«حزب الله» وإسرائيل... اختبار قواعد ينتظر الحرب

قوات دولية في جنوب لبنان (رويترز)
قوات دولية في جنوب لبنان (رويترز)
TT

«حزب الله» وإسرائيل... اختبار قواعد ينتظر الحرب

قوات دولية في جنوب لبنان (رويترز)
قوات دولية في جنوب لبنان (رويترز)

مجدداً انتقل الصراع بين «حزب الله» اللبناني وإسرائيل إلى مجلس الأمن، هذه المرة عبر شكوى وجهتها تل أبيب بعد أن نظم الحزب في 20 أبريل (نيسان) الماضي جولة لعشرات الصحافيين على الجانب اللبناني من الخط الأزرق.
الجديد عملياً في الشكوى هو اتهام الجيش اللبناني مباشرة بتسهيل انتهاكات الحزب لقرارات مجلس الأمن، وخصوصاً القرار رقم 1701، الذي أنهى حرب يوليو (تموز) في عام 2006، كما اتهام الحكومة اللبنانية بأنها «تخل بالتزاماتها الدولية، وضالعة في صبغ الشرعية على نشاطات الحزب».
في حرب عام 2006 انتهجت إسرائيل نسبياً سياسة فصل بين «حزب الله» والدولة اللبنانية. يومها لم تستهدف الجيش اللبناني، واقتصر استهدافها للبنى التحتية على تلك التي من الممكن أن يستخدمها «حزب الله» في إطار المعركة الدائرة.
لكن، منذ سنوات ثمة من يروج في الداخل الإسرائيلي لضرورة ضرب لبنان «الدولة» في أي حرب مقبلة، وصولاً إلى الحديث عن استراتيجية صادق عليها الجيش الإسرائيلي، وفق موقع «واللا» العبري، تقوم على إلغاء فكرة عزل «حزب الله» في الحرب المقبلة، واعتبار الدولة اللبنانية وجيشها و«حزب الله»، منظومة واحدة تعمل ضد إسرائيل.
في الداخل اللبناني ثمة خشية واضحة من أي حرب مقبلة. خطوة «حزب الله» جنوباً حاول تداركها رئيس الحكومة سعد الحريري عبر جولة جنوبية برفقة وزير الدفاع وقائد الجيش، مؤكداً خلالها أن لبنان ملتزم بالقرار 1701، وأن الحكومة تعبر عن سياسات هذا البلد.
في هذا الإطار، يقول العميد المتقاعد خليل الحلو في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن نظرية ضرب الدولة اللبنانية وليس «حزب الله» حصراً، صاحبها الأساسي يوسي بيلين، الذي شغل عدة مناصب وزارية، ورئيس الحكومة السابق أرئيل شارون، ومفادها أن ردع لبنان يكمن في تدمير بنيته التحتية. ويرصد الحلو «حماسة إسرائيلية واضحة لهذه النظرية، إضافة إلى مؤشرات تصب في هذه الخانة».
وفق ذلك يقول مصدر نيابي لـ«الشرق الأوسط» إن اتهام إسرائيل مباشرة للجيش اللبناني يعني أن التهديدات السابقة باستهداف لبنان كله، والدولة اللبنانية، سلكت طريقاً واضحاً وبدأت إسرائيل تروج لها في المحافل الدولية، وهو ما يعد مؤشراً خطيراً، خصوصاً أن لبنان بوضعه الراهن، وتأثيرات الحرب السورية عليه، إضافة إلى الجو الدولي والعربي، سيكون في موقف لا يحسد عليه.
وفي هذا السياق، يلفت الحلو إلى أن «الجو الدولي مساعد اليوم لإسرائيل، خصوصاً مع صعود التيارات اليمينية، إضافة إلى أن المجتمع الدولي ليس مثل عام 2006 عندما تحرك لوقف الحرب»، مشيراً إلى أن «إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لن يكون لديها حماسة لإنهاء الحرب في حال اندلعت، خصوصاً أنه في سوريا مدن كاملة تدمرت، والمجتمع الدولي لم يحرك ساكناً».

حرب باردة
الواضح اليوم أن ثمة حرباً باردة تجري على الأرض السورية بين «حزب الله» وإسرائيل، التي شنت منذ عام 2013 عددا كبيرا من الغارات التي استهدفت دمشق ومحيطها، إضافة إلى الحدود اللبنانية - السورية والحدود الجنوبية لسوريا عند الجولان، وآخرها الضربة التي استهدفت مستودعاً في محيط مطار دمشق، والتي تهدف إلى منع «حزب الله»» من الحصول على أسلحة سورية، أو تهريب أسلحة إيرانية عبر سوريا.
لكن هذه الضربات تطرح أيضاً سؤالاً جوهرياً عن آفاق أي حرب مقبلة بين إسرائيل و«حزب الله»، وهي خروج رقعة الصراع لأول مرة إلى خارج الحدود اللبنانية، خصوصاً أن «حزب الله» لن يتوانى عن استخدام الأراضي السورية في سياق حربه مع إسرائيل متى اقتضت الضرورة.

أسلحة ممنوعة
وقبل أيام كشفت صحيفة «واشنطن بوست» أن 4 أنواع من الأسلحة تخشى إسرائيل انتقالها أكثر من غيرها من سوريا إلى «حزب الله»، وهي: أنظمة الدفاع الجوي، وصواريخ باليستية، بالإضافة إلى صواريخ بر - بحر، وأخيراً الأسلحة الكيماوية.
هذه التصريحات والتسريبات الإسرائيلية يرى «الحلو» أنه مبالغ فيها وفي سياق الحرب الإعلامية والسياسية، خصوصاً أن الأسلحة الكيمائية تخزينها خطر، كما أن التعامل معها يأخذ وقتاً وممكن كشف مكانها. أما الصواريخ السورية الباليستية فهي قديمة نوعاً ما، ومعروفة للجميع ولم تعد تثير قلقاً كبيراً.
«لكن عملياً ما الأسلحة التي تثير قلق إسرائيل؟»... يقول الحلو إن الأكيد أن إسرائيل قلقة من الصاروخ الإيراني «الفاتح 110»، الذي لمح «حزب الله» مراراً إلى أنه يملكه، خصوصاً أن الخشية منه تكمن في سرعته، والنسخة المتطورة منه 8 مرات أسرع من الصوت، وبالتالي ممكن أن يطلق من الهرمل في شمال لبنان ويصل إلى تل أبيب خلال دقائق معدودة، على الرغم من أن إسرائيل لديها من الناحية النظرية منظومة الدفاع الصاروخي «مقلاع داود» وممكن أن تتصدى لهذه الصواريخ، لكن هذه الحسابات تبقى على الورقة والقلم، خصوصاً أن قدرات «حزب الله» وحتى إسرائيل في هذه النقطة لا تزال غامضة.
أما الخشية الثانية الأساسية فهي تكمن في طائرات الـ«درون» التي يملك الحزب عدداً كبيراً منها وفق ما كشف مؤخراً موقع متخصص، مشيراً إلى أن الحزب يستخدم هذه الطائرات في عملياته في سوريا؛ ما يثير مخاوف إسرائيل.
وفي هذا الإطار يقول الحلو إن التجربة الأميركية في العراق وسوريا دفعها إلى التعامل مع طائرات «درون» التي يملكها تنظيم داعش، وبالتالي طور الجيش الأميركي تقنيات تسمح للجنود بكشف هذه الطائرات ثم إسقاطها، لكن هذه التقنيات لا تزال فقط لدى الجيش الأميركي، ولا يعلم إن كان سلم منها لإسرائيل.
السلاح الثالث استخدمه «حزب الله» في عام 2006، وهو الصاروخ الصيني «سلكورم»، ضد إحدى السفن الإسرائيلية، لكن التقارير خلال السنوات الماضية كشفت أن «حزب الله» هرّب من سوريا صواريخ روسية من نوع يحنوط، وهو ما يرفع عملياً من قدرة الحزب على استهداف القطع البحرية الإسرائيلية.
في المحصلة، يرتفع سيناريو الحرب يوماً بعد يوم. وباتت الحرب هاجساً رئيسياً في الصحافة العبرية كما في الصحافة اللبنانية. والمشترك أن التوقيت هو وحده الغامض، خصوصاً أن السنوات العشرة التي تلت حرب يوليو في عام 2006 شهدت تغيرات عسكرية كبيرة، في ظل الأزمة في سوريا؛ ما يعتبر مؤشراً إلى تغيير قواعد اللعبة في المنطقة، وهو العامل الذي يثير قلق الخبراء في الشؤون العسكرية، لأنه يعني حرباً بغض النظر عن توقيتها.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».