يعيش عدد كبير من الجزائريين تحت الصدمة حاليا بسبب جريمة فظيعة، راح ضحيتها طفل في العاشرة من عمره في بلدة بولاية الوادي، القريبة من الحدود الليبية، يدعى بلال، وجده راع بالمنطقة جثة هامدة مدفونا في مكان معزول، وذلك بعد أسبوع من اختفائه. وقد شوهد آخر مرة أمام بيته العائلي يلعب بدراجته الهوائية.
وأعادت هذه الحادثة الجدل من جديد حول عقوبة الإعدام، التي توقفت السلطات عن تنفيذها منذ 1993، تاريخ إعدام أربعة متشددين رميا بالرصاص، اتهموا بتفجير مطار العاصمة الجزائرية عام 1992 (40 قتيلا)، حيث ناشد أهالي أطفال قتلوا بعد خطفهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رفع تجميد عقوبة الإعدام على الأقل في الجانب المتعلق بجرائم الأطفال، على أساس أن ذلك يوفر الحماية لهم مستقبلا.
وقال والد بلال، بنبرة حزينة، إنه يتوجب على السلطات «إنزال أشد العقوبة بخاطفي وقاتلي ابني، فلذة كبدي الذي كان يلعب ويمرح وسط الحي كبقية أقرانه من الأطفال الأبرياء، غير أن المجرمين أبوا إلا أن يختطفوا هذه البراءة». وطالب مصالح الأمن بالإسراع في إجراء التحريات للكشف عن المجرمين. فيما خيم حزن كبير على قرية وغلانة بالوادي بعد الحادثة، التي تشبه عشرات الجرائم التي طالت مناطق كثيرة من الجزائر خلال السنوات الثلاث الماضية. وحسب المتتبعين فإن من أفظع الجرائم التي عرفتها جريمة قتل الطفل ياسين ببشار جنوب غربي البلاد العام الماضي، إذ تم قطع يديه بعد ذبحه، وأثبتت تحريات جهاز الدرك بشأنه أن المجرم امرأة وكان دافعها استخدام يدي الطفل في طقوس متعلقة بالشعوذة والسحر.
وجاء في التحريات التي تسلمتها النيابة أن المرأة التي قتلت ياسين من أقارب والدته، جاءت من بلدة أخرى واستدرجت الطفل. وبعد ثلاثة أيام عثر الدرك على بقايا جثته داخل كيس في عمارة.
حادثة أخرى خلقت غضبا وسط الشارع الجزائري، تتمثل في خطف الطفلة نهال (5 سنوات)، التي جاءت مع والدتها من وهران إلى العاصمة لحضور حفل زفاف خالها، حيث اختفت بعد دقائق من وصولها، وبعد أسبوع كامل من البحث عثر على جثتها بمنطقة غابية بأعالي العاصمة، وانتهت التحريات إلى أن مرتكب الجريمة هو صديق خالها، الذي انتقم منه بقتلها بسبب خلافات حادة بين الرجلين حول صفقة تجارية عقدت بينهما.
أما الطفل أنيس من عين الدفلى غرب العاصمة، فقد اختطفته عصابة من تجار الأعضاء البشرية، لديها امتدادات في مالي والنيجر، وتتكون من 10 أشخاص، اعتقلوا جميعهم بمدينة وهران بغرب البلاد، وبعد التحريات تم العثور على أجزاء من جسد الطفل. ونظرا لفظاعة هذه الجرائم فقد أصبحت جريمة قتل ياسين ونهال وأنيس بمثابة قضايا رأي عام بامتياز، ومحل مطلب شعبي لرفع التجميد عن عقوبة الإعدام التي يتضمنها قانون العقوبات الجزائري، والتي ينطق بها القضاة في أحكامهم دون أن تطبق، وذلك بسبب ضغط مارسته منظمات دولية على الجزائر في تسعينات القرن الماضي، بحجة أن عقوبة الإعدام «تنتمي لعصر آخر يتنافى مع حقوق الإنسان».
وذكر مصطفى خياطي، رئيس «الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث»، مفسرا هذه الظاهرة الغريبة عن المجتمع الجزائري بقوله «يصل عدد الأطفال المختطفين فجأة من بيوت آبائهم إلى 100 حالة سنويا، بحسب إحصاءات جهاز الشرطة. وقد سجلت هيئتنا التي تشتغل على هذا الملف معدل اختطاف طفلين في السنة خلال الـ20 عاما الماضية. غير أن الظاهرة استفحلت في السنوات القليلة الماضية وأصبحت مقلقة بالفعل».
وعن دوافع خطف الأطفال، يوضح البروفسور خياطي أن السبب الرئيسي هو الاعتداء الجنسي الذي غالبا ما يكون متبوعا بقتل الطفل. أما السبب الثاني فهو ابتزاز عائلات الأطفال المعروفة بثرائها، وهو ما حدث قبل عامين عندما تعرض ابن رجل أعمال معروف بالعاصمة للاختطاف. وقد أطلق الخاطفون سراح الطفل البالغ من العمر ثماني سنوات، بعد أن تسلموا فدية من والده قيمتها 100 ألف دولار، واعتقلتهم الشرطة بعد فترة قصيرة، ويوجدون حاليا في السجن في انتظار محاكمتهم. وقد خلفت هذه الحادثة تذمرا كبيرا وسط الملايين من سكان العاصمة، إذ خرج المئات إلى الشوارع صيف عام 2015، مطالبين بتنفيذ حكم الإعدام ضد الخاطفين، بحجة أن ذلك أنجع طريقة للردع.
وتوجد أسباب أخرى، حسب خياطي، من بينها قضايا ثأر بين عائلات، إذ غالبا ما يكون الأطفال ضحاياها. وهناك سبب آخر، يتمثل حسب البروفسور، في المتاجرة بالأعضاء البشرية، ولكن تقنيا هذا غير ممكن داخل الجزائر، على حد قوله، لأن مستشفيات البلاد لا تتحكم في عمليات زرع الأعضاء.
من جانبه، يقول فاروق قسنطيني، رئيس «اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان» سابقا، إنه رفع نهاية العام الماضي توصية إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، يطلب فيها رفع التجميد عن عقوبة الإعدام فيما يخص خطف الأطفال حصريا. وقال بهذا الخصوص: «لو تمكنا من تحقيق ذلك، فسنكون قد أنجزنا شيئا مفيدا للغاية للمجتمع ولعائلات الأطفال الضحايا. أنا ضد حكم الإعدام من حيث المبدأ، ولكن تنفيذه في هذه الظروف التي نعيشها من شأنه أن يردع كل من تسول له نفسه خطف طفل بريء وترويع أهله». ولم يصدر أي قرار من الرئاسة بخصوص هذا الموضوع، لحد الساعة.
وقال هواري قدور، مسؤول ملف خطف الأطفال بـ«الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان»، إن تقريرا مفصلا عن قضية قتل الأطفال ومماطلة الحكومة في إلغاء التجميد عن الإعدام، سيرفع إلى مجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف ليناقش في إحدى دوراته.
الجزائر: مطالب بإعادة عقوبة الإعدام ضد قاتلي الأطفال
بعد تزايد حالات اختطاف الصغار وقتلهم
الجزائر: مطالب بإعادة عقوبة الإعدام ضد قاتلي الأطفال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة