نشيد بثه تنظيم «داعش» الإرهابي باللغة التركية دعا فيه الشباب التركي للهجرة إلى أرضه في سوريا والعراق، كشف عن خطته لإغواء الشباب عبر الأناشيد للانضمام إليه خوفاً على حلم «الخلافة المزعوم»، خصوصاً مع خسائر التنظيم الكبيرة في سوريا والعراق.
أهمية الأناشيد لتلك التنظيمات الإرهابية تكمن في قدرتها الهائلة على الانتشار والوصول إلى أكبر عدد من الجمهور بطريقة لا يمكن لمحاضرة أو كتاب فعلها... و«داعش» يصدر أناشيده بـ6 لغات، منها اللغة الفرنسية والإنجليزية والبنغالية والفرنسية والألمانية والتركية.
باحثون في الحركات الإسلامية وعلماء نفس، أكدوا أن «الأناشيد تحرك الغرائز بطريقة لاشعورية وتهدف لشحذ همم الشباب الذي يسمعها، ثم يعقبها مرحلة تغييب عقله ليبدأ بعدها بالانضمام للتنظيم»، وقالوا لـ«الشرق الأوسط» إن «الأناشيد تكون حافزاً للشباب في الدفاع عن التنظيم وتنفيذ أهدافه وطموحاته».
ويشير مراقبون إلى أن أناشيد «داعش» تصدر عن جهتين: أولهما رسمية من مؤسسات إعلامية تابعة له، وثانيهما من متعاطفين مع التنظيم، حيث يظهر فيها أحد عناصر التنظيم ويردد من يدعو له خلال النشيد، مثل أنشودة الشباب التركي... المراقبون أكدوا أن «الأناشيد (الجهادية) تمثل سبباً رئيسياً، وما يقرب من 90 في المائة من أسباب التحاق من الشباب بالجماعات المتطرفة».
الأناشيد المتطرفة هي مجموعة كلمات بمشاعر حماسية تعتمد على المظلومية وتحريك الغرائز بطريقة لاشعورية.. يُقال إن أنشودة واحدة في أوقات الحزن كفيلة بدفع الإنسان إلى التفكير بالموت أو التطرف... أما ألحان الأناشيد فغالباً ما تُستعار من شيء مُحب ومألوف فتعتمد على الصوت والأداء لا الموسيقى والأنغام.
من جانبه، قال عمرو عبد الرحمن الباحث في شؤون الحركات المتطرفة بمصر، إن الأناشيد تهدف إلى إثارة حماس الشباب للقتال والعنف، وتحريضهم على التضحية بأنفسهم من أجل «حلم الدولة المزعوم»، مضيفا أن «الأناشيد المتطرفة تستخدم في الغالب كلمات معبرة وألحاناً مثيرة للعواطف فضلاً عن الحركات المؤثرة لجذب الشباب واللعب بعقولهم».
موضحاً أنه لا شك أن الأناشيد الدينية تؤثر على الناس تأثيراً كبيراً، وتصل إلى عدد كبير منهم قد لا يستطيع مقال أو خطاب أو كتاب أن يصل إليه... وقد أدرك تنظيم داعش الإرهابي هذه الحقيقة، وأخذ يستخدم الأناشيد كوسيلة من وسائله في الترويج لأفكاره، ودعوة الشباب إلى الانضمام إليه، لافتاً إلى أن «الأناشيد تحرك الغرائز بطريقة لاشعورية وتهدف إلى شحذ الهمم أولاً ثم تغييب العقل».
ويرجع تاريخ الأناشيد المتطرفة إلى نهايات السبعينات عندما كان الإسلاميون في مصر وسوريا يكتبونها ليشجعوا داعميهم ويوصلوا رسالتهم... وانتشرت في أفغانستان وتطورت في الشيشان فكانت انطلاقة ما يُسمى بـ«التطرف الحقيقي» حينذاك.
وينشر «داعش» أناشيد متشددة تحظى بتداول كبير بين مناصريه والمتعاطفين معه، في المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي يستخدمها التنظيم على «فيسبوك» و«تويتر» ويستهدف منها نشر دعوته فيها.. واشتهرت كثير من أناشيد «داعش» من أبرزها «صليل الصوارم»، و«قريباً قريباً»، و«يا عاصب الراس وينك»... وهذا الأخير أنشده أحد جنود «داعش» بحضور قادة من التنظيم. وتصدر أغلب هذه الأناشيد عن مؤسسة «الحياة» الذراع الإعلامية التابعة للتنظيم.
وأنشودة «داعش» الأخيرة للشباب التركي رصدتها وحدة رصد اللغة التركية بمرصد الأزهر بالقاهرة، التي حث فيها التنظيم الشباب التركي على مغادرة بلادهم والهجرة للانضمام إليه.
أنشودة «داعش» للشباب التركي بدأت بقول التنظيم: «لقد تأسست داعش - على حد وصفهم - شرف ونور للإسلام وسعادة للمؤمن.. أفلن ترحل إليها (مخاطباً الشباب)؟ ألن تهاجر من أرضهم؟ الخلافة لطف وعزة للمؤمن في الدنيا، أفلن تهاجر إليها؟ يريدون الانقضاض على الخلافة، ألم تختَر حتى الآن صفك؟ اترك ديارهم».
ثم ظهر رجل في منتصف الأنشودة يُدعى أبو محمد التركي مخاطبا الأتراك باللغة التركية، قائلاً: «إني أخاطب جميع إخواني في تركيا، والله، إن الدولة ليست في حاجة إليكم، والله إن الدولة ليست في حاجة إليكم... لكنكم أنتم تحتاجون إلى أن تحيوا (تعيشوا) هذا الدين... (أي في أرض داعش) لن تجدوهم في أي مكان آخر».
ومن أبرز خصائص أناشيد تنظيم داعش التي تميزها عن غيرها - بحسب الباحث عمرو عبد الرحمن - أنه يستعمل الأناشيد بشكل عام للتهجم على خصومه، ولتعداد أولئك الخصوم وبيان «كفرهم» و«عمالتهم للغرب الكافر»، بحسب زعمهم، مشيراً إلى أنه يمكن ملاحظة أنه كلما اقترب ما يعتبرهم التنظيم خصوماً سواء دول أو جماعات من آيديولوجيته العقدية والفكرية تتضاعف قوة العنف والحقد، وتزداد الرغبة في إخراج هذا الفصيل من الملة والقضاء عليه، مضيفاً أن «أناشيد (داعش) تكثر فيها ترديد اسم زعيمهم أبو بكر البغدادي، إضافة إلى إظهار مشاعر البهجة لحظة الحديث عن الخلافة - المزعومة، ومن بينها مثلاً نشيد (رصوا الصفوف... وبايعوا البغدادي)». وكما هو واضح من عنوان النشيد، فهو يدعو إلى بيعة البغدادي، ويحذر من خيانة الخليفة أو عصيان أوامره - على حد زعمهم.
وقال الباحثون إن أغلب أناشيد «داعش» التي أصدرها من قبل تخضع لتقنية إنتاج عالية من خلال تنويع المؤثرات والفواصل، التي تتكون غالباً من أصوات حمحمة الخيل وصليل السيوف وأصوات البنادق والتفجيرات وصيحات متطرفة عالية التي تتخللها مقاطع موسيقية.
بينما يرى مراقبون أنه يمكن ملاحظة العنف الزائد عن الحد في كلمات الأناشيد التي ينتجها التنظيم، فقد أصبحت مفردات الذبح والحرق وقطع الرقاب موجودة بكثرة في معظم أناشيد التنظيم... والهدف منها إرهاب الأعداء بالذبح والنحر والتفجيرات، وكذلك الرغبة في مخاطبة مناصري التنظيم وتعبئتهم معنوياً.
وهرب كثير من عناصر التنظيم من أرض الخلافة - المزعومة - في سوريا والعراق، بعد كشف زيف التنظيم التي كان يُردد لأنصاره بأنه الأقوى بين جميع التنظيمات المتطرفة، وكشفت هزائم التنظيم المتتالية خلال الأشهر الماضية على يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وحكومات الدول، تخبطاً كبيراً في التنظيم الذي فقد ما يقرب من 65 في المائة من الأراضي، التي كان يستولي عليها في شمال سوريا والمناطق الواسعة التي سيطر عليها في العراق.. ويسعى التنظيم جاهداً للاحتفاظ بما تبقى له من أراضي (الخلافة) التي أعلنها في سوريا والعراق. ويُشار إلى أنه على الرغم من أن العنف من سمات الأناشيد القتالية، فإن عنف المفردات الموجود في أناشيد «داعش» يُقارب العنف الفعلي الذي يمارسه التنظيم ضد مخالفيه... ففي نشيد «قريباً ترون العجيب» نراهم يقولون: «إليكم سنأتي بذبح وموت، بخوف وصمت نشق العرى».. وفي موضع آخر يقول النشيد: «إذا الكفر ماج وأرغى وهاج، ملأنا الفجاج دماً أحمرَ».
الباحثون أضافوا أيضاً، أن «داعش» يستخدم في أناشيده أسلوب جذب للشباب العربي والمسلمين في الدول الأوروبية المتحمسين لدعوته ويحملون آيديولوجيته، لافتين إلى أن تحليل كلمات النشيد الموجه للشباب التركي يدل على أنه يحمل الخصائص ذاتها التي تروج للقتال، والحض على كراهية علماء الدين والحكام، ويصف المجتمع بالشرك والكفر، ويمكن من خلاله قراءة عقيدة التنظيم وأفكاره.
والجدير بالذكر أن معظم التنظيمات المتطرفة بما فيها «داعش» تعتبر الآلات محرمة، وتأخذ مسعى بدائياً للوصول لمقصدها... وتقريباً كل أناشيدهم مُغنَّاة دون موسيقى، يرافقها فقط مجموعة من المؤثرات الصوتية من أصوات الخيول كرمزية للصحراء، أو أصوات الانفجارات كرمز للقوة والانتقام ممن يخالفونهم في الرأي.
ويقول الباحث عبد الرحمن إن أناشيد «داعش» تحوي عادة رسالة مختلفة عن المجموعات الأخرى في الجماعات الإرهابية... فالأناشيد الأخرى كانت تُنتج من مجموعة صغيرة ومسلحة وسرية، وكانت رسائلها دفاعية، كأن يقولوا مثلاً «يمكنهم أن يعذبونا، ولكننا سنظل نتمسك بإيماننا»، لافتاً إلى أن أناشيد «داعش» ليست دفاعية.
وحول التأثير النفسي لأناشيد «داعش» على الشباب للانضمام إليه، قالت الباحثة النفسية عبير مرسي، إن «هذه الأناشيد تكون حافزاً له في الدفاع عن التنظيم وتنفيذ أهدافه وطموحاته... ولذلك يحرص مسؤولو التنظيم على أن ترافق مقاتليه سيارةُ صوتياتٍ تبث الأناشيد، فلا يشعرون بالخوف أو القلق»، لافتة إلى أن أكثر فئة تؤثر فيهم هذه الأناشيد بشدة هم الشباب والأطفال الذين لا تتخطى أعمارهم الـ15 عاماً، لأنها تلهب مشاعرهم، بدعوى القتال وقتل المخالفين من أعداء التنظيم، للفوز بالآخرة ودخول الجنة.
أناشيد «داعش»... إغواء بـ6 لغات
تسعى لإنقاذ حلم «الخلافة»... وآخرها أنشودة الشباب التركي
أناشيد «داعش»... إغواء بـ6 لغات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة