لا يختلف اثنان على أن زين الدين زيدان كان أفضل لاعب في عصره... كيف لا وهو الذي حصد كأس العالم عام 1998 ودوّن اسمه في تاريخ دوري أبطال أوروبا لكرة القدم بهدف من الأجمل في نهائي 2002. إلا أن النجم الفرنسي - الجزائري الأصل عاد قبل أيام ليدوّن اسمه في قائمة الشرف مدرباً لفريق نادي ريال مدريد الإسباني، بعدما أصبح أول مدرب منذ 27 سنة يحتفظ بلقب المسابقة القارية الأبرز.
ولئن كان الفوز بلقبين أوروبيين يمثل إنجازاً رائعاً لأي مدرب، فإن ما حققه زيدان يعد إنجازاً شبه استثنائي، خصوصاً أنها أول تجربة له كمدرّب مع فريق أول، في أعقاب توليه مسؤولية الجهاز الفني لريال مدريد في يناير (كانون الثاني) 2016، خلفاً للإسباني رافائيل بينيتيز، وبعدما تتلمذ على يدي الإيطالي كارلو أنشيلوتي.
والجدير بالذكر، أنه بعد أقل من خمسة أشهر في المنصب، بات زيدان أول فرنسي يحرز لقب دوري الأبطال لاعباً ثم مدرباً، ولقد أكمل موسمه الأول بـ«كأس السوبر» الأوروبية، قبل أن يختم عام 2016 بانتزاع كأس العالم للأندية. وبعد سنة، أضاف زيدان إلى رصيده لقب الدوري الإسباني (الأول لريال منذ 2012) والاحتفاظ بلقب دوري الأبطال، محققاً لـ«النادي الملكي» ثنائية أحزرها للمرة الأخيرة عام 1958.
لم يكن أكثر المتفائلين يتوقعون الصعود الصاروخي الذي حققه زين الدين زيدان الشاب الفتي المتحدر من أصول جزائرية، الذي كان أقاربه ينادونه باسم «يزيد» في طفولته. فالطفل الذي نشأ في منطقة كاستلان بمدينة مرسيليا الفرنسية التي أقام فيها أهله بعد هجرتهم من الجزائر عام 1960، خالف كل التوقعات وحرق المراحل في مسيرته الكروية، سواءً كان ذلك على المستطيل الأخضر أو عند خط التماس في مقاعد الجهاز الفني.
ما حققه زيدان المدرّب، في الحقيقة، لم يستطع أي مدرب تحقيقه منذ أريغو ساكي مع نادي إيه سي ميلان الإيطالي عامي 1989 و1990، بل وبات زيدان أول مدرب يحققه في الصيغة الحديثة لمسابقة دوري الأبطال التي دخلت حيّز التطبيق عام 1993. ويذكر أن ساكي حقق إنجازه وهو في سن الرابعة والأربعين من العمر، وها هو زيدان يكرر التجربة في السن نفسها. أما الفارق الأساسي بين الرجلين فهو أن ساكي ما كان معروفاً على نطاق واسع كلاعب، بينما فرض زيدان اللاعب اسمه في سجل عظماء اللعبة.
مشوار النجومية
عشية المباراة النهائية ضد فريق نادي يوفنتوس الإيطالي في العاصمة الويلزية كارديف، التي فاز بها ريال مدريد 4 - 1، قارن زيدان بين حياته وفيلم سينمائي، فقال «لو قلتم لي وأنا يافع إنني سأختبر كل هذا، ما كنت لأصدقكم». وفعلاً، قد تكون بداية زيدان مع النجومية قد تأخرت بعض الشيء بعد انتقاله من نادي بوردو الفرنسي إلى يوفنتوس الإيطالي عام 1996، إلا أن مشواره كمدرب لم يستغرق أكثر من 18 شهراً ليبلغ القمة.
من كان يستطيع أن يقول في يناير 2016، عندما تلقى زيدان اتصالا من فلورينتينو بيريز، رئيس ريال مدريد، يطلب منه فيه - أو بالأحرى يرجوه – القبول بتولي المسؤولية العصيبة خلفاً لرافائيل بينيتيز، أن يحقق النجم الفرنسي اللامع هذا الإنجاز وعلى هذا النحو.
لقد كانت جماهير ملعب سانتياغو بيرنابيو، معقل ريال مدريد، في ذلك الوقت تهتف باستمرار ضد رئيس النادي وتطالبه بالرحيل. أما زيدان فتولى هذه المهمة رغم خبرته القليلة في عالم التدريب، فإنه بفضل الاحترام الذي يتمتع به كأحد أساطير اللعبة تمكن من تهدئة الأجواء في المدرجات وكذلك داخل غرفة خلع الملابس. ومن ثم، أعاد فريق النادي العريق مرة أخرى للمنافسة وأنهى ذلك الموسم بطريقة غير متوقعة، إذ توّج بلقب دوري الأبطال إثر تغلبه على فريق نادي أتليتكو مدريد، «جاره» اللدود في العاصمة الإسبانية، بركلات الترجيح في المباراة النهائية.
يرى كثيرون أن زيدان مدير جيد للاعبين أكثر منه مديراً فنياً. ومنتقدوه يتحدثون دائماً عن «حسن طالعه» ويصفونه بـ«المدرب المحظوظ». وبعد نجاحه في تخطي عقبة الموسم الأول بنجاح، واجه زيدان بشجاعة تحدياً جديداً هذا الموسم، وتمكن من قيادة ريال مدريد للفوز بأول لقب له في الدوري الإسباني منذ 2012 وأنهى الموسم بقوة كبيرة بفضل سياسة التناوب الواسعة التي يتبناها والتي شارك فيها جميع اللاعبين بالفريق.
يوفنتوس...ومنتخب فرنسا
بدأ نجم زين الدين زيدان يسطع مع يوفنتوس الإيطالي خلال النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي. إلا أن صانع الألعاب الموهوب فرض نجوميته على الساحة العالمية مساء 12 يوليو (تموز) 1998 على ملعب «ستاد دو فرانس» في ضاحية سان دوني الباريسية في نهائي كأس العالم بين منتخبي الدولة المضيفة فرنسا وحاملة اللقب البرازيل. مجريات ذلك المساء جعلت من «زيزو» معبود الجماهير الفرنسية، بعدما قاد منتخب فرنسا لفوز تاريخي 3 - صفر، كان له منها هدفان من رأسية بعد ركلة ركنية.
من ناحية أخرى، عرف زيدان نشوة الفوز وخيبة الخسارة في المحطة نفسها، نهائي مونديال 2006 في ألمانيا أمام إيطاليا. يومذاك كان النجم الكبير يخوض مباراته الأخيرة، ولقد سجل هدف الافتتاح لفرنسا من ركلة جزاء على طريقة «بانينكا» في مرمى حارس المرمى المخضرم جانلويجي بوفون. إلا أنه بعدما تعرض لمخاشنة وتلاسن أقدم على «نطح» المدافع الإيطالي ماركو ماتيراتزي، مما دفع الحكم إلى طرده ببطاقة حمراء، فخرج من الملعب مطأطأ الرأس، وهو يرمق الكأس الذهبية بطرف عينيه.
وبالفعل، أكمل فريقه المباراة بعشرة لاعبين وخسرها أمام المنتخب الإيطالي بركلات الترجيح 3 - 5 بعد وقت إضافي انتهى بالتعادل 1 - 1.
وعلى الرغم من مرور 11 سنة على الحادثة وإنجازاته الكثيرة كلاعب فإن زيدان ما زال عاجزاً عن الهروب من تلك الذكرى، ومع اقتراب موعد كل مونديال تتوالى عليه الأسئلة... حيثما ذهب أو مهما فعل، والجميع يرغبون الخوض في أسباب تلك الحادثة.
قيمة عاطفية
يحمل تحقيق زيدان إنجازه أمام يوفنتوس قيمة عاطفية خصوصاً للفرنسي. فبعد تجاربه مع فريقي ناديي كان وبوردو الفرنسيين، تألق النجم الفرنسي مع يوفنتوس، النادي العريق الكبير في مدينة تورينو الإيطالية. وفي صفوفه (بين 1996 و2001) تحوّل إلى أحد النجوم القلائل من غير الإيطاليين الذين تتغنى بهم جماهير فريق «السيدة العجوز»، وهي الفترة التي أحرز فيها إضافة إلى كأس العالم 1998، كأس أوروبا 2000، وجائزة «الكرة الذهبية» 1998.
جسدياً، لم يتغير زيدان كثيراً منذ تلك الفترة، ربما باستثناء أنه أصبح حليق الرأس بالكامل. لكن على المستوى الشخصي، بات تواصل زيدان مع الآخرين، أكانوا لاعبين أم صحافيين، أفضل من أي وقت. ففي تقديمه الرسمي كمدرّب لريال، حرص زيدان على تقديم صورة عائلية إذ وزّع الابتسامات على الحاضرين، وجلس إلى جانبه زوجته فيرونيك وأبناؤه الأربعة، وبينهم إنزو الذي أطلق عليه والده اسمه تيمنا بالنجم الأوروغواياني إنزو فرانشيسكولي، مُلهم «زيزو» الشاب كروياً. واليوم إنزو زيدان أحد اللاعبين الناشئين في تشكيلة ريال، ولقد استدعاه زيدان من ضمن 25 لاعباً للمشاركة في نهائي دوري الأبطال.
لقد أراد زيدان من خلال صورته في المؤتمر الصحافي أن يظهر أن «النادي الملكي» نادٍ عائلي، وأنه كمدرب سيكون مختلفاً عن سلفه رافائيل بينيتيز ويطوي صفحته.
في المقابل، شكك كثيرون بقدرة زيدان على تحمل مسؤولية ناد بضخامة ريال مدريد يضم مستوى استثنائياً من النجوم والاحترافية... والمتطلبات. إلا أن زيدان خالف كمدرب، كما فعل سابقا كلاعب، كل توقعات المشككين.
وهنا، يلفت ما قاله عنه زميله السابق في يوفنتوس، الأوروغواياني الدولي باولو مونتيرو «زيدان يستحق نجاحه. لقد ظهر الآن أنه مدرب كبير... هذه مباراته النهائية الثانية (في دوري الأبطال) أو الثالثة إذا احتسبنا تلك التي خاضها عندما كان مساعداً لأنشيلوتي. ورغم كل ما حققه... يبقى مثلما هو، لم يتغير».
أجمل الأهداف
بالنسبة للاعب فاز بكأس العالم وأحرز هدفا من أجمل الأهداف في تاريخ نهائيات دوري أبطال أوروبا ورفع أيضاً الكأس القارية مع منتخب بلاده، فإن زين الدين زيدان ربما بخس حق نفسه عندما قال بعد التتويج بنهائي دوري الأبطال «لم أسجل الكثير من الأهداف». وبتواضع ردّ على سؤال عمّن سيكون «النجم» لو جمعته تشكيلة واحدة للفريق مع كريستيانو رونالدو بقوله «كريستيانو طبعاً.. فهو يسجل الأهداف».
قد تدعم إحصاءات النجم البرتغالي كلام مدربه، ذلك أنه سجل 40 هدفا أو أكثر في كل موسم على مدار المواسم السبعة الأخيرة. أيضاً، كان كريستيانو رونالدو أخطر أسلحة ريال مدريد الهجومية في نهائي كارديف أمام يوفنتوس، ولذا لم يحاول زيدان إخفاء هذا الأمر، إذ علّق «لاعبو الوسط مهمون بالطبع. الكل مهم في مركزه... لكن في المباريات الكبرى تتوقع من المهاجمين التسجيل، والمؤكد أن الأهداف هي كل شيء في كرة القدم». وأردف: «أنا لم أسجل الكثير من الأهداف، ومع أنني أحرزت بعض الأهداف الحاسمة.. لكنها ليست أهدافاً كثيرة».
على أي حال، ما زال هدفا زيدان في نهائي كأس العالم 1998 وهدفه الرائع بتسديدة مباشرة بقدمه اليسرى في مرمى فريق نادي باير ليفركوزن في نهائي دوري الأبطال 2002 من الأهداف العالقة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة المحبة لكرة القدم.
وبينما تحوّل رونالدو، الذي اشتهر على مدار سنوات بدوره في مركز الجناح وصناعة اللعب، إلى اللعب في مركز المهاجم الصريح، ظل زيدان يدير اللعب من خط الوسط. وهو رغم افتقاره للسرعة، فإن سجلّ زيدان التهديفي يدعو للاحترام فخلال 155 مباراة لعبها مع ريال مدريد سجل زيدان 37 هدفاً، كما أحرز 24 هدفاً في 151 مباراة مع يوفنتوس. وفي سنواته الأولى مع كان وبوردو سجل 95 هدفا في 506 مباريات. وهزّ الشباك 31 مرة في 108 مباريات مع منتخب فرنسا، وهذا سجل يفخر به الكثير من المهاجمين الدوليين.
التحدي الثالث
زيدان الهادئ نجح في تخطي التحديات المختلفة منذ توليه المسؤولية الفنية لريال مدريد. ونجح في بث روح القتال والنهم للحصول على فوز توّج به غريمه التاريخي برشلونة.
وبذلك يكون ريال مدريد قد أنهى موسما حالما تحت قيادة مديره الفني الفرنسي.
والآن، يستعد زيدان لتحديه الثالث، الذي يرجح أن يكون الأكثر صعوبة، وهو يتمثل في الحفاظ على النهم وإقناع لاعبي الريال بمواصلة الانتصارات في إطار روح التضامن والأجواء الطيبة داخل الفريق، بالإضافة إلى إيمان الجميع بفكرة واحدة، ألا وهي تحقيق الألقاب.
ولن يكون هذا بالأمر السهل على زيدان، فهناك لاعبون يطالبون باللعب بشكل أكبر، هذا بجانب إنعاش الجانب الذهني، الذي يتعرض للإنهاك دائما تحت تأثير لمعان الكؤوس ونشوة الفوز بالألقاب.
بطاقة هوية
اسمه الكامل: زين الدين يزيد زيدان
الأصل: جزائري من قرية اغيمون بمنطقة القبائل شرقي الجزائر العاصمة.
مكان وزمان الولادة: مرسيليا (فرنسا) يوم 23 يونيو (حزيران) 1972
وضعه العائلي: متزوج من فيرونيك فيرنانديز منذ 1994 ولهما 4 أبناء هم إنزو ولوكا وثيو وإلياز
الأندية التي لعب لها: كان وبوردو (فرنسا) ويوفنتوس (إيطاليا) وريال مدريد (إسبانيا)
مبارياته الدولية مع منتخب فرنسا: 108 مباريات