خبراء في منتدى أصيلة يدعون لمواجهة التأثيرات السلبية لـ«الشعبوية»

بوطيب: الاحتجاجات في الريف مرتبطة بقبيلة واحدة فقط وليس بالمنطقة كلها

جانب من ندوة «الشعبوية ونموذج الديمقراطية التمثيلية»
جانب من ندوة «الشعبوية ونموذج الديمقراطية التمثيلية»
TT

خبراء في منتدى أصيلة يدعون لمواجهة التأثيرات السلبية لـ«الشعبوية»

جانب من ندوة «الشعبوية ونموذج الديمقراطية التمثيلية»
جانب من ندوة «الشعبوية ونموذج الديمقراطية التمثيلية»

دعا المشاركون في الندوة الثانية لمنتدى أصيلة الـ39 «الشعبوية والخطاب الغربي حول الحكامة الديمقراطية»، إلى مواجهة التأثيرات «السلبية» لخطاب الشعبوية عبر ترسيخ قيم الديمقراطية والحكامة الجيدة واحترام حقوق الإنسان.
وقال جيم غاما، رئيس التجمع الجمهوري البرتغالي السابق ووزير الخارجية الأسبق خلال مشاركته في محور «الشعبوية ونموذج الديمقراطية التمثيلية»، إن الشعبوية حاليا ليست في ذروة نجاحها، وربما أصبحت خطابا غير جديد، وتفصح عن سلبيات أكثر من الإيجابيات، ودائما ما يتم استخدامها لإمالة كفة الميزان لجهة أكثر من الأخرى، لكن بسبب الخلل في النظام الأمني أصبح لها تبعات، ولذلك، يضيف غاما، «نرى أن هناك بيئة جديدة بادئة في خلق نزاعات وأقطاب مختلفة على مستوى السياسة»، مشيرا إلى أنه عندما احتاج السياسيون إلى التجديد في خطاباتهم كان التوجه الشعبوي هو الحل لاستقطاب الناخبين.
من جهته، قال حسن عبد الله جوهر، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت، إن موضوع الشعبوية ليس موضوعا طارئا بل له جذور، سواء كانت آيديولوجية أو فكرية أو سياسية، وكانت موجودة على مر التاريخ، حيث يتبين أن بدايات وجذور الشعبوية بدأت في صدر الإسلام مع عهد الدولة الأموية، وتقوت أكثر في العصر العباسي، مضيفا أن الشعبوية أخذت لها امتدادات ليس فقط آيديولوجية، ولكن ترجمت على شكل ثقافة وأدب وفن، مشيرا إلى أن أول من بدأ بترسيخ الجذور الفكرية والثقافية للشعبوية هو المفكر الإسلامي المشهور الجاحظ من خلال شعره وكتاباته القصصية وإعادة كتابة التاريخ، حيث جعل فيها نوعا من المزية لغير العرب وخاصة الحضارة الفارسية، التي كان لها دور كبير في نشر هذا المفهوم، وما يؤكد أن الشعبوية ظاهرة إنسانية فكرية وموجودة في الذات البشرية والإحساس بالتفوق على الآخرين، أن هذه الظاهرة أيضا ولدت من جديد في نهايات القرن الـ19. وكانت أكثر تحركا على الميدان السياسي. ومن هنا، يقول جوهر، ولدت فكرة وجود تعريف الشعبوية بأنها قضية التقاء مجموعة من البشر على خصوصيات محددة، تمنحهم نوعا من الالتفاف على بعضهم في مقاومة ما هو جديد، وقد يؤدي إلى الإضرار بمصالحهم، فتأتي الشعبوية الجديدة باعتبارها امتدادا لهذا المسار التاريخي؛ لأن من يتأذى عادة بالشعبوية، يوضح جوهر هم البسطاء من الناس، وبالتالي يمكن استغلالهم سريعا عن طريق العاطفة من أجل الوصول إلى السلطة، إذ هناك علاقة وطيدة بين الشعبوية والطموح إلى السلطة السياسية.
من جهتها، قالت إناستاسيا ليخاشيفا المديرة المساعدة لمركز الدراسات الأوروبية والدولية والأستاذة في العلاقات الدولية، إن الشعبوي اليوم يحاول إلصاق الفشل والأزمات والتحديات الأمنية بالمهاجرين، لأن النخبة لم ترتق إلى مستوى الإجابة عن أسئلة المواطنين، فكان تصاعد خطاب الشعبوية حلا مثاليا لها بعد أن فقد المواطنون الثقة في الطبقة السياسية، مشيرة إلى أن ثمن تحقيق الرفاهية للمواطن هو صعود أشخاص شعبويين للسلطة، وزيادة تصاعد هذا النوع من الخطاب في عدد من دول العالم، مضيفة أن الأحزاب السياسية التي تعتمد على خطاب الشعبوية فازت بحصة الأسد في الانتخابات بسبب تحميل المهاجرين عبء الأوضاع المزرية على أساس أنهم عبء على الدولة ويأخذون ما هو حق للمواطن الأصلي، وهذا الخطاب يؤدي للعزلة والرفض، فالشعبوية سواء من طرف الأحزاب اليمينية المتطرفة أو اليسارية المتطرفة، تستمد قوتها من عدم رضا المواطن من الأزمات الاقتصادية وانعدام العدالة الاجتماعية.
في السياق نفسه، يرى حسن عبد الرحمن السفير الفلسطيني السابق ونائب رئيس والمدير العام لمجلس علاقات العالم العربي مع أميركا اللاتينية، أن الشعبوية ليس لها تعريف واحد، وليست حكرا على آيديولوجية معينة، بل هي نمط من أنماط التحرك، لكنها تختلف من مكان لآخر.
وفي الحالة الفلسطينية، قال عبد الرحمن، إن الخطاب الشعبوي كان ضروريا في مرحلة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، خاصة في ظل التشرد والتشتت الذي ساد الوضع الفلسطيني بعد إقامة دولة إسرائيل عام 1948، وتوزيع الشعب الفلسطيني على عدد من البلدان العربية، وبالتالي كان من الضروري مخاطبة الوجدان والعواطف الفلسطينية من قبل القيادة الفلسطينية التي حاولت أن تخاطب الكرامة والحرية والاستقلال، والكثير من الشعارات، التي كانت ضرورية جدا لتجميع الفلسطينيين حول هذه القيادة، فكان الخطاب الشعبوي ضروريا حينها، وهذا يعني أنه ليس سلبيا بالضرورة وليس بالضرورة إيجابيا.
بدوره، يرى المختار بنعبدلاوي، أستاذ الفلسفة الحديثة ومدير مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية، أن إشكالية الشعبوية أنها تشتت المشروعية، فهي تجعل مشروعية السلطة السياسية القائمة تتآكل، ولكنها لا تقدم أو تقترح مشروعية أخرى بديلة، ذلك أن لها القدرة على قلب الطاولة، ولكن ليس لها القدرة على إعادة ترتيبها، وهذه الخصائص، يرى بنعبدلاوي، أنها يجب ألا «تجعلنا ننظر إلى كل الشعبويات على أنها سلبية، فعندما تنخرط حركات شعبوية صغيرة وغير مؤثرة داخل تكتل واسع له رؤية فيمكن أن يكون أثرها إيجابيا».
في السياق ذاته، قال مصطفى نعمان، الكاتب الصحافي اليمني والسفير السابق لدى إسبانيا، إن كل الحكومات والدول الديمقراطية هي حكومات شعبوية وخطابها شعبوي لأنها تريد أن تحصل على أصوات الناخبين، وهذا لا يتأتى لها إلا بأن تعلن عن سياسة تستهويهم، والمسألة ليس لها علاقة بأحزاب الديمقراطية أو غير ديمقراطية، فالفرق بالخطاب الشعبوي في الدول الديمقراطية أنه في النهاية هناك مؤسسات تستطيع أن تعدل النواقص والأضرار التي تظهر بعد فترة، لكن المشكلة في الدول غير الديمقراطية التي تمارس هذا الخطاب، أنها لا تمارس خطابا شعبويا سياسيا، بل تمارس خطابا شعبويا اقتصاديا، بمعنى أنها تتوجه بإجراءات اقتصادية لا تمارس على جميع المواطنين، بل على المقيمين المهاجرين فقط، في حين المواطن الأصلي لا يتأثر بها.
أما الإعلامي العراقي جاسم العزاوي، فقال إن خطاب الشعبوية لا يخاطب العقل والمنطق، وهو ما يلاحظ في خطابات الرئيس ترمب، لكن المهم أنه يستقطب ناخبين جددا. واستغرب العزاوي صعود ترمب إلى الرئاسة لأنه قدم برنامجا حتى لو لم يكن يستجيب للعقل والمنطق، إلا أنه وجد له مكانا في عقلية الناخبين.
وأوضح العزاوي أن الوطنية أصبحت هي الملاذ للأحزاب، مشيرا إلى أنها فقدت التواصل مع المواطنين لإعادة لفت انتباههم، والشخص الشعبوي، في رأي الغزاوي، هو بحاجة دائما إلى جمهور متلق يقبل الخطاب، وإذا لم يتوفر هذا العنصر فلا يمكن للشخص الشعبوي أن ينجح.
من جهة ثانية، قال أنطوني بورغ، المفوض الأوروبي سابقا ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق بمالطا، إن الشعبوية «وجدت مناطق خصبة للتحرك فيها، ولا يمكن الإنكار أنها وجدت آذانا صاغية لها من الفئات الفقيرة من الناس، فنجد في وقت الأزمات أن هناك أشخاصا يجدون الحلول والوصفات السحرية البديلة التي تدغدغ مشاعر المواطنين، لكن في الوقت نفسه هناك اقتصاديات بصحة جيدة، لكن مع ذلك توجه الناخبون إلى الخطاب الشعبوي»، وقال إن «الفكرة هي عدم الرغبة في مشاركة الآخر لثروة البلد، وأعطى مثالا باقتصاد بريطانيا الذي لا يعاني من أي مشكل، لكن الخطاب الشعبوي آخذ في التصاعد، وغالبا ما يتم استخدام المهاجرين تهديدا لطريقة العيش والاقتصاد، وتهديد حرية الأشخاص وخلق فرص العمل، وهو أمر خاطئ، فالفكرة هي حماية الحدود مما أدى إلى استفتاء».
وقال رودرونيل غوش، صحافي وناشر هندي، إن تصاعد الشعبوية «له دوافع متعددة، أهمها النفاق الذي وصم به الحزب اليساري، وفي الوقت الذي ينتقد الكثيرون خطاب ترمب الشعبوي يجب أولا الرجوع إلى الخلف لنرى كيف وصل العالم لهذا الوضع»، مشيرا إلى أن النخبة الليبرالية هي التي خلقت هذه الفرصة بعدم المساواة، فرغم أن هناك كثيرا من الأشخاص المتأثرين بالخطاب الاجتماعي، لكن التوجه نحو خلق مزيد من الأقطاب الأخرى وعدم إتاحة الفرصة للأحزاب الموجودة التي لم تجد لها مكانا في الساحة، خلقا لبساً لدى المواطنين مما منح فرصة للأشخاص الذين استفادوا من الفجوة السياسية التي ساعدت في تصاعد خطاب الشعبوية، والأمر هنا لا يمكن أن ينتهي عند ترمب.
ومن جهته، وصف عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم بمكناس، الشعبوية على أنها ليست وصفا قدحيا بل هو وصفي، فالشعبوية والمحلية لها كل الحسنات والسيئات الموجودة في العالم، كما تطرق بوطيب إلى موضوع الاحتجاجات في الريف المغربي، متسائلا إن كان للأمر علاقة بالشعبوية أم لا؟، مشيرا إلى أن الاحتجاجات مرتبطة بقبيلة واحدة فقط وليس بمنطقة الريف، وليست متعلقة أيضا بمدينة الحسيمة، موضحا خطورة غياب التأطير الفكري لما يحدث، وهو نتيجة للخوف من المستقبل من خلال التمترس وراء زعيم وراية أخرى في الوقت الذي يعيش فيه المغرب على إيقاع المصالحة الوطنية.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.