في ليلة قضاها في حرم جامعة «هيفي» المظلم، حيث يصعب على المرء شراء وجبة خفيفة بعد ليلة درس طويلة، تعرف ويي - لي، أحد طلاب علم الحوسبة على لمحة سريعة عن مستقبل التجارة الصغيرة.
في ساحة واسعة ومفتوحة في حرم الجامعة، رأى الطالب عربة تشبه الباص تحتوي على صناديق حمراء كثيرة وضعت على رفوف علقت من الأرضية وحتى السقف. وعند المدخل، مسح ويي - لي - بواسطة جهاز للمسح - رمز الاستجابة السريع مستخدماً هاتفه الذكي. ثم دخل عبر باب آلي، إلى المتجر الخالي من البائعين والخالي من صندوق الدفع التقليدي.
* متجر إلكتروني
عند الدخول، رحب به وجه إنسان ثلاثي الأبعاد ذو تعابير هادئة، يتحرك من جهة إلى أخرى ولكن دون إصدار أي صوت. وعبر الطالب الصيني عن انبهاره بتنوع المنتجات التي كانت تباع في المركبة كالفواكه ورقائق البطاطا، والقهوة، والمجلات، وحتى الشوكولاته التي تحمل رمزاً إلكترونياً على غلافها. كما عبر عن إعجابه بسهولة عملية الشراء، إذ كل ما كان عليه فعله هو نسخ الرمز الموجود على أغلفة المنتجات من خلال استخدام تطبيق على هاتفه يتضمن المعلومات الموجودة على بطاقته المصرفية. عندما اقترب من مخرج المتجر، فتح باب زجاجي آخر سامحاً له بالخروج.
هذا المتجر هو «موبي ستور Moby Store» الذي أطلقته شركة «ويليز Wheelys» ومقرها استوكهولم، بتمويل عدد كبير من المساهمين. وقد بدأ المشروع بالتركيز على صنع القهوة وتقديمها في مركبة تتنقل من بقعة إلى أخرى فوق الدراجة الهوائية. أما اليوم، فإن الشركة تختبر نموذجاً يعمل كمتجر يفتح على مدار 24 ساعة، ويعتمد في عمله بشكل كامل على التكنولوجيا.
يعمل هذا النموذج التجريبي في حرم جامعة «هيفي»، التي تقع على بعد 450 كلم غرب شنغهاي، حيث تتعاون «ويليز» مع الأساتذة المسؤولين عن البنية التكنولوجية المشغلة للمتجر.
وقد رأى «لي»، وهو طالب من خارج البحث المرتبط بالمشروع، المركبة أثناء تجوله في أرجاء الحرم مع صديق له وقرر أن يجربها. وراودته بعض الأسئلة حول كيفية اتساع المتجر لأكثر من متبضع في الوقت نفسه، وكيف يمكن تفادي حالات السرقة، خاصة أن حركة التبضع تشتد بعد انتهاء الصفوف، حسبما أفاد.
* دفع مالي هاتفي
على عكس صناعتي سيارات الأجرة والفنادق اللتين تغيرتا في الصين بعد انتشار شركات المواصلات العالمية ومبدأ «المنازل المشتركة» من «أوبر» و«إير بي.إن.بي.»، من المتوقع أن يشهد هذا النوع من أعمال التجزئة، أي المتاجر المتنقلة، المزيد من التطور فيما يتعلق بالتقدم التكنولوجي. وكانت شركة «أمازون» قد أعلنت أنها وقعت اتفاقا بقيمة بـ13.7 مليار دولار أميركي، لشراء سلسلة متاجر «هول فود» للبقالة في الولايات المتحدة، وأنها تعتزم تجربة مبدأ «متاجر دون موظفين»، شبيه بمتجر «أمازون غو ستور فور سياتل».
وقرر مؤسسو شركة «ويليز» تجربة متجرها الجديد في الصين بدل السويد لسببين: الأول هو ارتفاع نسبة السكان في البلد، والثاني هو اعتماد الصينيين بشكل كبير على مبدأ الدفع الآلي عبر هواتفهم. وأفادت شركة «ذا بيتير ذان كاش آليانس» أن الصين تشهد يومياً نحو 175 مليون عملية تحويل أموال، وأن 60 في المائة منها يتم عبر تطبيق الدفع الصيني الشهير «ألي باي Alipay» عبر الهواتف الجوالة.
في ظل ارتفاع بدلات الإيجار والأجور، بات من الصعب على المتاجر الصغيرة أن تستمر في أعمالها. ونقلت مجلة «تكنولوجي ريفيو» عن بو – يو، مدير عمليات «ويليز» في شنغهاي أنهم تلقوا الكثير من الاستفسارات من أصحاب متاجر السوبرماركت الكبيرة الذين يسعون إلى زيادة تنافسيتهم عبر تحويل متاجرهم إلى متاجر خالية من الموظفين.
وكانت شركة «ويليز» قد نقلت أقسام البحث والتطوير والتصميم خاصتها من السويد إلى الصين، حيث افتتحت أيضاً فرع الشركة «هيمالافي» الذي سيركز على تطوير نظام المتجر الآلي.
وقال بير كرومويل، أحد مؤسسي «ويليز» إن الخطوة التالية ستكون تحسين التكنولوجيا التي تشغّل متجر الباص النقال.
* قياسات حيوية
وعلى اعتبار أن الأمن هو أحد الشروط الضرورية، تعاونت «ويليز» مع جامعة «هيفي» لتطوير نظام يجمع القياسات البيومترية (الحيوية) الخاصة بالمتبضعين، خلال سيرهم لمسح الرموز واستخدامهم لأجهزة الاستشعار الموجودة على الرفوف لتسجيل المنتجات عند رفعها. لهذا السبب، على الراغبين بالاستفادة من «متجر الباص» أن يقدموا طلباً مسبقا للحصول على حساب إلكتروني خاص. وعند رفع أحد المنتجات، يتم الربط بين هوية المتبضع والتطبيق الموجود على هاتفه لتفادي حالات السرقة.
بعد أن ينهي المتبضع عملية الدفع، يتم تلقائياً محو المعلومات البيومترية التي سجلت عند دخوله من باب الباص. وتجدر الإشارة إلى أن نظام الأمن البيومتري سيتم تشغيله في المتجر هذا الصيف، وأنه سيصبح بإمكان أي شخص يحمل تطبيق «ويليز 24-7» أن يزور المتجر للتبضع.
وتأمل شركة «ويليز» أن تدمج المزيد من التكنولوجيا في المستقبل، متوقعة أن يصبح الوجه الثلاثي الأبعاد الذي أثار إعجاب الطالب لي بمثابة معاون يعمل بالذكاء الاصطناعي، مهمته مساعدة المتبضع على الالتزام بميزانية معينة، من خلال تقديم اقتراحات تسمح له مثلاً باختيار المنتجات ولكن مع خيارات مخصصة.
كما وضعت الشركة خططاً تعتمد على التكنولوجيا السحابية تعمل على تخزين معلومات عامة عن سلوك الزبائن، وخياراتهم المفضلة، ومن ثم تحليلها لمساعدة المالكين على توقع المنتوجات التي تسجل مبيعات أعلى. وتوصلت «ويليز» أيضاً لموعد أولي سيصبح فيه الباص قابلاً لإعادة تخزين البضائع أوتوماتيكياً عبر التوجه إلى المخازن لملء نقص البضائع التي يعرضها، وأن يزيد مبيعاته عبر التنقل إلى مواقع أخرى حسب التوقعات الخاصة بالطلب.
وشأنه شأن أي تقدم تكنولوجي آخر، من المتوقع أن يؤدي المتجر الذي يعمل دون موظفين إلى حرمان الكثير من الناس من وظائفهم. وحسب الجمعية الصينية لسلسلة المتاجر والفرانشايز، تتضمن الصين ما يقارب 100.000 امتياز فرانشايز خاص بالتجزئة.
ولكن كورمويل السويدي الجنسية ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة. إذ يقول إن المدن الصغيرة والقرى في السويد تفتقر إلى المتاجر لأن أغلبية الناس انتقلت إلى المدن الكبيرة، وأن سكانها المحليين في انخفاض مستمر، مما يجبر القلة المتبقية في هذه المناطق على القيادة لمسافات طويلة لشراء حاجياتهم.
وبات بإمكان رواد الأعمال الراغبين في الحصول على امتياز فرانشايز شراء باص من «ويليز» وتشغيله بكلفة منخفضة تسمح لهم بدعم أرباحهم في المناطق البعيدة، أو التخصص في بيع منتجات معينة كالقصص المصورة والأسطوانات القديمة والكتب المستعملة.
متجر في الصين... من دون بائعين
رواج عمليات الدفع المالي بالهواتف الجوالة يسهل أعماله
متجر في الصين... من دون بائعين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة