تركيا تبدأ محاكمة كبار قادة الانقلاب الفاشل... و«غولن» المتهم الأول

«العفو الدولية» تنتقد سياسة «التطهير» ودوافعها «التعسفية»

قوات مكافحة الشغب التركية توقف متظاهرين ضد اعتقال أستاذين مضربين عن الطعام في أنقرة أمس (رويترز)
قوات مكافحة الشغب التركية توقف متظاهرين ضد اعتقال أستاذين مضربين عن الطعام في أنقرة أمس (رويترز)
TT

تركيا تبدأ محاكمة كبار قادة الانقلاب الفاشل... و«غولن» المتهم الأول

قوات مكافحة الشغب التركية توقف متظاهرين ضد اعتقال أستاذين مضربين عن الطعام في أنقرة أمس (رويترز)
قوات مكافحة الشغب التركية توقف متظاهرين ضد اعتقال أستاذين مضربين عن الطعام في أنقرة أمس (رويترز)

انطلقت أمس في العاصمة التركية محاكمة 221 من المتهمين الرئيسيين بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو (تموز) 2016، وفي مقدمتهم فتح الله غولن المقيم في أميركا المتهم الأول في القضية، والذي يحاكم غيابياً.
تشمل لائحة المتهمين في هذه القضية 200 من الجنرالات وكبار الضباط الذين شكلوا ما سمي «مجلس السلام والصلح في الوطن» الذي أصدر بيانا ليلة الانقلاب الفاشل، يعلن فيه سيطرته على الحكم في البلاد. ويتصدر اللائحة أكين أوزتورك، القائد السابق للقوات الجوية وعضو مجلس الشورى العسكري سابقا.
ويحاكم غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب في هذه القضية كمتهم أول ويحاكم غيابيا نظرا لوجوده في الولايات المتحدة منذ عام 1999، كما يحاكم 11 متهما آخرين غيابيا لفرارهم خارج البلاد ليلة محاولة الانقلاب.
ويطالب الادعاء بتوقيع عقوبة السجن المشدد مدى الحياة 2988 مرة لأعضاء ما يسمى «مجلس السلام والصلح في الوطن»، بتهمة محاولة الإطاحة بالنظام الدستوري والانتماء إلى منظمة إرهابية ومحاولة احتلال البرلمان أو منعه من القيام بواجباته. إضافة إلى تهم محاولة اغتيال رئيس الجمهورية، وقتل 240 مواطنا ومحاولة قتل 2735 مواطنا، واحتجاز عدد من قيادات القوات المسلحة بالقوة، ومنعهم من تأدية واجباتهم.
واتخذت السلطات التركية تدابير أمنية مشددة في منطقة سنجان بأنقرة، حيث شيدت قاعة ضخمة تجرى فيها المحاكمة بينما تجمع المواطنون في المنطقة مرددين هتافات تطالب بالإعدام للمتهمين الذين أحضروا إلى قاعة المحكمة وسط حراسة مشددة.
ومر المتهمون، وبينهم أوزتورك وعشرات من كبار الضباط برتب جنرال وكولونيل وميجور، على عشرات من المتظاهرين الذين طالبوا بإعدامهم وألقوا مشانق عليهم في طريقهم إلى المحكمة. وتم نشر نحو 1500 من أفراد الشرطة لتأمين المحاكمة، التي بدأت وقائعها في دار قضاء خصصت لهذا الغرض في سنجان.
وقتل أكثر من 240 شخصا، كثير منهم مدنيون، في محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016 عندما قادت مجموعة من الجنود دبابات وطائرات حربية وطائرات مروحية، وقصفوا البرلمان في أنقرة وحاولوا الإطاحة بالحكومة، كما خرجوا بالدبابات في شوارع إسطنبول.
ومن بين المتهمين في هذه القضية المشتبه بهم الرئيسيون وراء الانقلاب، الذين دهموا مبنى تلفزيون الدولة وأجبروا مذيعة على قراءة إعلان يقول إن الجيش استولى على السلطة، وإن تركيا تخضع لإدارة لجنة تسمى «مجلس الصلح والسلام في الوطن».
ومنذ محاولة الانقلاب، اعتقلت السلطات التركية نحو 50 ألف شخص كما فصلت أو أوقفت عن العمل أكثر من 150 ألفا آخرين بسبب مزاعم عن صلاتهم بغولن. وجرت على مدار الأشهر الماضية محاكمات للمتهمين في محاولة الانقلاب من الجيش والشرطة والقضاء، بالإضافة إلى غولن الذي طالبت النيابة العامة بمعاقبته بالسجن المؤبد ثلاثة آلاف و623 مرة لاتهامه بالكثير من الاتهامات، بينها محاولة الانقلاب على نظام الحكم. وإلى جانب العقوبات الكثيرة التي طالبت بها النيابة العامة بحق غولن، طالبت بتغريمه مبلغ 2.2 مليون دولار عن الجرائم التي قالت إنه ارتكبها.
وبعد تأكيد هويات المتهمين وتلاوة ملخص للائحة اتهامات وقعت في ألفي صفحة، سيتمكن المتهمون من تقديم دفاعاتهم. ومن المقرر أن تستمر جلسات القضية، وهي واحدة من أكبر المحاكمات المرتبطة بالانقلاب في جميع أنحاء تركيا حتى 16 يونيو (حزيران) المقبل.
في سياق متصل، عاقبت محكمة تركية في مدينة إزمير غرب البلاد أمس، طيارا حربيا بالحبس خمس سنوات لتورطه في قتل الطيار الروسي الذي أسقطت طائرته المقاتلة من طراز (سو - 24) عند الحدود السورية في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015.
واستندت المحكمة في قرارها إلى الاتهامات الموجهة إلى الطيار ألب أرسلان تشيليك، بانتهاك قانون حمل الأسلحة النارية والاحتفاظ بسلاح حربي في قضية منفصلة.
واعتقلت السلطات التركية تشيليك في نهاية مارس (آذار) 2016، في قضية مقتل الطيار الروسي أوليغ بيشكوف في 24 نوفمبر 2015. عندما أسقطت المقاتلات التركية طائرة حربية روسية كانت في مهام على الحدود السورية.
وقدمت النيابة العامة في إزمير 14 شخصا؛ من بينهم تشيليك إلى المحكمة في الأول من أبريل (نيسان) 2016 بتهمة مخالفة حمل الأسلحة النارية، فيما كان الرئيس التركي ومسؤولين آخرين قالوا إن من قاموا بإسقاط الطائرة الروسية وقتل الطيار ينتمون إلى حركة غولن، ومن المتورطين في محاولة الانقلاب.
في سياق متصل، اعتقلت الشرطة التركية أستاذة جامعية ومعلما مضربين عن الطعام، منذ أكثر من شهرين، احتجاجا على فصلهما من العمل في إطار حملة الحكومة على أنصار غولن بعد الانقلاب الفاشل. كما ألقت الشرطة القبض أيضا على محاميين اثنين حاولا عرقلتها، وقامت بتفتيش عقارات خلال المداهمات. ولم يرد تعقيب من الشرطة، وبدأت أستاذة الأدب نوريا جولمان ومدرس الابتدائي سميح أوزاكتشا إضرابا عن الطعام منذ أكثر من عشرة أسابيع بعد فصلهما من العمل في أعقاب الانقلاب الفاشل الذي وقع في يوليو 2016. كما نظما مسيرات في وسط العاصمة أنقرة لإلقاء الضوء على محنتهما ومحنة نحو 150 ألف موظف عام أوقفتهم السلطات عن العمل أو فصلتهم بعد محاولة الانقلاب التي ألقى إردوغان مسؤوليتها على أتباع رجل دين يعيش في الولايات المتحدة.
في غضون ذلك، قالت منظمة العفو الدولية في تقرير نشر أمس إن فصل موظفي الدولة في تركيا نفذ بطريقة تعسفية وكان له تأثير كارثي على حياتهم. وأضاف التقرير أن «تقاعس السلطات عن تحديد معايير واضحة لعمليات الفصل أو تقديم أدلة على وقوع مخالفات، تطعن في مزاعمها بأن جميع عمليات الفصل ضرورية لمكافحة الإرهاب. وبدلا عن ذلك، تشير الأدلة إلى وجود دوافع تنطوي على تعسف وتمييز واسع النطاق وراء حملة التطهير تلك».
في الوقت نفسه، انتقد حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية ما أعلنه الرئيس رجب طيب إردوغان خلال المؤتمر العام الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية الحاكم أول من أمس الأحد الذي عاد فيه إردوغان رئيسا للحزب، عن استمرار حالة الطوارئ إلى أن يتم تحقيق «استقرار وأمن الشعب التركي بشكل كامل».
وقال نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، أوزجور أوزال، في تصريح أمس إن «إردوغان أعلن في بداية سريان حالة الطوارئ في 21 يوليو 2016 إنها قد تستمر لشهر واحد فقط، رغم إعلانها لثلاثة أشهر، وقد مضى 10 أشهر الآن. ثم يقول إردوغان الآن إنها ستستمر حتى يتحقق الاستقرار والأمن في البلاد؛ أي إلى أجل غير مسمى».
وأضاف أوزال: «الديمقراطية تنزف.. الناس في البلاد يكادون غير قادرين على التنفس بسبب انعدام الديمقراطية وشيوع الظلم وعدم المساواة وسوء المعاملة. وفي ظل هذه الظروف، فإن الشخص الوحيد الذي يشعر نفسه بأمان وسعادة وهدوء هو الرئيس إردوغان»، على حد قوله.
وتواجه تركيا انتقادات متزايدة لاستخدام الحكومة السلطات الواسعة التي تمنحها حالة الطوارئ، والتي أسفرت عن اعتقال الآلاف من موظفي الخدمة المدنية، بمن فيهم جنرالات رفيعي المستوى، فضلا عن فصل 150 ألف موظف مدني بدعوى ارتباطهم بحركة غولن.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.