انتخابات قيادة «حماس» تعزز سيطرة العسكريين

قيادات «القسام» تهيمن على التشكيل الجديد للمكتب السياسي... ومطلوبان أميركياً بينهم

هنية بين حراسه في غزة أمس في أول ظهور بعد انتخابه (أ.ب)
هنية بين حراسه في غزة أمس في أول ظهور بعد انتخابه (أ.ب)
TT

انتخابات قيادة «حماس» تعزز سيطرة العسكريين

هنية بين حراسه في غزة أمس في أول ظهور بعد انتخابه (أ.ب)
هنية بين حراسه في غزة أمس في أول ظهور بعد انتخابه (أ.ب)

تظهر نتائج انتخابات المكتب السياسي لحركة «حماس»، صعوداً كبيراً للعسكريين في مركز صنع القرار في الحركة، بعدما حاولت لعقود طويلة الفصل بين العمل السياسي والعسكري.
وبعد تتويج إسماعيل هنية قائداً عاماً للحركة، خلفاً لخالد مشعل، في تغيير جلب دبلوماسيا محل آخر، أعلنت «حماس» أبرز أسماء أعضاء المكتب السياسي الجدد الذين يعدون إلى حد كبير، قادة أو ممثلين لذراعها العسكرية «كتائب القسام».
وقالت «حماس» إنها أنهت كلّ مراحل الانتخابات لمؤسساتها في الداخل والخارج، وقد انتخب مجلس الشورى العام للحركة إسماعيل هنية رئيساً للمكتب السياسي، فيما انتخب أعضاء المكتب السياسي، وأبرزهم موسى أبو مرزوق ويحيى السنوار وصالح العاروري وخليل الحية ومحمد نزال وماهر عبيد وعزت الرشق وفتحي حماد.
واكتفت «حماس» بهذه الأسماء وامتنعت عن نشر أسماء أخرى لأسباب أمنية أو داخلية. وتظهر الأسماء المنشورة وصول قائد «حماس» في غزة يحيى السنوار إلى المكتب السياسي، وهو أحد أبرز قادة «كتائب القسام»، وإلى جانبه العاروري الذي تتهمه إسرائيل بالوقوف خلف تنشيط «القسام» في الصفة الغربية وتنفيذ عمليات، وطلبت سابقاً من تركيا طرده، وحماد وزير داخلية «حماس» السابق المعروف بتشدده وأحد صقور «القسام»، وعبيد الذي يعد أحد قادة «القسام» في الضفة وسجنته إسرائيل وطاردته وأبعدته إلى الخارج.
وعلى الأقل فإن اثنين من بين أعضاء المكتب، هما السنوار وحماد، موضوعان على قائمة الإرهاب الأميركية. وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن روحي مشتهى، وهو قائد آخر من «القسام» مدرج على قائمة الإرهاب الأميركية، وصل كذلك إلى المكتب السياسي.
وصعود العسكريين إلى المكتب السياسي العام نتيجة طبيعية لصعودهم في مكتب قيادة غزة الذي ترأسه السنوار وضم مروان عيسي الذي يوصف بأنه «رئيس أركان القسام»، ومشتهى وحماد والقيادي البارز محمود الزهار المعروف بعلاقته بـ«القسام».
وتعني التشكيلة الجديدة إحكام «كتائب القسام» قبضتها على معظم قطاعات الحركة، خصوصاً أن القيادي العسكري محمد عرمان، أصبح قائد «حماس» في السجون، ضمن الانتخابات التي جرت في غزة والسجون والضفة والخارج.
وقال الكاتب السياسي أكرم عطا الله إن «وصول العسكريين إلى هذه المواقع، يعود إلى شعور القاعدة الجماهيرية داخل حماس بأن المستوى السياسي أخفق في تحقيق إنجازات، مقابل ما حققه العسكر من القتال ودفع الثمن وإنجاز صفقة الأسرى الأولى والحديث عن صفقة أخرى قريبة في الأفق». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لقد باتوا أكثر طغياناً على تركيبة المكتب السياسي، لكن لا أعتقد أن ذلك يمثل انقلاباً»، لافتاً إلى أن «السياسيين لم يحققوا أي إنجاز، وربما كانت هناك مقارنة دفعت باتجاه صعود نجم العسكر على حساب السياسيين».
لكن يبدو صعود «القسام» إلى قيادة «حماس» السياسية متناقضاً مع محاولة الحركة تجديد نفسها، بإعلانها وثيقة سياسية جديدة أثارت الجدل، وقبلت فيها بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 وأعلنت فك الارتباط بـ«الإخوان المسلمين». وفُسر ذلك باعتباره تحولاً كبيراً في نهج «حماس» وفكرها، وسط ترحيب بـ«براغماتية الحركة» مقابل انتقادات لنهج «التخلي عن كامل فلسطين».
وكان زعيم «حماس» السابق خالد مشعل واضحاً عندما أعلن أن وثيقة الحركة دليل على أنها «حيوية متجددة تتطور في أدائها السياسي. والوثيقة مظهر طبيعي من مظاهر تطور حماس وتجددها». ورحبت «فتح» بالتحول داخل «حماس»، لكن «الجهاد الإسلامي» انتقدته بشدة.
ومن غير المعروف ما إذا كان المكتب السياسي لـ«حماس» سيشهد صراعاً بين التيار «البراغماتي» الذي يقوده هنية والمتشدد الذي يقوده رموز «القسام». وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة ناجي شراب إن «الحركة مؤسسية، وعملياً لا يمكن التمييز في وظائف قياداتها بين المستوى السياسي والعسكري. هناك تداخل في الوظائف لدى كل منهما».
وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه يعتقد «بعدم وجود تباين في فهم الوثيقة السياسية لدى أطر الحركة، خصوصاً الجناح العسكري»، مضيفاً أن «الوثيقة صيغت بموافقة الكل وبشكل مسبق قبل الانتخابات الأخيرة». وتابع أن «القبول بدولة فلسطينية على حدود 1967 مرحلة انتقالية تأتي في إطار التوافق، لكنها لا تلغي ثوابت الحركة».
ويتفق عطا الله مع شراب بقوله: «في النهاية ما تحمله الوثيقة من قبول بدولة فلسطينية على حدود 1967 يُستدرك باستكمال تحرير فلسطين كاملة. حماس أرادت من خلال هذه النقطة توجيه رسالة إلى العالم الخارجي وأخرى داخلية للسيطرة على أي خلافات في شأن هذه النقطة، والقسام تدرك ذلك».
وتبقى أمام المكتب السياسي الجديد لـ«حماس» المهمة الأصعب خلال الفترة القادمة، وهي الترويج للوثيقة الجديدة للحركة ومحاولة بناء علاقات جديدة مع العالم وفق ما جاء فيها. وجاء أول رفض للوثيقة من إسرائيل، حيث هاجم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وثيقة الحركة، قبل أن يلقيها في سلة المهملات. وقال نتنياهو في شريط مصور، إن «وثيقة حماس الجديدة تلفيق كامل للحقيقة». واتهم الحركة بأنها تسعى إلى استخدام الدولة الفلسطينية «لتدمير إسرائيل».
لكن الرئيس السابق لجهاز «شاباك» (الأمن الداخلي) الإسرائيلي عضو الكنيست يعكوف بيري يرى شيئا آخر، إذ يعتقد بأن «وجهة حماس اليوم بعد فوز هنية ليست نحو مواجهة مع إسرائيل». وأضاف: «أتوقع انفتاح حماس وكذلك فتح قطاع غزة أمام القوى الدولية الكبرى ليكون لها شأن في القطاع من أجل الحصول على مساعدات منها». ويرى بيري أنه «في الوقت الراهن لا ينبغي اعتبار هنية مطلوباً للأمن الإسرائيلي بعد انتخابه». وطلب عدم تصفية هنية، معرباً عن أمله بأنه «سيميل أكثر نحو الاعتدال بعد توليه منصبه الجديد».
وفي أول تصريحات له منذ تسلمه المنصب الجديد، قال هنية، أمس: «بعد انتهاء الانتخابات، أتشرف بأن أتحمل المسؤولية برئاسة المكتب السياسي لهذه الحركة المجاهدة العملاقة». وأضاف خلال زيارته لخيمة تضامن مع الأسرى المضربين في غزة: «إننا اليوم ومن خلال هذه الزيارة هي رسالة لأسرانا الأبطال أن قضيتكم كانت وستظل على رأس أولويات حماس... حريتكم واجب وطني وكرامتكم من كرامة شعبنا لا نقبل أن تهان هذه الكرامة، ولا نقبل أن تستمروا خلف القضبان»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. ودعا الفلسطينيين «في الداخل والخارج إلى الاستمرار بالتضامن مع الأسرى في كل مكان حتى نكسر إرادة المحتل ويستجيب لمطالب أسرانا».



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.