التفسير النفسي للتطرف والإرهاب

انتشار امني مكثف في شوارع مانشستر عقب التفجير الانتحاري للحفلة الغنائية الشهر الماضي (رويترز)
انتشار امني مكثف في شوارع مانشستر عقب التفجير الانتحاري للحفلة الغنائية الشهر الماضي (رويترز)
TT

التفسير النفسي للتطرف والإرهاب

انتشار امني مكثف في شوارع مانشستر عقب التفجير الانتحاري للحفلة الغنائية الشهر الماضي (رويترز)
انتشار امني مكثف في شوارع مانشستر عقب التفجير الانتحاري للحفلة الغنائية الشهر الماضي (رويترز)

في توقيت مواكب للحادث الإرهابي الشنيع الذي شهدته مصر وتحديداً في محافظة المنيا في صعيد البلاد، والذي أودي بحياة نحو 30 شخصاً جلهم من الأطفال الأبرياء، بالإضافة إلى عشرات المصابين، وكان قد سبقه حادث إرهابي آخر في مدينة مانشستر البريطانية أودى كذلك بالكثير من الآمنين وروع المواطنين المسالمين صدر عن مكتبة الإسكندرية كتاب قيم للغاية، ضمن سلسلة الكراسات العلمية المحكمة التي تصدر عن وحدة الدراسات المستقبلية، ويبحث في «التفسير النفسي للتطرف والإرهاب»، ومؤلفه الدكتور شاكر عبد الحميد أستاذ علم نفس الإبداع، ووزير الثقافة المصري الأسبق والكاتب والمفكر صاحب المؤلفات الكثيرة والقيمة.
الكتاب الذي يقع في نحو مائتي صفحة من القطع الكبير جدا يحتوي على خمسة فصول: الأول مفاهيم أساسية، والثاني يتحدث عن التطرف وتقسيم العالم، فيما يتناول الثالث النظريات المفسرة للتطرف، أما الرابع فمجاله الإرهاب والعنف السياسي، والجزء أو الفصل الأخير يخصصه لإشكالية التطرف والتسلط.
وينهي المؤلف عمله بخاتمة بها مسارب أمل عن ثقافة الإبداع في مواجهة ثقافة التطرف والإرهاب.
ولأن المسطح المتاح لا يتسع لاستعراض أو لمناقشة أبعاد الكتاب دفعة واحدة، لذا فقد اخترنا التوقف أمام الفصل الرابع تحديداً، الذي يتناول العلاقة الجدلية بين الإرهاب والعنف السياسي، وهو المشهد الذي يؤلم العالم برمته في الآونة الأخيرة من مانشستر في بريطانيا إلى المنيا في صعيد مصر، في محاولة لفهم أبعاد ما يجري من دوائر جهنمية حول العالم المعاصر.
وفي كل الأحوال فإن الصور التي خلفها الحادثان الإرهابيان الأخيران، أكدت على أن الإرهاب يعمل على نشر الخوف والرعب والشعور الدائم بالتهديد، وذلك لأنه ظاهرة يصعب التنبؤ بحدوثها، فلا أحد يعرف على وجه الدقة متى ستقع الأحداث الإرهابية وأين.
هذه الأزمة كما يرى المؤلف تدفعنا دفعاً في طريق البحث عن نشأة الإرهاب، والبيئة المرسبة أو المهيئة لظهوره، وكذلك الدلالات الرمزية والأبعاد السياسية التي يحاول توصيلها من خلال سردياته وإشاراته التي لا تتوقف عن الظهور هنا وهناك.

إشكالية تعريف التشدد
يعمق الدكتور شاكر البحث عن حول مسألة تعريف الإرهاب والتي أضحت بالفعل إشكالية أمام المنظرين لهذا «الوباء» الذي انتشر في عالمنا، سيما وأن ما يراه البعض إرهاباً قد تعتبره جماعات أخرى مقاومة شرعية ومن هنا تبقى الإشكالية قائمة.
ومثلما توجد صعوبة في تعريف الإرهاب، فإن هناك صعوبة أيضاً في تصنيف الجماعات الإرهابية، وذلك لأن هذه الجماعات كثيراً ما تكون ذات هويات مختلفة، تشتمل على تعريفها لنفسها، وتحديدها لعددها، وكذلك معاييرها الجمعية وقيادتها وأهدافها وغير ذلك من الأمور.
وعلى الرغم من تعقد الموقف الخاص بتعريف الإرهاب، فإن هناك محاولات قد بذلت في تعريفه، وقد اتفق معظمها على أن الإرهاب هو الاستخدام المنظم للعنف على نحو ممنهج ولأهداف سياسية من قبل جماعة أو منظمة، والتي تقوم باستخدام للعنف أو التهديد باستخدامه على نحو منظم، من أجل أن تحقق أهدافها السياسية، وغالبا ما يكون ذلك الاستخدام، من جانب الجماعات الإرهابية استخداما رمزيا، أي موجها على نحو خاص نحو رموز الدولة.
والشاهد وبحسب سطور الكتاب القيم ومن خلال التقييم الموضوعي والتحليل العلمي للظاهرة، تظل هناك صعوبات في الوصول إلى تعريف مقنع أو يحظى بالقبول التام ويميز بين الإرهاب والسلوك العنيف، ومع ذلك فإن هناك وبشكل عام، نوعاً من الاتفاق على أن الإرهاب هو: «ذلك الاستخدام المتعمد والمنظم للعنف، والذي تقوم به أعداد صغيرة من الأفراد، أما العنف المجتمعي فيتسم بأنه سلوك تلقائي وغير منظم ويتطلب مشاركة كبيرة».
على أن العنف والإرهاب حول العالم من الشرق إلى الغرب ومن شمال المسكونة إلى جنوبها باتا يدفعان المفكرين إلى ما هو أبعد وأعمق من محاولات العلاج الأمني أو الاستخباراتي، على أهميتهما، فتأصيل الظاهرة، قد يقود إلى المنابع، وتجفيفها يقطع سيل الإرهاب المنهمر صباح مساء كل يوم.

أسباب ذيوع العنف والإرهاب
يفرد المؤلف سطورا عميقة للأسئلة التي طرحها «روبون وأوروز» في كتابهما «ثقافة تحت الحصار» و«العنف الجمعي والصدمة» عام 2000م، وهي أسئلة ينبغي علينا أن نعرف إجاباتها عندما نتصدى لمحاولة الفهم والتفسير لذيوع العنف الآن في بعض المجتمعات البشرية، ومن أهم هذه الأسئلة ما يلي:
1. ما الدوافع التي تقف وراء العنف عادة والعنف السياسي المرتبط بالتطرف والإرهاب على نحو خاص؟
2. ما الثقافة التي تكون حاضنة للعنف، ومفرخة، أو مولدة للعنف أكثر من غيرها؟
3. ما السرديات الثقافية المرتبطة بالعنف والعدوان وكيف يتم ترميز وتشكيل شفرات العنف الجماعي في هذه السرديات؟
4. كيف تلعب التشكيلات الثقافية التي تشتمل على الرموز والفولكلور والتراث وأنماط القدوة أو النماذج والطقوس وعلاج إحدى الصدمات؟ وكذلك ما العمليات الثقافية السيكولوجية المتضمنة في تربية الأطفال وفي استجابتهم للعنف؟
5. ما دور ما يسميه «إيريك أريكسون» بالثقة الأساسية؟ ما دور الثقة، أو فقدان الثقة، في المؤسسة الاجتماعية والممارسات الثقافية التي تشكل خبرات تضفي المعنى على حياة الإنسان؟
هنا يلفت المؤلف نظرنا إلى ما يقوله بعض الباحثين من أن العنف واسع المدى أو الجماهيري، وكذلك الإرهاب، قد يكمن وراءه نوع من فقدان الثقة الأساسية في هذه المؤسسات والممارسات، وكذلك محاولة البحث عن مؤسسات وممارسات أخرى بديلة تتوجه إليها مثل هذه الثقة التي تشكل جانبا مهما من الاستقرار السياسي.
كذلك قال الباحثان «ماتوسيان وشيفر»: «إن العنف السياسي ينشأ نتيجة لخيبة الآمال التي يشعر بها الصغار والكبار، ولقد تعددت دوافع العنف والعدوان عبر التاريخ، كما طورت بعض الآيديولوجيات الحديثة أفكاراً عامة أساسية تتمسك بها حول الدونية الثقافية للآخرين، في مقابل التفوق الثقافي لها ولأعضائها، مثل تلك الخاصية المتعلقة بمعاداة المهاجرين، وكذلك الحركات المتميزة عرقيا في أوروبا والولايات المتحدة، وأيضاً تلك الاتجاهات المدججة بالكراهية حتى الإبادة والقتل الجماعي كما حدث في يوغسلافيا السابقة.
وهناك أيضاً تلك الاعتقادات النازية التي كانت - ولم تزل - تقوم على أساس أفكار مثل نقاء الجنس الآري، وألمانيا فوق الجميع.
هنا يؤكد صاحب الكتاب على قيام قدر كبير من الكراهية الآيديولوجية تجاه الآخر المختلف، على أساس من تلك الأفكار السياسية المستحوذة أو القهرية المسيطرة المرتبطة بالقتل، الستالينية في الاتحاد السوفياتي السابق مثلا، وكثير من الحكومات المعادية للشيوعية خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبعده في أميركا اللاتينية أيضاً.
ويقول بعض الباحثين كذلك أن النصوص الدينية قد عملت على تغذية الآيديولوجيات السياسيات بالكراهية، كالنظر إلى اليهود على أنهم قتلة المسيح أو أنهم أبناء القردة والخنازير، أو نظر اليهود إلى غيرهم على أنهم أنجاس أغيار أو أقل درجة... اإلخ».

لمن ينتسب الإرهاب؟
ويتناول المؤلف قضية حساسة للغاية وهي محاولات البعض لا سيما في الدوائر الاستشراقية الغربية إلصاق الإرهاب بالإسلام والمسلمين وكأن العالم قد خلا أو كاد من المتطرفين الهندوس أو البوذيين أو المسيحيين أو اليهود أو غير ذلك من الديانات.
غير أنه وفي درجة عالية من الأمانة والموضوعية، يشير إلى أنه وإن كان التطرف موجوداً في الديانات كلها، لكن الصورة الدموية المخيفة الحالية تكاد ومن أسف شديد أن تضحى مرتبطة بالإسلام فقط، ويساعد المسلمون أنفسهم بأفعالهم وسلوكياتهم على ترسيخ هذه الصورة في أذهان العالم، على نحو يدعو للدهشة.
يطرح المؤلف أسئلة حساسة وجوهرية وتمثل أعلى درجات نقد الذات، وليس جلد الذات، من عينة قوله: «ما الذي يجعل لاجئا سوريا عندما يتم رفض طلبه اللجوء إلى إحدى الدول الأوروبية أن يقوم بتفجير نفسه أمام أحد المطاعم؟
ولماذا عندما يشعر المسلمون بالتهميش في البلاد الأوروبية يقومون بارتكاب أعمال تفجيرية إرهابية بدلا من أن يكونوا قدوة في العمل والسلوك.
الحقيقة التي يؤكدها المؤلف، هي أن الإرهاب لا ينتسب إلى دولة دون أخرى، ولا يمكننا أن ننعت به دينا دون آخر، ولا ينتمي الإرهاب لطبقة اجتماعية واقتصادية معينة، ولا لاتجاه فكري أو سياسي ماركسي يساري أو فاشي يميني، والإرهاب ليس حكراً على العسكريين ولا هو مصمم للمدنيين الغوغاء، لهذا كان البحث في موضوع الإرهاب مغرياً بالبحث عن مكامن الخوف وهويته ودافعاً إلى رحلة تثبر فيها أغوار النفس البشرية.

هل الآيديولوجيات تدفع للإرهاب؟
هناك تعبير يقول: «إن تحت جلد كل آيديولوجي يوجد إرهابي»... ما صحة هذا الكلام، وهل يعني بالضرورة أن الآيديولوجيات هي مسبب رئيسي للإرهاب؟
بحسب شرح المؤلف فإنه يقصد بالآيديولوجيات وجود أفكار أو نظريات سياسية واجتماعية وعلمية، تزعم أنها تقود تبريرات للتراث والحياة، ومن أكثر أنواع الآيديولوجيات قوة ما يسمى القومية، حيث يعتقد الأشخاص أن أممهم متفوقة على الأمم الأخرى، كما يحدث الآن في الولايات المتحدة، فيعتقد الناس بأن دولتهم استثنائية متفوقة أقوى من غيرها.
في هذا السياق يستخدم الذعر كاستراتيجية تتعلق بخطاب العنف، من أجل تدعيم الأيدلوجيات اليسارية واليمينية ومن جانب ممثلين للدول وغير ممثلين لها أيضاً.
باختصار يمكن النظر إلى الإرهاب على أنه: «استراتيجية تخاطب عنيفة يقصد من ورائها أن يحدث الخوف»، ويقصد من وراء العمل الإرهابي أن يحدث نوعا من التفاعل معه، هكذا يريد الإرهابيون إثارة نوع من العداء في استجابات الأفراد على نحو يحقق أهدافهم، ويكون الإرهاب عادة نوعاً من الهجوم الذي لا يمكن التنبؤ به على نحو كبير.
الآيديولوجية هنا تتمثل في أن الإرهابيين، وعلى العكس من المجرمين العاديين يؤمنون بأن أفعالهم العنيفة صحيحة ومبررة ومطلوبة وموجهة نحو سلطات غاشمة أو ظالمة ومن ثم يكون الطابع السياسي لها مميزاً وواضحاً وأنهم يهاجمون المشروعية التي تقوم على أساسها هوية الدول الحديثة.

الفكر «الجهادي» وأزمة العنف
ربما لكي نفهم الهجوم الأخير الذي جرى في المنيا، وقبله هجوم مانشستر يتعين علينا - كما يشير المؤلف - الرجوع إلى كتاب «الشباب وجماعات العنف... رؤى شبابية» الصادر عن منتدى البدائل العربي في القاهرة، ذلك لأنه لخص الدوافع التي تقف وراء العنف الديني كما يتجلى لدى تنظيمي «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» والإخوان المسلمين في مصر وغيرها من الجماعات داخل مصر وخارجها، أي في الوطن العربي وخارجه، على النحو الذي تبين من ميثاق العمل الإسلامي الذي أصدره تنظيم الجهاد، ودعا إلى ضرورة الحرب المقدسة على العلمانية بوصفها دعوة إلى فصل الدين عن الدولة عقيدة وفكرا ونظاما وحكما في التشريع والحكم والقضاء والتعليم والإعلام، علمانية ثبتتها أجهزة التثقيف والتوجيه، علمانية بغيضة، دست علينا وغرست قسرا في تربيتنا، فأتت هذه الأنظمة الكافرة التي تستبدل بشرع الله شرع الشيطان، بحسب مفهومهم، من هنا كان تقسيم العالم إلى قسمين: قسم علماني يقوده حكام لا يطبقون شرع الله، ويؤيده فقط خصوم مختلفون في الدين كالأقباط، أو التوجهات السياسية (الماركسيون)، وأضيف إليهم المثقفون والفنانون والسياح الأجانب وغيرهم، ولأنهم علمانيون فهم بالضرورة كافرون، وهذه مغالطة منطقية ينبغي توضيحها، فالعلمانية ليست ضد الدين، بل ضد إدخال أمور الدين في كل أمر من أمور الدنيا، وهذه مسألة تحتاج إلى توضيح.
وهناك قسم آخر يمتلك الحقيقة المطلقة والنعيم والإيمان، ويقوم بتكفير كل آخر ويحوله إلى شيطان، مجرد من الإنسانية، ينبغي الخلاص منه، وهكذا انطلقت آلة القتل.
كذلك رأي أستاذ النثروبولوجيا الفرنسي «آلان بارتو» أن هل التحول إلى الفكر «الجهادي» هو أحد الخيارات الممكنة للتعبير عن الصورة ضد الأحوال المعيشية الراهنة؟
هذا ما يؤكد عليه أستاذ الأنثروبولوجيا الفرنسي «الآن بارتو» لا سيما وأن الفكر الأصولي العنفي هو اليوم أحد آخر العروض المتوفرة في سوق الأطروحات السياسية الراديكالية. هل الخلاص من جانب كبير من الإرهاب المعاصر يتصل بثقافة الإبداع والابتكار؟



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.