فشلت تركيا وألمانيا، أمس، في التوصل إلى اتفاق حول زيارة مسؤولين سياسيين ألمان إلى قاعدة إنجيرليك الجوية لتفقد قوات تنشرها برلين، في سياق الحملة ضد تنظيم داعش في سوريا، بعدما أصرت أنقرة على منع هذه الزيارات.
وبعد مباحثات مع وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل، في مقر وزارة الخارجية التركية في أنقرة، أمس، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو: «حالياً، يمكنهم (الألمان) زيارة قاعدة حلف شمال الأطلسي في قونية (وسط)، وليس في إنجيرليك». وأضاف جاويش أوغلو: «قيمت مع نظيري الألماني هذه المسألة بكل تفاصيلها، واتفقنا مبدئياً على السماح للنواب الألمان بزيارة جنودهم العاملين في ولاية قونية، ومن ثم النظر في مسألة زيارة إنجيرليك».
وجاء الرد من وزير الخارجية الألماني أن ألمانيا ليس أمامها خيار سوى البدء في سحب قواتها من قاعدة إنجيرليك الجوية في تركيا، إذ إن الحكومة التركية لا تسمح لأي نائب ألماني بزيارة القوات هناك، وقال إن «تركيا أوضحت أنها لا يمكنها، لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية، الموافقة على زيارات لأي من النواب»، وأضاف غابرييل أن أعضاء البرلمان يتعين أن يتمكنوا من زيارة القوات التي حظيت عملياتها بموافقة البرلمان، وأنه «يتعين على تركيا أن تفهم أننا في هذه الحال يجب أن ننقل الجنود الألمان من إنجيرليك (...) في هذه الحال، البوندستاغ (البرلمان الألماني) سيطلب من الحكومة إيجاد موقع آخر للجنود الألمان الموجودين في إنجيرليك».
كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد أعلنت بعد رفض تركيا زيارة النواب لقاعدة إنجيرليك، التي كانت مقررة في 15 مايو (أيار) الماضي، أن برلين قد تسحب جنودها (نحو 270 جندياً) وطائراتها (6 طائرات استطلاع وطائرة تموين في الجو) من إنجيرليك إلى قاعدة أخرى، وطرحت بدائل، منها الأردن.
وأفسحت برلين المجال أمام المفاوضات حول هذا الموضوع مع الجانب التركي حتى منتصف يونيو (حزيران) الحالي، ولذلك فإن زيارة غابرييل تعد حاسمة في القرار الذي ستتخذه برلين.
وتقول أنقرة إن هناك نواباً بالبرلمان الألماني يدعمون تنظيمات إرهابية تعمل ضد تركيا، وأشار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، عقب لقاء وصف بالمتوتر مع ميركل في بروكسل على هامش قمة «الناتو» في مايو الماضي، إلى أنه يمكن أن تسمح تركيا بزيارة النواب كما كان من قبل، لكن بشرط إرسال قائمة بأسمائهم إلى وزارة الخارجية التركية لتدقيقها أولاً.
وقال جاويش أوغلو، أمس، إن ألمانيا لم ترسل قائمة بأسماء النواب الذين طلبت برلين زيارتهم لجنودها (نحو 20 جندياً) في قاعدة «الناتو» في قونية حتى الآن، ولفت إلى أن تركيا وألمانيا تبذلان جهوداً مضاعفة لإعادة علاقاتهما إلى مستويات ما قبل الأزمات الأخيرة التي شابتها، وأنه بحث مع نظيره الألماني جميع الأزمات وسبل حلها.
وأضاف أن تركيا عبّرت عن استيائها من الاعتداءات المتكررة على المسلمين والأتراك القاطنين في ألمانيا، والفعاليات التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني المحظور في المدن الألمانية.
واستطرد: «الجانب الألماني يعترف بعدم صحة السماح لأنصار العمال الكردستاني وأتباع فتح الله غولن بالقيام بأنشطة في المدن الألمانية. ووجهنا دعوة للحكومة الألمانية لضرورة الحد من تلك الفعاليات التي تؤثر سلباً على علاقات البلدين».
وفي هذا الملف، وهو أحد أهم القضايا بالنسبة لتركيا، والذي ترهن به فتحها قاعدة إنجيرليك أمام النواب الألمان، عبّر غابرييل عن تضامن بلاده مع الحكومة التركية ضد محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت العام الماضي، مشيراً إلى أن تركيا حليف لألمانيا في حلف الناتو، وأنهما يكافحان الإرهاب معاً. وأضاف أن تركيا تعد من أهم الشركاء الاقتصاديين، وأن حكومة برلين حريصة على مواصلة التعاملات التجارية مع الحكومة التركية، وستسعى لإيجاد السبل الكفيلة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع أنقرة.
وبالنسبة لنشاط العمال الكردستاني، قال إن «هذه المنظمة لا تشكل تهديداً ضد تركيا فقط، بل تهدد أمن وسلامة ألمانيا لأن أنصارها يقومون بتجارة المخدرات والسلاح، ويمارسون العنف في المدن الألمانية. وهناك 4500 قضية بحقهم تنظر فيها المحاكم الألمانية، وإذا قضت بتسليمهم لتركيا، سيتم تسليمهم». وتابع: «سنلبي مطالب تركيا فيما يخص تسليم أنقرة المطلوبين من عناصر العمال الكردستاني».
أما بالنسبة لأتباع غولن الذين تقدموا بطلبات لجوء، والذين طالب جاويش أوغلو بإعادتهم إلى تركيا، فقال غابرييل إن المحاكم الألمانية تنظر في هذه الأمور «ونحن كحكومة نحترم القرارات التي ستصدر عن هذه المحاكم، فالمحاكم الألمانية تقيم جميع الأدلة المقدمة من الجانب التركي بخصوص تورط هؤلاء الأشخاص في محاولة الانقلاب الفاشلة. وفي حال ثبُت تورطهم، فإن عملية الإعادة ستتم»، لافتاً إلى أن المطلوب من تركيا هو أن تقدم أدلة قوية على إدانتهم.
وأشار إلى أن من تمت الموافقة على منحهم حق اللجوء جميعهم من حاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة، ويصل عددهم إلى نحو 40 عسكرياً من العاملين السابقين في «الناتو» في بروكسل، فروا إلى ألمانيا بعد فصلهم من جانب السلطات التركية مع أسرهم، وطلبوا اللجوء.
وفي ملف آخر، جدد جاويش أوغلو رفض الإفراج عن الصحافي الألماني من أصل تركي، مراسل صحيفة «ديفلت الألمانية»، دنيز يوجال، الموقوف في تركيا بتهمة الانتماء لمنظمة إرهابية. وقال أوغلو، في رده على سؤال في هذا الشأن، إن يوجال لم يتم توقيفه بسبب أنشطته الصحافية، إنما لتورطه بالإرهاب، وتشجيعه على الانضمام إلى المنظمات الإرهابية ضد تركيا، والمحكمة تنظر في ملفه، وسنحترم قرار المحكمة في هذا الشأن.
وقال إن «ألمانيا تعرف جيداً أننا لا نقوم بالقبض على الصحافيين بسبب ممارسة أعمالهم الصحافية، وإنما لضلوعهم في الإرهاب. وقد ألقينا القبض على صحافي قام بتصوير مواقع عسكرية، ونشر هذه الصور، فهل هذا من قبيل عمله الصحافي؟».
وأضاف وزير الخارجية التركي أنه تم في الفترة الأخيرة رصد توجه في أوروبا نحو استخدام أجهزة مخابرات لصحافيين كعملاء في تركيا، وأن الغرض من ذلك هو ممارسة نفوذ حال القبض على أحدهم، عبر شن حملات مثل «اعتقال صحافيين» أو «صحافيون في السجن». ولفت إلى أن قضية اعتقال يوجال حاضرة دائماً على جدول أعمال لقاءات ممثلي الحكومتين الألمانية والتركية، وقال: «نرى أن موضوع يوجال مهم للغاية بالنسبة لألمانيا، لكن الأمر الثابت الذي تعلمه ألمانيا جيداً أن الاتهامات المتعلقة بيوجال لا تتعلق بالصحافة، بل بالإرهاب»، مشيراً إلى استقلال القضاء التركي.
وأوقف يوجال على ذمة التحقيق في إسطنبول منذ نهاية فبراير (شباط) الماضي بتهمة الترويج لتنظيم إرهابي، وإثارة الفتن، واتهمه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأنه إرهابي وعميل ألماني.
وقد استقبل إردوغان وزير الخارجية الألماني عقب مباحثاته مع جاويش أوغلو، لكن رئيس الوزراء بن علي يلدريم ألغى اللقاء مع غابرييل، الذي كان مدرجاً سلفاً على جدول أعماله، بدعوى كثافة جدول الأعمال أمس.
وشارك يلدريم في اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد برئاسة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعد ظهر أمس، وبعدها بساعات حضر نواب مأدبة إفطار مع نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم بالبرلمان بالعاصمة أنقرة.
ألمانيا تتجه لسحب جنودها من إنجيرليك بعد فشل زيارة غابرييل إلى تركيا
أنقرة وبرلين لم تبديا مرونة في أي من ملفات التوتر
ألمانيا تتجه لسحب جنودها من إنجيرليك بعد فشل زيارة غابرييل إلى تركيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة