ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا يعقد المشهد الإنساني

بعدما أعادت أنقرة نحو 700 شخص إلى شمال غربي سوريا

عائلة سورية تعود عبر معبر الحمام بريف جنديرس في عفرين (المرصد السوري)
عائلة سورية تعود عبر معبر الحمام بريف جنديرس في عفرين (المرصد السوري)
TT
20

ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا يعقد المشهد الإنساني

عائلة سورية تعود عبر معبر الحمام بريف جنديرس في عفرين (المرصد السوري)
عائلة سورية تعود عبر معبر الحمام بريف جنديرس في عفرين (المرصد السوري)

في حملة تعد الأضخم بترحيل اللاجئين السوريين من تركيا، إلى مناطق شمال غربي سوريا، أعادت السلطات التركية خلال الأيام الأخيرة الماضية، عبر المنافذ الحدودية في شمال غربي وشمال شرقي سوريا، نحو 700 شخص، بينهم أرباب أسر وشبان، أُجبروا على ترك عائلاتهم تواجه مصيراً مجهولاً، بعد فقدانها من يعيلها ويؤمن لها ثمن الطعام والدواء وإيجارات المنازل.

أحد المرحّلين قسرياً من تركيا، أصيب قبل أيام بنوبة قلبية نُقل على أثرها إلى أحد المشافي في منطقة تل أبيض السورية، بعد أن وجد نفسه خارج الحدود التركية، وعقب احتجاز ورحلة استمرت لأكثر من أسبوع متنقلاً بين مراكز الاحتجاز التابعة لإدارة الهجرة التركية، ووصوله إلى الأراضي السورية، بينما عائلته لا تزال في مدينة إسطنبول بلا معيل، وفقاً لناشطين في المنطقة.

وقال أحد الناشطين في مدينة تل أبيض بريف محافظة الرقة أو ما تعرف عسكرياً بمنطقة «نبع السلام»، في شمال شرقي سوريا، إن «السلطات التركية أعادت خلال اليومين الماضيين نحو 210 لاجئين سوريين في تركيا، وسط إجراءات أمنية مشددة ومهينة إلى حد كبير، بينهم من تعرض للإهانة خلال فترة الاحتجاز والتنقل داخل الولايات التركية، وآخرون بدا على وجوههم حالة الحزن على فراق عائلاتهم وبقائها في تركيا بلا معيل». وتحدث الشاب حسام (26 عاماً)، وهو مُهجر من ريف دمشق إلى أحد أقاربه في مدينة الباب شمال حلب، عن ظروف احتجازه وترحيله قسرياً من إسطنبول التركية بعد أن أمضى فيها 4 سنوات لاجئاً وعاملاً في أحد معامل السجاد، قائلاً: «دون سابق إنذار أو إشعار، دخل عدد من عناصر البوليس التركي، وألقى القبض على 9 عمال سوريين وأنا من بينهم، بعد التأكد من هوياتنا أننا سوريون، ليجري بعدها اقتيادنا إلى أحد مركز الاحتجاز التابعة للهجرة التركية، في ظروف إنسانية صعبة، لا يسمح فيها للمحتجز الاتصال بعائلته وطمأنتهم، وبعدها جرى نقلنا عبر حافلات مغلقة إلى أقسام الهجرة في الولايات الجنوبية التركية في رحلة استغرقت أسبوعاً كاملاً، ومن ثم اقتيادهم إلى داخل الأراضي السورية وتسليمهم للجهات الأمنية التابعة للجيش الوطني السوري في معبر (باب السلامة)، في ظروف صعبة للغاية».

ويضيف: «المفجع بعملية الترحيل، هو ترك أسرنا في إسطنبول تواجه مصيراً مجهولاً، بعد أن فقدت من يعيلها، إضافة إلى ذلك الإهانة والضرب من قبل عناصر الشرطة للمحتجزين، والتعامل بصورة شبه وحشية»، وهو الآن في حيرة بالغة من أمره خوفاً على مصير عائلته (زوجته و3 أطفال)، وليس بإمكانه العودة إلى تركيا بعد الآن لعدم توفر المبلغ المطلوب لتهريبه. ويرى أن الخيار الأمثل هو الطلب منهم العودة إلى سوريا، كما مئات اللاجئين السوريين الذين يرحلون بشكل شبه يومي من تركيا إلى سوريا.

ولفت إلى أن إسطنبول «تشهد منذ نحو 10 أيام حملة غير مسبوقة في ملاحقة اللاجئين السوريين، واعتقالهم على الفور بمجرد مشاهدتهم، سواء في الشوارع أو أماكن العمل، ما دفع بمئات الشبان السوريين إلى التواري عن أنظار البوليس أو البقاء في المنازل دون عمل أو مصدر رزق».

وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، ومقره لندن، إن السلطات التركية «رحّلت يوم الجمعة 160 لاجئاً سورياً، بينهم أطفال وسيدات، من داخل أراضيها إلى منطقة تل أبيض (كري سبي) بريف الرقة، ضمن منطقة نبع السلام، حيث دخلوا المنطقة عبر خط التروازية، وذلك بعد يوم من ترحيل نحو 45 شخصاً بينهم أطفال وسيدات، عبر معبر (الحمام) بريف جنديرس في عفرين ضمن منطقة غصن الزيتون، من بينهم من يحملون الهوية التركية (كيملك)، وذلك بهدف توطينهم في المجمعات السكنية التي أنشأتها ضمن مناطق الشمال السوري، وذلك في إطار مواصلة السلطات التركية عمليات الترحيل القسري بحق اللاجئين السوريين».

ووفقاً لإحصائيات رسمية لعدد اللاجئين السوريين المرحلين قسرياً من تركيا، أعادت السلطات التركية خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، 992 لاجئاً عبر بوابة باب الهوى الحدودية شمال إدلب، ونحو 1538 لاجئاً سورياً عبر معبر تل أبيض الحدودي بريف الرقة. في حين بلغ عدد المرحلين عن طريق منفذ «باب الهوى» من تركيا منذ مطلع العام الحالي وحتى الآن 6307 لاجئين سوريين.

ويرى ناشطون سوريون أن المناطق الشمالية الشرقية والشمالية الغربية السورية الخاضعة لسلطة المعارضة، غير قادرة بعد على تحمل أعباء المرحلين من اللاجئين السوريين في تركيا (بالآلاف)، لأسباب كثيرة؛ في مقدمتها عدم توافر فرص العمل الكافية لهم بعد في سوق العمل، إضافة إلى عدم توفر المساكن لهم، وهذا سيعقد المشهد الإنساني أكثر، لا سيما أن المساعدات الإنسانية (الأممية) جرى خفضها مؤخراً بقرار من قبل «برنامج الغذاء العالمي»، الذي دخل حيز التنفيذ مع بدء شهر يوليو (تموز) الحالي.


مقالات ذات صلة

مصر تعزز «استيعابها للاجئين» في مشروع قانون العمل

شمال افريقيا وزير الشؤون النيابية والقانونية يراجع مسودة مشروع قانون العمل وإلى جواره وزير العمل (مجلس الوزراء المصري)

مصر تعزز «استيعابها للاجئين» في مشروع قانون العمل

عززت الحكومة المصرية من توجهها لاستيعاب اللاجئين، ضمن مشروع قانون العمل الجديد، الذي تجري مناقشته داخل مجلس النواب (البرلمان)، حين رفضت تقييد نسبة عمل الأجانب.

رحاب عليوة (القاهرة)
أوروبا مهاجرون ينتظرون في طوابير للدخول إلى مكتب تسجيل لطالبي اللجوء في منطقة رينكندورف بالعاصمة الألمانية برلين... 6 أكتوبر 2023 (رويترز)

المفوضية الأوروبية تطرح خطة لتسريع ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين

طرحت المفوضية الأوروبية خطة لتسريع ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، وتتضمن الخطة زيادة الضغط على المهاجرين الذين لا يتعاونون في عملية إعادتهم.

«الشرق الأوسط» (ستراسبورغ)
آسيا نساء وأطفال أفغان لاجئون رُحّلوا من باكستان في مخيم «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» على مشارف كابل يوم 9 يناير 2024 (أ.ف.ب)

تقرير أممي: باكستان تستضيف أكثر من 2.1 مليون لاجئ أفغاني

تستضيف باكستان أكثر من 2.1 مليون لاجئ أفغاني، يقيم معظمهم في إقليم خيبر بختونخوا، وفقاً لـ«المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين».

«الشرق الأوسط» ( إسلام آباد)
أوروبا مهاجرون يسيرون بعد وصولهم بالطائرة من إيطاليا إلى معسكر التسجيل الأول في إردينغ بالقرب من ميونيخ بألمانيا (رويترز)

وزيرة الداخلية الألمانية توصي بعدم تطبيق إجراءات منفردة في سياسة اللجوء

أوصت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر بعدم تطبيق إجراءات منفردة على مستوى الدولة فيما يتعلق بسياسة اللجوء.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ مهاجرون غير شرعيين عبروا إلى الولايات المتحدة من المكسيك في جاكومبا هوت سبرينغز... كاليفورنيا 15 مايو 2024 (رويترز)

إدارة ترمب تطلق تطبيقاً جديداً يخوّل المهاجرين غير الشرعيين ترحيل أنفسهم

أطلقت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تطبيقا جديدا، اليوم (الاثنين)، يسمح للمهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة «بترحيل أنفسهم».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

إفطار نباتي ولا سحور... الجوع يهدد غزة مجدداً

نازحون فلسطينيون يتدافعون للحصول على وجبة إفطار رمضاني من مطبخ خيري يوم الاثنين (إ.ب.أ)
نازحون فلسطينيون يتدافعون للحصول على وجبة إفطار رمضاني من مطبخ خيري يوم الاثنين (إ.ب.أ)
TT
20

إفطار نباتي ولا سحور... الجوع يهدد غزة مجدداً

نازحون فلسطينيون يتدافعون للحصول على وجبة إفطار رمضاني من مطبخ خيري يوم الاثنين (إ.ب.أ)
نازحون فلسطينيون يتدافعون للحصول على وجبة إفطار رمضاني من مطبخ خيري يوم الاثنين (إ.ب.أ)

تزداد صعوبة الأوضاع الإنسانية وطأة على سكان قطاع غزة الذين مُنعت عنهم المساعدات منذ 10 أيام بعد تشديد الحصار الإسرائيلي من خلال إغلاق معبر كرم أبو سالم إغلاقاً كاملاً ومنع دخول أي مساعدات، سواء كانت غذائية أو طبية أو غيرها.

وزادت الأسعار وشحَّت المواد الأساسية، وبات معظم السكان يعتمدون في إفطارهم الرمضاني على طعام نباتي يخلو من أي نوع من اللحوم، وقد لا تتوافر لهم وجبة سحور.

ومما زاد الأمر سوءاً ذلك القرار الذي أعلنه وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، بوقف إمداد غزة بالكهرباء، وهو ما يُوقف بدوره تشغيل محطة المياه المركزية الوحيدة وسط غزة.

وقالت نسمة داود (39 عاماً)، وهي من سكان حي الكرامة بشمال مدينة غزة، إن أسعار بعض أصناف الخُضَر تزيد يومياً بمقدار شيقل أو اثنين (الدولار يساوي 3.65 شيقل)، مشيرةً إلى أن هذا يزيد العبء على كاهل المواطنين الذين يتدبرون حالهم بصعوبة لعدم توفر وظائف أو سيولة.

وتحدثت السيدة إلى «الشرق الأوسط» عن وجود نقص واضح في المواد الغذائية، وارتفاع أسعار سلع أساسية مثل الطحين (الدقيق) والسكر وغيرهما. هذا إضافة إلى عناء توفير مياه صالحة للشرب.

فلسطينيون يصطفون لملء عبواتهم بالماء في مخيم للنازحين غرب جباليا بشمال غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
فلسطينيون يصطفون لملء عبواتهم بالماء في مخيم للنازحين غرب جباليا بشمال غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

وقال سمير العريني (53 عاماً)، من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، إن بعض الأصناف اختفت فعلياً، منها المجمدات التي يزيد عليها الطلب عادة في شهر رمضان، مشيراً إلى أن استمرار إغلاق المعابر يؤشر لإمكانية عودة المجاعة تدريجياً إلى القطاع.

وأضاف أن السكان يبحثون عن بدائل للتغلب على أزمات الطعام، مثل طهي الأرز دون أي نوع من اللحوم الحمراء أو الدواجن، وطهي خضروات يأخذونها من الأرض مباشرةً مثل الملوخية والخبيزة وغيرهما من أغذية اعتاد السكان على تناولها في الأزمات، هذا إن أمكن أصلاً الوصول لأراضٍ تُزرع فيها.

أما أدهم الحناوي (24 عاماً)، وهو من سكان حي الشيخ رضوان، فقال إن الأزمات اشتدت أكثر في الأيام الثلاثة الأخيرة مع استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم.

وأضاف أن السكان كانوا يأملون أن يستمر فتح المعابر، وأن يحصلوا على طعامهم يومياً بطريقة سهلة «لكن يبدو أن كل شيء في قطاع غزة صعب جداً حتى الحصول على وجبة طعام واحدة، تماماً مثل الصعوبات التي نواجهها في الحصول على المياه الصالحة للشرب، أو الوقوف في طوابير المخابز للحصول على ربطة واحدة يومياً تكاد لا تكفي وجبة الإفطار في شهر رمضان».

الغذاء أداة سياسية

قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، مساء الاثنين، إن قرار إسرائيل حظر دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية إلى قطاع غزة يهدد حياة المدنيين الفلسطينيين «الذين لم يرتاحوا إلا لفترة قصيرة من الحرب الوحشية»، مؤكداً أن الوضع الآن مشابه للوضع الذي ساد في بداية الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأضاف في حديث للصحافيين من جنيف، عقب إحاطة ألقاها أمام الدول الأعضاء في مجلس الأمن، أن وقف إطلاق النار أثبت أنه «متى كانت هناك إرادة سياسية، أمكن دخول المساعدات الإنسانية دون عوائق ودون انقطاع»، مشيراً إلى أن المساعدات الإنسانية زادت عشرة أضعاف قبل القرار الإسرائيلي بوقف دخولها.

وتابع: «إذا أقدمت على إغلاق جميع المعابر، فإنك تخلق حالةً تستخدم فيها المساعدات الأساسية والغذاء أداة لتحقيق هدف سياسي أو عسكري، وهو ما يتعارض مع أي معيار إنساني دولي».

وقالت حركة «حماس»، في بيان، إن إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية والمواد الأساسية يزيدان من معاناة أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع، ويشكلان خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي ينص على تسهيل دخول المساعدات دون قيود.

ولفتت إلى أن منع دخول الغذاء والدواء والوقود والمواد الإغاثية الأساسية أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص حاد في المستلزمات الطبية، مما فاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.

وطالبت الحركة الوسطاء بالضغط على إسرائيل كي تلتزم بتعهداتها وتفتح المعابر فوراً «لضمان تدفق المساعدات الإنسانية وإنهاء سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها».

وأعربت «حماس» عن إدانتها استخدام المساعدات «ورقة ابتزاز سياسي».