«داعش» يواجه القوات العراقية في شمال غربي الموصل بالانتحاريين والحرائق

ينفذ يومياً 5 أو 6 هجمات بسيارات مفخخة

جنود عراقيون يحتمون من انفجار سيارة مفخخة لـ«داعش» في منطقة الهرمات شمال غربي الموصل أمس (أ.ف.ب)
جنود عراقيون يحتمون من انفجار سيارة مفخخة لـ«داعش» في منطقة الهرمات شمال غربي الموصل أمس (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يواجه القوات العراقية في شمال غربي الموصل بالانتحاريين والحرائق

جنود عراقيون يحتمون من انفجار سيارة مفخخة لـ«داعش» في منطقة الهرمات شمال غربي الموصل أمس (أ.ف.ب)
جنود عراقيون يحتمون من انفجار سيارة مفخخة لـ«داعش» في منطقة الهرمات شمال غربي الموصل أمس (أ.ف.ب)

واصلت القوات العراقية أمس توغلها في الجانب الغربي لمدينة الموصل من المحور الشمالي، واستعادت منذ الهجوم الجديد عدة أحياء من سيطرة تنظيم داعش.
وقال الفريق الركن عبد الأمير يار الله، قائد عمليات «قادمون يا نينوى» في بيان إن «قطعات الشرطة الاتحادية (...) و(اللواء المدرع 34) والفرقة المدرعة التاسعة، حررت حي الهرمات الأولى في الساحل الأيمن في الموصل، وترفع العلم العراقي فوق المباني». وقد أعلنت القوات العراقية السبت الماضي استعادة السيطرة على حي المشيرفة المجاور الواقع في شمال غربي الموصل.
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، يأتي فتح هذه الجبهة الجديدة بعد أن تباطأت العمليات من المحور الجنوبي لدى وصول القوات العراقية إلى المدينة القديمة، حيث الشوارع ضيقة جدا والمباني متلاصقة ولا يمكن للآليات العسكرية المرور عبرها. ومع تقدم القوات الأمنية، أصبح المتطرفون تحت ضغوط شديدة داخل معاقلهم التي يتحصنون فيها في عدد محدود من أحياء الجانب الغربي من الموصل.
وعلى خط الجبهة في شمال غربي الموصل، يغطي دخان أسود السماء مصدره الأحياء التي لا تزال تحت سيطرة تنظيم داعش وناتج، بحسب ما يقول ضابط في الشرطة الاتحادية، عن حرائق يضرمها المتشددون في إطارات سيارات وبراميل نفط. ويستخدم عناصر تنظيم داعش في آخر معاقلهم بالموصل الحرائق والسيارات المفخخة والانتحاريين والألغام وقذائف الهاون، للحد من تقدم القوات العراقية.
وقال الضابط، الذي رفض الكشف عن اسمه، لوكالة الصحافة الفرنسية: «حين يكون الطقس صافيا، يمكن لطائرات القوات العراقية وطائرات التحالف أن ترى بوضوح تحركات الإرهابيين وتمركزاتهم وأن تستهدفها بدقة، الأمر الذي يحاول (داعش) التصدي له بإحراق إطارات السيارات وبراميل النفط التي يحد دخانها الأسود من قدرة هذه الطائرات على الرؤية».
وتتقاسم القتال على هذه الجبهة عند تخوم حي الهرمات الخمسة قوات الشرطة الاتحادية والرد السريع في مواجهة تنظيم داعش.
ولا تقتصر أسباب انبعاث الدخان الأسود على إحراق الإطارات والمحروقات، فالهجمات التي ينفذها انتحاريو التنظيم المتطرف بواسطة المتفجرات والسيارات المفخخة تخلف وراءها أيضا دخانا أسود.
وفي نقطة تجمع قوات الرد السريع في أسفل تلة، شوهدت كرة لهب حمراء تنبعث فجأة من خلف التلة، يليها انفجار ضخم. وشرح معاون آمر لواء الرد السريع الأول العقيد الركن عارف الدليمي الذي كان يرافق الصحافيين: «إنها سيارة مفخخة حاول الانتحاري الذي يقودها الوصول بها إلى نقطة تجمع لقوات الرد السريع، لكن مروحية تابعة للقوات العراقية كانت تترصدها واستهدفتها بصاروخ قبل وصوله إلى هدفه بمسافة كيلومتر واحد تقريبا». ويقول الدليمي إن قواته كانت رصدت هذه السيارة قبل ساعات: «لكن سائقها دخل بها باحة منزل فيه نساء وأطفال، واحتمى بهم دروعا بشرية، فلم نتمكن من قصفها لأن ذلك كان سيؤدي إلى مقتل أبرياء، لكننا أبقيناها تحت المراقبة». ويضيف أن «(داعش) ينفذ يوميا بين 5 و 6 هجمات بواسطة انتحاريين يقودون سيارات مفخخة».
ويقول حسين، عنصر في قوات السريع في المكان، إن الجنود العراقيين يتقدمون في منطقة الهرمات، «وان شاء الله نتصدى للعدو الذي يواجهنا بالسيارات المفخخة، وإن شاء الله، التحرير قادم».
وفي السماء، كانت مروحية تطلق قنابل عدة تترك وراءها خطوطا من الدخان الأبيض. وعلى الأرض، يغمض جندي تمدد على بطنه عينه اليسرى ويدقق بعينه اليمنى في منظار بندقيته القناصة، ثم يستدير نحو 3 من رفاقه يتجمعون حول مدفع «هاون» ليقول: «إلى اليمين عشرة أمتار»، فيتولى أحدهم تعديل زاوية المدفع بينما يلقي آخر القذيفة داخل الفوهة وينحني واضعا يديه على أذنيه. ويصرخ رفيقه بعد التدقيق في منظار قناصته مجددا، بفرح: «صحيحة!». فيروح الجنود يطلقون القذيفة تلو الأخرى على الهدف.
ويشرح الجنود أن هذه الطريقة في إطلاق قذائف الهاون تسمى في القاموس العسكري «التربيع»، ويستخدمها أيضا المتطرفون الذين استهدفوا بمدافع الهاون التلة، ما يدفع القوات العراقية إلى الحذر قبل الصعود إليها. ويقول عصام مجيد، عنصر آخر في قوات الرد السريع، على وقع أصوات الانفجارات وتحليق المروحيات: «النصر قريب، أسبوع إن شاء الله ويكون النصر كاملا».
وتزداد شراسة مع اقترابها من حي «17 تموز» الذي يعد أحد أبرز حواضن «داعش» في الموصل، حيث كان أول الأحياء التي سيطر عليها التنظيم في يونيو (حزيران) 2014 وانطلق منه باتجاه مناطق وأحياء الموصل الأخرى. وبحسب مسؤولين أمنيين عراقيين، فإن هذا الحي لم يشهد منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين استقرارا وكان دائما مركزا للجماعات المسلحة، لأن غالبية ساكنيه من البعثيين وضباط الجيش العراقي السابق الذين يشرفون على عمليات التنظيم العسكرية في سوريا والعراق.
وتزامنا مع معارك الجهة الشمالية الغربية من الموصل، تصدت قطعات الشرطة الاتحادية في جنوب المدينة القديمة لهجوم شنه انتحاريون بعجلات مفخخة، وقتلت 10 مسلحين من التنظيم ودمرت عجلتين و3 دراجات مفخخة تابعة لهم.
ورغم شدة المعارك بين الجانبين، فإن موجات النزوح ما زالت مستمرة، فالأوضاع المأساوية للمدنيين المحاصرين من قبل «داعش» تدفع بهم إلى الخروج والنزوح باتجاه القوات العراقية، وقال المواطن سعد الجبوري الذي وصل مع عائلته أمس إلى مخيم حمام العليل قادما من حي الاقتصاديين، لـ«الشرق الأوسط»: «التنظيم يقتل كل من يحاول الخروج من المناطق الخاضعة لسيطرته، لكننا لم نعد نتحمل الأوضاع الصعبة التي عشناها في ظل (داعش) واستفدنا من غياب مؤقت لمسلحيه فنزحنا مع عوائل أخرى باتجاه خطوط التماس».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.