هاكان فيدال.. كاتم أسرار أردوغان

رئيس الاستخبارات التركية.. «الشاويش» المتدين متهم بدعم المنظمات الراديكالية في سوريا

هاكان فيدال.. كاتم أسرار أردوغان
TT

هاكان فيدال.. كاتم أسرار أردوغان

هاكان فيدال.. كاتم أسرار أردوغان

خلال الأسبوعين الماضيين، حفلت الصحافة الغربية بسلسلة مقالات ذات طابع سلبي عن الدور التركي في المنطقة، كان قاسمها المشترك واحدا، وهو رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان، الذي اتُّهم بدعم المنظمات الراديكالية في سوريا وتنمية نفوذها، وصولا إلى تسليم جواسيس إسرائيليين لإيران.. لكن تركيا تصرفت على أساس أن هذه الانتقادات تتخطى فيدان ودوره لتطال رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان.
المعروف عن فيدان أنه قريب جدا من أردوغان إلى درجة أن البعض حار في توصيفه على أنه الرجل الثاني بعد أردوغان، أو الثالث في تركيا بعد أردوغان والرئيس عبد الله غل.
الوصف الذي اختاره له أردوغان كان.. «إنه حافظ أسراري. إنه حافظ أسرار الدولة»، بينما يقول الكاتب التركي المعروف جنكيز قاندار إنه بمثابة «كعب أخيل» لأردوغان، في إشارة إلى أن استهدافه غربيا هو استهداف لدور أردوغان.
يشير قاندار إلى الأهمية التي تعاملت فيها تركيا مع هذه الأخبار التي وردت في مقالات متعددة في صحيفة «وول ستريت جورنال» في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تحدثت الصحيفة عن الدور المهم لفيدان في دعم المنظمات الراديكالية في سوريا، ثم في صحيفة «واشنطن بوست» في 16 أكتوبر التي تحدث تقريرها عن تسليم فيدان 10 جواسيس إسرائيليين لإيران، تلاه في 18 من الشهر ذاته تقرير لـ«نيويورك تايمز» يتحدث عن تراجع التعاون التركي - الإسرائيلي بسبب مخاوف من تسريب فيدان المعلومات إلى الاستخبارات الإيرانية وإلى المجاهدين في سوريا.
وعلى الرغم من أن تركيا كانت عند نشر التقارير في عطلة عيد الأضحى، فإن الردود انهمرت من كل حدب وصوب، فتحدث نائب رئيس الوزراء بشير بوزداغ دفاعا عن فيدان، مؤكدا أن ولاء ووطنية رئيس الاستخبارات التركية «هاكان فيدان» ليست موضوعا للنقاش. وقال بوزداغ: «على الجميع أن يعي هذه الحقيقة، وأن حكومة حزب العدالة والتنمية هي من وضعت فيدان على رأس عمله، ولن تعزله ولن تسمح لأحد بعزله».
أما وزير الخارجية أحمد داود أوغلو فقال إن «هذه المعلومة الخاطئة تظهر مدى امتياز العمل الذي يؤديه فيدان»، منددا بهذا «الافتراء» الهادف إلى تلطيخ «السمعة المحترمة»، التي تحظى بها تركيا.
وبينما تبارت الصحف الحكومية، أو تلك القريبة منها، في الرد على الاتهامات، مذكرة - كصحيفة «صباح» - بالأصول الأرمينية للكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس، وصف مسؤولون في أنقرة تقرير الصحيفة بأنه جزء من محاولة لتشويه سمعة تركيا من جانب قوى خارجية لا تشعر بالارتياح لتنامي نفوذ تركيا في الشرق الأوسط.
ويرى البار بيردال رئيس تحرير جريدة «صول» المعارضة، أن الحملة التي تشن الآن من أميركا وإسرائيل على فيدان هي «نتاج لبداية توسيع الهوة في وجهة النظر بين أميركا وتركيا حيال ما يجري في الشرق الأوسط».
ويقول بيردال لـ«الشرق الأوسط»: «لو نظرنا إلى الفترة التي بدأت بها الحملة لرأينا أنها أتت مباشرة بعد الادعاءات باستخدام سوريا السلاح الكيماوي، ومن ثم الاتفاق بين روسيا وأميركا على حل الأزمة السورية بالطرق السلمية، مما أدى إلى وقوع فراغ كبير وخيبة أمل من قبل حزب العدالة والتنمية، الذي كان يعد العدة للحرب على سوريا وابتلاعها، ولهذا بدأ أردوغان الانتقاد اللاذع للولايات المتحدة، وبدأ الخلاف يظهر على الساحة». ويستنتج أن «الولايات المتحدة التي بدأت تشعر بالقلق من تصرفات وتصريحات أردوغان اختارت هاكان فيدان، ليكون عنوانا لتوجيه انتقاداتها وهجومها لأردوغان».
وإذ يعترف بيردال بوجود «خلاف بين الحكومة والجماعات الدينية (في تركيا) حول اقتسام المناصب»، فهو يشير إلى أن «جماعة فتح الله غولان تعمل بأوامر من واشنطن، ولهذا لا أستغرب أن تكون الجماعة شنت الحملة على فيدان، ولكن لا أعتقد أن هناك تعاونا أو تنسيقا بين الجماعة ومخابرات دول أخرى»، مشددا على أن الولايات المتحدة «تريد أن توصل رسالة إلى أردوغان وطاقمه مباشرة، وسنرى تأثيراتها في الانتخابات المقبلة».
أما الكاتب إمري أوصلو من جريدة «طرف»، فيرى أن فيدان يعتبر الرجل الثاني في تركيا بعد أردوغان، في إدارة العمليات العسكرية والاستراتيجية، ومن الطبيعي أن يهتم الإعلام والشارع بهذا الرجل الغامض الذي يدير أهم العمليات في تركيا، ولا يظهر للإعلام مباشرة، مثل رئيس الوزراء أو الوزراء الذي نشاهدهم كل يوم، كما أن هذا الشخص هو المسؤول عن أهم العمليات التي تقوم بها تركيا في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه هو الشخص الأكثر تأثيرا على أردوغان، وهو الذي يوجه في أغلب الأمور، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، سواء كانت هذه المعلومات أو هذا التوجيه على صواب أم على خطأ».
وإذ يستبعد أوصلو وجود حملة غربية ضد فيدان، يقر بوجود حملة إسرائيلية يضعها في إطار «الصراع بين الاستخبارات التركية والموساد»، ملاحظا أن «بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تعدت حدود المتعارف عليه إعلاميا، وهددت بتفجير سيارته».
تزامن بروز فيدان على الساحة التركية مع سياسة «العودة إلى الجذور» التي اتبعها رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان وعرابها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، صاحب نظرية «العمق الاستراتيجي» وسياسة «صفر مشكلات» مع دول الجوار، التي تُرجمت بعودة تركيا إلى العالم العربي، بعد انقطاع طويل فرضته سياسة التتريك، التي أطلقها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال وسياسة الاتجاه غربا التي عمل عليها.
لم يكن فيدان بعيدا عن داود أوغلو؛ فهو من المقربين منه، وكذلك من أردوغان الذي احتضن «ضابط الصف» المتدين الذي لم يكن لأحد أن يتوقع له هذا البروز، باعتبار أن «الشاويش» لا مستقبل عسكريا له.
ولد هاكان فيدان في العاصمة أنقرة عام 1968. درس وتخرج في مدرسة قوات المشاة المحاربة عام 1986، ومن ثم درس في مدرسة اللغات التابعة للقوات المشاة. كذلك فإن لديه خبرة عملية في ميدان الاستخبارات، وعمل بين عامي 1986 و2001، في «وحدة التدخل السريع» التابعة للحلف الأطلسي، وعمل في صفوف فرع جمع المعلومات السريعة في ألمانيا. وفي تلك الفترة نال إجازة في العلوم السياسية من جامعة ميريلاند الأميركية، قبل أن ينجز الماجستير والدكتوراه في جامعة بيلكنت في أنقرة، مسقط رأسه. ويلقي أوصلوا بمجموعة من علامات الاستفهام حول دور فيدان، الذي كان «شاويشا»، وهو منصب لا مستقبل له في الجيش التركي، لأنه لن يترفع كثيرا من خلاله مهما طالت مدة خدمته، مشيرا في هذا الإطار أيضا إلى أن فيدان ذهب للخدمة في قواعد «الناتو» لمدة أربع سنوات، وكان يُعرف عن هاكان فيدان أنه متدين، ولكن في تلك الفترة كان المتدينين يطردون من الجيش التركي، فكيف يكافئ متدينا ويرسل للعمل في أهم مؤسسات «الناتو»؟ وهنا تكثر الشبهات حول فيدان، لأن الفترة التي أرسل بها هاكان إلى ألمانيا كانت تركيا تعيش فترة انقلاب 28 فبراير (شباط)، ولهذا بالنسبة لي يبقى إرساله على أساس أنه متدين إلى ألمانيا محلا للسؤال والشك!
ويضيف: «ولكن الذي يثير اهتمامي أن هاكان فيدان بعد الاستقالة مباشرة بدأ العمل في السفارة النمساوية في أنقرة كمستشار سياسي. واللافت للنظر هو أن هناك شخصين مهمين الآن في تركيا أيضا كانا قد عملا مستشارين للسفارة النمساوية في أنقرة، أحدهما وزير المالية محمد شمشيك، والآخر سعاد كينيكلي أوغلو، وهو عضو في اللجنة المركزية للعدالة والتنمية وعضو برلمان عن الحزب وأيضا من أصول عسكرية».
وتابع: «السؤال الذي يطرح نفسه هل الجهات التي فتحت لمحمد شمشيك وسعاد كينيكلي أبواب السفارة النمساوية هي التي فتحت أبواب السفارة لهكان فيدان؟».
وبعد أن أنهى فيدان فترة خدمة استمرت 15 عاما في صفوف القوات المسلحة استقال عام 2001 وهو برتبة ضابط صف، والتحق مباشرة بوزارة الخارجية مستشارا سياسيا واقتصاديا، ومن ثم عُيّن رئيسا لإدارة مؤسسة التعاون والتنمية التابعة لرئاسة الوزراء، وفي الوقت نفسه مساعدا لمستشار لرئاسة الوزراء، ومن ثم عين مستشارا للمسؤول عن السياسة الخارجية والأمن الدولي، ومن ثم عمل موفدا خاصا لرئاسة الوزراء.
وفي تلك الفترة، كان يرافق مستشار رئاسة الوزراء للسياسة الخارجية أحمد داود أوغلو في رحلاته الإقليمية، كما كان يعمل عن قرب ويرافق نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك عبد الله غل في رحلاته الخارجية، كما كان يشارك في كثير من الوفود التي ترافق أردوغان في زياراته لخارج تركيا، أو عند استقباله للضيوف الأجانب من رؤساء ومسؤولين.
وبعد أن اعتلى غل منصب رئاسة الجمهورية، كان فيدان من بين المرشحين لرئاسة السكرتارية في القصر، لكنه عين في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008 لعضوية وكالة الطاقة الدولية. كما كان عضوا في منتدى التعاون والتنمية بين الشعوب التابع للأمم المتحدة، وعضو في هيئة إدارة جامعة أحمد يوسفس التركية في كازاخستان، وعضو في هيئة إدارة جمعية يونس أمري. عمل كثيرا من الأبحاث والدراسات في الأمن الدولي وفي التنمية الدولية والسياسة الخارجية التركية، كما قام بتدريس مادة العلاقات الدولية في جامعة حجة تبا وبلكنت.
ولم تكن الاستخبارات بعيدة عن طموحات فيدان، الذي كانت أطروحته لنيل الدكتوراه تحمل عنوان: «دراسة مقارَنة بين أنماط عمل أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والتركية»، ومن ثم عين مساعد لمستشار المخابرات التركية.
وقبل تعيينه في 27/ 5/ 2010 مستشارا للمخابرات التركية، حصلت حادثة أظهرت النفوذ الذي يتمتع به فيدان. فقد استدعى قاضي التحقيق في قضية التنظيم السري لحزب العمال الكردستاني المحظور (بي كي كي) فيدان للتحقيق معه كمشتبه به مع أربعة من قيادات جهاز المخابرات، بعد الاشتباه في تقديمه الدعم للحزب الكردستاني المحظور، أو غض بصره عن معلومات مسبقة عن عمليات مسلحة وهجمات نفذها الحزب ضد رجال الأمن في تركيا، لكن حكومة أردوغان عمدت فورا إلى إرسال قانون يعطي الحصانة لرجال المخابرات من الإدلاء بأقوالهم أمام المحاكم الجنائية. وواجه القانون، الذي جرى إقراره خلال 48 ساعة فقط، انتقادا شديدا من المعارضة.
وفيدان هو المستشار الثاني الذي يعتلي ذلك المنصب من خارج المؤسسة الاستخباراتية، حيث كان تبتان جوسال هو المستشار الأول الذي عُيّن من خارج المؤسسة عام 1992. المعترض الأول على تعيينه كان «الموساد» الإسرائيلي؛ فحينها نشرت صحيفة «هآرتس» تقريرها عنه، ونقلت فيه مخاوف «الموساد» إزاء تعيينه، وذلك بسبب دوره في تنظيم «أسطول الحرية»، وبسبب قربه اللصيق من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم («العدالة والتنمية»)، ولدفاعه عن المصالح النووية الإيرانية.
لكن أردوغان كان يريد (وفق الصحف التركية) من تعيين الرجل المقرب منه المزيد من تحديث «وكالة الاستخبارات الوطنية» ومأسستها، وإبعادها عن سطوة العسكر، بما أنه لا يزال 50 في المائة من موظفيها من سلك الجيش. فعمل فيدان على تقسيم الاستخبارات إلى جهازين، أحدهما للداخل، والآخر للخارج، على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية، لتعزيز حضور الاستخبارات التركية في المناطق الساخنة، ولتلبية حاجات دور تركيا المتنامي، بدءا من الشرق الأوسط وجيرانها الروس والقوقاز وآسيا وأفريقيا وحتى الأميركيتين وأوروبا وإسرائيل.
بعد دوره البارز في كثير من الملفات، تصاعدت أصوات في تركيا توحي بوجود «دور مستقبلي» لفيدان في السياسة التركية الداخلية، لكن بيردال يستبعد أن يكون الأمر عبارة عن «تلميع» لصورة فيدان لإعداده لمنصب رئيس الوزراء أو وزير الخارجية في المستقبل، كما تردد في بعض الأروقة التركية. ويقول: «المتابع للسياسة التركية يرى أن الأمور لا تسير بهذا الشكل؛ فأردوغان يحكم قبضة على الحزب بكل قوة، وفيدان هو فقط رجل من رجال طيب أردوغان الذين يعتمد عليهم ويثق بهم، والدليل على هذا أن استخرج من أجله قوانين تحميه من ملاحقة القضاء له»، معتبرا أن «ما يجري الآن في كواليس السياسة هو مستقبل أردوغان، وليس مستقبل فيدان».
وإذ يدحض أوصلو «نظريات المؤامرة»، التي تتحدث عن تحضير فيدان لدور سياسي قد يكون رئاسة الوزراء، يشير إلى أن فيدان نفسه قد يعمل من أجل هذا من تلقاء نفسه. ويربط أوصلو مصير فيدان بمصير مرحلة الحل مع الأكراد، مشيرا إلى أنه إذا «نجحت الحكومة في إنجاح مرحلة الحل، فإن جميع الإيجابيات ستُسجل في خانة فيدان، وسيقوم الجميع بتقديره، وإذا عمّ السلام في الجنوب التركي فإن فيدان من الأوفر حظا للترشيح لرئاسة الوزراء لأن نجاحاته ستكون هي الدافع له، ولكن إذا عاد حزب العمال الكردستاني لحمل السلاح، وفشلت مرحلة الحل، إلى جانب الفشل الذريع الذي نالته الحكومة في سوريا وعلاقة الحكومة مع مصر التي لا تبشر بالتفاؤل، وبما أن فيدان لعب دورها في الثلاثة محاور، فإن الفاتورة سيدفعها فيدان، أي هو الآن على كف عفريت».



تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،