ثلاثة أيام أمضاها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في باريس، تلبية لدعوة من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للمشاركة في مراسم الذكرى الخامسة والسبعين لعملية ترحيل آلاف اليهود الفرنسيين إلى معسكرات الإبادة النازية. لكن أمس، كان اليوم «الرسمي» الوحيد الذي شهد، إضافة إلى المراسم المشار إليها، اجتماعا في قصر الإليزيه استغرق أكثر من ساعتين، ضم ماكرون ونتنياهو ومساعديهما. وما لفت الأنظار طيلة أمس، هو التقارب الظاهر بين ماكرون ونتنياهو، وتكرار المعانقة بين الرجلين، بما في ذلك أثناء الحديث إلى الصحافة، وحين مغادرة الثاني قصر الإليزيه. وبحسب المراقبين، فإن ذلك يندرج في إطار «أسلوب» الرئيس الفرنسي، وحرصه على بناء «علاقات شخصية» تتخطى الإطار الرسمي أو البروتوكولي. وذكر ماكرون أمس أنه سيلبي «في الأشهر المقبلة» دعوة رسمية لزيارة إسرائيل، التي سبق له أن زارها في عام 2015 عندما كان وزيرا للاقتصاد في حكومة مانويل فالس الاشتراكية.
ومثلما كان متوقعا، كان موضوع استئناف مفاوضات السلام، المتوقفة منذ 3 سنوات، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الطبق الرئيسي بين الجانبين في لقاء قصر الإليزيه. والسؤال المحوري الذي شغل الأوساط السياسية والإعلامية، هو معرفة ما إذا كان ماكرون «سيتبنى» خطط الحكومات الفرنسية السابقة الخاصة بالدعوة إلى مؤتمر دولي، يكون الرافعة للعودة لمفاوضات سلام جدية برعاية دولية، أم إنه سيتخلى عنها.
في تصريحه للصحافة، اكتفى ماكرون بالدعوة إلى معاودة المفاوضات للوصول إلى حل عنوانه «قيام دولتين تعيشان جنبا إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها، وتكون القدس عاصمتيهما»، عادّاً أن هذه المقاربة تمثل «الخط الثابت للدبلوماسية الفرنسية الذي أتمسك به». لكن بعد أن كانت باريس ترنو لأن تكون السباقة في اتخاذ المبادرات، فإن ماكرون قلص دورها إلى «دعم كل الجهود الدبلوماسية وفق محددات السلام التي وافقت عليها الأسرة الدولية». كذلك قلص ماكرون الانتقادات شديدة اللهجة التي كانت توجهها فرنسا لعملية الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية، إلى جملة واحدة قال فيها: «من المهم التأكد من أن الشروط (الضرورية) لمعاودة المفاوضات والتوصل إلى السلام، لا تنسفها الوقائع (على الأرض)، وأن الجميع يحترمون القانون الدولي، وأعني هنا تحديدا، استمرار البناء في المستوطنات». وأضاف ماكرون، أنه «ذكّر» نتنياهو بموقفه وموقف فرنسا من مسألة الاستيطان.
حقيقة الأمر، أن الرئيس الفرنسي تحاشى التركيز على الموضوعات الخلافية في تصريحاته العلنية. فهو يعرف، من جهة، أن نتنياهو حارب المبادرات الفرنسية السابقة، ويرفض أي تدخل دولي في المفاوضات التي يريدها «مباشرة» مع الفلسطينيين ومن غير شروط. ومن جهة ثانية، فإنه يعي حرج موقف الأخير إزاء الجناح الأكثر يمينية في حكومته الذي يدفع إلى تكثيف الاستيطان. وبالتالي، فإن ماكرون تعمد تلافي مزيد من الإحراج له، واكتفى بإعادة التأكيد على المبادئ الكبرى للحل السياسي التي تحظى بقبول دولي. وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية، إنه «لا يتعين الخلط بين ما يقال علنا وما يقال داخل الغرف المغلقة». وهي توحي بذلك بأن ماكرون كان أكثر صراحة في محادثاته مع نتنياهو. ومن جانبه، لم يشر الأخير، في كلمته، لا من قريب ولا من بعيد، لا إلى موضوع الاستيطان ولا إلى المفاوضات مع الفلسطينيين. وبوصفه سياسيا محنكا، عمد إلى استغلال كلام ماكرون الذي عدّ فيه أن معاداة الصهيونية «شكل من أشكال معاداة السامية»، ليخلص منه إلى القول إن سبب الإرهاب ضد إسرائيل يعود لرفض الفلسطينيين الاعتراف بها دولة يهودية.
وفي أي حال، فإن ماكرون لن يتبنى مشروع الحكومة السابقة، القائم على الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية في حال فشل محاولات السلام. وسبق للرئيس الجديد عندما كان مرشحا، أن عبر عن «معارضته» للاعتراف الأحادي لأنه «لا يفيد». وبحسب مصادر فرنسية، فإنه «ليست لباريس اليوم مبادرة جاهزة». لكنها بالمقابل، تريد أن تلعب دور «المسهل» لمعاودة المفاوضات، كما أنها تدعم «الجهود الأميركية» التي كشف عنها الرئيس دونالد ترمب عندما زار إسرائيل والأراضي الفلسطينية في مايو (أيار) الماضي. كذلك توحي المصادر الفرنسية بأن باريس لن تقدم على إطلاق أي مبادرة قبل أن تتضح طبيعة «الرؤية الأميركية» وجدية الجهود التي تقوم بها إدارة ترمب. ويستشف من مجريات الزيارة التي قام بها صهر ترمب ومستشاره جاريد كوشنر أخيرا، أن لا خطة لهذه الإدارة حتى الآن. على الرغم من ذلك، فإن ماكرون يلحظ ما يشبه الفرصة لمعاودة المفاوضات بسبب «طبيعة المخاطر الإقليمية» من جهة؛ و«إعادة تشكيل» الوضع في المنطقة من جهة أخرى. لكنه امتنع عن إعطاء تفاصيل لما يعنيه بذلك، داعيا إلى «بذل كل الجهود الممكنة» لإعطاء دفع جديد للمفاوضات.
وكان الوضع الإقليمي بكل تشعباته موضع بحث في اجتماع الإليزيه أمس. والجديد الذي جاء به الرئيس الفرنسي، يتمثل بأمرين متلازمين: الأول، تأكيده أنه «يشاطر» نتنياهو «القلق الإسرائيلي حول تسليح (حزب الله) في جنوب لبنان». وشدد ماكرون على أن فرنسا ستسهم في «دعم الاستقرار في لبنان باحترام جميع الطوائف الموجودة في البلاد، واعتمادا على المبادرات الدبلوماسية، التي ستسمح بالحد من المخاطر في هذا المجال والقضاء عليها نهائيا». والأمر الثاني، يتناول الاتفاق النووي مع إيران المبرم قبل عامين. وأكد ماكرون أن باريس «متيقظة» بشأن التزام إيران بالتنفيذ الدقيق للاتفاق، وأنها ستتابع الملف مع إسرائيل التي رفضته ونددت به بقوة، وعدّته «خطرا وجوديا» على كيانها.
ولم تغب الحرب في سوريا عن محادثات أمس. إلا أن ماكرون بقي في إطار العموميات ولم يوضح ما آلت إليه عملية المراجعة الفرنسية بشأن الملف السوري، بحيث اكتفى بالتأكيد على «الحرص على تحقيق فترة انتقالية شاملة وطويلة المدى، لضمان الأمن في المنطقة، والتوصل إلى سلام عادل، وتمكين اللاجئين من العودة» إلى وطنهم. وكان من الطبيعي معالجة موضوع الإرهاب، وأشار ماكرون إلى أنه ونتنياهو شددا على وجود «إرادة مشتركة للعمل من أجل ضمان الأمن والاستقرار (في المنطقة) ومحاربة كل أنواع الإرهاب».
ماكرون «يشاطر» نتنياهو القلق من تسليح «حزب الله» ويدعو إلى «يقظة» مع إيران
لا مبادرات فرنسية جديدة... وباريس تكتفي بـ«دعم كل الجهود»
ماكرون «يشاطر» نتنياهو القلق من تسليح «حزب الله» ويدعو إلى «يقظة» مع إيران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة