باريس تسعى لـ«التوسط» بين واشنطن وموسكو في الملف السوري

دمشق ترفض نشر مراقبين أتراك في إدلب

أطفال نزحوا من المرج إلى بلدة النشابية في الغوطة الشرقية لدمشق يلهون والدمار من حولهم (أ.ف.ب)
أطفال نزحوا من المرج إلى بلدة النشابية في الغوطة الشرقية لدمشق يلهون والدمار من حولهم (أ.ف.ب)
TT

باريس تسعى لـ«التوسط» بين واشنطن وموسكو في الملف السوري

أطفال نزحوا من المرج إلى بلدة النشابية في الغوطة الشرقية لدمشق يلهون والدمار من حولهم (أ.ف.ب)
أطفال نزحوا من المرج إلى بلدة النشابية في الغوطة الشرقية لدمشق يلهون والدمار من حولهم (أ.ف.ب)

لم يتسرب الكثير عن اجتماع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف بعد لقائه المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، لكن اللقاءين اللذين تناولا سوريا مهمان لسببين: الأول؛ أنهما حصلا قبل أيام قليلة من استحقاقات أساسية متصلة بالملف السوري. الثاني، متعلق بالمساعي الفرنسية لبلورة ما سماها الرئيس إيمانويل ماكرون في 22 يونيو (حزيران) الحالي «خريطة طريق سياسية ودبلوماسية»، هي في الواقع خطة للخروج من الحرب وتسوية المسألة السورية.
وبحسب مصادر فرنسية رفيعة المستوى تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، لم تصل باريس بعد إلى «مرحلة نضوج» خطتها. وما زالت الدبلوماسية الفرنسية ماضية في اتصالاتها. لهذا السبب، فإن المسؤولين الفرنسيين، في تصريحاتهم يتوقفون عند المبادئ العامة لما يريدونه، وهو ما فعله لو دريان في حديث خص به صحيفة «لو موند» المستقلة ونشر في عدد أمس.
ويحدد لو دريان «قاعدة مبادئ»؛ أولها، الحرب ضد كل أنواع الإرهاب. ثانيها، منع استخدام السلاح الكيماوي منعا مطلقا. ثالثًا، إيصال المساعدات الإنسانية. رابعاً، التوصل إلى حل سياسي «يضم كل المكونات السورية بدعم من مجلس الأمن، خصوصا الدول دائمة العضوية وبلدان المنطقة». ويضيف الوزير الفرنسي أنه يتعين تشجيع إقامة مناطق «خفض التصعيد» واستكشاف كل الوسائل المفضية إلى الحوار بين الأطراف السورية وإطلاق مسار انتقالي مع كل الملتزمين بهذه المبادئ. ويلاحظ لو دريان أن الحرب على الإرهاب تتقدم بينما المستوى السياسي يتسم بالجمود.
واضح أن لو دريان يتعمد الغموض فيما خص الحل السياسي، ذلك لسببين: الأول، حاجة باريس لمزيد من المشاورات، خصوصا مع الجانبين الأميركي والروسي؛ حيث يشكل مجيء الرئيس دونالد ترمب إلى باريس يومي 13 و14 من الشهر المقبل لحضور العرض العسكري فرصة لفهم معمق للمواقف الأميركية، خصوصا أن فرنسا ما زالت تشكو من «ضبابيته» و«استطالة» عملية إعادة النظر في السياسة الأميركية التي طلبها ترمب من وزارتي الدفاع والخارجية. الثاني، أن خيار توقيت المبادرة الفرنسية وكشف تفاصيلها متروك للرئيس ماكرون.
وأكدت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أن باريس تريد «محفلا جديدا» غير منصتي جنيف وآستانة لأن باريس ترى أنهما «لم يؤديا المهمة» من جهة؛ ومن جهة، تراوح جنيف مكانها، وزيارة دي ميستورا إلى العاصمة الفرنسية كانت لعرض التطورات ورصد العناصر الجديدة. وكشف المبعوث الدولي لوزير الخارجية، بحسب مصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن أحد أسباب تعثر «آستانة» أن النظام السوري «رافض» لوجود قوات تركية في إطار القوات الدولية التي ستولج مهمة الإشراف على إحدى مناطق خفض العنف وهو يعدها «قوة احتلال». وتابعت المصادر أن سبب التعثر الآخر أن تركيا «تريد ضمانات» روسية لجهة امتناع قوات النظام عن مهاجمة قواتها أو قوات المعارضة الحليفة التي تعمل معها شمال البلاد.
من هنا، من المنتظر أن تطرح باريس، في إطار مبادرتها «صيغة جديدة» تشكل إطارا خارجيا للحل، وتضم فقط الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الإقليمية الرئيسية المعنية: «السعودية وتركيا وإيران والأردن وقطر والإمارات». وفائدة هذه الصيغة أنها تشكل انقطاعا مع صيغة «أصدقاء الشعب السوري» التي أصبحت «مهلهلة» بسبب تراميها، كما أنها تختلف عن صيغة «النواة الصلبة» الداعمة للمعارضة التي تغيب عنها، بطبيعة الحال، روسيا وإيران.
وما قاله لو دريان «يوضح» بعض الغموض الذي أثارته تصريحات ماكرون حول بشار الأسد؛ سواء لجهة بقائه في السلطة أو لجهة شرعيته. وكان الرئيس الفرنسي أعلن أنه لم يعد يعتبر أن رحيل الأسد شرط وأن «لا أحد قدم له بديلا عنه يتمتع بالشرعية». وبحسب لو دريان، فإن رؤية باريس تتسم بواقعية «مزدوجة؛ وجهها الأول التخلي عن رحيل الأسد شرطا مسبقا للمفاوضات، ووجهها الثاني اعتبار أنه لا يمكن الوصول إلى حل يدور حوله». أما في موضوع العمل مع الأسد في الحرب على الإرهاب، فإن لو دريان نفى ذلك بقوله إنه «لم ير شيئا» يمكنه من الاعتقاد بأنه أمر يمكن أن يحصل. وكان ماكرون أشار في 22 من الشهر الحالي إلى «الحاجة لتعاون الجميع في الحرب على الإرهاب» ما دفع بعض المعلقين إلى جعل قوات النظام السوري من بينها.
تبدو باريس «متشجعة» من قدرتها على تحقيق شيء ما في الملف السوري، وهي ترى أن بوسعها التحرك بين الأميركيين والروس. وقال لو دريان إن هناك «نافذة مواتية» للتحرك والعمل مع روسيا، لكنه رفض الخوض في التفاصيل. وكانت مصادر أبلغت «الشرق الأوسط» شرحا مسهبا للأسباب التي تدعوهم للتفاؤل بوجود تغير في مقاربة موسكو التي تعول عليها باريس للعودة إلى الملف السوري. وتساءل لو دريان بصيغة النفي: «هل سمعتم الروس يقولون (يوما) إن الأسد يمكن أن يشكل مستقبل سوريا؟».
من العوامل المشجعة اعتبار فرنسا أن إحدى ثوابت المقاربة الأميركية في الشرق الأوسط «احتواء» إيران، وأن ترجمته ستبدأ من الملف السوري، بالتالي، فإن السير بحل سياسي سيكون عاملا مساعدا لروسية التي تعي أن الحسم العسكري غير ممكن وأن مصالحها الاستراتيجية يمكن أن تؤمن من غير الغرق في الملف السوري إلى ما لا نهاية. وقال لو دريان إن «اعتماد منهج جديد والانطلاق من مبادئ قوية لا خلاف عليها والامتناع عن فرض شروط مسبقة بلاغية الطابع والعمل على إيجاد جسور تواصل، من شأنه أن يمكننا من إحراز تقدم».
وفق هذا التصور، تعتقد مصادر فرنسية أن باريس يمكن أن تلعب اليوم دور «الوسيط» بين الأطراف الرئيسية، خصوصا بين واشنطن وموسكو. وتضيف هذه المصادر أن المبادرات التي يقوم بها الرئيس ماكرون تصب كلها في هذا الاتجاه. ماكرون بين أنه يطمح للعب دور فاعل على المسرح العالمي؛ فأوروبياً، هو الوحيد اليوم القادر على القيام بمبادرات بينما رئيسة وزراء بريطانيا عالقة في «البركسيت»، والمستشارة الألمانية منشغلة بالانتخابات التشريعية في سبتمبر (أيلول) المقبل. وفي جانب آخر، يعد أن الرئيس ترمب ضعيف بسبب مشكلاته الداخلية، بينما نظيره الروسي في حاجة إليه للتقارب مع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. إنها فرصة جديدة، لكن النجاح فيها غير مكفول، لأنه رهن عوامل كثيرة لا تتحكم باريس بها، ولأن الملف السوري بلغ حدا بعيدا من التعقيد بسبب تداخل المصالح والعوامل بين ما هو محلي وإقليمي ودولي.



​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
TT

​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)

يتكبد المزارعون اليمنيون خسائر كبيرة بسبب موجة الصقيع التي تشهدها البلاد بفعل الموجة الباردة التي تمر بها منطقة شبه الجزيرة العربية تزامناً مع عبور منخفض جوي قطبي، فيما يحذر خبراء الأرصاد من اشتدادها خلال الأيام المقبلة، ومضاعفة تأثيراتها على السكان والمحاصيل الزراعية.

واشتكى مئات المزارعين اليمنيين في مختلف المحافظات، خصوصاً في المرتفعات الغربية والوسطى من تضرر محاصيلهم بسبب الصقيع، وتلف المزروعات والثمار، ما تسبب في خسائر كبيرة لحقت بهم، في ظل شحة الموارد وانعدام وسائل مواجهة الموجة، مع اتباعهم طرقاً متعددة لمحاولة تدفئة مزارعهم خلال الليالي التي يُتوقع فيها زيادة تأثيرات البرد.

وشهد عدد من المحافظات تشكّل طبقات رقيقة من الثلج الناتجة عن تجمد قطرات الندى، خصوصاً فوق المزروعات والثمار، وقال مزارعون إن ذلك الثلج، رغم هشاشته وسرعة ذوبانه، فإنه أسهم في إتلاف أجزاء وكميات من محاصيلهم.

وذكر مزارعون في محافظة البيضاء (270 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء) أن موجة الصقيع فاجأتهم في عدد من الليالي وأتلفت مزروعاتهم من الخضراوات، ما دفعهم إلى محاولات بيع ما تبقى منها قبل اكتمال نضوجها، أو تقديمها علفاً للمواشي.

خضراوات في محافظة عمران أصابها التلف قبل اكتمال نضجها (فيسبوك)

وفي مديرية السدة التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اشتكى مزارعو البطاطس من تلف الثمار خلال الأيام الماضية، بينما كانوا ينتظرون اكتمال نضوجها للبدء في تسويقها ونقلها إلى منافذ البيع.

ويعتزم غالبية المزارعين التوقف عن الزراعة خلال الأسابيع المقبلة حتى تنتهي موجة الصقيع، مشيرين إلى أن تأثير الموجة يكون أشد على المزروعات في بداية نموها، بينما يمكن للمزروعات التي نمت بشكل كافٍ أن تنجو وتكمل نموها، إلا أنها لن تصل إلى مستوى عالٍ من الجودة.

أسبوع من الخطر

في غضون ذلك حذّر مركز الإنذار المبكر في محافظة حضرموت السكان من موجة برد شديدة، وتشكّل الصقيع على مناطق الداخل، خلال الأيام المقبلة، داعياً إلى اتخاذ أقصى التدابير، واتباع الإرشادات الصحية للوقاية من ضربات البرد القارس، واستخدام وسائل التدفئة الآمنة مع رعاية كبار السن والأطفال من تأثيراتها.

طفلة يمنية بمحافظة تعز تساعد عائلتها في أعمال الزراعة (فيسبوك)

ونبّه المركز المزارعين لضرورة اتباع إرشادات السلامة لحماية محاصيلهم من آثار تشكل الصقيع المتوقع تحديداً على المرتفعات والأرياف الجبلية في مختلف المحافظات.

وخصّ بتحذيراته الصيادين والمسافرين بحراً من اضطراب الأمواج، واشتداد الرياح في مجرى المياه الإقليمية وخليج عدن وحول أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي، وسائقي المركبات في الطرق الطويلة من الغبار وانتشار العوالق الترابية نتيجة هبوب رياح نشطة السرعة، وانخفاض مستوى الرؤية الأفقية.

وطالب المركز باتخاذ الاحتياطات لتجنيب مرضى الصدر والجهاز التنفسي مخاطر التعرض للغبار خاصة في المناطق المفتوحة والصحراوية.

وتتضاعف خسائر المزارعين في شمال اليمن بسبب الجبايات التي تفرضها الجماعة الحوثية عليهم، فعلى الرغم من تلف محاصيلهم بسبب الصقيع، فإن الجماعة لم تعفهم من دفع المبالغ المقررة عليهم، خصوصاً أنها - كما يقولون - لجأت إلى فرض إتاوات على محاصيلهم قبل تسويقها وبيعها.

طبقة من الثلج تغطي خيمة نصبها مزارع يمني لحماية مزروعاته من الصقيع (إكس)

ومن جهتهم، حذّر عدد من خبراء الأرصاد من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من موجة برد شديدة تستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، على مختلف المناطق والمحافظات، بما فيها الصحارى، وتصل فيها درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مع احتمالات كبيرة لإتلاف مختلف المزروعات والمحاصيل.

صقيع وجراد

وتؤثر موجات الصقيع على أسعار الخضراوات والفواكه بسبب تراجع الإنتاج وارتفاع تكلفته، وإلى جانب ذلك تقل جودة عدد من المنتجات.

وأوضح خبير أرصاد في مركز الأرصاد الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية أن كتلة هوائية قطبية بدأت، أخيراً، التقدم باتجاه المناطق الشمالية والصحراوية، مع هبوب الرياح الشمالية الجافة، متوقعاً أن تسهم في إثارة ونقل كميات كبيرة من الغبار يمتد تأثيرها إلى خارج البلاد.

يمني في محافظة ذمار يتجول على دراجته ملتحفاً بطانية (فيسبوك)

ووفق الخبير الذي طلب التحفظ على بياناته، بسبب مخاوفه من أي عقوبات توقعها الجماعة الحوثية عليه بسبب حديثه لوسائل إعلام غير تابعة لها، فمن المحتمل أن تكون هذه الكتلة الهوائية القطبية هي الأشد على البلاد منذ سنوات طويلة، وأن تمتد حتى السبت، مع وصول تأثيراتها إلى كامل المحافظات.

وبيّن أن التعرض للهواء خلال هذه الفترة قد يتسبب في كثير من المخاطر على الأفراد خصوصاً الأطفال وكبار السن، في حين سيتعرض كثير من المزروعات للتلف، خصوصاً في المرتفعات والسهول المفتوحة، مع احتمالية أن تنخفض هذه المخاطر على المزارع في الأودية والمناطق المحاطة بالمرتفعات.

ووفقاً للخبراء الزراعيين، فإن الصقيع يتسبب في تجمد العصارة النباتية في أوراق النباتات وسيقانها الطرية، وبمجرد شروق الشمس، وتغيّر درجات الحرارة، تتشقق مواضع التجمد أو تذبل، تبعاً لعوامل أخرى.

تحذيرات أممية من عودة الجراد إلى اليمن خلال الأسابيع المقبلة (الأمم المتحدة)

وطبقاً لعدد من الخبراء استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، فإن تأثيرات الصقيع تختلف بحسب تعرض المزارع للرياح الباردة، إلا أن تعرض المزروعات للرياح الباردة في المرتفعات لا يختلف كثيراً عن وقوع نظيرتها في الأودية والسهول تحت تأثير الهواء الساكن شديد البرودة.

وفي سياق آخر، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تحذيراً من غزو الجراد في اليمن، بعد انتشار مجموعات قليلة منه على سواحل عدة دول مطلة على البحر الأحمر، بما فيها السواحل اليمنية.

وتوقعت المنظمة في تقرير لها أن تزداد أعداد الجراد وتتكاثر في اليمن خلال فصل الشتاء، وأن تتجه الأسراب إلى سواحل البحر الأحمر للتكاثر، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد الجراد في المنطقة، بما يشمل اليمن.

ويعدّ الجراد من أكثر التهديدات التي تواجهها الزراعة في اليمن، ويخشى أن يؤثر وصول أسرابه إلى البلاد على الأمن الغذائي.