لبنان: «اللقاء التشاوري» يقرّ خطة عمل الحكومة

أكّد تثبيت المناصفة ورفض التوطين والانتقال إلى الدولة المدنية

الرئيس اللبناني ميشال عون ترأس اجتماعاً لرؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون ترأس اجتماعاً لرؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة أمس (دالاتي ونهرا)
TT

لبنان: «اللقاء التشاوري» يقرّ خطة عمل الحكومة

الرئيس اللبناني ميشال عون ترأس اجتماعاً لرؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس اللبناني ميشال عون ترأس اجتماعاً لرؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة أمس (دالاتي ونهرا)

وضع اللقاء التشاوري الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون يوم أمس في قصر بعبدا جامعا رؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة، خطة طريق عمل الحكومة اللبنانية في بنودها الميثاقية والاقتصادية والإصلاحية.
وأهم ما جاء في الورقة التي أعدها رئيس الجمهورية وأقرها المجتمعون «المواءمة بين الحفاظ على نظامنا الديمقراطي التعددي والانتقال الكامل نحو الدولة المدنية الشاملة بما في ذلك كيفية التدرج من تثبيت التساوي والمناصفة بحسب الدستور بين عائلاتنا الروحية في حياتنا العامة وصولا إلى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية إضافة إلى ضرورة إقرار اللامركزية الإدارية في أقرب وقت» والتشديد على ضرورة عدم السماح بأي تلاعب بالهوية الديموغرافية للبنان، ورفض التوطين المعلن أو المقنّع، ومواجهة «أي محاولة لتثبيت أي جماعة غير لبنانية، على أرض لبنان».
وقد سجّل رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع، تحفظه على البند الأول، وأوضحت مصادر في «القوات» لـ«وكالة الأنباء المركزية»، أسباب تحفّظ جعجع عن البند الأول حول تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، بالقول: «إن جعجع أشار في مداخلته إلى أن التوقيت الآن غير مناسب لطرح تشكيل هذه اللجنة، بل يجب المحافظة على تركيبة لبنان الفريدة المتنوعة وتجنيب البلاد ويلات الحروب المُحيطة بنا وتثبيت الاستقرار». وشدد جعجع على «ضرورة الالتفات إلى هموم الناس الذين ينتظرون منّا الكثير، خصوصاً على الصعد التنموية والاقتصادية وإصلاح البنى التحتية»، مضيفة «الأولوية الآن الاهتمام بشؤون اللبنانيين المعيشية والحياتية وترك مسألة إلغاء الطائفية السياسية جانبا». ولفتت المصادر إلى حصول تباين في وجهات النظر بين جعجع والوزير علي قانصوه أثناء طرح الأخير مسألة ضرورة التعاون بين الحكومتين اللبنانية والسورية في مسألة عودة النازحين، إذ شدد رئيس «القوات» على أن لا تعاون بين الحكومتين، لأن في نظرنا لا دولة في سوريا الآن، وحلّ هذه المسألة يكون عبر المجتمع الدولي والمنظمات الدولية من خلال إقامة مناطق آمنة توفّر العودة الآمنة لهم. وأوضحت المصادر أن جعجع شدد على أهمية التمسّك بالصيغة اللبنانية وبالنظام القائم، وذلك عقب مطالبة رئيس الحزب «الديمقراطي» النائب طلال أرسلان بالذهاب إلى مؤتمر تأسيسي.
وفي الشقين الاقتصادي والإصلاحي، أكّد المجتمعون على ضرورة إطلاق ورشة اقتصادية وطنية، عبر وضع وتنفيذ خطة اقتصادية شاملة تنبثق منها الخطط القطاعية، وموازنة الدولة وخلق فرص العمل وتحقيق الإنماء المتوازن والاقتصاد المنتج، وتوفير الأسواق الخارجية تصحيحا للخلل في الميزان التجاري وحماية الأسواق الداخلية والإنتاج، ومنع الاحتكارات، والاستثمار في القطاعات الاقتصادية العصرية، وشدّدت الورقة على أهمية إحياء المجلس الاقتصادي والاجتماعي في أقرب وقت ممكن كإطار للحوار المستدام والتوازن بين قطاعات اقتصادنا الوطني.
ودعا المجتمعون الحكومة إلى وضع هذه الخطة وتنفيذها ومواكبتها عبر لجنة اقتصادية وزارية دائمة من خلال برنامج زمني، لتأمين البنى التحتية اللازمة لنهضة الاقتصاد الوطني، تشمل تأمين الكهرباء والحفاظ على المياه كثروة استراتيجية للبنان وتأمينها عبر كل الخطط الوطنية المقرة وتنفيذ برنامج إنشاء السدود، وحمايتها والحفاظ عليها وتنظيف مجاري الأنهر واستثمار الثروة البترولية البحرية حسب البرنامج الموضوع لها هذه السنة، والإسراع بإنجاز خط الغاز الساحلي والموانئ الغازية تكريسا لاعتماد لبنان على الغاز وكذلك تكثيف الاستثمار المجدي في الطاقات المتجددة، إضافة إلى تأمين الاتصالات السريعة بأعلى جودة وبأرخص الأسعار وكل أنواع المواصلات ووضع خطة للنقل المشترك وتأمين الاعتمادات اللازمة لإنهاء ملف المهجرين.
وفي الشق الإصلاحي، رأى المجتمعون أن بناء الدولة في لبنان يتطلب إصلاحا في السياسة والمؤسسات والقضاء والإعلام والتربية مؤكدين أن الدولة لا تستقيم مع فساد، فكذلك لن يستقيم إصلاحها من دون مواكبته بإعلام مسؤول، بجميع وسائله، حر بالمطلق والحقيقة حدود حريته، وتطبيق القوانين هو الضامن للحقيق, واعتبروا «أن هذه النقاط تشكل مجموعة أهداف وطنية جامعة لكل اللبنانيين، ونجاحها نجاح للوطن، وليس لأي مسؤول أو فريق فيه، من هنا ضرورة مواكبتها وتنفيذها بإرادة وطنية جامعة وصادقة ضمانا للنجاح».
وكان قد حضر اللقاء التشاوري إضافة إلى عون، رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، والوزير مروان حمادة، ممثل رئيس حزب التقدمي الاشتراكي الأستاذ وليد جنبلاط الموجود خارج لبنان، ورئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان، ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصوه، ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية الذي حضر للمرة الأولى إلى قصر بعبدا منذ انتخاب عون، وممثل أمين عام «حزب الله» النائب محمد رعد، أمين عام حزب الطاشناق النائب اغوب بقرادونيان، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.