انتظر إبراهيم الطويل (17 عاما) موسما دراسيا كاملا قبل بدء الإجازة الصيفية، وكله أمل في أن يستغلها في ممارسة السباحة بالبحر، لكنه تفاجأ كغيره بأنه ممنوع من ذلك بقرار رسمي، وذلك بسبب تلوث مياه البحر بشكل كبير، حيث أظهرت آخر عمليات الفحص المخبري التي أجريت بداية الشهر الجاري أن نسبة التلوث في بحر غزة وصلت إلى 73 في المائة، ما يعني أن معظم الساحل أصبح ملوثا. وعلى الرغم من أن القرار حاسم وقاطع بمنع السباحة، لكن إبراهيم يحضر يوميا إلى الشواطئ الشمالية الغربية لبلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، على أمل أن يجد ثغرة تمكنه من السباحة فيها، حتى لو لدقائق معدودة. يقول إبراهيم لـ«الشرق الأوسط» «منذ ستة أعوام على التوالي لم أنقطع عن السباحة بشكل شبه يومي في فصل الصيف. لكن منذ بداية الإجازة الصيفية الحالية التي بدأت في نهاية شهر مايو (أيار) الماضي لم أتمكن من السباحة سوى 13 يوما فقط، وذلك بسبب منع المواطنين من النزول للمياه نتيجة تلوثها».
وأضاف إبراهيم موضحا أن «جل الشبان باتوا يبحثون عن حلول أخرى، مثل جمع الأموال بالمشاركة، لاستئجار شاليه خاص يشمل بركة سباحة... أنا أحب البحر حتى وإن كان ملوثا». لكن ليس كل سكان غزة مستعدين لمثل هذه المخاطرة، وهو ما يضيف من حجم معاناتهم اليومية، خاصة في ظل انقطاع الكهرباء، وتواصل موجة الحر الشديدة التي تشهدها المنطقة، والتي تجعل من البحر المتنفس الوحيد لهم.
وقال صلاح رزق، وهو أحد سكان القطاع إنه يضطر في بعض الأيام للتوجه للجلوس مع عائلته أمام البحر دون الاقتراب منه، وإنه يخشى على أطفاله من أمراض قد تصيبهم في حال أصروا على السباحة في مياه البحر. لكن رزق لا يجد بدائل ممكنة في ظل انقطاع الكهرباء وارتفاع موجة الحر، وعدم قدرته على استئجار شاليه خاص للاستجمام مع عائلته. وتقدر أسعار الشاليهات الخاصة في غزة لقضاء 10 ساعات فقط ما بين 500 إلى 700 شيكل (150 إلى 200 دولار)، وهو مبلغ يكفي لأن تعيش به عائلات من أصحاب الدخل المحدود والمتوسط لشهر كامل. ولذلك يتحسر رزق على المساحة الكبيرة لساحل غزة، القادرة على استيعاب الفقراء وأصحاب الدخل المتوسط، والتي أصبحت تشكل الآن خطرا كبيرا على الصحة.
ويتشارك آباء كثيرون مع رزق في مخاوفه من إصابة أبنائهم بأمراض جلدية إذا ما سبحوا في البحر الملوث، وبهذا الخصوص قالت اهيلدا جمال أنها منعت أبناءها من الاقتراب من مياه البحر، موضحة أن أبناء بعض صديقاتها أصيبوا في بداية الإجازة الصيفية بما يعرف بـ«طفيل الأنتاميبا».
وحذرت مراكز حقوقية من خطورة تلوث مياه البحر بمياه الصرف الصحي، ما قد تتسبب بتدمير البيئة البحرية بالكامل، مشيرة إلى أن الأوضاع الإنسانية في غزة تتفاقم مع تواصل أزمة التيار الكهربائي الناجمة عن الحصار الخانق والمستمر، الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ العام 2007م.
ومن جهته، قال مركز الميزان لحقوق الإنسان «إن انقطاع الكهرباء تسبب في حدوث شلل شبه تام في معظم الخدمات الأساسية الحيوية المهمة لسكان غزة، ولا سيما الصحية والبيئية، وتلوث مياه البحر بشكل غير مسبوق يهدد بوقوع كارثة بيئية محدقة»، مبرزا أن «توقف خدمات التيار الكهربائي سرع من تدهور الأوضاع الإنسانية لدرجة أصبح معها قطاع غزة مكانا غير صالح للحياة اليوم وليس في عام 2020».
من جانبه، حذر المهندس بهاء الأغا مدير سلطة جودة البيئة في قطاع غزة، من أن أزمة تلوث مياه البحر قد تتضاعف في الأيام والأسابيع المقبلة نتيجة استمرار أزمة الكهرباء المتفاقمة، مشيرا إلى أن نسبة التلوث كبيرة قد ترتفع خلال الفترة القليلة المقبلة. وقال الآغا إن سلطة البيئة تجري فحصا شهريا لمياه البحر لمعرفة نسب التلوث وخطورتها، مرجحا أن تشهد عملية الفحص المقبلة بداية الشهر القادم مزيدا من عملية التلوث في شواطئ قطاع غزة، وأبرز أن «كل هذه الأزمة تعود لانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة جدا، وتفاقمها في الآونة الأخيرة، ما حرم مليوني فلسطيني في قطاع غزة من المتنفس الوحيد لهم خلال فترة الصيف».
كما شدد الآغا على أن تلوث البحر يتسبب في أمراض معدية، ولكنها ليست خطيرة أو قاتلة، مشيرا إلى إمكانية تعرض الشخص في حال مارس السباحة فيها إلى التهابات في العيون والجلد والأذن الوسطى والأنف وغيره.
سكان غزة يحرمون من إجازتهم الصيفية بسبب تلوث مياه البحر
بعد أزمات انقطاع الكهرباء وتواصل موجة الحر الشديدة
سكان غزة يحرمون من إجازتهم الصيفية بسبب تلوث مياه البحر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة