قاسم حداد

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل: هدهد يبحث عن مملكة

رفيف الظل: هدهد يبحث عن مملكة

الرعشة تتسرب من شقوق أوردته وتسيل على قطن أضلعه، فيشربها إلى أن تجف وإلى أن يثمل، هكذا كل رعشة. ثمة الغيمة الكثيفة الحزن، الأكثر ضراوة من الجرح. هل نحن في مقبرة أم نحن في مجزرة؟ في القرن الواحد والعشرين من الحضارة، هل الغابة تذهب أم الكهف يأتي؟ الوحش المنقوش بالمسمار يعود إلى الحياة، وتكون وجهته حيث ينام الندى، وصهيل النار يبدأ. فإن جاء لك الشخصان يسألانك، فقل لهما بلسان ذلق غير منزلق، ليس في كل هذا عدل. فأين من يخبره بهذا؟ العدل هدهد يبحث عن مملكة خلف سبأ، حيث البحار تغوي الظلمة، وتعاشر الأمواج في وضح الجفاف. يا هدهد، يا بريد، امنحني طبيعة الطير. من هناك؟ من كأنه يهتف بي؟ لا تخف، اخرج شجنك من

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل: إنهم في وعورة أنسابهم

رفيف الظل: إنهم في وعورة أنسابهم

هذا صباح يذكرني بالشمس. هل رأيتم شمسا في الأيام الأخيرة؟ لا يليق بنا، نحن الذين نعيش في رحم الشمس، أن نقرأ هذا السؤال. لدينا من الشمس ما يحرق نعاس كل من يفيق الآن، ويفكر في العودة للنوم. يحرقه ويتصدق برماده على فقراء الجليد. ثمة المفارقة، عوض أن تضيء لنا الشمس، فهي تحرقنا. ما الذي يبقى لجهنم إذن؟ جهنم هي التي تضيء الطريق للفردوس، هي التي توقد الشمس حين يعتريها اليأس ويطفئ لهيبها الملل، هي التي نمتحن بها صبرنا. ما هو ليس ليلا، لا يكون نهارا بالضرورة. الليلُ ياقة قميص النهار، لن يسترَ عنقك، لكنه سيُبرئُ ربطة نشوتك. هي الأشلاءُ، هوية خطواتِكَ المتعثرة في غبارِ المسافة، وشمُ جلدِكَ العربي المثخنُ

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل: يَنحازُ الليلُ للمؤامرة

رفيف الظل: يَنحازُ الليلُ للمؤامرة

يغترفُ الطفلُ سَنَتَهُ من ضفاف صمتهما، فيعطشان. وهذه الأصنامُ التي تمشي، كانتْ في مكانها. تمرُّ على الجالسين في بحبوحة النسيان، يلوّح لها الأطفال بالماء، وهي في عطش الصهيل تنادي فرسانها. يفترشان سجادة اسمه، ويصليان في حضرة الأحجارِ نافلةَ غيابهما عنه. هاهم الفرسان، يردّون لها التحيات. لعل في الوقت ما يسع أرواحنا ونحن في الريح، كأنما في الفريسة ما يغري الوحش، ويغرر بالطريدة ويضع الدم في القلب والجرح. إذا كانت مجنونة فقط، أطلقها. مخيلتك، لا تصدها ولا تسألها، أسلم قيادك لها واجعل خطواتك مليكة لسيادتها. مخيلتك شمسك في النهار والليل. ماذا تريد منك، اعطها. فقط اصقلها قبل الصلاة والتجديف، لكي تصل. ال

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل: في غيِّها، أمُمُ الحَجَر

رفيف الظل: في غيِّها، أمُمُ الحَجَر

كيف أسمّي مَنْ لا اسم له؟ إذا ثملتِ الوردةُ، فسيكون من حق الكأس أن يغلق حانته وأن يضطربَ بعيداً في فراشه. كيف أروي من لا رؤية له؟! حين يجتمعُ السحرةُ حول عصا المليكة، فإن ثعبان الضُحى سيطبق سمَّهُ على ما بقي من ارتعاشاته. هكذا هو، نبي بلا اسم رسولٌ بلا رؤية، تثمل وردته في نبيذها كلَّ مساء، ليوحي لها آيةً جديدة. الوردة المنقوعة في الدم لم تكن في الأصل حمراء، وشاربُ عطرها كان يخفي عن النهار يده السكين. الآن، تنكسر مسافةُ النداء، وتنفضُ الأشجار أوراقها، فتسقط ثمرةُ المعاني الفاسدة، ولا عزاءَ للحطّاب سوى انتظار خريفِها. السيدةُ النائمة في الوسادة، والدعاءُ المرفوع بقوة الصمت، ورجلٌ يلكم ماضيه بقبض

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل: العابرون من جنة الأشرعة

رفيف الظل: العابرون من جنة الأشرعة

البساتينُ مخبأةٌ في تجاعيد النعاس، ولولاها لما تقاطر البنُّ في ذاكرة الفنجان. استقمْ أمام رجفة النوافذ، اصدح عالياً لذلك الوادي السحيق، واختر النارَ التي تجدلُ ضفائرها تحت قدميك. معها، اهبط إلى الغيم وتناولْ قهوتك برفق. ليست للقطف هذه الوردة، إنها للقطيف العفيف، فهل يا ترى قالوا لها؟ تعال إليها، معتقةً برمال البتراء، مخضبة بشفاه الجنوب البهي، تعال إليها كما كنت دوماً، مصطحباً صناديق البريد التي تبخترتْ بالزغارد. تعال. دعها تتذكر مستقبلها، دعها في اختبار الوقت، فالتجربة تمنحها الحب وعذابه. فهي البريد والرسائل والأجنحة والريح. تتذكر بأنها عذَّبتِ البحرَ، وآوتْ إلى جبلٍ لم يعصمها من الملح، وأنكَ

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل : تاء الحياة المفتوحة

رفيف الظل : تاء الحياة المفتوحة

أهدمُ سرايا الضجيج قبل أن أذهب، وأعتلي ربوة الكأس الأخيرة طمعا في لذة الصحو. حينها، سأطلب من فتاة المضمار أن تقرع جرس السباق. هناك، سأجدك ترمقُ خط النهاية بتوجسٍ يشبه توجسي، وسننطلق. الشاعرُ في أول الصفِّ، ليموتَ أولا. فيكون هذا فألا حسنا في حسابهم، حيث تصبحُ الطريق سالكةً نحو التغيير الذي يقصدون. فتستوي المراثي والمدائح، مثلما لا فرقَ بين الموت والحياة إلا بالتاء: مفتوحة هناك ومغلقة هنا. وبعد ما يفوت الفوتُ لن ينفع الصوت.

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيف الظل: سريرٌ عظامهُ النار

رفيف الظل: سريرٌ عظامهُ النار

كل مرّة، يَسِمُكَ المرضُ بجرح، ثم يعود لكي يطمأن على وسمه. حين تراه مقبلاً، لا تجهز له النار. هذه المرة، لا تفعل. إذا طال مرضك اجعله صديقك. ما أكثر أصدقائي. يراقبكَ المرضُ عن كثب، مثل نارٍ تسجّر أحجار السهرة، تحتسي رائحتها المعتقة منذ ميلاد الوردة، حتى تثمل. وفي غيبوبتك، يروي لك الحجر كيف انتابك في المرة الأولى. كنتَ في الطريق إلى حديقة النار، فتعثرتَ بملمس أصابعها، هوت بك إلى سريرٍ عظامُهُ النار، وملاءاته السعال. وحين أفقتَ، كانت الحديقةُ قد غادرت أشجارها. قلت له: المرض ليس هنا. ليس الجسد.

قاسم حداد
ثقافة وفنون رفيق الظل: شهيق الزرقة الأخيرة

رفيق الظل: شهيق الزرقة الأخيرة

تشهقُ به الزرقة، ولا تنقذ روحَه سوى الشجرة. تمحو موتَ المشهد في عينيه، تتراءى رويدا رويدا، يراها وهي تعبرُ البرزخَ بساقين عاريتين، يزحف الشهيق إلى صدره، فيسقط على أغصانها جثةً حالمة. لم يعد متاحا لنا التمييز، أيُّتها الأشجار وأيُّتها الجثث، التدافع ذاته، الغابة ذاتها، الوحوش تختلف. لا تتغير، لكنها تختلف. يبقى لنا شهيقٌ واحدٌ قبل كل شيء. يبقى لنا الشهيق. هل اقتربتَ من نهر الدم الذي سفكوه كي يجري تاريخهم، هل تجرؤ على اغتراف قطرة واحدة؟ إنْ شربتها، يهتف بك الشيطان.

قاسم حداد