هالة صلاح الدين
عُرضت مؤخراً على مسرح أكسفورد البريطاني مسرحية «حياة غاليليو» للكاتب الألماني برتولت بريشت، وهي من ترجمة الكاتب المسرحي ديفيد هار وإخراج كولن ماكني. وقام بدور البطولة، الممثل القدير ريتشارد ريدشو دور غاليليو (1564 - 1642)، العالم الأعزل الذي أشهر سلاح المعرفة في وجه الكنيسة الكاثوليكية. وكان بريشت قد كتب «حياة غاليليو» في العام 1943 مستلهماً حياة وأفكار عالم الرياضيات الشهير الذي عاش في القرن السابع عشر.
على مدى ساعتين ونصف الساعة على المسرح القومي بلندن، نكاد لا نتعرف على ملك شكسبير الشهير «ماكبث» في هذا العالم الخاوي الذي لا يعرِّفه إلا الموت المحتوم. فبديلاً عن القائد المهاب، يقابلنا «ماكبث» همجياً في مجتمع بدائي، بتفاصيل كاملة الاختلاف عن الأصل، بما فيها شعرية اللغة التي غابت تماماً عن أسماعنا، حتى إن المسرحية المعاصرة تصلح كنص جديد بمعزل عن ملحمة شكسبير التراجيدية. ماكبث نفْسه يظْهر علينا مشوَّه النفس والذهن، لدرجة أن عقل هاملت - الشخصية الشكسبيرية الأكثر تشتتاً - يبدو بالمقارنة معه زينة العقول.
في سلسلة كتب الأطفال «الدب بادنغتن»، للكاتب البريطاني مايكل بوند (1926)، يقف الدب الصغير اليتيم عند محطة بادنغتن مهاجراً غير شرعي هبط على لندن في عام 1958. كان خاوي الوفاض إلا من ثياب على ظهره، وحقيبة مليئة بالمربى، ولافتة تخاطب الداني: «رجاء، اعتنوا بهذا الدب.. شكراً»؛ إنها دعوة إلى أبسط الأفعال الإنسانية: رعاية الضعفاء منا. خلَّف بوند، الراحل عن عالمنا في العام الماضي، 24 كتاباً من سلسلة «الدب بادنغتن»، ومنها باع 35 مليون نسخة في أرجاء العالم، وتُرجمت إلى ما يربو على 40 لغة.
في قلب لندن على «مسرح هارولد بنتر اللندني» احتفل محبو الفن الرابع بمناسبة مرور 60 عاماً على رفع الستار عن واحدة من أروع بواكير الكاتب المسرحي البريطاني هارولد بنتر (1930 - 2008)، وهي مسرحيته الثانية «حفل عيد الميلاد». والمسرح الحامل اسم الكاتب الحائز جائزة نوبل للآداب في عام 2005 يوفق في طرح قراءة بعيون معاصرة لعمل كلاسيكي، توخى من خلاله تطبيق أساليب حديثة لمقاربة الفن المسرحي. عقب عقود من عرض المسرحية الأول لا يزال بريق واحد من أهم الأصوات المسرحية في القرن العشرين يتألق وإن كان يرسم صورة قاتمة لأجواء عبثية في بنسيون رخيص أشبه في عتمته بالمغارة، ويشرف على الساحل البريطاني الملبَّد بالغيوم.
أول ما يستوقف القارئ العربي في روايات الكاتب الأميركي مارك توين (1835 - 1910) أن الفكاهة الخفيفة أتت من الشطر الأول من حياته، أمَّا تلك المخضَّبة بالمرارة والغضب فتفجرت من شطرها الثاني حين دأب على كتابة كوميديا سوداء مشبَّعة بالحدة والنزق. تراوحت مواضيعها بين مثالب أناس غفر لهم زلاتهم وكوارث قومية سياسية كره وقوعها «تحت أنفه ورغماً عنها» حسب وصفه. لم ينقطع خيط مواضيع التسفيه الحاد في أعمال صاحب روايتي «مغامرات توم سوير» (1876) وهاكلبيري فين (1884) حتى نهاية حياته.
ألقِ نظرة على الاستقطاب السياسي المضطرب في أميركا اليوم، وسيرتسم في مخيلتك سيناريو محبوكاً لاضمحلال إمبراطورية كبرى. لن تشطح بعيداً، ادخل على مواقع التواصل الاجتماعي لتتبين الشقاق الحامي. أمَّا الخيال فيسْلك سبيلاً متعرجاً من الاضمحلال حين يتهاوى كيان أقوى دولة في القرن الثاني والعشرين، على يد أبنائها أنفسهم. هذا على الأقل ما ترسمه الرواية الأولى للصحافي المصري عمر العقاد «حرب أميركية» المكتوبة باللغة الإنجليزية والصادرة عن دار نشر «راندوم هاوس» عام 2017.
يا مَن نَعمَاه غير معدود والسعي لديه غير مردود قد أكرمنا وقد دعانا كي نعبده ونِعم معبود وُصِف صاحب هذه الأبيات بأنه ذو رؤية ملهمة للتنقيب عن الذات والشعور بنشوة الالتحام الروحي بالله والتصالح الصوفي مع النفس والآخر. إنه جلال الدين الرومي الشاعر والعلَّامة الفارسي وواحد من أشهر أعلام التصوف الفلسفي في التاريخ الإسلامي. وهو يضفر هذه الغايات الثلاث في أبيات يحسر فيها عن خبايا أفراحه وأتراحه وبواطن الجذب الصوفي في خريطة حياة ترامت عبر 25000 ميل ارتحلها بين مشرق ومغرب. ترك الرومي كتباً من ذخائر التراث الأدبي العالمي ما بين منظوم ومنثور.
يتغنى ماركوس، شقيق المحارب الروماني تيتوس أندرونيكوس، في مسرحية «تيتوس أندرونيكوس» المعروضة حالياً على مسرح شكسبير الملكي البريطاني: «واأسفاه، نهرٌ قرمزي من الدماء الدافئة كنافورة مزبدة تثيرها الرياح، يرتفع ويهبط بين شفتيك الورديتين، يذهب ويجيء بنَفَسك العسلي»؛ إنها أشد مسرحيات شكسبير دموية على الإطلاق: قطْع ألسنة، وبتْر أياد، وأكْل لحوم البشر، واغتصاب جماعي، وإحياء الموت بكل شعائره المروعة.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة