القضاء اللبناني يختبر الاستقلالية ومكافحة الفساد

انفجار مرفأ بيروت والملفات المالية في صدارة التحديات

محتجون قرب قصر العدل في بيروت يحملون لافتات تطالب بمحاكمة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (أرشيفية - إ.ب.أ)
محتجون قرب قصر العدل في بيروت يحملون لافتات تطالب بمحاكمة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

القضاء اللبناني يختبر الاستقلالية ومكافحة الفساد

محتجون قرب قصر العدل في بيروت يحملون لافتات تطالب بمحاكمة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (أرشيفية - إ.ب.أ)
محتجون قرب قصر العدل في بيروت يحملون لافتات تطالب بمحاكمة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (أرشيفية - إ.ب.أ)

تنطلق السنة القضائية الجديدة في لبنان، الثلاثاء، وسط تحديات كبرى تواجه السلطة القضائية وقدرتها على معالجة ملفات صعبة ومعقّدة، خصوصاً أن التعيينات التي شملت كل المواقع الشاغرة في هرمية القضاء، والتشكيلات القضائية الشاملة التي صدرت قبل شهر، فكّكت كل الألغام التي حالت في السنوات الماضية دون قيام القضاء بعمله.

تشكّل رعاية رئيس الجمهورية جوزيف عون، بحضور أركان الدولة، افتتاح السنة القضائية باحتفال رسمي حاشد يقام في قصر العدل في بيروت، رسالة سياسية وقضائية بالغة الدلالة، تعكس موقفاً داعماً للقضاء ولدوره، والبتّ بالملفات العالقة وإطلاق ورشة مكافحة الفساد بعيداً عن الضغوط والعراقيل التي عطّلت مسار العدالة.

التفاف حول القضاء

الرعاية الرسمية لافتتاح السنة القضائية، لا تعبّر عن دعم عهد الرئيس عون القضاء فحسب، بل تعكس التفاف الدولة بكل مؤسساتها حول القضاء واستقلاليته وحمايته من التدخلات السياسية التي لطالما أنهكت العدالة وأوصلتها إلى الشلل والتعطيل. ويؤكد مرجع قضائي بارز أن «القضاء مقبل على مرحلة واعدة من الإنجازات».

قصر العدل في بيروت على موعد مع إطلاق السنة القضائية الثلاثاء (أرشيفية)

ويوضح لـ«الشرق الأوسط»، أنها «المرّة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية التي يشعر القضاء بأنه متحرر من قبضة أهل السلطة، وهذا ما ترسّخ بمسألتين: الأولى التعيينات في المواقع القضائية الحساسة، واختيار القاضي المناسب للمكان المناسب، والأخرى إصدار التشكيلات القضائية، بالصيغة التي وضعها مجلس القضاء الأعلى بكامل أعضائه، من دون أن تطلب السلطة السياسية إدخال أي تعديلات عليها ولا حتى وضع ملاحظات»، معتبراً أن «أداء القضاة في المرحلة المقبلة سيكون خاضعاً لمراقبة ومتابعة دقيقة من مجلس القضاء وهيئة التفتيش القضائي، حتى ينجحوا في امتحان استعادة ثقة اللبنانيين بمؤسسة العدالة».

ملف مرفأ بيروت

كل العهود السابقة والبيانات الوزارية المتعاقبة أعلنت التزامها دعم القضاء، لكنّ الممارسة لم تتطابق بالمطلق مع التعهدات، ويعترف المرجع القضائي بأن «معركة القضاء في مواجهة الفساد ليست سهلة على الإطلاق، لا سيما أن ملفات الفساد اعتادت أن تكون مشمولة بالغطاء السياسي، لكن الوضع القائم يبشّر بدخول القضاء مرحلة جديدة».

ويشدد على أن «ملف انفجار مرفأ بيروت، يمثّل ذروة التحدي لدور العدالة في لبنان، إذ إن هناك الكثير من الألغام التي تواجه مهمة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، أبرزها عشرات الدعاوى القضائية التي ما زالت قائمة ولم يجر البتّ بها».

ويشير إلى أن «الهيئة العامة لمحكمة التمييز بدأت بعقد جلسات متتالية كل يوم اثنين للبتّ بدعاوى مخاصمة البيطار، كما أن محاكم التمييز باتت أمام مسؤولياتها للفصل في دعاوى الردّ والنقل التي أقيمت ضدّ البيطار، لإتاحة المجال أمام الأخير لإصدار قراره الاتهامي في أسرع وقت ممكن».

ملفات الفساد

قد يكون ملفّ المرفأ أقلّ وطأة من الملفات التي ستفتح على مصراعيها في السنة القضائية الجديدة، أبرزها ملفات الفساد الإداري، والتحويلات المالية وسرقة أموال المودعين، وإنهاء قضية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، الذي لم يُخلَ سبيله رغم مضيّ أكثر من عام على توقيفه من دون إجراء محاكمة أو إصدار حكم، بالإضافة إلى محاكمة وزير الاقتصاد السابق أمين سلام، الموقوف منذ أربعة أشهر، والسير قدماً بقضية وزارة الصناعة التي يلاحَق فيها الوزير السابق النائب الحالي جورج بوشكيان، بقضايا فساد، من دون إغفال ملفات أساسية فُتحت ولم تنتهِ التحقيقات فيها بعد، أبرزها ملفّ أدوية السرطان المزورة، والهدر في كهرباء لبنان والسدود، والفساد في كازينو لبنان والدوائر العقارية ومصلحة تسجيل السيارات والمركبات وغيرها من القضايا العالقة.

امتحان حقيقي

تكاد المرّة الأولى التي يحظى فيها القضاء بعناية غير مسبوقة من رأس الدولة، وهذا ما تعهّد به الرئيس جوزيف عون في خطابه، والتزمت به حكومة الرئيس نوّاف سلام في البيان الوزاري، فجرى اعتماد المعايير التي وضعها وزير العدل عادل نصار في اختيار قضاة محددين للمناصب العليا، وأيضاً في التشكيلات القضائية، بالإضافة إلى ردّ الرئيس عون لقانون استقلالية السلطة القضائية، بعد أن لقي اعتراضاً واسعاً من القضاة الذين رأوا أن هذا القانون «لا يحقق الاستقلالية المنشودة للقضاء».

كل ذلك يضع القضاء أمام الامتحان الحقيقي وقدرته على التحرك باستقلالية، وفتح ملفات الفساد على مصراعيها دون خضوع لأي ضغوط أو ابتزاز، لا سيما أن قضاة لبنان لا تنقصهم الجرأة إذا ما تأمنت لهم الحصانة الفعلية.


مقالات ذات صلة

الجيش اللبناني يعثر على نفق لـ«حزب الله» في الجنوب

المشرق العربي خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)

الجيش اللبناني يعثر على نفق لـ«حزب الله» في الجنوب

عثر الجيش اللبناني على أحد الأنفاق التي بناها «حزب الله»، في بلدة تولين بجنوب لبنان، إثر كشف قام به بناء على طلب لجنة «الميكانيزم».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)

لبنان: جلسة تشريع تصطدم مجدداً بـ«فيتو» قانون الانتخابات

على وقع الانقسام السياسي الحاد، يعقد مجلس النواب اللبناني، الخميس، جلسة تشريعية حسّاسة.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على «إكس»)

دمشق تعلن إحباط محاولة تهريب جديدة لشحنة أسلحة إلى لبنان

أغلبية المستودعات التي بناها الحزب في الأراضي السورية غير مرئية، ومن ثم يرجح أن هناك عدداً منها لم يتم ضبطه بعد...

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال استقباله السفير سيمون كرم في قصر بعبدا (الرئاسة اللبنانية)

الرئيس اللبناني: التفاوض لا يعني الاستسلام ونعمل لإبعاد شبح الحرب

أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون «أن التفاوض لا يعني استسلاماً ونعمل على تثبيت الأمن والاستقرار والمهم في ذلك إبعاد شبح الحرب».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عنصران من الشرطة في سوريا (الشرق الأوسط)

«الداخلية السورية» تُعلن إحباط محاولة تهريب شحنة أسلحة إلى لبنان

أعلنت وزارة الداخلية السورية، الأربعاء، إحباط محاولة تهريب شحنة أسلحة إلى لبنان.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

3 أولويات في «اجتماع باريس» لدعم الجيش اللبناني

 قائد الجيش العماد رودولف هيكل مع سفراء ودبلوماسيين وملحقين عسكريين خلال جولة للاطّلاع على تطبيق المرحلة الأولى من خطة نزع السلاح في الجنوب يوم الاثنين (مديرية التوجيه)
قائد الجيش العماد رودولف هيكل مع سفراء ودبلوماسيين وملحقين عسكريين خلال جولة للاطّلاع على تطبيق المرحلة الأولى من خطة نزع السلاح في الجنوب يوم الاثنين (مديرية التوجيه)
TT

3 أولويات في «اجتماع باريس» لدعم الجيش اللبناني

 قائد الجيش العماد رودولف هيكل مع سفراء ودبلوماسيين وملحقين عسكريين خلال جولة للاطّلاع على تطبيق المرحلة الأولى من خطة نزع السلاح في الجنوب يوم الاثنين (مديرية التوجيه)
قائد الجيش العماد رودولف هيكل مع سفراء ودبلوماسيين وملحقين عسكريين خلال جولة للاطّلاع على تطبيق المرحلة الأولى من خطة نزع السلاح في الجنوب يوم الاثنين (مديرية التوجيه)

على وقع مخاوف من تصعيد إسرائيلي يطيح اتفاق وقف النار مع لبنان، ينعقد في باريس، اليوم (الخميس)، اجتماع رباعي يضم ممثلين عن فرنسا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ولبنان، يتناول سبل دعم الجيش اللبناني والاطلاع على جهوده لنزع سلاح «حزب الله».

وتفيد مصادر فرنسية بأن باريس تشعر بخطر داهم محدق بلبنان، في ظل تهديدات إسرائيلية معلنة ومتواترة بالعودة إلى الحرب.

وتقول مصادر مطلعة في باريس إن اجتماع الخميس يندرج في إطار ثلاث أولويات رئيسية؛ أُولاها النظر في عمل آلية «الميكانيزم» المنوطة بها مهمة مراقبة وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل ولبنان، والنظر في تطويرها.

ويمثّل لجم التصعيد الإسرائيلي في لبنان الأولوية الثانية للاجتماع الذي يشارك فيه قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل الذي سيقدم عرضاً للجهود اللبنانية لحصر السلاح في يد الدولة.

أما الأولوية الثالثة فتتعلق بما ستقوله الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس بخصوص خطط بلادها في لبنان.


غوتيريش: بيئة العمل في مناطق الحوثيين غير قابلة للاستمرار

غوتيريش: بيئة العمل في مناطق الحوثيين غير قابلة للاستمرار
TT

غوتيريش: بيئة العمل في مناطق الحوثيين غير قابلة للاستمرار

غوتيريش: بيئة العمل في مناطق الحوثيين غير قابلة للاستمرار

حثّ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس (الأربعاء)، جميع الأطراف في اليمن على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وذلك بعد تقدم الانفصاليين في الجنوب، في تطور ينذر بتأجيج الحرب الأهلية المستمرة منذ عشر سنوات، بعد فترة هدوء طويلة، طبقاً لما أوردته وكالة «رويترز».

وأشار غوتيريش إلى أن عمليات المنظمة الدولية باتت غير قابلة للاستمرار في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وتحديداً العاصمة اليمنية صنعاء، إلى جانب شمال غربي البلاد ذي الكثافة السكانية العالية.

من ناحية ثانية، نفى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، صحة الأنباء التي تداولتها بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن وقف منح تصاريح دخول السفن إلى ميناء العاصمة المؤقتة عدن، مؤكداً أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، وأنها تندرج في إطار الشائعات التي تستهدف إرباك المشهد الاقتصادي والملاحي في البلاد.


إسرائيل تريد اتفاقاً مع سوريا «يخدم الطرفين»

 فلسطينيون يتزاحمون للحصول على حصص غذاء في خان يونس بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتزاحمون للحصول على حصص غذاء في خان يونس بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تريد اتفاقاً مع سوريا «يخدم الطرفين»

 فلسطينيون يتزاحمون للحصول على حصص غذاء في خان يونس بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتزاحمون للحصول على حصص غذاء في خان يونس بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

عبّر وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، عن رغبة بلاده في إبرام اتفاق أمني مع سوريا يخدم الطرفين، لكنه قال إن أي اتفاق من هذا النوع «يجب أن يراعي الوضع بالجنوب»، في إشارة إلى رغبة تل أبيب في جعلها منطقة منزوعة السلاح.

وزعم ساعر في مقابلة مع قناة «العربية الإنجليزية»، أمس، أن تل أبيب، «ليس لها أطماع في أراضي سوريا»، مستدركاً أنها «لا تريد انطلاق أنشطة إرهابية من سوريا».

وفي الشأن اللبناني، قال ساعر إن لدى إسرائيل رغبة في «التطبيع مع لبنان»، عادّاً أن «الخلافات بسيطة، ويُمكن تجاوزها».

وتطرق وزير خارجية إسرائيل، إلى ملف غزة، زاعماً أن سلاح حركة «حماس» هو العقبة أمام الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف النار.

من جهته، قال الوسيط المقرب من الإدارة الأميركية، بشارة بحبح، لـ«الشرق الأوسط»، إن المرحلة الثانية لاتفاق غزة ستبدأ الشهر المقبل.