رصد سياسيون وحقوقيون ليبيون تراجع الاحتجاجات الشعبية في البلاد من مختلف الفئات الاجتماعية، والاكتفاء بالتنديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك رغم تصاعد الأزمات، و«تفشي الفساد» بطرق مختلفة، وفق تقارير رسمية.
وأرجع هؤلاء انحسار الاحتجاج إلى مجموعة من الأسباب من بينها تراجع دور النقابات المهنية، والإحباط والخوف من الاستهداف بالرصاص من قبل تشكيلات مسلحة.
ويرى عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، أن تراجع دور النقابات منذ حقبة النظام السابق، «أضعف قدرتها على التنظيم والحشد لأي مظهر احتجاجي على التعسف الذي قد يطال حقوق أعضائها».
وقبل أيام من حلول عيد الأضحى، نظم عدد من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الليبية، وقفات احتجاجية داخل أسوار جامعاتهم تنديداً بـ«مصادرة حقوقهم في الإيفاد للدراسة بالخارج، ومنحها لعدد من أبناء وأقارب شخصيات نافذة بالدولة لا تنطبق عليهم شروط الإيفاد».
وتوقف البعض أمام قلة المشاركين في تلك الوقفات، فضلاً عن انحسار أغلب ردود الفعل حول قضية الإيفاد برغم ارتباطها الوثيق بمستوى التعليم، بجانب عدم الاحتجاج على قضايا الفساد التي تفجرت مؤخراً، والاكتفاء بمجرد منشورات غاضبة على صفحات مواقع التواصل.
وتحدث بن شرادة لـ«الشرق الأوسط» عن أن «استهداف المشاركين من قبل مجموعات مسلحة خلال تنظيمهم وقفات ومظاهرات سلمية خلال السنوات الماضية، يعد السبب الرئيسي في تفضيل كثيرين الاكتفاء بالتعبير عن غضبهم عبر صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي بشأن قضايا الفساد كافة، والأزمات التي أرقت معيشتهم وزادت من معاناتهم».
ولفت إلى أن «التفاعل الافتراضي، لا يعني إصابة الليبيين بالتبلد إزاء تكرار وقائع الفساد كما يحلو للبعض أن يردد، وإنما يعبر عن تخوفهم من الاستهداف، إلى جانب تعرضهم للإنهاك البدني والنفسي مما عايشوه في السنوات الماضية».
وتابع بن شرادة: «كثيرون من أرباب الأسر الليبية يعانون مشقة الجمع بين أكثر من وظيفة لتدبير النفقات. هؤلاء غاضبون من استشراء الفساد، لكن لا وقت لديهم حتى للتعبير عن ذلك على (فيسبوك)».
وسقط عشرات الليبيين قتلى وجرحى في السنوات الماضية، جراء إطلاق تشكيلات مسلحة النار عليهم وهو يتظاهرون سليماً للتنديد بما لحق بهم من أضرار.
ويعتقد بن شرادة، أن «الأغلبية الصامتة من الشعب باتت تعوّل على إجراء الانتخابات كحل شامل ونهائي للتخلص من الرموز الفاسدة بالطبقة الحاكمة»، لافتاً إلى «التحديات التي تواجه الوصول لهذا الهدف، ومن بينها رفض القوى المسلحة إجراء الاستحقاق الانتخابي والتأسيس لميلاد الدولة المدنية، وذلك لتخوفها من المحاكمة على ما ارتكبته من جرائم طيلة العقد الماضي».
أما رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الليبي» أسعد زهيو، فعد أن أصحاب الحقوق «يشعرون بالإحباط من انعدام وجود جهة يمكنهم التعويل عليها لمحاربة الفساد»، فضلا عن تداعيات قضية الإيفاد على استمرار هجرة العقول والكفاءات والمبدعين إلى خارج البلاد من دون رجعة.
وذكّر زهيو، بما لحق ببعض الليبيين على يد التشكيلات المسلحة عندما خرجوا للتظاهر السلمي بمدن عدة بشرق وغرب البلاد للتنديد ببعض الأوضاع السلبية، وقال: «هذا القمع أدى فعليا لتراجع أعداد المحتجين».
وذهب رئيس «منظمة بلادي لحقوق الإنسان» طارق لملوم، إلى أنه «حتى التعبير عن الغضب على (فيسبوك) لم يعد مأمون العواقب».
وقال لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف صدرت بالأعوام الأخيرة قوانين، يمكن توظيف بعض بنودها للتضييق على نشر البعض لآرائهم»، لافتا إلى أن «تطرف سلوك مجموعات مسلحة خارجة عن القانون في الفترة الأخيرة، وصار بعضها يلقي القبض على بعض أقارب أي مدون تزعجهم منشوراته، إذا لم يتح لهم القبض عليه هو شخصيا».