التجنيد إلى القتال جعل حلم التخرج لدى السوريين كابوساً في مناطق سيطرة النظام

جامعيون يرسبون بإرادتهم هرباً من الخدمة العسكرية

حرم جامعة دمشق
حرم جامعة دمشق
TT

التجنيد إلى القتال جعل حلم التخرج لدى السوريين كابوساً في مناطق سيطرة النظام

حرم جامعة دمشق
حرم جامعة دمشق

السوق الإجباري إلى القتال يكاد يكون الهاجس الأكبر لدى غالبية الشباب السوريين في مناطق سيطرة نظام الأسد. ويجهد هؤلاء في البحث عن وسائل لتأجيل سوقهم إلى الخدمة العسكرية أو للاحتياط، حيث اضطر أنس، وهو طالب صيدلة، إلى استنفاد كل فرص الرسوب في الفصل الدراسي الأخير، مع أنه كان يعد من المتفوقين، في الفصول الدراسية الأولى إلا أن الخوف من التجنيد الإجباري دفعه للرسوب، إلى أن استنفد كل الفرص وسارع فور تخرجه إلى الالتحاق بالدراسات العليا لتطويل أمد دراسته الجامعية قدر الممكن، ويقول إنه لم يكن لديه رغبة بمتابعة الدراسة العليا، لكنه مجبر على ذلك ريثما يتدبر أمر هجرته من سوريا إلى أميركا حيث يقيم شقيقه الأكبر.
ولا يوفر الشباب السوريون طريقة للهرب من الخدمة العسكرية والخدمة الاحتياط إلا ويحاولون تجريبها علها تنجيهم من شر القتال، في صفوف قوات النظام المنهكة بعد سبع سنوات من الحرب المدمرة. حيث كشفت أرقام جامعة دمشق عن تواري أكثر من نصف طلاب التعليم المفتوح في الفصل الدراسي الثاني، وقالت صفاء اوتاني نائب رئيس جامعة دمشق في تصريح لجريدة (الوطن) المحلية الموالية للنظام، بأن عدد الطلاب الذين تقدموا للامتحانات التعليم المفتوح بجامعة دمشق في الفصل الثاني بلغ واحد وعشرين الف طالبا وطالبة، فيما كان عددهم في الفصل الأول أكثر من اربعين الف طالب وطالبة.  وردت اوتاني اسباب ذلك الى "الظروف الراهنة والحصول على وثائق بيان وضع".
وعلى هامش أزمة السوق إلى الخدمة العسكرية نشط في أوساط الطلاب الجامعية سماسرة مهمتهم اصطياد الطلاب الراغبين بالتأجيل، وأفادت مصادر طلابية في المدينة الجامعية بدمشق بوجود سماسرة لهم علاقات واسعة مع مسؤولين وضباط في شعبة التجنيد، ويقوم السماسرة بتأمين التأجيل للراغبين لقاء مبالغ مالية معينة. حيث يتم منح مصدقة تأجيل أو إبعاد من سجلات المطلوبين لمدة عام ولكل أمر سعر.
يقول أنس: «عند دخولي كلية الصيدلة كنت أحلم بيوم التخرج ككل طالب طبيعي في العالم، ولكن الخدمة العسكرية الإلزامية والحرب حولت هذا الحلم العزيز إلى كابوس نسعى إلى إبعاده عنا» مضيفاً: «معظم الطلاب يفضلون الرسوب الاختياري لأكبر عددٍ ممكنٍ من السنوات، لكسب التأجيل السوق للخدمة العسكرية» على أمل أن تنتهي الحرب أو يدبر أمر الفرار خارج البلاد، ويعتبر أنس الرسوب الاختياري أفضل الخيارات السيئة، وأفضل «مليون مرة من السوق إلى الخدمة العسكرية الإلزامية».
ويتيح قانون التعليم العالي في سوريا فرصتين للرسوب بعد يعتبر الراسب «مستنفدا في دراسته الجامعية» مما يجعله مطلوباً للخدمة حتى قبل إنهاء دراسته. لذلك يسعى الطلاب المستفيدون من فرص الرسوب إلى التخرج والتسجيل في الدراسات العليا للحصول على التأجيل، فدراسة الماجستير حسب التخصص تتيح تأجيل أربعة أعوام مع الرسوب، ويقبل خريجو الجامعات السورية على مجموعة من دراسات الماجستير المتاحة في المعاهد الخاصة والتي لا تشترط معدل درجات جيد، وتكتفي بتقاضي مبالغ مالية، ومن تلك المعاهد من يذكر بشكل واضح وصريح في إعلاناته أنه يستقبل الطلّاب الذين لا يملكون تأجيلاً دراسياً وتكاليف التسجيل فيها مائتي ألف ليرة سورية (200 دولار)، والالتحاق بها لا يهدف لتحصيل درجة علمية أعلى، بقدر ما هو تحايل للحصول على مصدقة تأجيل سوق للخدمة العسكرية، كماجستير التنمية الإدارية في معهد التنمية الإدارية، وماجستير التراث الشعبي التابع لقسم علم الاجتماع، وماجستير الدراسات السكّانية التابع لمعهد البحوث السكّانية، وماجستير الإدارة السياحية التابع لمراكز خاصة مرخّصة من وزارة الصحّة التابعة لحكومة النظام. غير أن هذه المعاهد قد لا تعترف بها شعبة التجنيد. وذلك رهن لمزاجية الموظفين وما تعنيه من دفع رشى. في حين دبلوم التأهيل التربوي المجاني في الجامعات السورية الحكومية مقبول في شعبة التجنيد ومتاح لجميع الاختصاصات، ويتم التأجيل بموجبه لمدة عامين. إلا أن القيادة العامة في قوات النظام سارعت إلى إلغاء تأجيل الخدمة العسكرية لطلاب دبلوم التأهيل التربوي من غير حملة الإجازة التخصصية التربوية. في أبريل (نيسان) الماضي.
وتشير الأرقام الرسمية لجامعة دمشق فقط أن هناك 46 ماجستيراً للتأهيل والتخصص، قبل فيها 900 طالب، إضافة إلى قبول 1500 آخرين في دبلوم التأهيل التربوي. كما يوجد ألف طالب دكتوراه مسجلين في مرحلة الرسالة، أما عدد طلاب الدراسات العليا يفوق 12 ألف طالب وطالبة، وأن هناك 116 ماجستيراً أكاديمياً بكليات جامعة دمشق، قبل فيها 1232 ألف طالب دراسات عليا لعام 2017.
ويشتكي طلاب الدراسات العليا في جامعة دمشق من عدم توفر المتطلبات الدراسية كالقاعات المجهزة، وسوء الخدمات المتعلقة بالمكتبة والشؤون الطلابية. وعدم توفر أماكن لتقديم الامتحانات في بعض الكليات.
فيما يطالب أعضاء في الهيئة التدريسية في جامعة دمشق بإيقاف مؤقت للقبول في بعض أقسام الدراسات العليا، لعدم وجود أعضاء كافيين للإشراف على الطلاب، وعدم وجود شواغر، رغم أن ذلك يخالف سياسة الحكومة وتوجيهات رئاسة الوزراء، بزيادة أعداد المقبولين في الماجستير والدكتوراه.
ويشار إلى أنه مع كل بدء حملة سوق إجباري إلى الخدمة العسكرية أو الاحتياط تنشط الشائعات آخرها ما تناقلته وسائل إعلامية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن إلغاء الفقرة «ج» من المادة 25 من المرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2007 من قانون خدمة العلم. ورغم نفي تلك الشائعة فإنها لا تزال تتفاعل باعتبارها مقدمة لقرار لا يستبعد صدوره بين حين وآخر. والفقرة (ج) المشار إليها تتضمن صلاحيات القيادة العامة في استبعاد من ترى من الخدمة الاحتياطية، وبناء عليه تلغى كافة «موافقات الشطب للدعوات الاحتياطية الصادرة بموجب تلك الفقرة». وكل من تم شطب اسمه أو تم تأجيله حسب الفقرة (ج) سيتم استدعاؤه مجدداً لأداء الخدمة، كما أن المعفى طبياً سيعاد عرضه على لجنة طبية مستقلة، كما ستعمم أسماء جميع هؤلاء على المنافذ الحدودية إلى حين التحاقهم.
وتسببت تلك الشائعات بموجة عارمة من القلق في أوساط من تبقى من الشباب المدنيين في مناطق سيطرة النظام لا سيما المعفيين من الخدمة الاحتياطية بشكل نظامي لأسباب مرضية، أو بسبب حصول استثناء من قبل وزارة الدفاع.
ويتوقع رامي.د في حال صدقت تلك الأنباء أن تشهد مناطق سيطرة النظام «موجة جديدة من هجرة الشباب المدنيين تشمل من تبقى منهم» ويقول رامي طالب في كلية الحقوق جامعة دمشق: «إذا نظرنا إلى الطلاب في قاعة المحاضرات بالكاد سنعثر على طلاب ذكور في بحر من الطالبات الإناث وهكذا الحال في عموم الجامعات السورية» وقد لا يقتصر هذا المشهد على الجامعات بل يشمل الشارع السوري عموماً، فبعد ست سنوات من الحرب يكاد يغيب الذكور (من عمر 18 إلى 40 عاماً) لتحضر النساء من مختلف الأعمار والأطفال والشيوخ.



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.