تونس: حملة مكافحة الفساد تهدد حكومة الشاهد

TT

تونس: حملة مكافحة الفساد تهدد حكومة الشاهد

دعا المدير التنفيذي لحزب «نداء تونس» حافظ قائد السبسي إلى «تعديل وزاري في العمق أو إعادة هيكلة الحكومة» التي يعد حزبه الشريك الأكبر فيها، بعد مرور نحو 10 أشهر على توقيع «وثيقة قرطاج». وينتظر أن يشهد الشهر الحالي تعديلاً جزئياً أو كلياً، تطالب به أطراف سياسية عدة.
وغذت حملة يوسف الشاهد ضد الفساد والإصلاحات التي يعمل على تنفيذها على مستوى العمل الحكومي، التوقعات بإجراء تعديل وزاري عاجل تدعمه أطراف سياسية عدة مشاركة في الائتلاف الحاكم، وتتوجس منه أحزاب أخرى داخل الحكم وخارجه، وذلك بعد إعلان تشكيل هيئة سياسية عليا بين «نداء تونس» و«حركة النهضة».
ووفق مراقبين، يجد «نداء تونس» نفسه في مأزق سياسي حقيقي نتيجة انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام من قبل الشاهد المنتمي إلى الحزب نفسه، وذلك من خلال إعلانه الحرب على رؤوس الفساد وضرب الجناح المالي لحزبه عبر اعتقالات واسعة شملت أهم ممولي الحزب الحاكم، وبينهم رجل الأعمال شفيق الجراية الذي فرضت عليه إقامة جبرية. وكانت الإقالات التي شملت ثلاثة وزراء منذ بداية العام، موضوع جدل سياسي واسع بحثاً عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراءها. وما زالت التساؤلات متواصلة نتيجة عدم سد الشغور الحاصل على مستوى وزارات حكومية مهمة مثل وزارة المالية (فترة إعداد موازنة 2018) ووزارة التربية (الإعداد المبكر للسنة الدراسية المقبلة) ووزارة الوظيفة العمومية (مناقشة قانون للتقاعد المبكر وتخفيض أعداد الموظفين، بناء على توصية من صندوق النقد الدولي، من 630 ألف إلى 500 ألف موظف).
ووفق ما تسرب من معلومات، ينتظر أن يشمل التعديل ثلاث وزارات على الأقل، إن لم يعمل الشاهد على تقويض الحكومة بأكملها، خوفاً من تكرار سيناريو حكومة الحبيب الصيد التي أسقطها البرلمان بالتصويت. وسيشمل التعديل تعويض وزراء أعفاهم الشاهد من مهامهم، وهم وزراء الوظيفة العمومية والحكومة ومقاومة الفساد والتربية والمالية. غير أنه قد يمتد إلى وزارات أخرى شهدت بدورها تراجعاً على مستوى أدائها وكانت موضع انتقادات من قبل الإعلام.
وكان الشاهد أعفى يوم 25 فبراير (شباط) الماضي عبيد البريكي من مهامه على رأس وزارة الوظيفة العمومية والحكومة ومقاومة الفساد وعين محله خليل الغرياني القيادي في الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (مجمع رجال الأعمال)، إلا أن هذا الأخير طلب إعفاءه من هذه المهمة، قبل إلغاء الوزارة وإلحاقها مباشرة برئاسة الحكومة.
وفي 30 أبريل (نيسان) 2017 أقال الشاهد وزير التربية ناجي جلول، ليخلفه بالنيابة سليم خلبوس وزير التعليم العالي والبحث العلمي. كما أعلن الشاهد في اليوم ذاته إقالة لمياء الزريبي وزيرة المالية التي خلفها بالنيابة على رأس الوزارة محمد الفاضل عبد الكافي.
وتنظر أحزاب عدة، على رأسها «نداء تونس» الفائز في انتخابات 2014 إلى حكومة الشاهد نظرة توجس، خصوصاً بعد إعلانه أنه يقف «على المسافة نفسها من كل الأحزاب»، وهو ما خلف ردود فعل متباينة، خصوصاً من قيادات حزبه التي اعتبرت أنه تخلى عن الحزب الذي رشحه لرئاسة الحكومة وهو يقودها باسمه وسيتحمل نتيجة سياساته في المحطات الانتخابية المقبلة.
وتذهب أطراف سياسية داخل الحكم وخارجه، إلى حد الدعوة إلى إقالة الشاهد من مهامه، إثر فتح ملفات الفساد التي أدت إلى توجيه الاتهامات إلى أعضاء في البرلمان يمثلون «نداء تونس». وهددت تلك الأطراف بإعادة سيناريو الحبيب الصيد، وسحب الثقة في البرلمان.
وقال الناطق باسم الحزب الحاكم برهان بسيس إن التعديل الوزاري «أصبح مسألة ضرورية، لإضفاء نفس جديد على الحكومة يجعلها أكثر انسجاماً مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وأيضاً مع الواقع السياسي». وأكد أن حزبه «يعاين بكل احتراز محاولة الالتفاف والقفز على نتائج انتخابات 2014 ومحاولات تهميش الأحزاب الفائزة في تلك الانتخابات التي يراد منها أن تتحمل التكلفة السياسية للمرحلة من دون أن يكون نداء تونس في الحكم فعلياً».
وقال المحلل السياسي جمال العرفاوي إن مواقف الأحزاب المشكلة للحكومة تشهد تضاربا مهماً ترجمته مواقف متضاربة عدة، بينها مشاركة «الحزب الجمهوري» وحزب «المسار الديمقراطي الاجتماعي» في المشاورات الأولية لتشكيل ائتلاف سياسي ومدني واسع لمعارضة مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية المدعوم بقوة من «نداء تونس».
كما أن «حركة النهضة» المشاركة في الحكم رفضت قانون المصالحة في صيغته الحالية واشترطت تعديلات عدة للموافقة عليه، بينها استثناء رجال الأعمال من المصالحة. وعبرت عن رفضها لحملة الاعتقالات التي طالت رجال أعمال ومهربين متهمين بالفساد من دون إحالتهم على القضاء واللجوء إلى قانون الطوارئ، وهي مواقف تضع الحكومة في وضع صعب حيال إدارتها للخلافات السياسية بين مكونات الائتلاف الحاكم من ناحية، ومواجهة هجمات المعارضة التي تتهمها بالعجز عن التعاطي مع الملفات الاجتماعية والاقتصادية المعقدة من ناحية ثانية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».