وفد نقابي تونسي في زيارة مثيرة للجدل إلى سوريا

نظام دمشق ينتظر عودة العلاقات لبدء «تنسيق أمني» بين البلدين

TT

وفد نقابي تونسي في زيارة مثيرة للجدل إلى سوريا

أثارت زيارة وفد نقابي تونسي لسوريا جدلاً في تونس أمس، وسط خلاف حاد بين مؤيدي الانفتاح على النظام في دمشق ومعارضيه.
وبدأ وفد يمثّل الاتحاد العام التونسي للشغل (كبرى نقابات العمال التونسية)، أول من أمس الأحد، زيارة مثيرة للجدل سياسيا واجتماعياً لدمشق، وتمتد إلى يوم غد الأربعاء. ويعود الجدل بين مؤيدي الانفتاح على نظام دمشق ومعارضيه في الأساس إلى اختلاف حاد في وجهات النظر بين القيادات السياسية والمنظمات الحقوقية في تونس، إذ تنقسم بين مؤيد قوي لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري بعد قطعها منذ سنة 2012. وبين رافض بشدة لمثل هذه الخطوة نتيجة مواصلة النظام استخدام القوة المفرطة ضد معارضيه، وهي الأسباب التي أدت إلى قطع تلك العلاقات من قبل الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي. لكن مشاركة آلاف التونسيين في القتال إلى جانب تنظيمات مسلحة في بؤر التوتر خارج تونس، وخاصة سوريا، ألقت بظلالها على تفكير شريحة من الرأي العام التونسي القلق من نشاط المتشددين لا سيما بعد قيامهم بسلسلة هجمات إرهابية داخل تونس نفسها.
وفي هذا الشأن، قال أبو علي المباركي الرئيس المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل ورئيس الوفد الذي يزور دمشق إن أعضاءه قابلوا صباح أمس رئيس النظام السوري بشّار الأسد الذي «استحسن هذه الزيارة» واعتبرها تشد أزر مؤيديه في «حربهم على الإرهاب»، على حد قول المباركي في تصريحات صحافية.
وأكد رئيس الوفد التونسي أن الوضع الحياتي في سوريا «عادي جداً»، وأن الأسد أبلغهم أن قواته تحقق تقدماً كبيراً و«ستربح الحرب».
وأضاف المباركي أن الوفد التونسي المؤلف من 29 عضواً يمثلون قطاعات اجتماعية عدة، أبلغ الأسد أن اتحاد الشغل التونسي لا يمثّل الدبلوماسية التونسية لكنه سيسعى مع منظمات المجتمع المدني التونسي من أجل عودة العلاقات مع سوريا.
وفي شأن مصير آلاف التونسيين الملتحقين بتنظيمات مسلحة لا سيما في سوريا، قال المباركي إن النظام السوري ينتظر إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لبدء «تنسيق أمني» بين الدولتين حول هذا الملف.
وفي رد فعل غير مباشر على هذه الزيارة، قال خميس الجهيناوي وزير الخارجية التونسية إن العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري لم تقطع بشكل «قانوني»، على حد تعبيره. وأكد على مجموعة من الإجراءات التي كان يُفترض اتخاذها لقطع العلاقات الدبلوماسية بشكل قانوني، ومن أهمها الالتزام بمعاهدة فيينا التي لم يقع احترامها عند قطع العلاقات سنة 2012، كما قال.
وسبق أن زار وفد برلماني تونسي دمشق في مارس (آذار) الماضي، وكان مكوناً من سبعة أعضاء التقوا الأسد والرئيسة السابقة للبرلمان السوري وممثلين عن حزب البعث الحاكم، وجالوا في مناطق سوريا.
وقوبلت زيارة الوفد النقابي لدمشق بردود فعل متباينة وبرفض عدد من الأحزاب السياسية على رأسها حركة «النهضة» التي تدعم مواصلة مقاطعة النظام السوري وتعتبره نظاماً ديكتاتورياً، إلى جانب حزب «حراك تونس الإرادة» الذي يتزعمه المنصف المرزوقي، فيما أعلنت كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ووزارة الخارجية التونسية عدم علمها بالزيارة.
على صعيد آخر، لم يتوصل البرلمان التونسي إلى سدّ شغورات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وانتخاب ثلاثة أعضاء يحلّون مكان رئيس الهيئة والعضوين الآخرين المستقيلين منذ التاسع من مايو (أيار) الماضي.
وعقد البرلمان التونسي طوال ثلاثة أيام ماراثوناً من الجلسات والاجتماعات التي ضمت الأحزاب السياسية الممثلة تحت قبته، غير أنه فشل في التوافق حول انتخاب ثلاثة أعضاء في اختصاص قاض عدلي وقاض إداري وأستاذ جامعي.
وفي هذا الشأن، قال عادل البرينصي، عضو هيئة الانتخابات، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا الهيكل الدستوري في أمسّ الحاجة لسد الشغور للتوجه إلى إعداد الأرضية القانونية والانتخابية للانتخابات البلدية المزمع إجراؤها يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.