يقول المهاجم العراقي الشاب علي الحمادي عن رحلته حتى الآن: «لا أستطيع أن أقول إنني سلكت طريقاً تقليدية». وُلد مهاجم نادي «إيه إف سي ويمبلدون»، البالغ من العمر 21 عاماً، في محافظة ميسان بالعراق، لكنه فرَّ من البلد الذي مزَّقته الحروب مع والدته الشابة آنذاك، أسيل، عندما كان عمره عاماً واحداً. وقبل ذلك ببضعة أشهر، كان والده، إبراهيم، الذي يحمل ندوباً من التعذيب الذي تعرض له في السجن تحت حكم صدام حسين بسبب احتجاجه على نظام حكمه الديكتاتوري، قد حصل على حق اللجوء في ليفربول.
يقول الحمادي: «أشعر بأن هذه التجربة الخاصة بي هي التي تمنحني ميزة عن الآخرين، فلديَّ رغبة أكبر وأنظر إلى الأمور من منظور أوسع بسبب التضحيات التي كان يتعين على عائلتي تقديمها. هذه الأمور لا تغادر ذهني مطلقاً». نشأ الحمادي في أحد العقارات التابعة للمجلس المحلي في توكستيث، وقضى طفولته في صقل مهاراته الكروية في الشوارع. إنه لا يزال يتذكر كيف كان يتسلق الجدران ويبحث عن الكرة تحت السيارات، ويقول: «في بعض الأيام لم يكن لدينا أي شيء نأكله، لكنَّ والدي كان يُحضر لنا ما يستطيع. لقد كان الأمر صعباً دائماً، لكن لديَّ ذكريات سعيدة، لأنه بغضّ النظر عن كل ذلك، كان والداي يحاولان دائماً تقديم كل ما في وسعهما من أجلي».
ويضيف: «ليفربول مدينة مذهلة وتعشق كرة القدم حقاً. إنني أسمع كبار اللاعبين يقولون طوال الوقت إنهم مع تقدمهم في السن قد لا يشاهدون كرة القدم كثيراً وقد يفضّلون لعب الغولف، لكنني أعشق كرة القدم فقط. إنني دائماً ما أشاهد كرة القدم أو أتعلم أشياء تتعلق بها أو أستمتع بها أو أقرأ عنها، فهذه هي الطريقة التي نشأت بها».
لا يفصل بين تشيلسي وويمبلدون سوى خمسة أميال ونصف، لكنْ هناك فرق شاسع بين الناديين اللذين التقيا في كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، التي انتهت بفوز «البلوز» بهدفين مقابل هدف وحيد. إن تعاقد تشيلسي مع مويسيس كايسيدو من برايتون مقابل 115 مليون جنيه إسترليني، في صفقة قياسية في تاريخ كرة القدم البريطانية، يعني أن النادي قد أنفق ما يقرب من مليار جنيه إسترليني على ضم اللاعبين الجدد منذ الاستحواذ على النادي من تحالف بقيادة تود بوهلي مقابل 4.25 مليار جنيه إسترليني في مايو (أيار) من العام الماضي.
في ذلك الوقت، كان الحمادي معاراً إلى بروملي من ويكومب، و«يتعرض للضرب في دوري الدرجة الخامسة». وبعد شهرين، كسر نادي ويمبلدون الرقم القياسي المتواضع لأغلى صفقة في تاريخه وتعاقد مع جوش دافيسون من تشارلتون مقابل 200 ألف جنيه إسترليني تقريباً. وقبل مباراة تشيلسي، لم يكن ويمبلدون قد خسر أي مباراة في ذلك الموسم، وتغلب في الجولة الماضية من كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة على كوفنتري سيتي، الذي تأهل لملحق الصعود لدوري الدرجة الأولى الموسم الماضي.
يقول الحمادي: «دعونا نكُنْ صادقين ونتفق على أن اللعب أمام فريق يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز خارج ملعبنا قد يكون شيئاً يحدث لهؤلاء اللاعبين مرة واحدة فقط في حياتهم. لقد كنت أشعر بالقشعريرة بمجرد الحديث عن ذلك. إننا من مناطق مختلفة تماماً، لذا فإن وجودنا معاً في مباراة واحدة يعد شيئاً مميزاً للغاية».
وأشار المهاجم العراقي إلى أن مدافع بايرن ميونيخ كيم مين غاي، الملقب بـ«الوحش»، هو أقوى خصم واجهه، وقال وهو يضحك: «إنه يستحق هذا اللقب بكل تأكيد. لقد لعبت ضده في تصفيات كأس العالم مع منتخب العراق. لقد حاولتُ أن أدفعه من الخلف، لكنه كان سريعاً بما يكفي للبقاء ومواصلة الركض معي، وعندما كنت أتسلم الكرة كان يقوم بكل شيء في توقيت مثالي».
لقد كانت رحلة الحمادي في عالم كرة القدم بمثابة ملحمة كروية. لقد انضم إلى ترانمير في سن الرابعة عشرة، ثم إلى سوانزي في أثناء الدراسة، ثم إلى ويمبلدون قادماً من ويكومب في يناير (كانون الثاني) الماضي. لعب الحمادي أول مباراة له مع منتخب العراق ضد سوريا قبل عامين، وبعد بضعة أشهر سافر والده إلى لبنان لمشاهدته وهو يلعب. وأكد الحمادي أن والده كان مصدر إلهامه ومثله الأعلى خلال نشأته. ويقول عن ذلك: «هناك بعض المشاعر في الحياة التي لا يمكنك تفسيرها. لقد كانت لحظة فخر لوالديّ، حيث انتقلت إلى هنا منذ صغري لكنني ما زلت متمسكاً بجذوري وألعب في المكان الذي وُلدت فيه، والذي وُلد والداي فيه أيضاً».
ويضيف: «في كل مرة أرتدي فيها قميص كرة القدم، ينتابني شعور رائع. ينظر الناس في بعض الأحيان إلى كرة القدم على أنها مسألة حياة أو موت، لكنني أستمتع بها قدر المستطاع، لأن كل الظروف كانت ضدي للوصول إلى هذه المرحلة، وأسعى لمواصلة التغلب على هذه التحديات».
![الحمادي بقميص ويكومب قبل الانتقال الى ويمبلدون في يناير الماضي (ويكومب واندرز) Cutout](https://static.srpcdigital.com/2023-09/327315.jpeg)
وفي مارس (آذار) الماضي، لعب الحمادي مع منتخب العراق في سان بطرسبرغ، وكانت أول مباراة لروسيا على أرضها منذ غزو أوكرانيا. وخلال العام الماضي، كان الحمادي جزءاً من فريق بروملي الذي فاز على ريكسهام، في ملعب ويمبلي، ليرفع كأس التحدي لاتحاد كرة القدم الإنجليزي. وقبل انضمامه إلى ويكومب، خاض الحمادي فترات اختبار في بورنموث ونوتنغهام فورست وديربي كاونتي، عندما كان واين روني مديراً فنياً للفريق، لكن الظروف المالية الصعبة التي كان يمر بها النادي قضت على آماله في الانضمام.
يقول الحمادي: «لقد مررت بالكثير من المحن والصعوبات، وأنا متأكد من أنه سيكون هناك المزيد في المستقبل. لقد لعبت مباراة خماسية ضد روني، ولم أكن أصدق ذلك على الإطلاق. عندما أفكر في الأمر مرة أخرى أكاد أُصاب بالجنون!»، وفي أثناء زيارته والديه في ميرسيسايد خلال فصل الصيف، استعاد الحمادي مرة أخرى ذكريات الطفولة بعد رؤية بطل رياضي استثنائي في صالة الألعاب الرياضية. يقول الحمادي: «كنت أقول: يا إلهي، هذا جون سينا يقوم بتمارين الضغط في صالة الألعاب الرياضية! أعتقد أنه كان يصوّر فيلماً في ليفربول». ويختتم الحمادي حديثه قائلاً: «لقد كانت لحظة مجنونة حقاً. اعتدت أن أرتدي قمصاناً تحمل صورته، وعصابات الرأس التي كان يرتديها وهو يصارع. كنت أطلب من والدي أن يوقظني في الساعات الأولى من الليل حتى أتمكن من مشاهدة مباريات المصارعة التي كان يلعبها سينا».
* خدمة «الغارديان»