«سد النهضة»: سجال مصري - إثيوبي في أروقة الأمم المتحدة

بموازاة استئناف المفاوضات في أديس أبابا

سامح شكري خلال إلقائه كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (وزارة الخارجية المصرية)
سامح شكري خلال إلقائه كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (وزارة الخارجية المصرية)
TT

«سد النهضة»: سجال مصري - إثيوبي في أروقة الأمم المتحدة

سامح شكري خلال إلقائه كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (وزارة الخارجية المصرية)
سامح شكري خلال إلقائه كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (وزارة الخارجية المصرية)

بموازاة انطلاق جولة جديدة من المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، عادت قضية «سد النهضة» الإثيوبي مجدداً إلى الواجهة الدولية، عبر أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ برزت القضية في كلمتيْ وزيري خارجية مصر وإثيوبيا أمام المنظمة الدولية، وسط شكوك بشأن إحراز تقدم في جولات التفاوض الجارية حالياً بغية التوصل إلى اتفاق بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل».

وركز وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال كلمته التي ألقاها (السبت) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على أزمة «سد النهضة»، إذ أشار إلى الندرة المائية الحادة التي تواجهها مصر، واعتمادها بصورة أساسية على نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بما يجعلها عُرضة للتأثر بأي استخدام غير مستدام لمياه النهر، منوهاً بوجود عجز مائي سنوي يزيد على 50 في المائة من احتياجات مصر المائية، ما يفرض عليها إعادة استخدام المياه المحدودة المتاحة مرات عدة».

وأضاف أنه «لا مجال للاعتقاد الخطأ بإمكانية فرض الأمر الواقع، عندما يتصل الأمر بحياة ما يزيد على 100 مليون مصري»، لافتاً إلى أن ندرة الموارد المائية، والعجز في نصيب الفرد من المياه في مصر، أديا إلى استيراد مياه افتراضية في صورة واردات غذائية بقيمة 15 مليار دولار سنوياً».

وشدد شكري على «موقف مصر الراسخ، والمُستند إلى قواعد القانون الدولي، برفض أية إجراءات أحادية في إدارة الموارد المائية العابرة للحدود، والتي يُعد أحد أمثلتها (سد النهضة) الإثيوبي الذي بدأ إنشاؤه دون تشاور ودراسات وافية سابقة أو لاحقة للآثار على الدول المشاطئة».

وأوضح أن مصر «تحرص على استمرار الانخراط بجدية في عمليات التفاوض الجارية والتي امتدت ما يزيد على عقد كامل للوصول إلى اتفاق ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل بما يحفظ الحقوق والمصالح المشتركة، وننتظر أن يقابل التفاعل المصري بعزم صادق من إثيوبيا».

وفي المقابل، شدد نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ووزير الخارجية ديميكي ميكونين على أهمية التعاون الإقليمي، ورحب باستئناف المحادثات الثلاثية مع مصر والسودان حول «سد النهضة». وفي كلمته أمام الجمعية العامة قال ميكونين إن بلاده «عازمة على التعاون مع جيرانها في مجالات التجارة والاستثمار والتكامل الإقليمي»، وأضاف أن أي عوائق أمام الازدهار المشترك للمنطقة «يجب أن تُعالج بنهج متضافر».

وأضاف نائب رئيس الوزراء الإثيوبي أن بلاده ترحب باستئناف المحادثات الثلاثية مع مصر والسودان بهذا الشأن، مؤكداً «مواصلة الالتزام بالوصول إلى نتيجة تفاوضية تعود بالنفع على الجميع بتيسير من الاتحاد الأفريقي».

كلمات وزيري خارجية البلدين تزامنت مع انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات بين الدول الثلاث؛ مصر والسودان وإثيوبيا، والتي استضافتها الأخيرة (السبت).

ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق بشأن ملء «سد النهضة» وتشغيله، إلا أن جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن عن اتفاق، وتوقفت عملية التفاوض منذ عام 2021، قبل أن يعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خلال لقائهما في القاهرة في 13 يوليو (تموز) الماضي عن اتفاق لاستئناف التفاوض بهدف التوصل إلى اتفاق على قواعد ملء وتشغيل «سد النهضة» خلال 4 أشهر.

ولم تسفر جولة التفاوض التي استضافتها مصر خلال أغسطس (آب) الماضي عن إحراز أي تقدم وفق بيان رسمي لوزارة الموارد المائية والري المصرية، بينما أعلنت إثيوبيا في العاشر من الشهر الحالي إتمام الجولة الرابعة والأخيرة من ملء «سد النهضة»، في خطوة انتقدتها وزارة الخارجية المصرية وعدّتها «تجاهلاً لمصالح وحقوق دولتي المصب، وأمنهما المائي الذي تكفله قواعد القانون الدولي».

ومن جانبه، أشار وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، محمد نصر الدين علام، إلى أن تركيز مصر على إعادة طرح قضية «سد النهضة» في المحافل الدولية، يأتي انعكاساً لصعوبة الوضع المائي في مصر، مشيراً إلى أن حصتها من مياه النيل توفر نحو 500 متر مكعب للفرد في السنة، أي نصف الحد الأدنى للفقر المائي كما حدده البنك الدولي.

وأعرب علام في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقاده أن التفاوض الحالي حول أزمة «سد النهضة» «لن يحقق جديداً»، مشيراً إلى أن ظروف السودان ومصر لا تتيح عوامل ضغط كافية لتحقيق حلحلة هذه الأزمة الإقليمية، ولفت إلى أن العودة إلى مجلس الأمن «لن توفر حلاً حاسماً لهذه القضية».

وتوقفت المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا حول السد، منذ يناير (كانون الثاني) 2021، ولجأت مصر إلى مجلس الأمن في يوليو (تموز) 2020، إلا أن الأخير اكتفى بِحَثِّ الدول الثلاث على استئناف المفاوضات، بدعوة من رئيس الاتحاد الأفريقي، بهدف وضع صيغة نهائية لاتفاق مقبول وملزم للأطراف، وعلى وجه السرعة، بشأن ملء وتشغيل «سد النهضة»، ضمن إطار زمني معقول، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

وعدّ السفير علي الحفني، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية تركيز مصر على قضية «سد النهضة» في المحافل الدولية بمثابة «تحميل المؤسسات الدولية مسؤولياتها تجاه السلم والأمن الإقليميين والدوليين»، مؤكداً أنه رغم عدم اتخاذ مجلس الأمن قراراً حاسماً بشأن النزاع المتعلق بالسد الإثيوبي، فإن الأمم المتحدة ومجلس الأمن يمثلان «المرجعية الدولية» في هذا الشأن.

وأضاف الحفني لـ«الشرق الأوسط» أن إثيوبيا «أفرغت الدور الأفريقي من محتواه»، مشيراً إلى عدم تجاوب أديس أبابا مع جهود الكثير من رؤساء الاتحاد الأفريقي لدورات متعددة، وهو ما يدفع القاهرة إلى التعويل على الدور الدولي، خصوصاً في ظل تفاقم أزمات المناخ، وتصاعد المخاطر المائية في المنطقة، إضافة إلى التحولات التي تعترض مواقف الأطراف والمؤسسات الدولية من حين إلى آخر، وهو ما يعني ضرورة الاستمرار في إطلاع المجتمع الدولي على تطورات الأزمة.


مقالات ذات صلة

تحديث مصري لنماذج التنبؤ ورصد المياه المقبلة من منابع النيل

شمال افريقيا وزير الري المصري هاني سويلم يتابع إجراءات تحديث مراكز التنبؤ والرصد في اجتماع الأربعاء (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

تحديث مصري لنماذج التنبؤ ورصد المياه المقبلة من منابع النيل

تواصل الحكومة المصرية إجراءات متابعة تدفقات مياه نهر النيل بعد أن تعرضت أراضٍ زراعية للغرق خلال الأشهر الماضية.

أحمد جمال (القاهرة)
العالم العربي سد النهضة الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

«سد النهضة»: التصعيد المصري - الإثيوبي يتواصل ويفاقم التوترات

تصعيد متواصل بين مصر وإثيوبيا بشأن نزاع «سد النهضة»، وسط تحذيرات من تفاقم التوترات.

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

صعّدت إثيوبيا لهجتها ضد مصر على خلفية نزاع «سد النهضة» متهمة إياها بالسعي إلى «احتكار نهر النيل» استناداً لاتفاقيات أُبرمت خلال «حقبة استعمارية».

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا سد النهضة (رويترز)

إثيوبيا تتهم مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في القرن الأفريقي

اتهمت وزارة الخارجية الإثيوبية مصر اليوم (الأربعاء) بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في منطقة القرن الأفريقي تتركز على إثيوبيا.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
شمال افريقيا سد النهضة الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

«سد النهضة»: مصر تحذر من «خطورة» الممارسات الإثيوبية «غير المسؤولة»

حذرت مصر من «خطورة الممارسات الإثيوبية غير المسؤولة» على حوض نهر النيل الشرقي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تحديث مصري لنماذج التنبؤ ورصد المياه المقبلة من منابع النيل

وزير الري المصري هاني سويلم يتابع إجراءات تحديث مراكز التنبؤ والرصد في اجتماع الأربعاء (وزارة الموارد المائية والري المصرية)
وزير الري المصري هاني سويلم يتابع إجراءات تحديث مراكز التنبؤ والرصد في اجتماع الأربعاء (وزارة الموارد المائية والري المصرية)
TT

تحديث مصري لنماذج التنبؤ ورصد المياه المقبلة من منابع النيل

وزير الري المصري هاني سويلم يتابع إجراءات تحديث مراكز التنبؤ والرصد في اجتماع الأربعاء (وزارة الموارد المائية والري المصرية)
وزير الري المصري هاني سويلم يتابع إجراءات تحديث مراكز التنبؤ والرصد في اجتماع الأربعاء (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

تواصل الحكومة المصرية إجراءات متابعة تدفقات مياه نهر النيل بعد أن تعرضت أراضٍ زراعية للغرق خلال الأشهر الماضية؛ بسبب ما وصفته بـ«الإدارة غير المنضبطة لسد النهضة الإثيوبي»؛ وقررت وزارة الري والموارد المائية تحديث نماذج التنبؤ والرصد بدول منابع النيل.

وبين مصر وإثيوبيا توترات متصاعدة بسبب «سد النهضة» الذي دشنته أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل دون التنسيق مع دولتَي المصب، مصر والسودان.

وناقش اجتماع عقده وزير الموارد المائية والري، هاني سويلم، الأربعاء، إجراءات «تحديث نماذج التنبؤ والرصد بدول منابع النيل لتقدير كميات المياه الواصلة لبحيرة السد العالي» بجنوب البلاد.

ولجأت مصر، الشهر الماضي، إلى فتح «مفيض توشكى» لتصريف كميات المياه الزائدة خلف «السد العالي» عقب شكواها من إدارة «غير منضبطة» للسد الإثيوبي، و«تصريفات عشوائية» لمياه النيل الأزرق، الذي يعد المنبع الرئيسي لنهر النيل في السودان ومصر.

متابعة مصرية يومية لتدفق مياه نهر النيل (وزارة الري المصرية)

وقال أستاذ الموارد المائية بالمركز القومي للبحوث، أحمد فوزي دياب، إن نماذج التنبؤ بالأمطار وتدفقات المياه إلى نهر النيل تشكل جزءاً رئيسياً من السياسة المائية للدولة، ويزداد الاهتمام بها «نظراً لعدم إبلاغ إثيوبيا دولتَي المصب بتصريفات المياه من سد النهضة، ما يجعل التحديث المستمر في تقنياتها أمراً مطلوباً».

وأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن نماذج التنبؤ «تقوم على معادلات رياضية من خلال حساب كميات الأمطار المتوقعة والمياه الواردة من دولة المنبع (إثيوبيا) إلى السودان، ومنها إلى مصر، وقياس إيراد النيل حسب الطبيعة الجغرافية واستخدامات الدول وحركة الفيضان للتعرف على كميات المياه القصوى والدنيا التي يمكن أن تصل إلى مصر».

وعددّت الحكومة المصرية إجراءات مواجهة فيضانات النيل بعد أن تعرّضت أراضٍ زراعية ومنازل للغرق في عدد من المناطق بدلتا النيل في شمال البلاد، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقالت إنها أولت اهتماماً بعمليات تطهير الترع وإزالة التعديات على أراضي «طرح النهر» إلى جانب إقدامها على فتح «مفيض توشكى» لاستيعاب كميات المياه حال زيادة منسوب مياه النيل.

ووجهت الحكومة المصرية الشهر الماضي اتهامات لإثيوبيا بالقيام بـ«تصرفات متتابعة في سد النهضة في غياب للضوابط الفنية والعلمية في تشغيله، مع استمرار النهج العشوائي في إدارته، بما يعرض نهر النيل لتقلبات غير مأمونة التأثير»، وأكدت أن «الإدارة الأحادية للسد تُمثل تهديداً لحقوق ومصالح دولتَي المصب، وتؤثر على تشغيل السدود الواقعة خلف سد النهضة».

لكن دياب أكد أن أي مخاطر سلبية من سد النهضة يمكن التعامل معها عبر منظومة إدارة المياه في مصر، وأن السد العالي إلى جانب مفيض توشكى لديهما القدرة على استيعاب تدفق كميات كبيرة من المياه على المدى القريب أو البعيد.

وركز اجتماع وزير الري، الأربعاء، على تعزيز التعاون بين مصر ودول حوض النيل، وذلك من خلال «تنفيذ مشروعات لخدمة المواطنين بهذه الدول مثل إنشاء آبار جوفية تعمل بالطاقة الشمسية لأغراض الشرب، وخزانات أرضية، ومراسٍ نهرية، ومشروعات لمكافحة الحشائش، وإنشاء مراكز للتنبؤ بالفيضان، ومركز لنوعية المياه، وتنفيذ دراسات فنية للإدارة المتكاملة للموارد المائية بدول حوض النيل».

ويؤكد أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، أن مصر تمتلك مراكز لمتابعة حالة الأمطار والتنبؤ بها عن طريق الأقمار الاصطناعية وتتبع السحب وسرعتها وكثافتها وزمن وصولها إلى مناطق منابع النيل باستخدام نماذج رياضية لتحديد الكميات الواردة، وأن التحديث المستمر فيها ضروري في ظل وجود متغيرات تمثلت في تدفقات المياه من سد النهضة، ووجود إدارة مائية منفردة عليه من جانب إثيوبيا.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن مصر تحسب إيراد النيل وفقاً لتقديرات سنوية للتعرف على منسوب المياه في المعدلات الطبيعية، «لكن ما حدث بعد تشغيل سد النهضة أن وصول المياه يُمكن أن يختلف من شهر إلى آخر بسبب غلق بوابات السد وفتحها بتوقيتات غير معروفة وغير منتظمة».

وتضع مصر سياسة مائية تبدأ مع العام المائي في مطلع أغسطس (آب) الذي ينتهي في يوليو (تموز)، وفقاً لشراقي الذي أكد أنه «لا مخاوف من تراجع إيراد النيل، ولكن يمكن أن تتدفق كميات كبيرة من المياه في شهر وتنخفض في آخر بسبب فتح توربينات سد النهضة أو غلقها».

وقال وزير الموارد المائية المصري في تصريحات إعلامية، الاثنين الماضي: «النمط الإثيوبي في إدارة الأنهار الدولية يعتمد على افتعال الأزمات»، محذراً من «سوء إدارة سد النهضة في الجفاف والفيضان، وهو ما يترك تبعات خطيرة على دولتَي مصب نهر النيل».


آلاف التونسيين يتظاهرون ضد التلوث البيئي في قابس

أهالي قابس ناشدوا الرئيس قيس سعيد تفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث (أ.ف.ب)
أهالي قابس ناشدوا الرئيس قيس سعيد تفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث (أ.ف.ب)
TT

آلاف التونسيين يتظاهرون ضد التلوث البيئي في قابس

أهالي قابس ناشدوا الرئيس قيس سعيد تفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث (أ.ف.ب)
أهالي قابس ناشدوا الرئيس قيس سعيد تفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث (أ.ف.ب)

خرج الآلاف من أهالي مدينة قابس، جنوبي تونس، الأربعاء، في مسيرة جديدة، مطالبين الرئيس قيس سعيد، والسلطات المحلية بتفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث البيئي، حسبما ذكر تقرير لوكالة الصحافة الألمانية.

وهذا أحدث تحرك احتجاجي في المدينة، الواقعة على جنوب الساحل التونسي، بعد مسيرات سابقة، وإضراب عام في 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، للضغط على السلطة.

وخلال المظاهرة ردَّد المحتجون بشكل خاص «الشعب يريد تفكيك الوحدات»، ورفعوا شعار «أنقذوا قابس».

وعلى مدار الأشهر الأخيرة شهدت قابس حالات اختناق جماعية متكررة بين أطفال في مدرسة «شط السلام»، القريبة من المجمع الكيميائي، مما أثار غضب الأهالي.

وتصنَّف قابس من بين الواحات البحرية النادرة في البحر الأبيض المتوسط، لكنَّ التلوث الممتد لعقود، ومنذ تأسيس المجمع الكيميائي عام 1972، أضر كثيراً بالبيئة والهواء والشواطئ والثروة السمكية، ووضع المنطقة أمام مستقبل قاتم.

وتسعى الحكومة على الأرجح إلى استكمال مشاريع سابقة للحد من التلوث المنبعث من المجمع الكيميائي، لتفادي التكلفة الاقتصادية والمالية للتفكيك، وهو ما يرفضه الأهالي والمجتمع المدني في قابس.

ومنذ إنشاء المجمع الكيميائي عام 1972، تحول «خليج قابس» إلى واحد من أكثر المواقع تلوثاً في البحر الأبيض المتوسط، حيث يمكن ملاحظة سواد المواد السامة وهي تطفو على سطح مياه الخليج.

ويحوِّل المجمع الكيميائي الفوسفات القادم من مناجم ولاية قفصة إلى حمض فوسفوري ومواد كيميائية، مثل «الأمونيتر» و«فوسفات الأمونيوم»، ثم يصب نفاياته الصناعية في البحر دون معالجة، بمعدل يصل إلى 14 ألف طن من مادة «الفوسفوجيبس» يومياً، وهي كميات كفيلة بتحويل البحر إلى مقبرة للثروة السمكية، التي كانت تتباهى بها الولاية قبل عقود، حسب خبراء.

ويُنتج المجمع أيضاً سماد DAP 18-46 المعروف بسمّية تصنيعه، وهو نفس السماد، الذي أوقفت فرنسا تصنيعه وظلت تستورده من تونس، غير آبهة بمطالبات داخلية بوقف استيراده بسبب تكلفته البيئية والصحية.


«قوات الدعم السريع» السودانية أخفت أدلة على فظائع في الفاشر

سودانيون خلال مظاهرة الأسبوع الماضي في مروة ضد «قوات الدعم السريع» (إ.ب.أ)
سودانيون خلال مظاهرة الأسبوع الماضي في مروة ضد «قوات الدعم السريع» (إ.ب.أ)
TT

«قوات الدعم السريع» السودانية أخفت أدلة على فظائع في الفاشر

سودانيون خلال مظاهرة الأسبوع الماضي في مروة ضد «قوات الدعم السريع» (إ.ب.أ)
سودانيون خلال مظاهرة الأسبوع الماضي في مروة ضد «قوات الدعم السريع» (إ.ب.أ)

قامت «قوات الدعم السريع» السودانية بتدمير وإخفاء أدلة على عمليات قتل جماعي، ارتكبتها بعد اجتياحها مدينة الفاشر في إقليم دارفور بغرب البلاد، وفق ما كشف تقرير جديد.

وقال «مختبر الأبحاث الإنسانية» بجامعة ييل، الذي يستخدم صوراً للأقمار الاصطناعية لرصد الفظائع منذ بدء الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، الثلاثاء، إن هذه الأخيرة «دمرت وأخفت أدلة على عمليات القتل الجماعي واسعة النطاق، التي ارتكبتها» في عاصمة ولاية شمال دارفور.

وأثارت سيطرة «قوات الدعم السريع» العنيفة على آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، غضباً دولياً بسبب تقارير تحدثت عن عمليات إعدام خارج إطار القضاء، واغتصاب ممنهج واحتجاز جماعي. وأكد «مختبر الأبحاث الإنسانية» أنه حدد في أعقاب سيطرة «الدعم السريع» على المدينة 150 أثراً يتطابق مع رفات بشرية. وتتطابق عشرات من هذه الآثار مع تقارير عن عمليات الإعدام، كما تتطابق عشرات أخرى مع تقارير تفيد بأن «قوات الدعم السريع» قتلت مدنيين أثناء فرارهم.

وأضاف المختبر، حسب تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أنه في غضون شهر اختفى ما يقرب من 60 من تلك الآثار، بينما ظهرت 8 مناطق حفر قرب مواقع القتل الجماعي، لا تتوافق مع ممارسات الدفن المدنية. وخلص التقرير إلى أن «عمليات قتل جماعي، وتخلص من الجثث على نطاق واسع ومنهجي قد حدثت»، مقدراً عدد القتلى في المدينة بعشرات الآلاف. وطالبت منظمات إغاثة والأمم المتحدة مراراً بالوصول الآمن إلى الفاشر، حيث لا تزال الاتصالات مقطوعة، ويُقدر عدد الناجين المحاصرين بعشرات الآلاف، وكثير منهم محتجزون لدى «قوات الدعم السريع».

وأمس الثلاثاء، أعربت منظمة الصحة العالمية عن قلقها إزاء تقارير تفيد باحتجاز أكثر من 70 من أفراد طواقم صحية، ونحو خمسة آلاف مدني بشكل قسري في نيالا بجنوب غربي السودان.

وأسفرت الحرب المتواصلة في السودان، منذ 15 أبريل (نيسان) 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو، عن مقتل عشرات الآلاف. ودفعت الحرب نحو 12 مليوناً إلى النزوح داخل البلاد أو اللجوء إلى خارجها، وأدت إلى تدمير البنية التحتية، مما جعل السودان يعاني «أسوأ أزمة إنسانية» في العالم، حسب الأمم المتحدة.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، على «إكس»: «نشعر بالقلق إزاء التقارير الواردة من نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور السودانية، التي تفيد باحتجاز أكثر من 70 عاملاً في مجال الرعاية الصحية، بالإضافة إلى نحو خمسة آلاف مدني». مضيفاً أن المعتقلين «محتجزون في ظروف غير صحية، كما هناك تقارير عن تفشي الأمراض».