعامل معه، والموضوع لا يزال قيد التحقيق، وحسب تقديرنا الإصابة التي تعرضت لها مصر ناجمة عن هذا التهديد، وستعمل إسرائيل مع مصر والولايات المتحدة وتعزز الحماية بالمنطقة في مواجهة التهديدات المقبلة من محيط البحر الأحمر».

وفي تصريح منفصل، قال مصدر سيادي مصري لقناة «القاهرة الإخبارية»، إنه «بمجرد تحديد جهة إطلاق صاروخ طابا، فإن كل الخيارات متاحة للتعامل معها، ومصر تحتفظ لنفسها بحق الرد في التوقيت المناسب».

واستحوذ الحادثان على قطاعات واسعة من الرأي العام المصري، وتحولا في غضون ساعات معدودة إلى «ترند» عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتباينت ردود الفعل، فبينما طالب البعض بسرعة إعلان نتائج التحقيق لمعرفة المسؤول عن استهداف المدينتين المصريتين، سارع آخرون إلى «اتهام إسرائيل بأنها وراء الحادثين»، وكان من هؤلاء الكاتب والبرلماني المصري مصطفى بكري، الذي كتب عبر حسابه على منصة «إكس»، الجمعة: «مجدداً العدو الإسرائيلي يطلق صاروخاً يسقط في مدينة طابا المصرية على نقطة إسعاف ويصيب 6 مصريين، ثم يخرج علينا مسؤول إسرائيلي ليقول (إن الضربة بالخطأ)، هذه هي المرة الثالثة التي تدعي فيها إسرائيل أن الضربات كانت بالخطأ». وأضاف بكري أن «الرد المصري سيكون قوياً ومزلزلاً، وأن حكمة القرار لا تعني الصمت وحدودنا تنتهك للمرة الثالثة! وكله بالخطأ!».

فيما حذر آخرون من محاولات من وصفوهم بـ«طرف ثالث» لإقحام مصر في الحرب.

من جهته، قال أستاذ القانون الدولي العام والمحاضر بجامعة الإسكندرية، الدكتور محمد محمود مهران، إن الهجوم على طابا ونويبع يعد «جريمة عدوان صريحة تنتهك سيادة مصر وتستوجب محاسبة إسرائيل أمام المحافل الدولية إذا ثبتت إدانتها»، مشدداً على أن «أي هجوم عشوائي على المناطق السكنية يشكل انتهاكاً صارخاً لأحكام القانون الدولي الإنساني، خصوصاً البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، والذي يحظر الهجمات العشوائية ضد المدنيين». وأضاف مهران لـ«الشرق الأوسط»، أن «مصر مخولة قانونياً باتخاذ إجراءات الدفاع عن النفس وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، أمام أي اعتداءات حدثت أو قد تحدث مستقبلاً، بما في ذلك رفع الأمر إلى مجلس الأمن واستخدام القوة إن لزم الأمر»، مشدداً على أهمية التحقيقات الجارية حالياً من جانب السلطات المصرية لمعرفة الجهة التي تقف وراء الحادثين في طابا ونويبع، لأن الأدلة التي سيتم جمعها «تحسم هوية الطرف المسؤول، وتحدد كذلك طبيعة الإجراءات اللاحقة»، وفق رأيه.

وتبعد طابا ونويبع عن قطاع غزة نحو 220 و270 كيلومتراً على التوالي، وهو ما يضاعف المخاوف من امتداد خطر الاستهداف جراء الحرب الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني إلى جبهات جديدة، وهو ما حذرت منه مصر في مناسبات عدة، داعية إلى «وقف فوري لإطلاق النار».

ولم تكن هاتان الحادثتان أول ما أصاب الأراضي المصرية منذ بدء الحرب على غزة، فقد وقعت الأسبوع الماضي «إصابات طفيفة لبعض عناصر المراقبة الحدودية» على الحدود مع إسرائيل، حسبما أعلن المتحدث العسكري المصري في حينه، فيما أعلن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن القصف كان «عن طريق الخطأ» من دبابة إسرائيلية، مشيراً إلى أن الحادث «قيد التحقيق»، وأبدى أسفه لما حدث.

صورة تظهر حجم الخسائر المادية التي أحدثها سقوط طائرة «مُسيرة» مجهولة المصدر على مدينة طابا (قناة القاهرة الإخبارية)

في السياق، أشار الخبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، إلى أن بعض الأطراف في الصراع الراهن بالأراضي الفلسطينية المحتلة «من مصلحتها إشاعة حالة من الفوضى وتوسيع رقعة الصراع»، لافتاً إلى أنه «ليس من مصلحة إسرائيل توسيع جبهات الصراع مع أطراف مثل حزب الله، فما بالنا بإشعال صراع مع جيش محترف ومدرب جيداً كالجيش المصري».

وشدد عكاشة «على ضرورة عدم استباق نتائج التحقيقات الجارية حالياً»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، أن «بعض الجماعات المتطرفة والآيديولوجية في المنطقة قد تعمد إلى استغلال حالة التوتر الراهنة في المنطقة لمحاولة لاستهداف الأمن القومي المصري ودفع القاهرة نحو التورط في الصراع»، موضحاً أن الخطوات المصرية تؤكد أنها «لن تنجر للتورط في الصراع، وأنها تتبع نهجاً مسؤولاً في التعامل مع هذه الحوادث»، مشيراً إلى أن السنوات العشر الماضية شهدت 8 حوادث على الحدود مع إسرائيل، وكان «يتم التعامل معها وفق أطر قانونية منضبطة والتزام بطبيعة إدارة العلاقات الدولية». وشدد على أن ردود الفعل الانفعالية وغير المحسوبة «لا تخدم سوى الجماعات الفوضوية والآيديولوجية في المنطقة».


مقالات ذات صلة

أزمة «الوفد» المصري تتصاعد بعد انسحاب البدوي

شمال افريقيا رئيس حزب الوفد عبد السند يمامة وبجواره السيد البدوي خلال اجتماع سابق (الحزب)

أزمة «الوفد» المصري تتصاعد بعد انسحاب البدوي

تصاعدت أزمة حزب الوفد المصري على خلفية إعلان رئيسه الأسبق، السيد البدوي، انسحابه الكامل من المشهد «الوفدي».

عصام فضل (القاهرة)
شمال افريقيا ملف المياه تصدر محادثات وزير الخارجية المصري ووزير التجارة والصناعة بجنوب السودان (الخارجية المصرية)

مصر تشدد على أهمية أمنها المائي في ظل تواصل نزاع السد الإثيوبي

شددت مصر على «أهمية أمنها المائي»، ودعت مجدداً إلى «ضرورة احترام قواعد القانون الدولي، والالتزام بمبدأ التوافق بين دول حوض النيل».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق ميدان حيّ «جاردن سيتي» الجديد (وزارة الإسكان المصرية)

مصر تستوحي الطراز الفرنسي القديم في «جاردن سيتي الجديد»

على الرغم من إنشاء تجمّعات سكنية فاخرة في ضواحي العاصمة المصرية، فإنّ الحيّ الراقي العتيق لم يفقد بريقه، وظلَّ يُعدُّ إحدى الوجهات المفضّلة للإقامة لدى كثيرين.

عبد الفتاح فرج (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي خلال تفقده الأكاديمية العسكرية المصرية (الرئاسة المصرية)

السيسي يطمئن المصريين بشأن القدرة على تجاوز «الظروف الصعبة»

للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، يعمد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى طمأنة المصريين بشأن قدرة بلاده على تجاوز «الظروف الصعبة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي ولي العهد السعودي والرئيس المصري خلال لقاء سابق بينهما (واس)

السعودية ومصر لوضع هيكل «مجلس التنسيق الأعلى» بين البلدين

قال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في تصريحات متلفزة، مساء الخميس: «نعمل حالياً على وضع الهيكل التنسيقي للمجلس المصري - السعودي».

فتحية الدخاخني (القاهرة )

الجيش السوداني يحقق «انتصاراً كبيراً» ويستعيد عاصمة الجزيرة

احتفالات شعبية في مدينة بورتسودان بعد سيطرة الجيش على مدينة ود مدني السبت (أ.ف.ب)
احتفالات شعبية في مدينة بورتسودان بعد سيطرة الجيش على مدينة ود مدني السبت (أ.ف.ب)
TT

الجيش السوداني يحقق «انتصاراً كبيراً» ويستعيد عاصمة الجزيرة

احتفالات شعبية في مدينة بورتسودان بعد سيطرة الجيش على مدينة ود مدني السبت (أ.ف.ب)
احتفالات شعبية في مدينة بورتسودان بعد سيطرة الجيش على مدينة ود مدني السبت (أ.ف.ب)

أعلن الجيش السوداني، السبت، استعادة مدينة «ود مدني» عاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد من قبضة «قوات الدعم السريع»، التي سيطرت عليها منذ أكثر من عام، وشاب الغموض عملية استرداد المدينة بسهولة غير متوقعة، إثر انسحاب «قوات الدعم السريع» من المدينة والمواقع المتقدمة في كل أنحاء الولاية.

وهنأ الجيش السوداني الشعب السوداني بدخول قواته مدينة ود مدني، التي تبعد نحو 186 كيلومتراً جنوب العاصمة الخرطوم، وقال المتحدث الرسمي باسمه العميد نبيل عبد الله، إن قواته تعمل الآن على «نظافة جيوب المتمردين داخل المدينة»، وإن القوات المسلحة والقوات المساندة لها تتقدم بعزيمة وإصرار في كل المحاور.

وعبر الجيش والفصائل المتحالفة معه إلى قلب المدينة من خلال الجسر الرئيسي «جسر حنتوب» الذي يعبر النيل الأزرق من شرق المدينة، دون خوض أي معارك مع «قوات الدعم السريع» التي كانت تسيطر المدينة عليها منذ ديسمبر (كانون الأول) 2023.

ومع تصاعد العمليات العسكرية في الجزيرة لم تدخل «قوات الدعم السريع» في أي اشتباكات عسكرية جدية أو معارك كبيرة في معظم المواقع التي كانت تقع تحت سيطرتها.

وخلال عام من سيطرتها على ولاية الجزيرة، اتهمت «قوات الدعم السريع» بارتكاب مجازر وانتهاكات فظيعة ضد الأهالي، أدت إلى مقتل الآلاف من المواطنين العزل ونهبت ممتلكاتهم.

احتفالات شعبية شملت عدة مدن سودانية بعد سيطرة الجيش على مدينة ود مدني السبت (أ.ف.ب)

وبحسب متابعات «الشرق الأوسط»، سرّع الجيش السوداني والفصائل المتحالفة معه، خلال الأيام الماضية من وتيرة العمليات العسكرية في ولاية الجزيرة، وأحرز تقدماً كبيراً في جبهات القتال، بدءاً من السيطرة على مدينة «الحاج عبد الله» وعدد من البلدات المجاورة لها التي تقع غرب ود مدني، ثم في شرق المدينة بما في ذلك بلدات «أم القرى» و«الشبارقة».

وكان مدهشاً لكثير من المراقبين أن «قوات الدعم السريع» على الرغم من كثافة انتشارها في ولاية الجزيرة، بدأت التراجع من مواقعها وارتكازاتها دون خوض معارك فعلية.

«الدعم» يعترف بالخسارة

وفي أول تعليق صادر عن «قوات الدعم السريع»، اعترف المستشار القانوني لقائد قوات الدعم السريع محمد المختار بـ«خسارة معركة الجزيرة»، بقوله في مقطع فيديو: «خسرنا معركة لم نخسر الحرب»، وأضاف: «الحرب كر وفر»، قبل أن يعود ليتابع: «معركتنا ستظل مستمرة ولن نتراجع».

وشنت «قوات درع السودان» التي تقاتل إلى جانب الجيش، ويقودها القائد المنشق عن «الدعم السريع» «أبو عاقلة كيكل»، الجمعة، هجوماً مباغتاً، استطاعت على أثره استعادة بلدة «أم القرى» شرق مدني، بعد انسحاب «قوات الدعم السريع»، وهي بلدة تقع في منطقة استراتيجية جغرافياً في الطريق إلى عاصمة الولاية.

قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان بين جنود القاعدة البحرية في بورتسودان (أ.ف.ب)

وواصلت قوات كيكل، السبت، توغلها في العمق، وسيطرت على عدد من البلدات والقرى الصغيرة، ومن ثم تمكنت من عبور «جسر حنتوب» على الضفة الشرقية لنهر النيل الأزرق والالتحام بقوات قادمة من محاور أخرى للوصول إلى وسط ود مدني دون قتال يذكر.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن القيادة العسكرية العليا للجيش السوداني، وضعت خططاً عسكرية معقدة لاسترداد ود مدني، ومهاجمتها بمتحركات قادمة من كل جبهات القتال، بمشاركة كبيرة من القوات المساندة لها، أبرزها «قوات درع السودان»، والقوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة الدارفورية، وعدد من كتائب وميليشيات الإسلاميين التي تحارب في صفوف الجيش منذ بدء الحرب.

وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، قائد «قوات درع السودان»، أبو عاقلة كيكل، يقف أمام مدخل الفرقة الأولى مشاة التابعة للجيش السوداني بوسط المدينة.

وقال مواطنون من ود مدني لــ«الشرق الأوسط»، إنهم لاحظوا حركة غير عادية ليلة الجمعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي كانت تنتشر في الأحياء السكنية وتسيطر على المواقع المهمة للحكومة في المدينة. وأفاد سكان قرويون جنوب مدني بأنهم شاهدوا عناصر من «الدعم السريع» على متن سيارات عسكرية مقاتلة وأخرى مدنية، يتجهون عبر الطريق الغربي باتجاه العاصمة الخرطوم.

اتهامات أميركية لـ«الدعم»

وكانت قوات الجيش قد انسحبت من مدينة ود مدني في 11 ديسمبر 2023، ودخلتها «قوات الدعم السريع» دون قتال كبير أيضاً، ووقتها أعلن الجيش فتح تحقيق في ملابسات وأسباب انسحاب قواته من مواقعها العسكرية في مدينة ود مدني.

ورغم مرور أكثر من عام على الواقعة، لم تصدر نتائج التحقيق بشأن انسحاب القوات التي كانت موجودة في المدينة، وهي الفرقة الأولى مشاة.

وأتت التطورات الميدانية بعد بضعة أيام من العقوبات التي أصدرتها إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، بحق قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو، الشهير باسم «حميدتي»، واتهمت قواته انتهاكات كبيرة، بما في ذلك جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم حرب في إقليم دارفور غرب البلاد.

آثار معارك سابقة في أحد شوارع مدينة «ود مدني» عاصمة ولاية الجزيرة (أ.ف.ب)

وقالت مصادر سياسية مدنية متعددة لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إنها لم تكن تستبعد دخول الجيش ولاية الجزيرة دون معارك، ورجحت أن تكون العملية قد تمت ضمن عمليات إعادة تموضع وترتيبات عسكرية جديدة لـ«قوات الدعم السريع»، وخفض وجودها العسكري في بعض الولايات.

وأضافت المصادر أن مجريات العمليات العسكرية على الأرض، كانت تشير بوضوح طوال الأيام الماضية، إلى متغيرات عسكرية متوقعة، بما في ذلك انسحاب «قوات الدعم السريع» دون خوض معارك كبيرة أو مواجهات ضخمة مع الجيش.

وألمحت المصادر إلى احتمال أن يكون انسحاب «الدعم السريع» من الولاية التي سيطر عليها لأكثر من عام، ضمن إطار تكتيكي عسكري للتوغل في ولايات أخرى، خاصة بعد تقدمها في ولاية النيل الأزرق في الجزء الجنوبي الشرقي للبلاد، أو تهديدات لولايات في شمال البلاد.

محاصرة الخرطوم

ووصف خبراء عسكريون تحدثوا لــ«الشرق الأوسط»، فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم، استعادة الجيش لمدينة ود مدني، بأنها «نصر كبير»، وقالوا إن هذا النصر يعني فعلياً نجاح التكتيكات العسكرية التي اتبعها الجيش، من أجل محاصرة «قوات الدعم السريع» في جنوب العاصمة الخرطوم، وتابعوا: «هذه الخطط بدأت باستعادة المدن الرئيسية في ولاية سنار، وكان الهدف منها قطع الطريق أمام أي تقدم أو تحرك لـ(قوات الدعم السريع)، وعدم إتاحة الفرصة لها لتهديد مناطق أخرى».

وأفاد خبراء، وهم ضباط سابقون في الجيش السوداني، بأن تحرير ولاية الجزيرة يعني إنهاء أي وجود لـ«الدعم السريع»، ويضع قواته التي لا تزال تسيطر على مناطق واسعة في الخرطوم جنوباً باتجاه ولاية الجزيرة، في «كماشة» تمكن الجيش من القضاء عليها.

احتفالات شعبية

عنصر من الجيش السوداني يمرّ بين منازل متضررة جراء الحرب مطلع الشهر في مدينة امدرمان بالخرطوم (رويترز)

وفور وصول أنباء استعادة الجزيرة من قبضة «الدعم السريع»، خرج آلاف المواطنين في مدن البلاد المختلفة، ابتداء بالعاصمة الإدارية المؤقتة، مروراً بمدينة «عطبرة» في ولاية نهر النيل (شمال)، إلى مدينة أم درمان ثانية كبرى مدن العاصمة السودانية الخرطوم، وإلى القضارف شرقاً، احتفالاً باستعادة الجيش السوداني ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة.

ومنذ ديسمبر 2023، سيطرت «قوات الدعم السريع» على 6 محليات في ولاية الجزيرة، ولم يتبق للجيش سوى محلية المناقل التي ما زالت تحت سيطرته، ويسعى عبر محورها لاستعادة الولاية كاملة.

وعلى الرغم من تقدم الجيش السوداني عسكرياً خلال الأشهر الماضية في وسط البلاد والخرطوم، لا تزال «الدعم السريع» تسيطر على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة في وسط البلاد، ومناطق شاسعة في إقليم دارفور، إضافة إلى جزء كبير من إقليم كردفان وبعض المناطق في النيل الأزرق والأبيض.

ويقول الخبراء إن الجيش وفي حال فرضه لسيطرته الكاملة على ولاية الجزيرة، سيحاصر «قوات الدعم السريع» في العاصمة الخرطوم من الجهتين، الجنوبية، والشمالية، عبر مدينة الخرطوم بحري التي استعاد الجيش أجزاء واسعة منها أخيراً، ويضعها في «كماشة» يصعب الخروج منها.

واندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في 15 أبريل (نيسان) 2023، وأدت لمقتل أكثر من 188 ألف شخص، وفرار أكثر من 10 ملايين شخص من منازلهم، إلى مناطق آمنة، ولجوء أكثر من 3 ملايين إلى دول الجوار، بحسب تقديرات أممية.