أميركا: محنة المسلم البريء مع اليمين المتطرف

حول انتقائية بعض الغرب وازدواجية معاييره

نفذ تيموثي ماكفاي في 1995 عملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما راح ضحيتها نحو 168 شخصاً («الشرق الأوسط»)
نفذ تيموثي ماكفاي في 1995 عملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما راح ضحيتها نحو 168 شخصاً («الشرق الأوسط»)
TT

أميركا: محنة المسلم البريء مع اليمين المتطرف

نفذ تيموثي ماكفاي في 1995 عملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما راح ضحيتها نحو 168 شخصاً («الشرق الأوسط»)
نفذ تيموثي ماكفاي في 1995 عملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما راح ضحيتها نحو 168 شخصاً («الشرق الأوسط»)

رويداً رويداً ينكشف زيف المعادلة غير الأخلاقية التي تحكم توجهات البعض في الغرب جهة الإسلام والمسلمين، ذلك أنها معادلة غير عادلة بالمطلق لا سيما، أنها تحمل بين طرفيها تناقضاً واضحاً وفاضحاً فكل اعتداء ينسب للمسلمين أو تعرض فيه الحياة البشرية أو الممتلكات الشخصية للخطر، مهما علا شأن الأمر والتهديد أو انخفض، وحتى لو لم يكن حقيقة، بل شبه حقيقية أو زعم باطل، هو بالضرورة والحتمية التاريخية ضرب من ضروب «الإرهاب الإسلامي».
وفي المقابل، فإن أي تهديد يتأتى من الرجل الأبيض لا يمكن تجاوز وصفه إلى حد أبعد من فكرة «العمل الجنائي الفردي»، الذي لا يهدد نمط الحياة الغربية أو يختصم من الأمن والسلم الدوليين.
نهار السبت الرابع والعشرين من يونيو (حزيران) الماضي كانت صحيفة «إندبندنت» البريطانية تنشر دراسة قام بها معهد الأمة الأميركي للأبحاث في واشنطن، تتصل بأحوال ومآل الإرهاب في الداخل الأميركي، وبالهجمات التي تعرضت لها البلاد بنوع خاص في الفترة التي تقع ما بين عام 2008 وعام 2016، ومن الذي يقف وراءها.
كان المقطوع به بداية لدى قارئ الدراسة في الغرب الأوروبي أو الأميركي القول إن المسلمين هم المسؤولون بالدرجة الأولى عن تلك الهجمات، وهو أمر يتسق مع موجات الإسلاموفوبيا الطاغية التي تعانيها البلاد في الآونة الأخيرة، وتحديداً في العقدين الماضيين.
لكن المفاجأة كانت خلف الباب، وذلك أن الدراسة أشارت إلى أن غالبية تلك الهجمات الإرهابية نفذتها جماعات متطرفة غير إسلامية، ولا علاقة لها بالإسلام من قريب أو من بعيد... على مَن تُلقي دراسة معهد الأمة الأميركي للأبحاث مسؤولية تلك العمليات الإرهابية؟
تشير الدراسة إلى مسؤولية المتطرفين اليمينيين البيض في الداخل الأميركي عن غالبيتها الكاسحة والساحقة؛ فخلال الفترة الزمنية محل البحث جرت المقادير بـ115 هجوماً، كان من بينها الحادث الذي وقع عام 2015، وأدى إلى مقتل ثلاثة في مركز لتنظيم الأسرة بولاية كولورادو، على يد الأميركي روبرت دير، والدراسة تقول إن الرجل الأبيض هو من قام بمجموع العمليات المتقدمة، وليس المسلمين في الداخل الأميركي.
أضف إلى ذلك، فقد أشارت الدراسة إلى جزئية أخرى ذات أهمية في مجال مكافحة الإرهاب أميركيّاً، وهي تتعلق بإجراءات الشرطة والتدابير الأمنية، فقد تم إحباط 76 في المائة من الحوادث ذات الدوافع الإسلامية، مقابل 35 في المائة من الحوادث المتطرفة لجهات يمينية أخرى وفق الدراسة ذاتها.
يعنّ لنا أن نتساءل: مَن الذي يروج لفكرة أن الإسلاميين هم البرابرة الجدد في الداخل الأميركي، وأن كل شرٍّ يقفون وراءه، وكل إرهاب يدعمونه ويقومون به في الحال والاستقبال؟
ربما يلزمنا الرجوع إلى شهود عدول، وشهادتهم غير مجروحة من عينة ديبا كومار، أستاذ الدراسات الإعلامية ودراسات الشرق الأوسط بجامعة روتغرز الأميركية، ومؤلفة الكتاب الشهير، «فوبيا الإسلام والسياسية الإمبريالية».
ترى كومار أن هناك «أوبرا ضخمة» تزيف الحقائق في الداخل، ليظل الرأي العام الأميركي أسير فكرة ووهم أن العاملين في مجال إنفاذ القانون «يبقون على أميركا آمنة من حشود (الإرهابيين الإسلاميين البرابرة)» ولكن حتى بمساعدة هذا الخداع الدقيق، ونظام عدالة بأكمله يلوي عنقه لخدمة احتياجات ما يسمى الحرب على الإرهاب، لم تتمكن الحكومة الأميركية إلا من إصدار 20 عريضة اتهام سنوياً، بشأن مخططات إرهابية عنيفة... هل من قراءات موثوقة عن هذا الشأن في الداخل الأميركي؟
خذ إليك على سبيل المثال لا الحصر البيانات الصادرة عن «المركز الثلاثي» الأميركي، المعني بـ«الإرهاب وأمن الوطن»، التي تبين الفجوة الضخمة بين التهديدات التي تصورها وسائل الإعلام، والكتاب الموسومين بوسم «الإسلاموفوبيا» وواقع الحال، ومن بين تلك البيانات على سبيل المثال ما يتفق مع أرقام وإحصائيات «معهد الأمة الأميركي» الأخيرة، فعلى سبيل المثال، قتل من الأميركيين في عام 2011 نحو أربعة عشر ألف شخص، لم تكن هناك حالة وفاة واحدة ناجمة عن «مخططات المسلمين الإرهابية» كما يتقولون.
مَن قتل 150 ألف أميركي؟
تبين إحدى دراسات «مركز الأمن الثلاثي» الشاملة عن المسلمين الأميركيين الذين خططوا لهجمات إما محلية أو دولية أو الذين انضموا إلى جماعات مدرَجَة على القائمة الحكومية للمنظمات الإرهابية خلال الفترة ما بين سبتمبر 2011 ومايو (أيار) 2011 ما مجموعه 172 شخصاً مشتبهاً في أنهم إرهابيون أو ارتكبوا أعمال إرهاب.
ومن أولئك، شن 11 شخصاً فقط بالفعل هجمات داخل الولايات المتحدة، وكانوا مسؤولين عن وفاة ثلاثة وثلاثين شخصاً آخرين خلال عقد من الزمان... والسؤال: ماذا عن البقية؟
من الحالات المذكورة في القائمة وعددها 172 حالة، كان تسعة وعشرون لا يزالون رهن المحاكمات وقت نشر الدراسة، وكانت ثلاث وستون حالة تنطوي على مخبر سري.
ويذكر التقرير أن الدفاع عن عملية الإيقاع بالمتهمين لم ينجح في هذه الحالات، وقد حضر أربعة وستون من الأشخاص الوارد ذكرهم في التقرير «معسكرات تدريب للإرهابيين في أفغانستان أو باكستان أو الصومال، وإن كان التقرير يوضح أن معظمهم لم يتلقوا تدريباً ميدانياً، ومن هؤلاء الأربعة والستين، عاد ثلاثون فقط إلى الولايات المتحدة».
وأخيراً يذكر التقرير أنه ما من أميركي مسلم صدرت ضده عريضة اتهام لمساعدته أو تحريضه عن علم على هجمات 11 سبتمبر، وإجمالاً قتل 11 شخصاً ترد أسماؤهم في هذه القائمة ثلاثة وثلاثين شخصاً خلال الفترة ما بين عام 2001، وعام 2011، ولكي ننظر إلى هذا من المنظور الصحيح، خلال الفترة ذاتها، حدثت مائة وخمسون ألف جريمة قتل في الولايات المتحدة الأميركية... فهل قتل المسلمون كل هؤلاء دفعة واحدة؟
من بين أهم الأسئلة التي تواجه الباحث في دائرة الشك واليقين الأميركية: مَن الذي يُروِّج لطروحات «الإسلام والمسلمين الإرهابيين» في الداخل الأميركي؟ والجواب بلا شك يتصل بطغمة معروفة من الكتاب والمذيعين والمفكرين الأميركيين، المعروفين بعدائهم التقليدي، والمصابين بـ«رهاب الإسلام» الذين يدورون في فلك جماعات المصالح المؤدلجة التي تحمل كراهية تقليدية للإسلام والمسلمين.
من بين تلك النماذج يمكننا الحديث عن الكتب العنصرية التي صدرت في أميركا خلال العقد الماضي، مثل كتاب «عندما نامت أميركا... كيف يهدم الإسلام المتطرف الغرب من داخله»، للكاتب الأميركي بروس باور، والكتاب تمتلئ صفحاته بالأكاذيب والمغالطات التي تؤكد جهل المؤلف بأبسط تعاليم الإسلام وسلوكياته، وتضعه ضمن أكثر المتطرفين في عدائه للمسلمين، فعبر صفحات الكتاب نجده يقارن في تحريض خبيث للغرب ضد المسلمين، بين الإسلام والنازية، غير أنه وبينما يلقى الكتاب تقديراً وإعجاباً من عدد من المرضى بنفس داء المؤلف، فقد لقي في نفس الوقت هجوماً حاداً من أعداد كبيرة من المثقفين والمؤرخين الأميركيين والأوروبيين المحايدين الذين يحترمون علمهم بسبب هذه المخالفات التي أوردها المؤلف.
كتاب آخر عنوانه «أميركا تقف وحدها: نهاية العالم كما نعرف»، للمؤلف والصحافي اليهودي مارك ستاين، يردد فيه أيضاً نفس النغمة النشاز التي تماثل الكتاب السابق، لكنه لا يكتفي بانتقاده للمسلمين بل يوجه هجوماً حاداً للأوروبيين الذين تركوا - على حد زعمه -الولايات المتحدة تقف وحدها في حربها ضد الإرهاب ولم يفهموا أن مصالحهم تقتضى التحالف مع الأميركيين في هذه الحرب.
وإلى أبعد من ذلك يذهب ستاين، إذ يرى أن العداء للأميركيين كما يشتعل بين جماعات المسلمين المتطرفين حسب وصفه، فهو قائم أيضاً بين المثقفين الأوروبيين، وقدر أميركا أن تقف بمفردها في هذه الحرب، ويكمل بأنه من المتوقع أن ينقسم العالم بين المؤيدين لأميركا والآخرين، لكن المؤكد لديه أن أميركا سوف تنتصر في النهاية.
ولعل المثير هنا هو أن كتاب ستاين عندما صدر كان من أكثر الكتب مبيعاً وانتشاراً، واستُقبِل بحفاوة بالغة من النقاد، بما يؤكد أن أكاذيبه وعنصريته تلقى استجابة من بعض القراء في أوروبا وأميركا ممن ينتمون إلى اليمين المتطرف المعادي للإسلام، وكأن هؤلاء يتعامون عن الخطر الحقيقي الذي يعيش بين جدران إمبراطوريتهم المنفلتة بحسب المؤرخ الكبير بول كيندي.
ومن مزايا الدراسة التي صدرت عن «معهد الأمة الأميركي» للأبحاث أنها تفتح عيون الأميركيين والمسلمين، وبقية شعوب العالم على حقائق معروفة للجميع، غير أن ذاكرة العوام لا تزيد عن ثلاثة أعوام، ولهذا ربما يجدر التذكير بها من جديد.
الدراسة تؤكد أن غالبية الهجمات الإرهابية التي شهدتها أميركا من 2008 إلى 2016 هي قصة تحتاج لقراءة موسعة قائمة بذاتها، ولكن هذا لا يمنع من إضاءات سريعة بشأنها.
على سبيل المثال سوف يبقى 19 أبريل عام 1995 شاهداً على الحقيقة التي يغمض كثير من الأميركيين أعينهم عنها، ففي ذلك النهار الأسود قام الشاب الأميركي الأبيض تيموثي ماكفاي بعملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما، راح ضحيتها نحو 168 شخصاً أميركياً، وذلك عندما فخخ شاحنة مليئة بالمتفجرات في المبنى الفيدرالي للمدينة، وكان ماكفاي قد اختار توقيت انفجار الشاحنة مع ذكرى المواجهة المسلحة التي وقعت بين الشرطة الأميركية، ومجموعة «ديفيد كورش» المتطرف اليميني، الذي قتل على يد الشرطة الأميركية عام 1993... هل ارتفعت أصوات تندد بجرائم الرجل الأبيض وتنذر وتحذر من التطرف اليميني الأميركي وقبل سبتمبر 2001 بكثير؟
الشاهد أنه يحسب للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، أنه كان ذلك الشخص الذي وضع الأميركيين أمام الحقيقة عارية دون تزييف أو تدليس.
في أعقاب تلك الحادثة قال كلينتون إن عملية ماكفاي إنما جاءت تتويجاً لمجموعة من العمليات الإرهابية التي بدأت تشنها مجموعات متطرفة منذ مطلع العقد التاسع من القرن الماضي. ولدى سؤال كلينتون عن المزاج العام للتنظيمات الأميركية المتطرفة وقتها مقارنة بما كانت عليه قبل ثلاثة عقود قال: «بات لدينا الآن عدد كبير من التنظيمات، وهي تعرض أفكارها اليوم بشكل واسع، وتعتبر أن الخلافات السياسية الحالية هي مقدمات لحرب أهلية».
ومن منتصف التسعينات حتى الآن جرت مياه كثيرة في مياه التطرف اليميني الأميركي.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.