حرب غزة تحيي الخطاب الدبلوماسي عن حلّ الدولتين

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبدي معارضته لإنشاء دولة فلسطينية (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبدي معارضته لإنشاء دولة فلسطينية (رويترز)
TT

حرب غزة تحيي الخطاب الدبلوماسي عن حلّ الدولتين

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبدي معارضته لإنشاء دولة فلسطينية (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبدي معارضته لإنشاء دولة فلسطينية (رويترز)

على مدى عقود، حاول دبلوماسيون الترويج لحلّ من شأنه أن يسمح للإسرائيليين والفلسطينيين بالعيش جنباً إلى جنب في دولتين منفصلتين تتمتعان بالسيادة.

وفي تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، رصد أنه قبل فترة وجيزة، كرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معارضته لإنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة، على الرغم من تأييد حليفه الرئيس الأميركي جو بايدن في العلن فكرة قيام هذه الدولة.

لكن الأربعاء، وبتنسيق فيما بينها، أعلنت إسبانيا وآيرلندا والنرويج قرارها الاعتراف بدولة فلسطين، على أمل أن تحذو دول أخرى حذوها، بعد أن أحيت الحرب المدمرة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة «حماس» الخطاب الدبلوماسي المؤيد لحلّ الدولتين، من دون أن يعني ذلك أن تطبيقه سيكون سهلاً.

من أين أتت الفكرة؟

وُلدت الفكرة في ثلاثينات القرن الماضي، وأيّدها اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين، التي وُضعت تحت الانتداب البريطاني بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية.

في عام 1947، اقترح قرار «الأمم المتحدة» رقم 181 إنشاء دولتين منفصلتين في فلسطين، يهودية وعربية، ما مهّد الطريق لقيام إسرائيل في العام التالي 1948.

رفض الفلسطينيون والعرب خطة التقسيم وقيام دولة إسرائيل التي كانت سبباً في اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية في 1948 - 1948.

خسر العرب حربهم مع اليهود، وأقيمت دولة إسرائيل، ومُني الفلسطينيون بالنكبة التي شتّتت معظمهم وهجّرتهم خارج أرضهم ليصبحوا لاجئين.

وسيطر الإسرائيليون على أراضٍ جديدة أوسع مما كانت تنصّ عليه خطة التقسيم التي اقترحتها «الأمم المتحدة».

بعدها ضمّت المملكة الأردنية الهاشمية الضفة الغربية إليها، وأدارت مصر قطاع غزة حتى عام 1967.

في هذه الفترة، تأسست «منظمة التحرير الفلسطينية» عام 1964 بهدف استعادة كل فلسطين.

لكن الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 أتاحت لإسرائيل احتلال الضفة الغربية، وخصوصاً القدس الشرقية وقطاع غزة.

وبموجب القانون الدولي، تعدّ هذه الأراضي محتلة حتى هذا اليوم، والمستوطنات الإسرائيلية المقامة فيها غير قانونية.

وشجّعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ما عقّد كل تفاوض حول دولة فلسطينية محتملة.

هل اقترب الفلسطينيون من فرصة تشكيل دولة؟

خاضت «منظمة التحرير الفلسطينية» معارك كثيرة مع إسرائيل. كان أشرسها في عام 1982 في لبنان، وعاصمته بيروت، حيث كان مقر المنظمة قبل أن تنتقل إلى تونس.

بدأت «منظمة التحرير» تغيّر استراتيجيتها، وتبنّت فكرة الدولتين، وتبنت إعلان الاستقلال وقيام دولة فلسطين في الخارج عام 1988.

في عام 1991، عقد في أكتوبر (تشرين الأول) مؤتمر مدريد للسلام، الذي شاركت في رعايته الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي آنذاك.

وكانت محاولة من المجتمع الدولي لإحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية من خلال المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين ودول عربية، بينها الأردن ولبنان وسوريا.

في 13 سبتمبر (أيلول) 1993، فوجئ العالم بالإعلان عن اتفاقيات أوسلو في واشنطن عندما صافح الزعيم الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض تحت أنظار الرئيس بيل كلينتون، ما أحيا الأمل بالتوصل إلى السلام.

أوجدت اتفاقيات أوسلو التاريخية حكماً ذاتياً فلسطينياً محدوداً تحت مسمى «السلطة الفلسطينية»، ومقرّها رام الله، مع هدف نهائي يتمثّل في إنشاء دولة فلسطينية، يعيش شعبها بحرية وسلام إلى جانب إسرائيل.

لكن هذه الاتفاقيات عارضها الراديكاليون في كلا الجانبين. وفي عام 1995، اغتال متطرف يهودي إسحاق رابين، ما مهّد الطريق لعقود من العنف، وتوقف المفاوضات.

وفي عام 2002، استندت «المبادرة العربية للسلام» على مبدأ حلّ الدولتين، واقترحت إقامة دولة فلسطينية مقابل إقامة علاقات «طبيعية» بين الدول العربية وإسرائيل، في سياق تدعيم فرص الحل.

لكن بعد اغتيال رابين وصعود حزب الليكود، الذي يعارض إقامة دولة فلسطينية واتفاقيات أوسلو، توسع الاستيطان، ولم تنفّذ إسرائيل اتفاق أوسلو بنقل مناطق تحت سيطرتها إلى السلطة الفلسطينية، وراوحت مفاوضات السلام مكانها.

في عام 2006، حصل شرخ بين «حركة حماس» وحركة فتح إثر فوز «حماس» في الانتخابات التشريعية، وبعد مواجهات مسلحة، سيطرت «حماس» على قطاع غزة وأخرجت حركة فتح منه. وعقّدت الانقسامات الفلسطينية توحيد الموقف الفلسطيني تجاه إسرائيل.

ويقول كزافييه غينيارد، من مؤسسة «نوريا للأبحاث»، ومقرها باريس، إن المجتمع الدولي بذل جهوداً لآخر مرة لإجراء محادثات جدية في عام 2013.

ويوضح لوكالة الصحافة الفرنسية: «من الناحية السياسية، لم نشهد أي جهد لجعل ذلك الحلّ ممكناً منذ ذلك الحين».

ماذا تقول الأطراف الآن؟

تؤيد السلطة الفلسطينية رسمياً حلّ الدولتين.

ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى عقد مؤتمر دولي حول هذه القضية في سبتمبر (أيلول) 2023، قائلاً إنها «قد تكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ حلّ الدولتين».

في عام 2017، قالت «حركة حماس» للمرة الأولى إنها تقبل مبدأ إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود ما قبل 1967، مع احتفاظها بهدف بعيد المدى يقضي بـ«تحرير» كل فلسطين التاريخية.

أما الحكومة الإسرائيلية الحالية، برئاسة بنيامين نتنياهو، فترفض أي حديث عن إقامة دولة فلسطينية. وطرح بعض الوزراء فكرة التهجير القسري أو الطوعي لفلسطينيّي غزة.

ماذا يعتقد الناس؟

تراجع التأييد الشعبي لحلّ الدولتين لدى الجانبين. وخلص استطلاع للرأي أجراه مركز «بيو» إلى أن تأييد الإسرائيليين اليهود قبل الحرب الحالية لهذا الحلّ انخفض من 46 في المائة عام 2013 إلى 32 في المائة عام 2023.

وأفاد استطلاع أجرته مؤسسة «غالوب» قبل الحرب أيضاً أن التأييد بين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية انخفض من 59 في المائة عام 2012 إلى 24 في المائة العام الماضي.

ما هو دور الدبلوماسية؟

عاد قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و«الأمم المتحدة» حتى الصين إلى طرح الفكرة على الطاولة.

وقال الأمين العام لـ«الأمم المتحدة» أنطونيو غوتيريش، الأسبوع الماضي، إنه «من غير المقبول» حرمان الفلسطينيين من حقّهم في إقامة دولتهم.

ودعا الرئيس الأميركي جو بايدن مراراً إلى العمل على هذا الحل. وقال: «هناك عدة أنواع لحلّ الدولتين. هناك عدد من الدول الأعضاء في (الأمم المتحدة)... ليس لديها جيشها الخاص».

وانتقد منسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي يدعم بقوة حلّ الدولتين، القادة الإسرائيليين، متسائلاً: «ما هي الحلول الأخرى التي يفكّرون فيها، إجبار جميع الفلسطينيين على الرحيل أم قتلهم؟!».

هل للحرب الجارية في غزة أي تأثير؟

أصرّ نتنياهو على أن أي اتفاق سلام يجب أن يحافظ على «السيطرة الأمنية لإسرائيل على جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن»، وهي المنطقة التي تشمل جميع الأراضي الفلسطينية.

وبدا المحلل غينيارد أقل تفاؤلاً بشأن مستقبل حلّ الدولتين بقوله: «قد أكون متشائماً، لكن الحرب الحالية لم تغيّر شيئاً، لأن حلّ الدولتين كان ميتاً منذ زمن طويل على أي حال».

ويبدو أن حلّ الدولتين يظل شعاراً للمجتمع الدولي وحلّاً خيالياً للفلسطينيين والإسرائيليين.

 


مقالات ذات صلة

مبعوثو ترمب إلى الشرق الأوسط... تغريد خارج سرب البيروقراطية

الولايات المتحدة​ ويتكوف في برلين في 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

مبعوثو ترمب إلى الشرق الأوسط... تغريد خارج سرب البيروقراطية

لم يدخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في عهده الثاني برتابة الرؤساء السابقين الذين التزموا بالسياسات الأميركية التقليدية والأعراف الدولية.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد انفجارات نفذها الجيش الإسرائيلي داخل الخط الأخضر شمال شرقي بيت لاهيا بغزة (أ.ف.ب) play-circle

الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيين اثنين في غزة

كشف الجيش الإسرائيلي اليوم (الجمعة) أنه قتل فلسطينيين اثنين في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول (د.ب.أ)

ألمانيا لن تشارك في قوة استقرار بغزة «في المستقبل المنظور»

أعلن وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان اليوم الخميس إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق برج دبابة متمركزة في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

تقرير: إسرائيل تصدر أوامر إخلاء جديدة في شرق حي التفاح بمدينة غزة

أصدر الجيش الإسرائيلي، مساء اليوم (الخميس)، «أوامر إخلاء» جديدة للمواطنين في شرق حي التفاح بمدينة غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة )

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، اليوم الخميس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف رشوان في تصريحات لقناة تلفزيون «القاهرة الإخبارية» أن نتنياهو يعمل وفق اعتبارات انتخابية لصياغة تحالف جديد.

وتابع أن نتنياهو يسعى لإشعال المنطقة، ويحاول جذب انتباه ترمب إلى قضايا أخرى، بعيداً عن القطاع، لكنه أشار إلى أن الشواهد كلها تدل على أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

وحذر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية من أن نتنياهو يريد أن تؤدي قوة حفظ الاستقرار في غزة أدواراً لا تتعلق بها.

وفي وقت سابق اليوم، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.


الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.